ان زي المرأة المقبول عقلاً وشرعاً هو الزي الذي يكسبها احتراماً اجتماعياً، ويحفظ لها جمالها وجلالها وعفتها. واللباس الديني للمرأة هو لباس ثابت التصميم لتغطية جسد المرأة عدا الوجه والكفين. وكل ما يضاف الى ذلك التصميم الاساسي، يتعلّق بدرجة رئيسية بالشعور والذوقية. وبدرجة أخصّ بأن كل قطعة تضاف الى ذلك الزي أو تحذف منه ترتبط بالذوق العام والثقافة الاجتماعية.
1- أسلوب الحجاب الشرعي:
ولا شك ان لحجاب المرأة جذوراً دينيةً شرعيةً راسخةً، لان زي المرأة قضية اجتماعية قبل ان يكون قضية شخصية محضة. ولذلك فعندما ننظر الى زي فاطمة الزهراء (عليها السلام) فاننا نفعل ذلك من اجل فهم صورة الزي الديني للمرأة المسلمة . فهي التي تمسّكت (عليها السلام) بأصل الحجاب الشرعي في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: 30، 31] ، بالرغم من اختلاف الزي المقبول شرعاً عن الزي العربي المقبول عرفاً. وسيبقى هذا الزي الشرعي قائماً الى يوم القيامة بالرغم من التغيرات الاجتماعية التي طرأت وسوف تطرأ على المجتمعات الانسانية عبر السنين. بمعنى ان المجتمع الاسلامي صُمم من اجل ان يكيّف نفسه مع زي فاطمة الزهراء (عليها السلام) الذي يمثّل الحجاب الشرعي الصحيح.
ونستلهم من الآية الشريفة التي ذكرناها آنفاً ان غضّ البصر يشمل الرجال والنساء بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ …. * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 30، 31] ، وإن حفظ الفروج يشمل الرجال والنساء أيضاً بقوله تعالى: (… ويَحفَظوا فُرُوجَهُم… ويَحفَظنَ فروجهُنَّ…). بينما انحصرت الاحكام اللاحقة بالنساء وهي: عدم ابداء الزينة بشروط عبر قوله: (ولا يُبدينَ زينَتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها … ولا يُبدينَ زينتِهُنَّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبائهنَّ…)، والحجاب بقوله تعالى: (وليضربنَ بِخُمُرِهنَّ على جُيُوبِهنَّ). وبذلك يكون الحجاب مقروناً بغضّ البصر، وحفظ الفرج، وعدم ابداء الزينة الا بشروط . فقضية الحجاب اذن ليست منفصلة عن النية السليمة والسلوك الاخلاقي من قبل الرجال والنساء في المجتمع.
اذن، ان اهم مسألة في قضية الحجاب الشرعي هو ان المرأة ينبغي ان تتقبل نفسياً ذلك الزي. فلبس الزي الشرعي يعني تعبيرٌ عن مشاعر الطاعة والتسليم للشريعة، ويعني ايضاً تعبيرٌ عن مشاعر الحب للنظام الشرعي الذي اوجب الحجاب حفظاً لسلامة المرأة وعفتها.
ولا شك ان لبس الحجاب الشرعي يفرض على المرأة سلوكاً شرعياً متناسباً مع التكاليف الدينية في العبادات والمعاملات . فهو بالاضافة الى كونه رمزاً تعبيرياً عن العفة والنظافة الاخلاقية والاجتماعية، فانه يحفظ المرأة من صراعالرغبات غير المشروعة التي لا يقرّها الدين. ذلك ان الدين يفتح الباب للزوجين للتمتع بكافة صوره المشروعة ومنها: الزي الزوجي _ الذي يضفي على جمال النفس جمالاً اضافياً _ فانه يحق لهما ارتداؤه من اجل التكامل واشباع ما تمليه رغبتهما. وعندما تتزي المرأة بالزي الذي يجملّها امام زوجها ، فانه يخدمها _ في الواقع _ في اكتشاف ذاتها ومواطن جمالها ؛ أي ان ما يُعدُّ جميلاً ومثيراً بين الزوج والزوجة ينبغي ان لا يخرج من اسوار البيت الزوجي. لان الشارع العام ملك المجتمع، وفيه يتعين على المرأة لبس الحجاب الشرعي.
