صلة الأرحام منسأة في العمر ومنمّاة في العدد:
وهنا تتّسع الدّائرة لتكون أكثر شمولاً وأوسع مداراً حيث تلتفت الزهراء(ع) إلى أرحام الإنسان وأقربائه لتقرر مفهوماً اجتماعياً رائعاً يقضي بالتّكاتف والتّكامل الإجتماعي والتوادد، ليكون عوناً على تحقيق المجتمع المتراص الموحّد الذي يصبو الإسلام إلى تحقيقه، وهل في الأرض من إنسان لا ينتمي إلى قوم أو عشيرة؟ فإذا توثّقت عرى الصّلة بين الأرحام تحقّقت المعجزة الإجتماعية الكبرى في الواقع الإنساني، لأنّ النّاس كلّهم في واقع الأمل أرحام ينتهون إلى أصل واحد وأب واحد، والزهراء(ع) حين تعلن هذا المفهوم الإسلامي فإنّما تستقيه من منبعه الأصيل: كتاب الله العزيز، حيث يعلن هذا المفهوم الشامخ بقوله: «واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً…»(1).
ولكنّ الزهراء(ع) لا تريد أن تستعرض مفهوم صِلة الأرحام -فحسب- وإنّما شاءت -من وراء ذلك- تبيان فلسفة تشريعه، فأعلنت أنّه «منسأة في العمر، ومنسأة في العدد».
حيث رسمت واقعاً غيبيّاً واجتماعياً في آن واحد، فأوضحت أنّ المكافأة التي يصيبها الإنسان المسلم الذي يرفع شعار صِلة الأرحام في حياته، هي زيادة له في عمره كجائزة له من خالق هذا الوجود سبحانه.
وهذا ما قرّره الإمام الصّادق(ع) بقوله: «ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صِلة الرحم»(2).
ثم تعلن الزّهراء(ع) المنقبة الثانية التي تتحقّق في ظلال صلة الأرحام فتقول: «ومنماةً في العدد».
ولعلّ الزيادة في العدد هنا تتأكّد من طريقين: إمّا عن طريق غيبيّ يتُّم بإفاضة البركة والزيادة في النّسل من الله سبحانه، أو عن طريق التّكاتف وجمع الكلمة ورصّ الصُّفوف الذي يتُّم عند الإلتزام بمبدأ صِلة الأرحام الشامخ.
___________________
(1) سورة النساء، الآية: 1.
(2) الأخلاق، عبد الله شبر.
المصدر: الزّهَراء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله: الشهيد عبد الزهراء عثمان محمد (الكتابُ الذي أحرز الجائزة الثانية في مُباراة التأليف عن حياة الصديقة الزهراء عليها السلام).