مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
خطاب المرحلة….السيدة الزهراء عليها السلام يغضب الله لغضبها 2009
+ = -

السيدة الزهراء عليها السلام يغضب الله لغضبها 2009
الحمد لله وحده، والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً، وأفضل الصلاة والسلام وأتمهما وأحسنهما وأزكاهما وأنماهما وأطيبهما وأطهرهما على سادة الخلق أجمعين: أبي القاسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين أجمعين.
السلام عليكم أيها الحشد المبارك ورحمة الله وبركاته.
لقد وصف الأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأعظم الأوصاف وأنزلوها أعظم المنازل ورتّبوا عليها أعظم البركات والآثار، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتُعمر الأرض ويُنتصف من الأعداء ويستقيم الأمر)([2]).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خَلْقان من خَلْقِ الله، فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله)([3]).
وفي مقابل هذه الآثار المباركة على الأمة التي تقوم بالفريضة، فإن عواقب وخيمة تنزل بها إن تقاعست وتخاذلت، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء)([4]).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر أو ليُستَعملَنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)([5]).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ما قُدِّست أمة لم يؤخذ لضعيفها من قويّها غير مُتَعتَع)([6]).
وخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك، وأنهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأْمُـرُوا بالمعروف وانهَوا عن المنكر واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلاً ولن يقطعا رزقاً)([7]).
وهذا كله في آيات كثيرة من كتاب الله تبارك وتعالى، قال سبحانه: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (آل عمران:104) وقال عز من قائل: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ] (آل عمران:110) وقال تعالى: [وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] (المائدة:62-63).
أيها الأحبة:
إن هذه الفريضة المباركة العظيمة تحركها على أرض الواقع صفتان قلبيتان متلازمتان إذا ضمّهما القلب حرَّك الأعضاء هما: الغضب لله إذا عصي، والرضا إذا أُطيع، عن الإمام الصادق (عليه السلام) من حديث: (إذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقوى عليه فقد أحبَّ أن يُعصى الله، ومن أحبَّ أن يُعصى الله فقد بارز الله بالعداوة، ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله، إن الله تبارك وتعالى حمد نفسه على إهلاك الظالمين، فقال: [فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] )([8]).
وعن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام): (لا يحلّ لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيّره)([9]).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (أوحى الله إلى شعيب النبي (عليه السلام) أني مُعذِّب من قومك مائة ألف أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم، فقال (عليه السلام): يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهَنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي)([10]).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقْلباها (على أهلها)، فلما انتهيا إلى المدينة فوجدا فيها رجلاً يدعو ويتضرع (إلى أن قال: ) فعاد أحدهما إلى الله، فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرع إليك، فقال: امضِ لما أمرتك به، فإن ذا رجل لم يتمعّر وجهه غيظاً لي قط)([11]).

ويكون المنكر أفظع والغضب الدافع لتغييره أشد إذا أُعطي مشروعية ممن يتزيى بزيّ الدين ويلبس لباس الإسلام وحينئذٍ يختلط الحق بالباطل وتعصف الفتن والشبهات بالأمة ويصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويقوم علماء السوء هؤلاء بتزييف الأحكام وإفراغها من محتواها لتخدم مصالحهم وأغراضهم الدنيوية، ويعود الإسلام النقي الأصيل غريباً مستضعفاً تحوم حوله الشكوك.

عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (إن ممن ينتحل مودتنا أهل البيت مَن هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال، فقلت: بماذا؟ قال: بموالاة أعدائنا، ومعاداة أوليائنا إنه إذا كان كذلك اختلط الحق بالباطل، واشتبه الأمر فلم يُعرف مؤمن من منافق)([12]).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (يكون في آخر الزمان قوم يُتّبَعُ فيهم قومٌ مراؤون يتقرّؤون ويتنسّكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير يتّبعون زلات العلماء وفساد عملهم، يُقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكْلِمُهُم في نفسٍ ولا مال، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها)([13]).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله، فقال: نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك، قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟)([14]).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (ليجيئنّ أقوام يوم القيامة لهم حسنات كأمثال الجبال فيأمر بهم إلى النار، فقيل: يا نبي الله أمصلون كانوا؟ قال: نعم، كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهناً من الليل، لكنهم إذا لاح لهم شيء من أمر الدنيا وثبوا عليه)([15]).

