فلسفة الإسلام في منطق الزهراء(17): اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة وترك السّرقة اي
اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة وترك السّرقة ايجاباً للعفّة: مهما ارتفعت المجتمعات البشريّة إلى آفاق المثالية، فإنّها لا يمكن أن تخلو من نفرٍ لم يبلغوا درجة الإستقامة بعد، وقد يبدو داء الإعوجاج في فكرهم أو في سلوكهم أو في عواطفهم فيصبحوا على هذا الأساس عضواً مغايراً في طابعه للطّابع الاصيل في المجتمع، وقد ينعكس هذا الإعوجاج في كثير من ألوان نشاطهم في المجتمع وبأنماطٍ مختلفة وفي مجالات متباينة. والمجتمع الإسلامي -وإن كان هو المجتمع الوحيد الذي يقف تحت راية خالق الوجود سبحانه- إلا أنّه ليس بدعاً من الأمر لأنّه لا يخلو من نفرٍ لم تنضج العقيدة في نفوسهم بعد، ولم تصقل عقليّاتهم ونفسيّاتهم بالمفاهيم الإسلامية المقدّسة فيندفعوا بعد ذلك ليزاولوا نشاطاً مخالفاً لما يرسمه الإسلام الحنيف من تعليماتٍ وأحكام. ومن هذه النشاطات التي شدّد الإسلام على محاربتها قذف المحصنات والسّرقة، لأنّ هذين النّشاطين -كليهما- اعتداءٌ على الآخرين، فالأول اعتداء على عرض، والآخر اعتداءٌ على الملكيّة -خاصّة كانت أم عامّة. وقذف المحصنات هو تهمة يثيرها نفر من المغرضين حول بعض المسلمات المحصنات إحداثاً للبلبلة وإيقاعاً للفتنة. وقد منع الإسلام هذه المفسدة وشدّد على مرتكبيها وجعل اللعنة نصيبهم. وعلى هذا الأساس، فإنّ التخلُّص من غضب الله ولعنته يتحقق باجتناب القذف، وهذه الحقيقة قد أشارت لها الزّهراء(ع) في هذا المقطع القصير من خطبتها بقولها: «واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة». ولعلّ الزّهراء أرادت بذلك الإشارة إلى قول الله تعالى بهذا الشأن الذي ورد في كتابه العزيز: «إنّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمناتِ لعنوا في الدُّنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم…» (1). فباجتناب القذف ورمي المحصنات تحجب اللعنة وينجلّي سخط الله سبحانه. والسّرقة عمليّة لابتزاز أموال الغير بصورة سرّية أو بطريقة القوّة، وقد حكم الإسلام الحنيف بإبطال هذه الجريمة الإجتماعية ومحو شبحها من قاموس الحياة الإنسانية؛ وشدّد على مرتكبيها بقوله: «والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءاً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم …»(2). وحين يعلن الإسلام هذا التّشريع الصّارم بحقّ السّارق بصفته معتدياً على أموال النّاس بغير حقًّ، فإنّما أراد أن يجعل من مجتمعه مثلاً رائعاً للعفّة والطّهارة التي ينبغي أن تطبع حياة المجتمع الإسلامي المبارك. وعلى هذا الأساس الرّصين أعلنت الزهراء(ع) فلسفة منع السّرقة وعدم مزاولتها كسلوك شاذ، بكونها إيجاباً للعفّة والنبل والطّهارة والخلق الإسلامي الكريم. وهذا ما تجلّى بقولها: «وترك السّرقة إيجاباً للعفّة». ____________ (1) سورة النور، الآية: 23. (1) سورة المائدة؛ الآية: 38. المصدر: الزّهَراء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله: الشهيد عبد الزهراء عثمان محمد (الكتابُ الذي أحرز الجائزة الثانية في مُباراة التأليف عن حياة الصديقة الزهراء عليها السلام).