مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
الزهراء ..ضمير الامة الواعي /علي الكندي
+ = -

في جلسة من جلسات الحوار الهادئة التي اتحفنا بها الله تعالى من خلال الانترنت جمعتني مع بعض الاخوة الكتاب والمثقفين على صفحات الفيسبوك كان للزهراء عليها السلام حضور كبير فيها وكان محور الكلام هو ما هي النتائج العملية لخروج الزهراء عليها السلام للمطالبة بفدك ..؟ اي ماذا يمكننا ان نستنتج ونستفيد في مرحلتنا الراهنا تجاه ما نمر به من واقع على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي .كان لي هذا المقال الذي وجدت فيها بعضا من الفائدة العلمية والرسالية اردت ان تشاركوني واشارككم فيها ..

الزهراء بين مرجعيتين  

لقد كتب الكثيرون حول شخصية الزهراء عليها السلام في كل جوانبها ومراحل حياتها وكالعادة فلا ينال الزهراء عليها السلام  الا التكريم والتبجيل في زاوية ، والجمود والركود في زوايا اخرى يسكت عنها المحللون ويتغاضى عنها الكاتبون لصعوبة التفسير والتحليل عليهم او لان الحق عندهم يعرف بالرجال وليس العكس ، ولا اريد هنا ان اعلق على ما كتبوه او انتقد الكثير منهم لجموده ولتغاضيه عن تحليل شخصية وحياة ومواقف الزهراء عليها السلام ، انما الذي اريده هنا ان نقرأ مرحلة من مراحل حياة الزهراء عليها السلام بعيون اليوم خصوصا وان هذه المرحلة التي نريد ان نتتبع فيها منهاج وخطوات الزهراء عليها السلام مثلت مرحلة من اهم المراحل التاريخية في حياة الامة حيث لا يوجد في الامة ضمير حي متحرك استطاع ان يفلت من جدار الصمت واسيجة الخوف لينطق كلمة الحق في مجتمع تغلبت عليه العصبية والجاهلية المتلبسة بلبوس الاسلام ،حتى اختلط الامر عنده ميزان الحق بحبائل الباطل المضطرب …

فياترى ماهي نتائج مطالبة الزهراء عليها السلام بارض فدك وماهي الاهداف والغايات التي كانت تتوخاها ..؟

قبل ذلك علينا ان نقدم مقدمة تحكي لنا الموقف بشيء يرتبط بما نريد ان نصل اليه لأننا علينا ان نضع في حساباتنا ان الزهراء عليها السلام خرجت للمطالبة بأرض فدك وكان في البين جهتان مختلفتان على ارض الواقع ومرجعيتان متضاربتان ،

 الاولى هي المرجعية الحقة التي تؤمن الزهراء بشرعيتها لما تحمله من توثيق وتأييد الهي مشهود له في مناسبات عديدة في حياة المسلمين متمثلة بشخصية علي بن ابي طالب

اما المرجعية الثانية فهي المرجعية الظاهرية المرجعية التي اختارها الناس وخلعوا عليها الاسماء والصفات ولأسباب واساليب متعددة تكونت وتشكلت الخلافة والمرجعية الظاهرية وانحسر موقف المرجعية الحقيقية ولم يبق له الا القليل من الانصار ممن وقفوا معها وتحملوا من اجلها المصاعب لان الوقوف مع علي كان يكلف الكثير ، فخرجت الزهراء عليها السلام مطالبة بحق سلب من قبل الخلافة في تلك الفترة ولم تمض من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام الى القليل من الايام ، وهي تهدف الى عدة نقاط

اولا : تشخيص الجهة الشرعية التي يجب ان ترتبط بها الامة وان تتحرك للتفاعل معها

ثانيا : بيان بعض الامور الفاصلة التي تدل على خطا بل خطورة الارتباط بالمرجعية الظاهرية

