غصب فدك ومنع الميراث
لقد أجمعت الاُمّة الإسلامية على أنّ فدك ممّا أفاء به الله عزّ وجلّ على رسوله (صلى الله عليه وآله)، فلم تفتح عنوة ولم تؤخذ بحرب، فهي له من دون أن تدخل في غنائم المسلمين.
قال في معجم البلدان: فدك: قرية بالحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ـ وقيل: ثلاثة ـ أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) في سنة سبع صلحاً.
ثمّ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهب فدكاً إلى فاطمة كما ورد عن أبي سعيد الخدري، إذ قال: لمّا نزلت )وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (الإسراء: 26 دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) وأعطاها فدكاً [1].
ولمّا وقفت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ بعد رحلة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ ذلك الموقف المتشدّد من الخلافة وتعاطف معها عدد كبير من المسلمين، واقتنعوا بحجّتها أدرك القوم بأنّ بقاء فدك وسهم ذي القربى في يدها يدرّ على الإمام عليّ (عليه السلام) بأموال تمدّه للاستعانة بها واستمراره في موقفه المتصلّب ، فانتزعوا فدكاً من يدها واُضيفت إلى ميزانية الدولة.
روى حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لمّا بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى وكيل فاطمة في فدك وأخرجه منها.
فجاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر! لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله؟
فقال: هاتي على ذلك بشهود.
فجاءت باُمّ أيمن، فقالت: لا أشهد يا أبا بكر! حتى أحتجّ عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اُنشدك بالله ألست تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ اُمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة؟ فقال: بلى. قالت: فأشهد أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) :)وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (26/الأسراء، فجعل فدكاً لفاطمة (عليها السلام) بأمر الله.
وجاء عليّ (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك. فكتب لها كتاباً ودفعه لها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إنّ فاطمة (عليها السلام) ادّعت في فدك ، وشهدت لها اُمّ أيمن وعلي فكتبته. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة (عليها السلام) فمزّقه!!
فخرجت فاطمة تبكي … الحديث [2].
وهكذا كرّرت (عليها السلام) مطالبتها بما أفاء الله على أبيها بالمدينة وبخمس خيبر لكنّه رفض أن يعطيها شيئاً من ذلك، بل ردّ شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهادة سيدي شباب أهل الجنّة (عليهما السلام) ، فطالبته بميراث أبيها، فقال لها: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث…» فناقشته في ذلك ، ولكن دون جدوى، فمرّت عليها ظروف صعبة أثّرت في صحّتها وسلامتها.
[1] ـ بحار الأنوار 29: 111، ح4.
[2] ـ بحار الأنوار 29: 127، ح27.