لسفة الإسلام في منطق الزهراء(7): القصاص حقنا للدّماء
القصاص حقنا للدّماء: وهنا ترسم الزهراء(ع) حقيقةً كبرى من حقائق التّشريع الإسلامي الرّصين، تلك: هي مفهوم القصاص، فالرسالة الإسلامية وإن كانت في أساسها ديناً يربّي النّفس ويصقل الوجدان ويقوّم السُّلوك حتى يحمل إنسانه على تطبيق متطلّبات الرسالة بصورة تلقائية ـ إلا أنّه لا يقف عند هذا الحدّ، لأنّه يعلم أنّ المجتمع الإنساني مهما ارتفع إلى مستوى المثاليّة والنبل، إلاّ أنّه لا يخلو من طفيليات يهمُّها التّلاعب بمقدّرات الرسالة وأتباعها، ولذا وضع إلى جانب التربية التي يسبغها على أبنائه رصيداً تشريعياً يمثّل عمليّة علاجيّة لمن يحاول التلاعب بمقدّرات الأُمّة ومبدئها القويم، وفي طليعة هذا الرّصيد التّشريعي رسم الإسلام بنود القصاص التي تفضي بالمعاقبة بالمثل، فالأنف بالأنف، والأُذن بالأُذن، والنّفس بالنّفس، وهلّم جرّاً، وهذا التّشريع الإسلامي الرّصين يكسب المجتمع مناعة فعلية على مواجهة التّلاعب والإعتداء، سواءً أوقع ذلك خطأ أم عمداً. وحين يضع الإسلام هذه القاعدة في دستوره، فإنّما وصفها حقناً لدماء أبنائه وحفظاً للتّوازن والإستقرار في مجتمعه، لأنّ الإنسان إذا وجد نظاماً يكفل له صدّ الإعتداء عليه ويأخذ بثأره، فإنّه يلجأ إليه -دوماً- دون اللجوء لمفهوم الثأر الجاهلي أو الإخلال بالأمن الذي يؤدّي -غالباً- إلى فقدان الهدوء والطمأنينة وتمزيق الوحدة الإجتماعية وقيام البلبلة والصّراع الدائم. وهكذا أفصحت الزهراء(ع) عن فلسفة، تشريع حكم القصاص، فعبّرت عنه بأنّه حقنٌ للدّماء فهو -لعمر الحق- الوسيلة الوحيدة التي تُحقن الدّماء على أساسها وتصان حرمتها، أمّا إذا تُرك الحبل على الغارب للمعتدين دون الإقتصاص منهم فقد وقعت الكارثة، وقد فسّر هذا السّر كتاب الله العزيز بقوله: «ولكم في القصاص حياةٌ يا أُولي الألباب»(1).
____________ (1) سورة البقرة، الآية: 179.
المصدر: الزّهَراء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله: الشهيد عبد الزهراء عثمان محمد (الكتابُ الذي أحرز الجائزة الثانية في مُباراة التأليف عن حياة الصديقة الزهراء عليها السلام).