مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
أزاهيرٌ من أسماءٍ وكُنى/ خُطَى الخُزَاعي
+ = -

أزاهيرٌ من أسماءٍ وكُنى/ خُطَى الخُزَاعي

أزاهيرٌ من أسماءٍ وكُنى/ خُطَى الخُزَاعي

((قال أبو عبد الله (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله (عزَّ وجلَّ): فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء))([1]).   

على غير العادة المألوفة في خلق البشر فطرت فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) اُنموذجًا متفردًا؛ إذ شاء الله تعالى أن يحفها بالتميز في كل شؤونها وحيثياتها ولادةً، تنشئة، دورًا، وتضحيةً، ولمزاياها المتكثرة وحيثياتها المتنوعة وسمت بأسماء (ألقاب) كُثُر كشفت بنحو ما عن شيء من عظمة تلك الشخصية وتفردها، وإلّا فالاقتراب من حقيقتها الكاملة ضرب من محال؛ تقريبه كناظر باتجاه قرص شمس في ظهيرة يوم صائف، فالبصائر عاجزة عن إدراك حقيقة النور الإلهي كانحسار الأبصار عن مواجهة ضوء شمس مع فارق شاسع، والحقيقة ما زالت مصونة عن الكشف التام إلّا لقابل كامل كأبيها وبعلها وبنيها المعصومين (صلوات الله عليهم)، فعلى معرفتها دارت القرون الأُولى.

وقد بيَّن الحديث المتصدِّر الكلام أسماء الزهراء التي تحاكي بعض من حيثياتها وكمالاتها، فسننتخب منها ما يتكفل بإعطاء قدر من معرفة تحجنا ودلالة تهدينا، وأول الأزاهير (فاطمة) والبيان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان علة التسمية؛ إذ قال: ((إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد فطمها وذريتها من النار يوم القيامة))([2])، وأيضًا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنَّ الله فطمها ومحبّيها عن النار))([3])، وعنهم أيضًا: ((إنَّ ذلك لمن الأسماء؛ ولكن الاسم الذي سميت به، إنَّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتزوج في الاحياء وأنَّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة لِما اخرج منها وجعل في ولدها فقطعهم عمَّا طمعوا، فبهذا سميت فاطمة، لأنَّها فطمت طمعهم، ومعنى فطمت: قطعت))([4])، وعن الصادق (صلوات الله عليه) قال: ((قال: فطمت من الشر))([5]).

وعند اسم (لقب) الزهراء نقرأ ما سطَّره الإمام الصادق (صلوات الله عليه) بشأن التسمية فقال: ((لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا ما لهذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي، واجعلهم خلفائي في أرضى بعد انقضاء وحيى))([6])، وأيضًا عنه: لأنَّها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، بياضًا وصفرةً وحمرةً،  فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين (عليه السلام)؛ فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام ([7])، وأيضًا: ((لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض))([8])، وشأن آخر لها أنَّها كانت (محدَّثة) والقول لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ((إنما سميت فاطمة (عليها السلام) محدَّثه؛ لأنَّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنَّ مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين))([9])، ومع البتول وقفة بها يتجلَّى تفرد فقيل: لُقِّبَتْ فاطمةُ بنتُ سيّدِ المرسلِين عليهما (الصلاة والسلام وعلى ذُرِّيتها) بالبتُولِ لانقطاعِها عن نِساءِ زمانِها، وأيضًا عن نِساءِ الأُمَّةِ فَضْلاً ودِيناً وحَسَباً وعَفافاً، وهي سيِّدةُ نساءِ العالَمين وأُمُّ أولادِه (صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم)، ورضي عنها وعنهم، وقد أفرَدَ العُلماءُ في الأحادِيث الوارِدة في فَضْلِها كِتاباً مُستقِلاً… وقيل: البتُولُ مِن النِّساء: المُنْقَطِعةُ عن الدُّنيا إلى اللّهِ تَعالَى وبه لُقِّبَتْ فاطمةُ أيضاً([10])، وأمَّا رياحين الكنى، فكنيت (سلام الله عليها) بـ (أم الحسن، وأم الحسين، وأم المحسن، وأم الأئمة، وأمّ أبيها))([11])، روى ابن المغازلي بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه، قال: ((كنية فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أم أبيها)([12])، وما أعظمه من شأن منطو بهذه الكنية الشريفة العالية؛ إذ يستشف منها شدة قرب من الرسول (صلى الله عليه وآله)، وحنوًا عليه، وشبهًا به فعن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: ((فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشبه النّاس وجهاً وشبهاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)))([13]).

والختام تبقى سيدة نساء الجنة كنه أكبر من أن تحيطه الأفهام والألباب، لكنه قريب يلامس الأرواح ويهدي النفوس إلى سبيل الحق ودرب النجاة.

فسلام عليها قدر سرها المستودع فيها ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:

[1] علل الشرائع ، الشيخ الصدوق (ت: 381): 1/178.

[2] فضل آل البيت، المقريزي، (ت: 845): 98.

[3] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [عليه السلام] ، ابن المغازلي (ت: 483ه): 1/118، ح92.

[4] علل الشرائع، الشيخ الصدوق (ت: 381): 1/178.

[5] المصدر نفسه.

[6] الإمامة والتبصرة، علي ابن بابويه القمي (ت: 329): 133.

[7] ينظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111): 43/11.

[8] علل الشرائع: 1/181.

[9] دلائل الامامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (ت: ق4): 81.

[10] تاج العروس، الزبيدي (ت: 1205): 14/40.

[11] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (ت: 588): 3/132.

[12] مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام )، ابن المغازلي (ت: 483): 267.

[13] بحار الأنوار: 43/55….لم تنشر بعد