مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
إسقاط جنين الزهراء عليها‌ السلام/السيّد علي الحسيني الميلاني
+ = -

إسقاط جنين الزهراء عليها‌ السلام

وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً ، يعرف ذلك كلّ من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم.

لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي عليه السلام من الذكور ثلاثة أولاد : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن ، وكان رسول الله صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم قد سمّىٰ هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون : شَبَر شُبير ومشبّر ، وهذا موجود في : مسند أحمد (۱) ، وموجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم (۲) ، والذهبي أيضاً صحّحه (۳) ، وموجود في مصادر أُخرى.

فيبقىٰ السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الإسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الإسم … فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون ، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرىٰ في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحمّلوا ما تحمّلوا.

أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة ٣٥٢ ه‍ـ.

قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي [ أصبح شيعيّاً !! ] محدِّث الكوفة ، حدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيىٰ بن إبراهيم المزكِّي ، وأبو الحسن ابن الحمّامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون. كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة ، إلّا أنّه يترفّض [ لماذا يترفّض ؟ ] قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة » (٤).

لا يقول أكثر من هذا : ألّف في الحطّ علىٰ بعض الصحابة ، فهو إذنْ يترفّض.

ولو راجعتم كتابه الآخر ميزان الإعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي (٥) فيقول : قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرّخ موته ـ كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن (٦).

كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو ـ إذن ـ خارج عن الاستقامة !!

أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين ـ هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه (۷) ـ هذا الشخص عندما دنا أجله ، أرسل إلىٰ أحد أصحابه ، وحدّثه عن رسول الله بمتعة الحجّ ـ التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها ـ ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به ، وإنْ مات فليحدّث (۸).

نعم ، كان هذا الرجل مستقيم الأمر عامّة دهره ، لا ينقل مثل هذه القضايا ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره !! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ جعل يُقرأ له المثالب ومنها هذا : « دخلت عليه ورجل يقرأ » فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً ، اتّفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر ، وذلك في أواخر حياته ، حتّى إذا مات ، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره.

ورجل آخر هو : النظّام ، إبراهيم بن سيّار النظّام المعتزلي المتوفىٰ سنة ٢٣١ ه‍ـ.

هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلاميّة ، تذكر في الكتب ، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذّة ، إلّا أنّه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنّه كان يقول : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.

وممّن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصّفدي في الوافي بالوفيات (۹) ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين.

وممّن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة ، الكتاب محرّف.

ابن شهرآشوب المتوفىٰ سنة ٥٨٨ هـ ينقل عن كتاب المعارف قوله : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي (۱۰).

أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق !! فلفظه : أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير (۱۱).

وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول : مات طفلاً (۱۲).

لكن البعض الآخر منهم ـ وهو الحافظ محمّد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخّرين ، وله كتب منها نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار ، يقول بأنّه مات صغيراً (۱۳).

وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه ـ حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها ـ قال شيخه : لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبّار لأنّه روّع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لابدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك.

هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد.

فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة روّعت فألقت محسناً ؟ فقال : لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه (۱٤).

نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرّفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون.

الهوامش

۱. مسند أحمد ١ / ١١٨.

۲. المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٥.

۳. المستدرك على الصحيحين. ذيله.

٤. سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٦.

٥. سير أعلام النبلاء ١٤ / ٣٠٩.

٦. ميزان الاعتدال ١ / ١٣٩.

۷. الإصابة في معرفة الصحابة ٣ / ٢٦.

۸. نصّ الخبر : عن مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه ، فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أنْ ينفعك بها بعدي ، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت ، إنّه قد سُلّم علي ، واعلم أنّ نبي الله صلّى‌ الله‌ عليه‌ وسلّم قد جمع بين حج وعمرة ، ثمّ لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبي الله ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء. راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين ، وهو في المسند ٤ / ٤٣٤.

۹. الملل والنحل ١ / ٥٩ ، الوافي بالوفيات ٦ / ١٧.

۱۰. مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٥٨.

۱۱. المعارف : ٢١١.

۱۲. تذكرة خواص الأمّة : ٥٤.

۱۳. نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ٧٤.

۱٤. شرح نهج البلاغة ١٤ / ١٩٢.