فعندما نتحدث عن المرأة في المجتمع، فاننا نتحدث عن الحجاب الشرعي، وعندما نتحدّث عن المرأة في الاسرة فاننا نتحدث عن ابقاء المشاعر الطيبة بين الزوجة وزوجها ضمن الدائرة الاسرية الضيقة. فلا يمكن شرعاً للمرأة التعبير عن عواطفها للعالم الخارجي، عبر انتهاك قانون الحجاب. وهذا المقدار كان متمثلاً في البتول (عليها السلام). فقد كان حجابها في غاية الدقة، فلم يروَ ان احداً رأى وجهها او كفّيها. ولا عجب فهي من سلالة بيت النبوة والوحي والتنـزيلوالقرآن المجيد: مع ان القاعدة جواز اظهار الوجه والكفين. ولكن اهل بيت النبوة (عليها السلام) لا يعملون الا بالمستحبات ويزيدون عليها.
اننا لو نظرنا الى الاسر الملكية الحاكمة في التأريخ، لرأينا ان نسائها يلبسن ارقى الازياء، وأفضل ما يُصمم من لباس. والاصل في ذلك انهم يريدون ان يبهروا الناس باسلوب حياتهم ونمطهم المعاشي المتميز. ولذلك فهم يبدلون ازياءهم في كل حين من الزمن. ولكن هؤلاء الملوك لا يمتثلون لواجبٍ ولا يتبعون ديناً، الا اللهم ما كان يصبّ في خدمة مصالحهم. ولذلك اشتهر في العلوم الاجتماعية: ان الملوك والامراء والملكات والاميرات حرّاس اوفياء لظاهرة تبدل الازياء.
ولكن الدين ورسالته الخالدة جعل من فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدوة في ارتداء لباس التواضع، لباس العفة، لباس الفقراء وهي اغنى امرأة في الكون. فأبوها (ص) لو أراد تملّك الارض لفعل. ولكنه الزهد والتقوى والتعفف عن حب الدنيا ومتعلقاتها. ولذلك كان ثوبها (عليها السلام) من ابسط ثياب الناس وأقلّها كلفةً.
ان بساطة لباس المرأة المسلمة التي تأخذ من فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدوة لها، يقلل من حجم الاستهلاك الاجتماعي للموارد الطبيعية. وهو بالتأكيد يفرز قضيتين:
الاولى: استمرارية الحجاب الشرعي باعتباره تكليفاً دينياً على المرأة، بالرغم من التغيّر الاجتماعي الذي يصيب المجتمعات.
الثانية: انه لا تزاحم بين اناقة المرأة في بيتها وامام زوجها، وبين الحجاب الشرعي عندما تخرج المرأة الى الساحة الاجتماعية. ولذلك فان فاطمة الزهراء (عليها السلام) عندما خرجت الى المسجد بعد وفاة أبيها (ص) بحضور الخليفة الاول اهتزّ لها المجلس وهي محجبة بحجاب الاسلام من أعلى رأسها الى أخمص قدميها.
2- وظائف الحجاب الشرعي:
ولا شك ان الدور الاساسي للحجاب الشرعي هو حفظ المرأة من تيار العادات القبلية الجاهلية وصيانتها من التحلل الاخلاقي. وهو بذلك يقدّم ثلاث وظائف:
الاولى: ان الحجاب الشرعي يعرض تجانساً نفسياً واجتماعياً بين النساء المسلمات في المجتمع. فالحجاب الشرعي يعكس التماسك الاخلاقي للتجمع النسوي داخل المجتمع الاسلامي. ولو اتبعت كل امرأة لباساً خاصاً بها بما تهوى نفسها لاضطربت الحياة الاخلاقية للمسلمين.
الثانية: ان الحجاب الشرعي يقدم مسيرة مستمرة للباس النسوي الاجتماعي. وصلة الحجاب بالماضي والمستقبل يذكرنا دائماً بحيوية الاسلام في الماضي والحاضر، ويعطينا الامل بان اجيالنا سوف تسترشد بهدي الاسلام وتتبع خطواته. والحجاب _ باعتباره واجباً شرعياً على النساء _ يعدُّ من الثوابت التي لا تقبل التغيير. وبذلك يكون التغيير الاجتماعي خاضعاً لمتطلبات الحجاب الشرعي للمرأة لا العكس. وبكلمة، فان حجاب المرأة المسلمة هو زي اليوم كما كان زي الامس، وكما سيصبح زي الغد باذنه تعالى.
الثالثة: كما ان الحجاب الشرعي يمنع الرغبات الغريزية غير المشروعة في الشارع الاجتماعي، فان زي التجمل الذي ترتديه المرأة امام زوجها يبقى اصل الذوق والاناقة والحركة بين الرجل والمرأة داخل الاسرة.
ان زي فاطمة الزهراء (عليها السلام) كان يتضمن شكلاً الزامياً للحجاب الديني، وكان يتضمن ايضاً ذوقاً شرعياً للزي النسوي. فالذوق الاسلامي العام في العفة والاخلاق والامانة والاخلاص والتقوى ينسجم مع مفردات ذلك الحجاب.