ويكون وجوب هذه الفريضة أأكد حينما يتعلق الأمر بهداية الناس إلى أعظم قضية في الإسلام وهي إمامة الأمة وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي أمر الله تبارك وتعالى نبيه إعلانها بأشد لهجة بقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ] (المائدة:67) لأن بها عصمة الناس من الانحراف والأخذ بأيديهم نحو السعادة والكمال وإرشادهم إلى الصواب، وقد أولى الله تبارك وتعالى الدفاع عن هذه القضية كل اهتمام بحيث أن مجرد الجلوس في مجلس ينتقص فيه من أئمة الإسلام فإنه يعرّض صاحبه لعذاب الله تبارك وتعالى، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (من قعد في مجلس يسَبّ فيه إمام من الأئمة يَقدِر على الانتصاف فلم يفعل ألبسه الله الذل في الدنيا وعذّبه في الآخرة، وسلبه صالح ما منَّ به عليه من معرفتنا)([16]).

وعن مثل هذه المجالس قال الإمام الصادق (عليه السلام): (فمن ابتلي من المؤمنين بهم، فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه، فإن غضب الله لا يقوم له شيء ولعنته لا يردّها شيء، ثم قال (عليه السلام): فإن لم يستطع فلينكر بقلبه وليقم ولو حلب شاة أو فواق ناقة)([17]).

ويقول (عليه السلام): (فإذا رأيتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمة فقم، فإن سخط الله ينزل هناك عليهم)([18]).

أيها المحبّون للزهراء (عليها السلام) المجتمعون لنصرتها:

لمواجهة كل هذه الفتن والانحرافات، وللنهوض بهذا الواجب العظيم ولإحياء هذه الفريضة المباركة ولنصرة إمامها الحق أمير المؤمنين (عليه السلام) خرجت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حين خرجت (في لُمَّةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخلت على حشد المهاجرين والأنصار وغيرهم)([19])في مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن خروجها للمطالبة بنخيلات فدك، وقد كانت فدك تحت يدها في حياة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من ثلاث سنين وما سمعنا أنها تنعمت بشيء من حطام الدنيا وإنما وجدناها كما وصفها زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد) ([20]).

وهي وزوجها وولداها الحسنان (صلوات الله عليهم أجمعين) الذين أطعموا المسكين واليتيم والأسير طعامهم وبقوا طاوين على الجوع ثلاثة أيام فنزلت في حقهم سورة (هل أتى).

وهي التي لما علمت أن أباها (صلى الله عليه وآله وسلم) قد انتابه شعور من الترفع والزهد لم يعلم أصحابه معناه حين دخل دارها فوجدها قد صنعت مسكتين من ورق – أي فضة- وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها (صلوات الله عليهما) فتصدقت بها جميعاً، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (فعلت، فداها أبوها – ثلاث مرات- ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى فيها كافراً شربة ماء) ([21]).

فهل ترى الزهراء (عليها السلام) غضبت لغصبهم فدكاً منها ومن زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) القائل: (بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسَخَتْ عنها نفوس قومٍ آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانُّها في غدٍ جَدَثٌ، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرةٌ لو زِيد في فُسحتها وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فُرَجَها التراب المتراكم) ([22]).

إنها (سلام الله عليها) وقفت ذلك الموقف الخالد لتعيد الحق إلى نصابه ولتقوّم مسيرة الأمة، وكان غضبها كل غضبها لله تبارك وتعالى ورضاها كل رضاها لله تبارك وتعالى، لذا كان من الطبيعي أن يقلّدها أبوها (صلى الله عليه وآله وسلم) وساماً رفيعاً يعلّم الأجيال إلى يوم القيامة ويأخذون منه الدروس والعبر، وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)([23])لأنها (سلام الله عليها) لم تغضب إلا له تبارك وتعالى ولم ترضَ إلا له سبحانه. وترى كل همّها ومحور خطابها إيصال هذه الرسالة، وأداء هذه الأمانة وهداية الأمة إليها وهي رسالة الأنبياء جميعاً [إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ] (هود:88).

وتجد اللوعة كل اللوعة تعتصر قلبها الرحب الرحيم حين تعود إلى دارها والأمة مصرّة على الانقلاب على وصية نبيّها (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم الاستجابة لما يحييها مخلّفة وراء ظهورها قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ] (الأنفال: 24).

