تسبيح فاطمة (عليها السلام)
ورد في الأخبار الصحيحة أنّ علياً (عليه السلام) قال: أشتكي ممّا أندأ بالقرب، فقالت فاطمة (عليها السلام): والله إنّي أشتكي يدي ممّا أطحن بالرحى! وكان عند النبي (صلى الله عليه وآله) اُسارى ، فأمرها (عليها السلام) أن تطلب من النبيّ (صلى الله عليه وآله) خادماً، فدخلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسلّمت عليه ورجعت. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): مالَكِ؟ قالت: والله ما استطعت أن اُكلّمَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هيبته، فانطلق عليّ معها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال لهما: لقد جاءت بكما حاجة، فقال عليّ: مجاراتهما، فقال (صلى الله عليه وآله): لا ولكنّي أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصفّة؛ وعلّمها تسبيح الزهراء. والتسبيح هو أن تكبّر «الله أكبر» أربعاً وثلاثين مرّة، وتحمد الله «الحمد لله» [1] ثلاثاً وثلاثين مرّة، وتسبّح الله «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرّة.
وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة كما نأمرهم بالصلاة» [2].
وقال (عليه السلام): «تسبيح فاطمة كلّ يوم في دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم» [3].
الزهراء مع أبيها في مرضه حتّى رحلته (صلى الله عليه وآله)
لقد أكمل الرسول (صلى الله عليه وآله) مهمّته على هذه الأرض، فبلّغ رسالته، ووضع اُمّته على المحجّة الواضحة، فآن له أن يلتحق بربّه ، فيمرض (صلى الله عليه وآله) ويشتدّ عليه مرضه ، فتعيش فاطمة بحزن وألم يكاد يقطع قلبها ، وكأنّها والموت على ميعاد.
روى عن أبي سعيد الخدري أنّه قال:
دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتّى جرى دمعها على خدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ فقالت: يارسول الله أخشى الضيعة من بعدك، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة أما علمت أنّ الله اطّلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباكِ فبعثه رسولاً، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منهم بعلك فأمرني أن أزوّجك منه؟ فزوّجك من اعظم المسلمين حلماً وأكثرهم علماً وأقدمهم سلماً. ما أنا زوّجتك، ولكن الله زوّجك منه.
فضحكت فاطمة واستبشرت . ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة إنّا أهل بيت اُعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأوّلين، ولا يدركها أحد من الآخرين، نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء وهو جعفر، ومنّا سبطا هذه الاُمّة وهما إبناك الحسن والحسين، ومنا مهدي هذه الاُمّة[4] .
ودخلت (عليها السلام) عليه (صلى الله عليه وآله) يوماً فهشّ إليها ، وقال : مرحباً بابنتي، وأقعدها إلى يمينه وأدناها إليه، وتحدّث معها بكلام لم يسمعه أحد فبكت، ثم أدناها إليه، وأسرّ إليها بكلام آخر فتبسمت ، وكان قد أخبرها في كلامه الأوّل بأنّه (صلى الله عليه وآله) اقترب أجله، وفي الثاني أخبرها بأنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
وهكذا يشتد به الألم (صلى الله عليه وآله) ساعة بعد ساعة إلى أن فاضت نفسه الشريفة وهو على صدر الإمام علي (عليه السلام) . وكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) يغشى عليها ساعة بعد ساعة لهول المصاب إلى أن دفن الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فجاءت إلى قبره ، وأخذت حفنة من ترابه وشمّتها ، ثم قالت:
ماذا على مَن شمّ تربة أحمد
ألاّ يشمّ مـدى الزمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها
صبّت على الأيّام صرن لياليا
**********************
[1] ـ بحار الأنوار 43: 85، ح8.
[2] ـ آمالي الصدوق:؟
[3] ـ كشف الغمة:؟
[4] ـ بحار الأنوار 36: 369 ـ 370.