مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
أسباب التقصير في إظهار الحقائق المرتبطة بشخصية الزهراء ودورها/ موقع ممهدات
+ = -
أسباب التقصير في إظهار الحقائق المرتبطة بشخصية الزهراء ودورها
لقد مدح القرآن الكريم أناسا خلدهم بآيات تُتلى آناء الليل و أطراف النهار إكبارا لمواقفهم وتفانيهم في سبيل الحق. وممن خصهم الله تعالى بالذكر الجلي، وأشاد بمواقفهم وفضائلهم أهل بيت النبي(ص)، وقد روى المؤرخون و المفسرون آيات كثيرة في مدحهم كما خصهم بالثناء في سور شتى تقريرا لسلامة خطهم، وإعترافا بحسن سمتهم ودعوة للاقتداء بهم.
لقد كان التوجه العام عند المؤرخين والمحدثين والمفسرين الكبار من السنة والشيعة، بالنسبة لأهل بيت النبي(ص)، وخصوصا بضعته الطاهرة دائما ينم عن المحبة الصادقة والمودة الأصيلة.
ولكننا مع ذلك نشهد تقصيراً كبيراً فيما يتعلق بتبيين كثيراً من الحقائق المرتبطة بدور الزهراء(ع)، وسيرتها العملية وقد تعددت الأسباب(1) وقد يكون منها ما يلي:
إن من أهم المسائل المؤثرة في تفسير النص القرآني، والنصوص الدينية هي المرحلة التاريخية، والجو العام من الظروف السياسية، وتوفر أجواء الانفتاح، وتقبل ذكر ما يخالف العموم. فأجواء الحرية والانفتاح تسمح للمفسر أن يعبر عن آرائه بصورة واضحة، في حين أن أجواء الكبت والضغوطات المختلفة تجعله يعرض عن كثير من الحقائق التي يتوصل إليها.
1- وبصفة كلية فإن الأجواء العامة كانت بحيث أن أي تأييد أو موافقة لأهل البيت(ع)، أو حتى مجرد ذكرهم كان يعتبر رفضا، ولا بد للمفسر من تبرئة نفسه من ذلك. ولم يكن التعتيم من قبل المبغضين بل حتى ممن يميل إلى الحقيقة، وممن يريد أن يتغلب على عقدة الخوف والاتهام بالرفض, فصار يذكر بعض الأمور بصورة مبهمة أو يمر عليها بدون أداء حقها.
وقد يتغلب المفسر على الضغوطات الخارجية والنفسية فيذكر في لحظة حقيقة ما كان ممنوعا ذكره, فيكون عليه أن يلجأ إلى تدارك ما قاله بتبرير موقفه، وتبيين خط فكره قبل أن يتهم بالخروج عن الجماعة(2).
وقد يضطر لدفع “الشبهة” عن نفسه إلى إقحام ما ليس محله(3). أو حتى قد يضطر إلى التحامل على الشيعة(4)، لتبرئة ساحته من تهمة الرفض, ومع ذلك لا يسلم من الرفض(5).
وقد يكون المفسر مقيدا في ذكر الحقائق التفسيرية التي تم التوصل إليها بالاسترشاد من النصوص الدينية والتحليل المنطقي, لذا يذكرها في التاريخ كسرد للوقائع التي حصلت– كما في موقف الطبري في حديث يوم الإنذار الذي يذكره مبهما في تفسيره في حين يذكره موضحاً في تاريخه(6),ومع ذلك لا يسلم من الاتهام بالرفض(7).
2- لأن مواقفها لم تكن شخصية فرضاها وغضبها لم يكونا شخصيين بل تبعا لما تملي عليها العقيدة والمسئولية. فالرسول صلى الله عليه و آله و سلم يقول مخاطبا فاطمة عليها السلام: “إن الله ليغضب لغضبك و يرضى لرضاك”(8). […] فلم يكن التعامل معها أبداً من قبل الموالين أو المخالفين على أساس أنها إمرأة ضعيفة، بل على أساس ما تمثله من موقف عظيمة في الموقف والعقيدة.