وتجد الأسى بادياً على كلماتها (سلام الله عليها) حينما تزورها نساء المهاجرين والأنصار يتفقدن حالتها في مرضها ولما سألنها: (كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟) لم تُجب بما هو المتعارف من الشكوى وبيان الحال وإنما أجابت (عليها السلام) بهدفها الأسمى فقالت بعد الحمد والثناء على الله تبارك وتعالى والصلاة على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ويحهم أنّى زعزعوها! عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا والدين؟! ألا ذلك هو الخسران المبين! وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته لحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته)([24])إلى آخر كلامها (سلام الله عليها).

وبذلك فقد شخّصت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) داءً عظيماً ابتليت به الأمم وستظل تعاني منه وهو سبب كل معاناتها وكوارثها وهو سوء اختيار من يحكمهم ويتولى أمورهم والإعراض عن القيادة الصالحة والالتفاف حول من يريدهم للدنيا، قالت (سلام الله عليها): (استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتّبع أم من لا يهدِّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فهم بدل أن يحلّقوا نحو الأعلى ونحو الكمال بالقوادم، هبطوا نحو الأسفل بالذنابى.

هذا الانحراف الخطير في التفكير الناشئ من حب الدنيا واتباع الشهوات والجهل والتعصب الذي ابتليت به الأمم عبر التأريخ فاستبدلت معاوية بأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، واستبدلت يزيداً بالحسين (عليه السلام)، واستبدلت الطغاة والجبابرة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) والعلماء الصالحين، عبّر عنها الله تبارك وتعالى بقوله: [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ] (يّـس:30).

وكانت صرخة الزهراء (عليها السلام) صدى لتلك الحسرة ومظهراً لذلك الغضب الإلهي.

ولم يكن أحدٌ قادراً على إطلاق ذلك الصوت المدويّ في أعماق التأريخ إلا الزهراء (عليها السلام) في طهارتها وشجاعتها وسمو منزلتها وقربها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي قالها لقالوا إنه رجل طامع في الخلافة وطامح إلى السلطة أو كما قالوا: إنه يجرُّ النار إلى قرصه.

ولما قام الإمام الحسين (عليه السلام) بعدئذٍ بمواصلة هذا الدور قالوا إنه قُتل بسيف جده. أما الزهراء (عليها السلام) فلم يستطع أحد من الأولين والآخرين أن يرد عليها بكلمة، وغاية ما فعلوه هو التشكيك بوقوع بعض تفاصيل المظالم على الطاهرة الزهراء (عليها السلام). لذا فإن إحياء مواقف الزهراء (عليها السلام) والانتصار لمظلوميتها من أعظم الوسائل لنشر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وإقناع الناس باستحقاقهم إمامة الأمة وقيادتها.

أيها التواقون لشفاعة الزهراء (عليها السلام):

إن في حياتها الشريفة الكثير مما يمكن أن تتعلمه البشرية وتتأسى به، وها نحن أمام درس منها: وهو الغضب لله تبارك وتعالى إذا عصي وإنكار المنكر وبذل الوسع لتغيير الواقع الفاسد على جميع الصُعُد والوقوف في وجه الظلم والانحراف عسى الله أن يدخلنا في شفاعة الزهراء (عليها السلام)، ولا يُنال ذلك بالكسل والتقاعس عن أداء المسؤولية، وقد روي في حديث معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن الله عز وجلّ ليُبغِضُ المؤمن الضعيف الذي لا دين له، فقيل: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر)([25]).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (من ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه ويده فهو ميت بين الأحياء)([26]).

وعن الإمام الحسين (عليه السلام): (لا يحل لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيّره)([27]).

فتأسّوا بالزهراء (عليها السلام) وأدخلوا السرور على قلبها الشريف بإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل الدؤوب لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى وإصلاح الناس وهدايتهم، وليكن عملكم هذا خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى ومنضبطاً بتوجيهات المرجعية الرشيدة كما أوصاكم أئمتكم (سلام الله عليهم): (غير طالبين سلطاناً ولا باغين مالاً ولا مريدين بظلمٍ ظفراً)([28])فقد وعدكم الله تبارك وتعالى النصر والتثبيت ما دمتم في طاعته ونصرة دينه وأوليائه قال تعالى: [إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد: 7).

وإن تقاعس أحدٌ أو مال إلى الراحة والأنانية وحب الدنيا فسوف يسلبه الله تبارك وتعالى هذه الكرامة: [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38) [وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ] (التوبة:46).

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعترته الطيبين الطاهرين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