مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
الزهراء.. النموذج الأمثل للمرأة المسلمة/إعداد: عمار كاظم
+ = -

كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الإنسانة التي ارتفعت بروحانيتها إلى الله تعالى، فعاشت معه في ابتهالاتها ودعواتها وصلواتها، وتحدّثت إليه في كلّ آلامها وأحزانها وحاجاتها في الحياة. إنّها الإنسانة التي امتلأت علماً، وهي التي نهلت فكر الإسلام وثقافة القرآن، من الينبوع الصافي الطاهر للإسلام؛ من عقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلبه وفكره وتجربته. وكيف لا يكون ذلك، وهي التي عاشت معه وتربّت على يديه، حيث كان الوحي ينزل عليه وهي في بيته، كما أنّها تعلّمت وعليّ (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعاشا كلّ معانيه الروحية والفكرية.
العلاقة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ابنته الزهراء (عليها السلام) كانت علاقة من أعمق العلاقات، فكانت هناك حياة أشبه بالحياة الاندماجية؛ كان عقلها من عقله، وكانت روحها من روحه، وكان قلبها من قلبه، وكان يرى فيها كلّ المعاني الروحية في رسالته.
لقد حملت الزهراء (عليها السلام) كلّ أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت الرؤوفة العطوفة والرحيمة بالآخرين، وكانت الصابرة على كلّ تعقيدات الحياة ومشاكلها الخاصّة والعامّة. وكانت (عليها السلام) الابنة كأفضل ما تكون البنات لآبائهن، والزوجة كأفضل ما تكون الزوجات لأزواجهن، والأُم كأفضل ما تكون الأُمّهات لأبنائهن، والمسلمة كأفضل ما تكون المسلمات لمجتمعهن، كما أنّها لم تدع فرصة إلا واستفادت منها، فكانت المعلّمة لنساء عصرها، والمحدّثة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث رُوي عنها – من الرجال والنساء – أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكانت (عليها السلام) الصادعة بالحقّ، فوقفت أوّل امرأة مسلمة بين الرجال، لتخطب خطبة فيها الكثير من علم الإسلام وفقهه واحتجاجاته.
أمّا بالنسبة إلى عبادتها (عليها السلام)، فقد ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): «رأيت أُمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسمّيهم وتكثر لهم من الدُّعاء ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُماه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثمّ الدار».
كانت السيدة الزهراء (علیها السلام) تعيش النشاط الرسالي، وكانت تعلّم نساء المهاجرين والأنصار، وكانت المجاهدة التي تقف وتخطب في المسلمين دفاعاً عن الحقّ. وورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية أنّها: «سيدة نساء أهل الجنّة»، وفي رواية أنّها «سيدة نساء العالمين»، وفي رواية ثالثة أنّها «سيدة نساء المؤمنين».
أراد لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نعظّم الزهراء (عليها السلام).. كرمز للمرأة المسلمة، ونرفع من شأن المرأة في كلّ منطلقاتها – أن ننمي طاقات المرأة، فقد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على تنمية طاقات الزهراء (عليها السلام)، وعمل عليّ على تنمية طاقات زينب (عليها السلام)، وهذا ما يوجب علينا جميعاً – رجالاً ونساءً – أن نعمل في سبيل أن يتكامل الرجل مع المرأة علماً، ليكون للمرأة طاقة العلم كما للرجل، وحركةً في المواقع التي يرضاها الله، ليكون للمرأة التحرّك إلى جانب تحرّك الرجل. كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) النموذج الأكمل للمرأة المسلمة، وتلميذة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورفيقة عليّ (عليه السلام)، فملأت المدينة ـ في زمن رسول الله وبعده أيضاً – علماً وروحاً وأخلاقاً وتوجيهاً.

عظمة السيدة زينب في صلابة الموقف

زينب عليها السلام هي أوّل سيِّدة في دنيا الإسلام، صنعت التاريخ، وأقامت صروح الحقّ والعدل، وسجّلت في مواقفها المشرّفة شرفاً للإسلام وعزّاً للمسلمين على امتداد التاريخ. لقد تجسّدت فيها عليها السلام جميع الصفات الكريمة والنزعات الشريفة، فكانت أروع مثلٍ للشرف والعفاف والكرامة ولكلّ ما تعتز به المرأة وتسمو به في دنيا الإسلام. من خلال السيِّدة زينب عليها السلام، نستطيع أن نعرف دور المرأة المسلمة في ساحة الصراع التي امتزج فيها جانب المأساة إلى جانب الجهاد، وامتدّ الجهاد بعد كربلاء من خلالها، فاستطاعت أن تتحدّث مع الذين صنعوا مأساة كربلاء بما لم تأتِ الفرصة بنظيرٍ له..
هذه هي زينب عليها السلام في كبريائها الإسلامي، وهذه هي زينب عليها السلام في عظمتها الروحية الإيمانية، وهذه هي زينب عليها السلام في ثقافتها القرآنية، وهذه هي زينب عليها السلام في بلاغتها الأدبية، وهذه هي زينب عليها السلام في مواقفها البطولية. لقد ورثت من جدّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبيها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام جميع ما امتازا به من المُثل الكريمة، والذي كان من أبرزها الإيمان العميق بالله سبحانه وتعالى. وكان من عظيم إيمانها وإنابتها إلى الله تعالى كلماتها الخالدة: «الّلهمّ تقبّل هذا القربان، وأثبه على عمله».
نهضت زينب عليها السلام بدورها التاريخي، فقد استنهضت الهمم وأيقظت العزائم، فانتفضت الأُمّة تطالب بكرامتها وتستعيد عزتها، وبذلك تواصلت حركة التاريخ الإسلامي التي أوشكت أن تقف وتنتكس، وقدّمت عطاءها على مرّ الزمن، ولا يزال هذا العطاء متواصلاً إلى يومنا هذا يؤتي أكله كلّ حين. غير أنّ المسيرة يعتريها دائماً وبشكل طبيعي الضعف بسبب العوامل المضادة، بل قد يعتريها الركود والخمود، لذلك فإنّها بحاجة دائماً إلى نهج زينب وصوت زينب ليدفع بالمسيرة إلى أهدافها المنشودة.
ففي ذكرى ولادتها الشريفة، علينا أن نفهم السيِّدة زينب عليها السلام في فكرها، وفي ثقافتها، وفي حركتها، وأن ندرس خُطبها وكلماتها، فلعلّنا نرتوي ونغدق من علمها ومواقفها المشرّفة، في دفاعها عن الحقّ مع الحسين عليه السلام. إنّها عليها السلام، بمواقفها البطولية وكفاحها المشرّف ضد الظلم والطغيان، يجب أن تكون قدوة لمقارعة الظلم، ونشر العدل في الأرض. لقد تجرّعت المصائب التي تذوب من هولها الجبال، كلُّ ذلك من أجل الإسلام والحفاظ على مبادئه وقيمه.
إنّ أي رزية من رزايا سيِّدة النساء زينب عليها السلام لو اُبتلي بها أي إنسان مهما تذرع بالصبر وقوّة النفس لأوهنت قواه، واستسلم للضعف النفس، وما تمكن على مقارعة الأحداث، ولكنّها صمدت أمام ذلك البلاء الكبير، وقاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله تعالى، وصابرة على بلائه، فكانت من أبرز المعنيين، بقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: 155-157). وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).

https://www.alqabas.com/article/493092 :إقرأ المزيد