مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
فاطمة الزهراء عليها السلام ودورها الاجتماعي /م.م ابتهال محمد كريم /مركز دراسات البصرة والخليج العربي /قسم الدراسات التاريخية
+ = -

فاطمة الزهراء عليها السلام ودورها الاجتماعي

م.م. ابتهال محمد عبد الكريم

مركز دراسات البصرة والخليج العربي- قسم الدراسات التاريخية

   لقد كانت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام النموذج الاكمل والمثل الاعلى الذي اعدته الرسالة المحمدية للمرأة المسلمة سلوكا ومنهجا سواء أكان على صعيد حياتها الشخصية ام على صعيد حركتها في واقع المجتمع الاسلامي . وسوف نبين دورها في النشاط الاجتماعي وما قدمته للاسلام والمسلمين من حولها

    تمتعت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمكانة اجتماعية سامية واستمدت ذلك من كونها ابنة النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) ومحط اجلاله وحبه وعنايته ، فضلا عن مزايا شخصيتها واخلاقها وسجاياها التي قل مثيلها في الوجود الانساني كله فأصبحت موضع اجلال واحترام وجذب لكل المحيط من حولها .

    تشير الروايات الى ان الامام علي (عليه السلام) يشارك الزهراء(عليها السلام) في أعمال البيت، والنبي (صلى الله عليه واله) يشجعه على ذلك، لما فيه من أثر طيب يوثق العلاقة بين الزوجين .

    فقد استقطبت هذه المكانة الجليلة التي حظيت بها سيدة النساء ( عليها السلام) انظار من حولها من افراد المجتمع، حتى باتو يقصدونها في كثير من الامور ومن مصاديق ذلك ما ورد في بعض الروايات ان زعيم قريش ابو سفيان قصدها ( عليها السلام) يسألها ان تبذل نفوذها لدى والدها (صلى الله عليه واله) في حقن دماء قريش بعد ان نقضت الاخيرة عهدها مع المسلمين في الحديبية ، فطلب الى السيدة الزهراء (عليها السلام) ان تجير بين الناس وتشفع له عند رسول الله (صلى الله عليه واله) في تمديد العهد، فكان جوابها (عليها السلام) :” لا يجير احد على رسول الله (صلى الله عليه واله) احد “، فطالبها بأن تسمح لابنيها او احدهما وكانا صغيرين ان يجيرا فرفضت أيضا. وقد رسمت هي الافق الجديد لنظرة الاسلام للمرأة وكانت خير مجسد لذلك !

    وتشير رواية الى ان ام هانئ اخت امير المؤمنين (عليه السلام) كانت قد قصدتها في عام الفتح بعد ان اجارت احماءها عندها، لاجل ان تتوسط لها عند النبي (صلى الله عليه واله) او ربما لتجيرهما ايضا؟ ولكن السيدة فاطمة(عليه السلام) تشددت في ذلك وأرجعت الأمر الى ابيها (صلى الله عليه واله) .

    كما نجد لها (عليها السلام) دوراً في التدخل لحل الاشكالات التي تحصل بين ازواج النبي (صلى الله عليه واله) ، فقد كن يقصدنها للتوسط لدى أبيها (صلى الله عليه واله) في معالجة بعض الامور والخلافات . وفي ذلك دليل على عظم نفوذها لدى ابيها وجليل ما تمتعت به من مكانة في اواسط المجتمع المحيط بها .

    ومن جانب اخر فإننا نجد أن نشاطها كان فعالاً في داخل مجتمعها اذ كانت في تماس مباشر مع افراده ، وانشات علاقات طيبة ومتواصلة فيما بينها وبين من حولها . اذ كانت ” يغشاها نساء المدينة وجيرانها في بيتها” واصبحت دارها المدرسة الاولى لتعليم النساء المؤمنات اللواتي كن يقصدنها في حل ما يشكل عليهن من الاحكام الشرعية والمعارف الالهية، فتستقبلهن بصدر رحب لا يعرف الملامة ولا السأم .

    ولم يقتصر دورها على تعليم النساء بل وحتى الرجال حيث تعلموا منها عدداً من الأدعية وكانت تطرف قاصديها  بما لديها من العلم والمعرفة اذ يروي ابن مسعود ان رجلا أتاها يسألها: هل ترك رسول الله (صلى الله عليه واله) عنك شيء تطرفينه ، فأعطته (حريرة) فيها من تعاليم الدين ووصايا النبي محمد(صلى الله عليه واله) .

    وكانت تشارك أبناء مجتمعها في امورهم وتواسيهم في همومهم، فقد كانت معينا للفقراء والمساكين تنفق عليهم في سبيل الله وتعتق الرقاب وتؤثر على نفسها واهل بيتها .  وخير دليل ما نزل فيها من آيات تشهد بذلك، كقوله تعالى) : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) . وقوله تعالى : ( ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) وغيرهما. والشواهد التاريخية ايدت ذلك أيضا، ففي رواية انها انتزعت قلادتها وتصدقت بها. فيما أشارت رواية اخرى الى تصدقها بسوارين لها حتى قال فيها النبي محمد (صلى الله عليه واله): ” فعلتها فداها ابوها” _ثلاث مرات_ وقال: ” ما لآل محمد وللدنيا فإنهم خلقوا للآخرة ، وخلقت الدنيا لغيرهم”.

    ولم تكن (عليها السلام) بعيدة عن مواساة اخوتها المسلمين في مصابهم، اذ كانت في طليعة المواسين لهم سواء أكانوا من ذوي قرباها أم باقي المسلمين، اذ نجدها (عليها السلام) بعد ان وضعت الحرب اوزارها في( أحد ) تبادر الى مصرع الحمزة( رضي الله عنه) مع صفية بنت عبد المطلب يبكيانه، وكان النبي( صلى الله عليه واله) يبكي لبكائها (عليها السلام) . ولم تفارق زيارة قبره فيما بعد اذ انها كانت تزوره مع باقي قبور الشهداء غداة كل سبت وقيل بيت اليومين والثلاثة فتصلي لهم وتستغفر وتترحم عليهم وتبكيهم . اذ يفصح ذلك عن مدى تقديرها للجهاد والشهادة في سبيل الله عز وجل. وكانت (عليها السلام) في طليعة المعزين بمصاب سيدنا جعفر بن ابي طالب (رضي الله عنه) اذ دخلت على اسماء بنت عميس وهي تبكي وتقول: وابن عماه، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : على مثل جعفر فلتبك البواكي” ثم أمرها أبوها أن تقيم مع آل جعفر ثلاثة أيام وتصنع لهم الطعام .

    ولم تقتصر في مواساتها على اقربائها بل كانت تفعل ذلك حتى مع باقي المسلمين، ففي الوقت الذي يعزى فيه رسول الله (صلى الله عليه واله) والامام علي (عليه السلام) الرجال في موتاهم، تبادر هي (عليها السلام) الى مواساة أهليهم في مصائبهم اذ يروى: عن عمرو بن العاص قال: ”  قبرنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) رجلا فلما رجعنا وحاذينا بابه اذا هو بامرأة لا ظنه عرفها فقال: يا فاطمة من أين جئت؟ قالت: من آل الميت رحمت لهم ميتهم وعزيتهم .