إنّ تحليل خطبة الزهراء بحاجة إلى كتاب ضخم ؛ لأنّه ليس مجرّد خطاب سياسي محض .. بل هو خطاب ديني ، تاريخي ، قانوني ، سياسي ، اجتماعي ، ثوري .. ذات أبعاد متعدّدة ..
ولكنّ ذلك لا يمنع من أن نتقرّب إلى الخطّ العام للخطبة ، ونتعرّف على غايتها الكبرى ..
تبدأ الخطبة بحمد الله والثناء عليه .. وتعرّج على التذكير بنعمه ، ثمّ عن توحيد الله وعظمته ، وفلسفة الخِلْقة ، وبعث الرُّسُل ، وعلّة الثواب والعقاب ، ثمّ تنتقل إلى أبيها العظيم محمّد (ص) ؛ ذلك الرسول الذي شرّفه الله وفضّله على جميع المخلوقات قبل ان يخلق الخلق أجمعين ، ثمّ تعطي صورة سريعة عن الوضع الجاهلي ، والظروف التي بُعث فيها رسول الله ، ثمّ عن مقامه العظيم عند الله .. مع إشارة ذات معنى إلى خلاصة من أتعاب الدنيا ومشاكلها وأوضارها .. ثمّ تتحدّث عن ( القرآن العظيم ) ودور المسلمين ( الحاضرين في المسجد ) في المحافظة على دساتيره وقوانينه وأحكامه .
وفي نكتةٍ جميلة تنتقل إلى أهم ما جاء في القرآن الكريم من أحكام وشرائع .. مع بيان مقتضب وعميق لفلسفة الأحكام .. كالصلاة والصيام ، والحج والجهاد والقصاص …. الخ ، مع توصية الحاضرين بالالتزام بالتقوى ، وخشية الله ، والخضوع لأحكامه .
بعد ذلك تنتقل إلى صلب الموضوع ـ مع تذكير ذات معنى بشخصيّتها ، وتأكيد على وعيها لما تقول ، وفهمها العميق لدورها ، وخطابها ، وكلامها ، وتأثير هذا الخطاب على مرّ التأريخ ـ مناديةً :
( اعلموا أنّي فاطمة .. وأبي محمّد ، أقول عوداً وبدءاً ، لا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً .. ) .
وتنحدر في التعريف بدور أبيها الرسول الأعظم في إنقاذهم من الضلالة والعمى ، والجهود الجبّارة التي بذلها في هذا السبيل .. حتّى خضع الجميع للسلام ، بعد ضياع طويل في ظلمات الجاهلية الجهلاء .. مع وصف دقيق لحالهم اقتصاديّاً ومعيشيّاً وأمنيّاً حتّى جاء الرسول .. وأنقذهم من الضلال العريض بعد حروب مدمّرة ، ومؤامرات طاحنة .. كان البطل الأوّل في إخمادها ، وإبطال فتيلها ، والسيطرة عليها هو الإمام الهمام ( علي بن أبي طالب (ع) ) مع وصف دقيق لشخصيّة زوجها العظيم :
( مكدود في ذات الله ، مجتهد في أمر الله ، قريب من رسول الله ، سيّد في أولياء الله ) .