ثالثا : بيان شخصية الامة  ودورها في تعيين الجهة الحقة

ولذلك فان الزهراء عليها السلام خرجت لتطالب بنحلة ، اموال خاصة بها اعطاها اياها النبي عليه السلام  على حياته ، الا ان هذه النحلة او الهدية  النبوية  صودرت من قبل الدولة ومن سميناه المرجعية الظاهرية ، فالزهراء  لا تحتاج الى ادلة لاثبات حقها او غصب ارضها  فلما خرجت للمطالبة بها وقفت امام الخلافة وامام الناس الذين تفاعلوا مع خروجها لانها خرجت للمرة الاولى بعد رحيل النبي عليه افضل الصلاة واتم السلام فكان خروجها وحديثها مع الخليفة والمرجع الظاهري انذاك بحد ذاته اثبت عدة امور   خطيرة منها

ان الزهراء لا تحتاج الى بيان وبينة لمنزلتها وموقفها الذي بينه الرسول الاكرم وبشهادة كل المسلمين حيث قال ان غضب الله من غضبها ورضاه من رضاها وان اغتصاب حقها واموالها الخاصة يعني اغضابها بل هو اتهام لها انها ابتغت شيئا ليس لها

وحينما قدمت الادلة والبراهين على احقيتها في ارضها التي صادرها الخليفة الاول ،  قام الخليفة بمحاولة رد كل الادلة علما ان ادلتها كانت مشتقة من القران والسنة ومدعمة بالشهود  الا انه رد الكتاب ودلالته والسنة ومؤداها ولم يقبل شهود الزهراء

فالزهراء ارادت ان تظهر للامة حجم الخطورة التي تتحمل وزرها الامة بترك الخلافة والمرجعية الالهية  وتوجهها الى الخيار الاجتماعي الخيار الذي يتبناه الاعلام وتتبناه الشخصيات المنتفعة من تلك الاطر والبرامج السياسية فالخطر الاول كان هو رد كل الادلة الواضحة وتاويلها عن احقيتها بارضها ومن ثم الجريمة الكبرى ان رد الادلة والبراهين والتنكر للشهود والاتيان بحديث ليس له سند الا شاهد واحد ولم نسمع بشهادته معناه اتهام مباشر وصريح للزهراء عليها السلام

ومعناه ان هناك القدرة الواضحة على مخالفة الكتاب والسنة بل ومخالفة حتى الادلة الظاهرية وجرح الشهود في سبيل الوصول الى اهداف وغايات تصب في مصلحة الخلافة وشخص الخليفة فقط وفقط

المرحلة الثانية

لما فرغت الزهراء من اثبات النتائج المتوقعة عندها الغير متوقعة من غيرها عمدت الى مخاطبة ومحاولة انهاض الحس الانساني والرسالي فيها ومخاطبتها بامثلة لها احتكاك مع صميم الجماعة الموجودة والتي اعتنقت الاسلام بلسان وبلغة بليغة جدا اتشرف ان انقل شيئا منها ، اذ ان الزهراء عليها السلام ابتدات خطبها وكلماتها بتذكير الناس بالعهود التي سبقت فجر الرسالة والظلام الحالك الذي تتخبط فيه وكانها ارادت اعادت الذاكرة الى تلك المرحلة التي سبقت الاسلام وكيف ان هذه المراحل والاصنام قد سقطت بيد النبي عليه الصلاة والسلام لان النبي هو الوحيد من كان يمتلك الدليل ومن يمتلك الاثر على المؤثر وكل من كان موجودا من الاصنام انما هو عبارة عن حجارة او خشب او تمر لا يضر ولا ينفع ولهذا فان النبي صلى الله عليه واله  نقل اليها الاحتجاجات الالهية التي تخاطب عقولهم لتقول لهم (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلا أَسمَاءً سمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ ءَابَاؤُكم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بهَا مِن سلْطن إِنِ الْحُكْمُ إِلا للَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِك الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) يوسف 40