3- وجاء التعتيم ليس من قبل المخالفين، بل حتى من قبل الموالين لها، خوفاً من الانتقام السياسي الذي لا يرقب إلاّ ولا ذمة، والذي نال من الكثيرين في مدرسة أهل البيت، وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب ولم يستثن حتى بيت فاطمة وجنينها وشخصها.
4- وقد يكون التعتيم لانخفاض المستوى الثقافي، ولعدم تحمل المجتمع، والذي كان ولا يزال يعاني من الترسبات الجاهلية فلا يمكنه قبول وصول امرأة إلى هذا المقام من الدرجات الإيمانية، والفهم، والوعي، والمشاركة السياسية.
هذا الذي تسبب في إنكار ما ورد بشأنها، أوالتقليل من شأنه فطبيعة المجتمع الجاهلي “الذكوري” لا يدع مجالاً لبروز امرأة.وقد ظهر ذلك جلياً في البحوث المتعلقة بذكر خصائص الزهراء لكونها سيدة نساء العالمين، والكوثر وحتى في نسبة ذريتها إلى الرسول(ص) مما كان يستدعي من أهل البيت(ع)، والفئة المؤمنة الاحتجاج والاستدلال لإثبات الواضحات(9).
5- وشمل عدم التحمل هذا حتى الموالين الذين كانت عندهم درجات أقل من التحمل فقد ورد أن الأئمة(ع) كانوا لا يذكرون كل الحقائق لكل الأفراد، فهناك تفاوت بين الأفراد في تحمل الأسرار والعلوم الإلهية(10) ولذلك ورد في الحديث بعد ذكر منقبة عظيمة لفاطمة “أن أكنوا عن اسم فاطمة”(11).
6- وطبيعة عمل المرأة المؤمنة والتي لا تعاني من عقدة حب الظهور وعرض النفس (فالتبرج ليس فقط في الزينة بل كل ظهور للفت الأنظار)، قد يكون عاملا آخر في بقاء مقام السيدة الزهراء خفياً وقد يكون هذا سبباً في تأويل فاطمة(ع) بليلة القدر(12) العظيمة ولكن الخفية في نفس الوقت.
7- بالإضافة إلى أن أغلب الأدوار المنوطة بالمرأة هي أدوار “جذرية”، فهي تؤدي دور الجذر في الشجرة فلا يكون لها الظهور ولكن يكون عليها الاعتماد والارتكاز.
8- وفاطمة(ع) كانت متقدمة على زمانها فلذا كان يندر الحصول على من يستطيع إدراكها، وفهمها وبالتالي الكلام عنها. وخصوصا مع الأخذ بعين الاعتبار المستوى الثقافي المتدني لأغلبية النساء، وحتى الرجال في ذلك الوقت بالإضافة إلى ما كان يشوب ذلك من عقد، وعداوات وحسد وجدت البيئة المناسبة للنمو.
وأخيرا عمرها القصير قد يكون سببا في شح ما وصل إلينا عنها.
الهوامش:
1- فهناك أسباب سياسية وأخرى مذهبية وكلامية و ربما عاطفية, كانت عن قصور في النظر لا عن سوء نية. محمد هادي معرفت, التفسير والمفسرون,ج2,ص557.
2- انظر كلام الآلوسي في فصل المودة في القربى.
3- فالفخر الرازي عندما يصل إلى إثبات المقصودين بالقربى يدخل مسألة الصحابة النجوم وهي هناك مسألة لا محل لها من الإعراب, راجع كلام الفخرالرازي في فصل المودة في القربى.
4- وأما ما نجده أحيانا في تحامله على الشيعة وربما لعنهم بعنوان “الروافض” فلعله من عمل النساخ, إذ لا يليق بقلم كاتب أديب وعلامة أديب أن يهدر في سفه الهذر. من يَعنَ بالحمد لا ينطق بما سفه ولم يحد عن سبيل العلم والأدب.محمد هادي معرفت, التفسير و المفسرون, ج2, ص877.
