مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
مدرسة الزهراء (عليها السلام)/مؤسسة السبطين
+ = -

مدرسة الزهراء (عليها السلام)


ان الدين الإسلامي يتضمن سعادة الدنيا والآخرة، كما في القرآن الحكيم: (فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا)(1) .
وفي آية أخرى: (وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)(2).
وفي رواية عن الإمام الحسن (عليه السلام) ـ وربما نسبت إلى الرسول(صلى الله عليه وآله)، ولعلها كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) ذكرها الإمام الحسن (عليه السلام) ـ (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)(3).
وفي رواية أخرى عن الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام): (ليس منا من ترك آخرته لدنياه، وليس منّا من ترك دنياه لآخرته)(4).

خدمتها (عليها السلام) في البيت
ومن هذا المنطلق كانت (عليها الصلاة والسلام) تعمل في دارها وتتحمل صعوبة العمل مساعدة لزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأحيان.
قال سلمان (رحمه الله): (كانت فاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة.
فقالت: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.
قال سلمان: أما أن أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين.
فقالت: أنا بتسكيته أرفق..
قال سلمان: فطحنت شيئاً من الشعير فإذا أنا بالاقامة فمضيت وصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما فرغت قلت لعلي (عليه السلام) ما رأيت فبكى وخرج، ثم عاد يبتسم، فسأله عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها وقدامها الرحى تدور من غير يد!.
فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا علي أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة)(5).
وورد في شأن نزول سورة الدهر: (إن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء إلى يهودي وقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمداً بثلاثة أصوع من الشعير؟
قال: نعم.
فأعطاه، فجاء (عليه السلام) بالصوف والشعير، فأخبر فاطمة (عليها السلام) بذلك، فقبلت وأطاعت، فقامت فاطمة (عليها السلام) إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص … إلى آخر الحديث)(6).
وكانت (صلوات الله عليها) تعين أباها وزوجها حتّى في بعض الشؤون الحربية، حيث ورد انه لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة أحد إلى المدينة استقبلته فاطمة (عليها السلام) ومعها إناء فيه ماء، فغسل (صلى الله عليه وآله) به وجهه، ولحقه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة (عليها السلام) وقال: خذي هذا السيف وقد صدقني اليوم، وانشأ يقول:
أفاطم هاكي السيف غير ذميم ***فلست برعديد ولا بمليم
لعمري لقد اعذرت في نصر أحمد***وطاعة رب العباد عليم
ميطي دماء القوم عنه فانه ***اسقى آل عبد الدار كأس حميم
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش، فأخذته فاطمة (عليها السلام) وغسلت الدم عن السيف.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يسليها
وفي التاريخ: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) دخل ذات يوم بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرآها متعبة مرهقة من كثرة العمل، فكانت تطحن بالرحى وعليها كساء من اجلة الابل.. فلما نظر إليها بكى وقال(صلى الله عليه وآله): (يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة) ـ
وفي بعض الروايات (لحلاوة الآخرة)(7) ـ
فأنزل الله تعالى: (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)(8).
وهذه الكلمة، درس لكلّ من يريد الآخرة حيث يلزم عليه أن يتعجّل مرارة الدنيا في الطاعة والعبادة ـ وحتى في بناء الدنيا أيضاً ـ لكي يكسب حلاوة الآخرة.
بيتها (عليها السلام) مدرسة
ثم إن بيت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كان مدرسة لتعليم نساء المؤمنين وتربيتهم بالمعارف الإسلامية، بل أحياناً حتى الرجال كما في قصة سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه).
وكانت (عليها السلام) رحبة الصدر حسنة الخلق، وقد ورد في (منية المريد) لشيخنا الشهيد(9)(رحمه الله):
ان امرأة سألت عنها (عليها السلام) مسألة فأجابت فلم تفهم السائلة، فثنت فلم تفهم الجواب ثانياً، وثلثت فلم تفهم الجواب ثالثاً، وربعت وخمست وسدست وسبعت وثمنت وتسعت وعشرت ولم تفهم (والظاهر أن المسألة كانت غامضة جداً ولهذا ما كانت تفهم الجواب، فان انساناً عادياً إذا سأل من عالم كبير مسألة إرثية فيها حسابات متعددة كمسألة الأجداد الثمانية، فان العالم وان أجاب عشر مرات قد لا يفهم ذلك الشخص جواب المسألة).
وفي المرة العاشرة لما لم تفهم الجواب سكتت وقالت: لا اشق عليك يا بنت رسول الله، فأجابت فاطمة (عليها السلام): اسألي ولي بذلك الأجر، ثم ذكرت (عليها السلام) لأجرها مثلاً، كما هو مذكور في كتاب (المنية)(10).
وربما كان المقصود أن السائلة سألت عن عدة مسائل مختلفة وأجابتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) فخجلت عن كثرة السؤال.
قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
(حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من أكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل مائة ألف دينار أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملئ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتموهم خلع العلوم في الدنيا..
فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما اخذوا عنهم من العلوم.. حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة.. وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم..
ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم.
وقالت فاطمة (عليها السلام): يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فانه مشوب بالتنغيص والكدر(11).

مباهات الله بفاطمة (عليها السلام)
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) قال:
(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً في المسجد إذ أقبل علي (عليه السلام)، والحسن(عليه السلام) عن يمينه والحسين (عليه السلام) عن شماله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبّل علياً وألزمه إلى صدره، وقبل الحسن (عليه السلام) وأجلسه إلى فخذه الأيمن، وقبّل الحسين (عليه السلام) وأجلسه إلى فخذه الأيسر، ثم جعل يقبّلهما ويرشف شفتيهما ويقول: بأبي أبوكما وبأبي أمكما.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى باهى بهما وبأبيهما وبأمهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعاً)(12).
_________________
1ـ سورة البقرة: 200-202.
2ـ سورة القصص: 77.
3ـ تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص234، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
4ـ راجع (تحف العقول): ص410 وفيه: (ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه).
5ـ الخرائج والجرائح: ص530.
6ـ كشف الغمة: ج1 ص302، والعمدة: ص347.
7ـ شواهد التنزيل: ج2 ص445 ح1110.
8ـ تأويل الآيات: ص783 سورة الضحى.
9ـ الشهيد الثاني زين الدين العاملي، من كبار فقهاء الإمامية، وكان مجاهداً في سبيل الله حتى ضاق عنه حكام لبنان وحكام الروم، فبحثوا عنه تحت كل حجر ومدر، وأخذوه في أيام الحج، فقتلوه على ساحل البحر، ثم أهدي رأسه إلى ملك الروم وترك جسده الشريف على الأرض، وكان بتلك الأرض جمع من التركمان، فرأوا في تلك الليلة أنواراً تنـزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبه. راجع كتاب (السياسة من واقع الإسلام) لآية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
10ـ راجع منية المريد: ص115.
11ـ تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص340 ـ 341 ح216.
12ـ بحار الأنوار: ج27 ص104 ح74.