يطرح هنا القران الكريم التفاتة مهمة ورائعة هي ان هذه الاصنام المعبودة من دون الله انما هي مصنوعات صنعها نفس من عبدها صنعها بيده وسماها بنفسه وهو من عين لها وظيفتها فقال هذه الهة الرزق وهذه الهة الشفاء وهذه الهة الحرب وفي الحقيقة لا فاعلية لها في حين ان المفروض ان الرب هو من يخلق وهو من يرزق وهو من يشفي وقدرته فوق قدرة البشر فالزهراء ارادت ان تطرح تشابها بين الموقفين ،فالخلافة الظاهرية لم تكن خلافة الهية بحتة لم تكن اختيارا سماويا فرضته السماء ، بل هي خلافة من صنع المجتمع ومن صنع الامة اتفقوا وتراضوا عليها وبالتالي صارت مقدسة فوق رؤوسهم فلو رجعنا الى اصلها فالامة من صنعتها وهي من لقبتها واعطتها هذا المنصب وهي من اسبغت عليها صفة القداسة والتأليه فسمتها الخلافة التي لا يمكن الخروج عليها  ، في حين ان هذه الامور باجمعها هي امور اعتبارية نزلت من الناس واعطيت من الناس والمفروض انها متى ما زاغت وانحرفت عن الطريق فان علاجها سيكون من الناس انفسهم لانهم مصدر سلطتها وشرعيتها ولا حاجة الى تدخل خارجي او خوف نفسي منها ،

درس نموذجي معاصر

 وهذا الدرس الذي ارادت ان تعطيه الزهراء انما هو درس نموذجي عالمي يضع بندا من بنود الحرية وما يسمى اليوم بالديمقراطية الحديثة وهو حق ابداء الراي والمطالبة بالاصلاحات بل وتغيير السلطة الظالمة الغاشمة ، طبعا هذا في ظل الحكومات التي تكتسب وجودها وشرعيتها من الناس لا من الله تعالى ، فسجلت الزهراء عليها السلام نقاطها في ذلك اليوم فاثبتت لكل من حضر ان هذه الخلافة والحكومة والمرجعية التي افترضها الناس لا تراعي شريعة الله تعالى بل لها حسابات نفسية وحسابات شخصية تهدف من ورائها الى الحفاظ على كيانها حتى لو تطلب الامر التخلي عن اهم مسؤولياتها ووظائفها تجاه المجتمع ، كما وسجلت بخروجها كامرأة نقطة على صفحة التاريخ كونها اول امرأة في التاريخ الاسلامية تتحمل المسؤولية في المطالبة بالحق وصاحب الحق واكبر الظن انها اختارت فدكا ليس لانها ارضها بالخصوص بل لان فدك له عدة مميزات معروفة ومشخصة لا يعتدي عليها الا مجانب للعقل والمنطق

فهي ارض منحها الرسول صلى الله عليه واله في حياته لابنته الزهراء

وهي امر لا دخل له بالخلافة ظاهرا

وهو امر مشهود من الجميع

فسلام على الزهراء وهي تعلم الاجيال حقيقة الخروج وادبيات الخروج والمطالبة بالحق مع الحفاظ على ثوابت الشريعة المقدسة حتى لا يقول القائل اين حرية المراة واين حقوق التعبير عن الراي في الاسلام ،

 وسلام عليها يوم ارشدت الامة الى اهم نقطة في تاريخها في تاريخها وهي ازاحة الظلمة والمفسدين والمتلاعبين والمقصرين والانتهازيين عن ساحتها فالامة كما قال نجلها الصدر الاول قدس سره اقوى من الطغاة فليتنا نتعلم من ايام الزهراء ومن مسيرتها كل الدروس والعبر ونمتلك الشجاعة لنقول لكل من قصر مهما كان منصبه او مكانه الاجتماعي والسياسي والديني انك مخطا وعليك ان تصلح والا فعليك ان تتنحى عن مكانك الذي استويت عليه .

علي الكندي