5- فيقول ابن حجر العسقلاني عن ابن خليل السكوني في كتابه “الرد على الكشاف” أنه أسند عن ابن الطباخ: أن الفخر كان شيعيا يقدم محبة أهل البيت كمحبة الشيعة حتى قال في بعض تصانيفه “و كان علي عليه السلام شجاعا بخلاف غيره”.لسان الميزان, ج4, ص 429
6- ونجده يذكر في التاريخ ما لا يقدر على ذكره في التفسير كما في حديث يوم الإنذار الذي أبهم عنه في التفسير ولكنه أفصح عنه في التاريخ. فلعله من اتقاء غوغاء العامة. محمد هادي معرفت, التفسیر و المفسرون, ج2, ص750.
7- يقول عنه أبو عبد الله الذهبي: ( الإمام الجليل المفسر, ثقة صادق فيه تشيع و موالاة لا تضر…)الذهبي, ميزان الإعتدال, ج 3, ص 498 – 499.
8- مستدرك الصحيحين, ج 3, ص 153.
9- كما أنّ آية المباهلة تفيد بأنّ أبناء البنت يعتبرون أبناء أبيها أيضاً، بخلاف ما كان سائداً في الجاهلية في إعتبار أبناء الابن فقط هم أبناء الجد، إذ كانوا يقولون:
                                        بنونا بنو أبنائنا وبناتنا      بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد
هذا اللون من التفكير كان من بقايا التقاليد الجاهلية الخاطئة التي لم تكن ترى المرأة عضواً من أعضاء المجتمع، بل كانت تنظر إليها على أنّها وعاء لنموّ الأبناء فقط، وترى أنّ النسب يلحق بالآباء لا غير. يقول شاعرهم: وإنّما أُمّهات الناس أوعية مستودعات وللأنساب آباء.
غير أنّ الإسلام قضى على هذا اللون من التفكير، وساوى بين أبناء الابن وأبناء البنت. نقرأ في الآية 84 و 85 من سورة الأنعام بشأن أبناء إبراهيم :« ومن ذرّيته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين • وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين».فالمسيح عيسى ابن مريم عد هنا من أبناء إبراهيم مع انه كان ابنا من جهة البنت. الأمثل في تفسير القران-ذيل أية المباهلة.
10- وعن عبد الله بن سنان عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الله أمرني في كتابه بأمر، فأحب أن أعلمه. قال: وما ذاك. قلت: قول الله تعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم. قال عليه السلام: ليقضوا تفثهم لقاء الأمام، وليوفوا نذورهم تلك المناسك. قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك قول الله تعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم. قال: أخذ الشارب، وقص الأظفار، وما أشبه ذلك. قال: قلت جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له ليقضوا تفثهم لقاء الأمام، وليوفوا نذورهم تلك المناسك. فقال: صدق، وصدقت. إن للقرآن ظاهرا وباطنا/ ومن يحتمل ما يحتمل ذريح. الفيض الكاشاني, تفسير الصافي ج3 ص376.
11- عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله جعلت فداك يستكره المؤمن على خروج نفسه؟ اقل: فقال: لا والله. قال: قلت و كيف ذلك؟ قال: إن المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله صلى الله عليه و آله و أهل بيته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين (و جميع الأئمة عليهم الصلاة و السلام ولكن أكنوا عن اسم فاطمة) و يحضره جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل عليهم السلام قال: فيتول أمير المؤمنين يا رسول الله أنه كان ممن يحبنا و يتولانا فأحبه…محمد باقر المجلسي , بحار الأنوار, ج 6, ص 162, ح 31.
12- عن الإمام الصادق عليه السلام قال:”«إنا أنزلناه في ليلة القدر», ليلة القدر فاطمة, ليلة القدر فاطمة, فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر, وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها” بحار الأنوار 43/65.
المصدر: خيامي، زيبا: مودة  فاطمة الزهراء (ع)،