عديدة هي المزايا والصفات والملكات الفريدة التي توجت السيدة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) سيدةً لنساء العالمين من الأولين والآخرين، لذا كانت محبة الناس لها نتيجة طبيعية بحكم نواميس الفطرة وقوانين العقل ووجدانيات الضمير الإنساني والاجتماعي، إلاّ لمن قد غَيّب عقله وطمر عاطفته وإحساسه بالعدل والحياة والحق والجمال، فخسر نفسه بعد أن خسر إنسانيته ودينه عبر فشله في إدراك إشراقات القيم الفاطمية التي تثير في بصيرة الإنسان معرفة الرمز، وتحفز في فؤاده قوى الحب والمودة لتهوي بقلبه إلى أوعية الفيوضات الإلهية والنسائم الربانية المتجسدة بالأنبياء والأوصياء، ومنهم الزهراء (عليها السلام) كذات، ومعنى، وامرأة رسالة، وإنسان.
إنَّ من ضروريات التأسي والاقتداء معرفة الرمز، والقدرة على استيعاب حركته في القول والعمل وما بينهما، من خلال التأمل في أبعاد تلك الحركة، وعدم الجمود أمام هالة نص القدوة كحروف، وزمن ومكان مولده.. وأول ذلك قراءة الرمز كإنسان يحمل رسالة سماوية ينبغي العمل بكل بنودها لا ببعضٍ منها، في إطار محوري الاقتداء (الناهج والمنهج)، وعليه يلزم الإلفات إلى أن مولاتنا الزهراء (صلوات الله عليها) لم تكن تلك السيدة البكّاءة، النحيلة، المريضة، الحزينة، المنزوية عند قبر أبيها فقط، وكأنها لمن لا يعرفها تبدو بعيدة عما يجري في الحياة، وعن وقائع الأمة وما تشهده من تحديات وانحرافات قوى النفوذ والتأثير، وإنْ كان مرض الزهراء (عليها السلام) وضعفها -إثر جهادها-، وبكائها.. استنهاضاً لعقول الناس التي تخمرت بسموم مخادعات المتلاعبين بالدين، واستصراخاً لقوى الشعب، من النساء والرجال، لإصلاح أنفسهم عبر اصلاح دينهم ودنياهم.. كما أن انزواء الزهراء (عليها السلام) بعيدة عن تفاصيل الأمة، لم يكن تململاً أو يأساً من نجاحها في إقامة الدين، إنما كان ذلك رأياً سياسياً وحكماً شرعياً، ينبّه عامة الناس ومستضعفيها ومخدوعيها إلى خطر الأجواء الحاكمة آنذاك، وبالتالي هي دعوة إلى رفضها وتحجيم مساحة تأثيرها.
لقد كانت مولاتنا الزهراء (صلوات الله عليها)، مع كل تلك الظروف المريرة، منبعاً للحياة وصانعةً لها، فكانت بهجةً لأبيها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، تثير فرحة كبرى في قلبه، وبلسماً شافياً لجراحات ومعاناة زوجها، ترتسم بسمة في عيون الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليها)، فتزيل أحزانه وأتعابه ومعاناته، وهي المؤنس لسيديّ شباب أهل الجنة الحسن والحسين (صلوات الله عليهما)، فابتسامتهما كانت انعكاساً لنظرة من نظرات أمهما أو استجابةً لبسمة من بسماتها.
إنَّ مولاتنا وسيدتنا السيدة فاطمة الزهراء، سيدة علم وفقه، وسياسة وأمة، ودين ودنيا، وحياة وآخرة، وتربية وأسرة، ودمعة وابتسامة، وبنت وزوجة، وأم ورسالة، وثورة وحلم كبير.
إنَّ الانتماء إلى مدرسة الزهراء (سلام الله عليها) لا يتحقق بأمنيات محبتها فقط، وهي بأعلى مناطق الحب والمعنى، وإنما من خلال (كُلِّها) الجامع لبنود تلك الرسالة الخاتمة التي ما تُرك منها حرف إلاّ وأحوجنا الله إليه، وعشنا أزمة في حياتنا وانقطع حبل من الحبال التي تشدنا جذباً إلى ديننا..
وما نعيشه اليوم من حياة مليئة بالأزمات ومتخمة بالمشاكل – التي استعصى حل جزء كبير منها علينا – إلا مصداق لذلك الترك الذي اخترناه، وذلك البعد الذي نعيش تيهه، ولا نريد أن نصدقه، فهل من مولدٍ جديد لنا.. في ذكرى مولد الرمز.. سيدة الورع والتقى، والنبل والإباء، واللطف والرحمة، والحكمة والفضيلة، الطيبة الطاهرة، المعصومة المرضية.. مولاتنا وسيدتنا وفخرنا (فاطمة الزهراء) صلوات الله عليها؟!