السيد محمّد كاظم القزويني
هناك أحاديث كثيرة – مذكورة في كتب الشيعة وأهل السنّة – تصرِّح بشفاعة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم القيامة وإليك بعضها فيما يلي :
1 – عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): جُعلت فداك يا بن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة، إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام): حدثني أبي عن جدّي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كان يوم القيامة تُنصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة، ثم يقول الله: اخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم يُنصب للأوصياء منابر من نور، ويُنصب لوصيي عليّ بن أبي طالب في أوساطهم منبر، فيكون منبره أعلى من منابرهم، ثم يقول: يا عليّ أُخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لابنيّ وسبطيّ وريحانتي أيام حياتي منبر من نور، ثم يقال لهما اخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها!
ثم ينادي المنادي – وهو جبرائيل (عليه السلام) -: أين فاطمة بنت محمد؟.
… فتقوم (عليها السلام).
إلى أن قال: فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟
فيقول محمد وعليّ والحسن والحسين (عليهم السلام): لله الواحد القهّار.
فيقول الله تعالى: يا أهل الجمع إنّي قد جعلتُ الكرم لمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين!
يا أهل الجمع، طأطئوا الرؤوس، وغضّوا الأبصار، فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة، مدّبحة الجنين، خطامها من اللؤلؤ الرطب، عليها رحل من المرجان، فتُناخ بين يديها، فتركبها، فيبعث الله مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك، يحملونها على أجنحتهم، حتّى يصيّروها على باب الجنّة، فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرتُ بك إلى جنّتي؟
فتقول: يا ربّ أحببتُ أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم!
فيقول الله: يا بنت حبيبي! ارجعي فانظري مَن كان في قلبه حبّ لكِ أو لأحد من ذريّتك، خُذي بيده فأدخليه الجنّة!
قال أبو جعفر (عليه السلام): والله يا جابر، إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها، كما يلتقط الطير الحب الجيّد من الحبّ الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة، يُلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله تعالى: يا أحبائي ما التفاتكم، وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟
فيقولون: يا رب أحببنا أن يُعرف قدرنا في مثل هذا اليوم؟!
فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا: مَن أحبّكم لحبّ فاطمة.
انظروا: مَن أطعمكم لحب فاطمة.
انظروا: مَن كساكم لحب فاطمة.
انظروا: مَن سقاكم شربة في حب فاطمة.
انظروا: مَن ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة.
فخذوا بيده، وأدخلوه الجنّة…(1).
2 – وورد عن ابن عباس قال: سمعت أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) يقول: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم على فاطمة وهي حزينة، فقال لها: ما حزنكِ يا بنيّة؟
قالت: يا أبة ذكرت المحشر، ووقوف الناس عراة يوم القيامة!
فقال: يا بنيّة إنّه ليوم عظيم، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجل أنّه قال: أوّل مَن ينشق عنه الأرض يوم القيامة، أنا، ثم بعلك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم يبعث الله إليك جبرائيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور، فيقف عند رأسك، فيناديك: يا فاطمة بنت محمد قومي إلى محشرك.
فتقومين آمنة روعتك، مستورة عورتك، فيُناوِلُك إسرافيل الحُلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محفّة(3) من ذهب، فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها، وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء، يستبشرون بالنظر إليك، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور، يسطع منها ريح العود من غير نار، وعليهن أكاليل الجوهر، مرصّعة بالزبرجد الأخضر(4).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة تُقبِل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنّة وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمّد . فلا يبقى يومئذ نبي ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاَّ غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة…
وتقول: إلهي وسيّدي احكم بيني وبين مَن ظلمني، اللّهمّ احكم بيني وبين مَن قتل ولدي.
فإذا النداء من قِبَل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تُعطي، واشفعي تُشَفَّعي، فو عزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم.
فتقول: إلهي وسيّدي: ذريّتي وشيعتي وشيعة ذريّتي، ومحبييّ، ومحبيّ ذرّيتي.
فإذا النداء من قِبَل الله جلّ جلاله: أين ذرّية فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّو ذريّتها؟
فيُقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتتقدمهم فاطمة (عليها السلام) حتى تدخلهم الجنة.
3 – وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء: 102] قال: … فتدخل فاطمة ابنتي الجنّة وذريّتها وشيعتُها، ومَن أولاهم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتها.
فهو قول الله (عزّ وجلّ): لا يحزنه الفَزَع الأكبر .
قال: هو يوم القيامة.
{وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون} هي – واللهِ – فاطمة وذريّتها وشيعتها، ومَن أولاهم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتها (5(
أيّها القارئ الكريم:
بعد ما مرّ عليك بعض تلك الأحاديث الصحيحة فقف معي موقف المتعجّب من آراء مستحدثة، وأقوال مبتدعة تتحدّى جميع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتحدّث عن الشفاعة لأولياء الله، فتراهم ينكرون الشفاعة وينفونها حتى من سيّد الأنبياء محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم يحسبون أنّهم يدافعون عن توحيد الله تعالى فكأن الشفاعة تناقض التوحيد، أو تدعو إلى الشرك بالله عزّ وجل.
استمع إلى هذه الآيات المباركة ثم أحكم:
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] .
{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] .
{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] .
{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] .
{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} [طه: 109] .
{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23] .
{لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ} [النجم: 26] .
هذه الآيات كما تراها تصرّح بالشفاعة بإذن الله، وتثبت الشفاعة للشافعين، أما تكفي هذه الآيات لإثبات الشفاعة لأولياء الله أيّها المسلمون؟
هذه الآيات كما تراها تصرّح بشفاعة أولياء الله في يوم القيامة، وأمّا الشفاعة لهم في الدنيا فإليك هذه الآية المباركة الصريحة في تخويل أولياء الله الشفاعة والدعاء والاستغفار للناس، قال تعالى:
1 – {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]، فإنّ الآية دلَّت على أنّ العاصين إذا جاؤوا إلى الرسول تائبين، وجعلوا يتوسّلون به في طلب المغفرة من الله، واستغفر عند ذلك لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً، فلو كان الاستشفاع من النبي (صلى الله عليه وآله) شركاً بالله لما وجدوا الله تواباً رحيماً؛ لأنّ الله لا يغفر أن يشرك به.
2 – قوله تعالى حكاية من أولاد يعقوب: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97] ، وقول يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98] ، فإنّه صريح في سؤالهم وتوسلهم بأبيهم إلى الله في الاستغفار وطلب العفو.
3 – قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد: 19] .
4 – قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103].
5 – قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] .
____________________
(1) بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 51، تفسير فرات بن إبراهيم ، ص 113.
(2) محفّة – بكسر الميم – : مركب للنساء كالهودج.
(3) بحار الأنوار ، ج 43.
(4) بحار الأنوار ، ج43.
(5) تفسير فرات الكوفي.