مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
معالم الفكر التربوي للزهراء(ع)/م.م وجدان جعفر غالب /مركز دراسات البصرة والخليج العربي
+ = -

           

معالم الفكر التربوي للزهراء(ع)/م.م. وجدان جعفر غالب

  مركز دراسات البصرة والخليج العربي- قسم الدراسات التاريخية

   فاطمة الزهراء باقية ما بقى الدهر بسيرتها الفواحة باقية بنسلها الشريف الذي دائما ما ثار على الطغيان والظلم والاستبداد حيث تمثل سيرة فاطمة الزهراء بنت محمد نموذجا للإنسان المتكامل على المستوى الديني والأخلاقي والثقافي والتربوي وهي نموذج الأنثى التي جعلها سكنا للإنسان أينما يكون الإنسان وهي مثال الإيمان الفطري .

   وعندما نكتب عنها نجد الكلمات لا تكفي والكتب لا توافيها حقوقها ولذلك سوف نرصد منهجا واحدا من مناهج حياتها القصيرة بعدد سنوات العمر الطويل بالأثر الأريحي الباقي من سيرتها العطرة وذلك على مجتمعها وجيلها وكل الأجيال اللاحقة.

   مثلت السيدة فاطمة الزهراء الانموذج الأكمل والمثل الأعلى الذي صاغته الأنوار الالهية والرسالة المحمدية وسلوكاً في واقع المجتمع الإسلامي، فعندما نريد أنموذجاً للأسرة المسلمة والتعليم والتربية والتثقيف والقدوة للأبناء والقدوة للجيران نجد كل ذلك عند بيت الزهراء, فهي سيدة نساء العالمين فلا بد أن نأخذ نموذج بيتها نبراسا لأسر المسلمين ولا نبالغ عندما نقول قدوة لكل الأسر في العالم بأسره, ففي كل مراحل التاريخ كان بيت الزهراء أنموذجا للعظمة للتعاون البناء الخلاق.

  وعلى وفق ذلك, فإنها مثلت المدرسة العلمية التي تبقى تعطينا ثمارها عبر الحقب التاريخية بأفكارها الوقادة، فقد نشأت السيدة في ظل هذه الأرواح المتسامية والنفوس الأبية، اذ نجدها منذ نعومة إظفارها تتهيأ للدور الرسالي المحمدي, فقد حظيت من أبيها كنيتها(أم أبيها)، وقد اختصت بخصلتين خصها الله بهما ، أنها ورثت رسول الله, فنسل رسول الله منها ولم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتها، فقد قامت بالدور العظيم, الذي يعكس لنا عظمة المرأة الفاضلة وبعيدا عن الأجواء والأحوال السياسية والحوادث الجسام واشد المحن التي مرت بها الزهراء فلا بد إن نلمس جانبا من أثرها الفكري, اذ ارتقت الصديقة لتكون وعاء ينهل من علمها.

   لقد أدت السيدة الزهراء دوراً متميزاً منذ فجر صباها, اذ نهلت من مناهل النبوة ومنزل الوحي لتكون من العالمات بل أصبحت مصدراً من مصادر العلم والفكر في الإسلام وكان للعناية الإلهية والنفحات الربانية دور في تربيتها, فقد اهتم بتربيتها أبوها المصطفى, كما انها اقترنت بسيد البلغاء وعلم الأوصياء باب مدينة العلم علي بن أبي طالب(ع).

   فعلمها كان هبة منزلة من رب العالمين وعلى وفق ذلك, فقد جاءت إسهامات الزهراء التربوية المتمثلة للعظمة النبوة وخلود الرسالة المحمدية منبع نور الهداية وسبل النجاة.

أولا: تكوين شخصية الطفل:

  ارتقت السيدة فاطمة لتكون وعاء يُنهل من أخلاقها السماوية ومنبعها فحرصت على تربية أولادها تربية خاصة فكانت تعامل أولادها الصغار معاملة الرجال في التخاطب والتحاور معهم.

  إن إتباع النهج الفاطمي في التربية كفيل بخلق الشخصية المتزنة ويتمتع بقدرة مرموقة في الأسرة والمجعلى أن ينشأ الطفل على الطموح والاستقلال والثبات على الأخلاق, فالتربية البيئية هي إحدى المجالات التطبيقية والعملية التي يكون لها الأثر المهم والعميق في تكوين شخصية الطفل في جميع ادوار حياته وتوجيهات إفراده يتمثل بالتربية الجميلة.

ثانيا: التربية على أساس الإيمان:

   التربية على أساس الإيمان تصلح أحوال الأفراد وتثبيت قلوبهم على قول الحق ونبذ الباطل فقد كانت الزهراء في بيتها المتواضع مناراً ساطعاً للإيمان ومشكاة هداية الحق فقد اجتهدت الزهراء في تربية أولادها وتغذيتهم ببيتها الطاهر لحمل الرسالة .

   فهاهنا أصبحت الزهراء أنموذجا وصورة ناصعة للنبي في جميع خطواتها الرسالية الإيمانية ومواقفها الحيادية فقد جاهدت بأعلى مستويات الجهاد, اذ جاهرت بالكلمة الحق والموعظة الحسنة وتربيتها لأبنائها للحفاظ على الإسلام ومصير الأمم ففكرها التربوي الإيماني يعد جزءا مهما من الفكر الإنساني المتراكم عبر التاريخ المتسم بشمولية واتساع أفكارها المنبثقة من رحم الدين الحنيف هذا ما نلاحظه في أفكار التربويين العرب.

ثالثا: الاستقامة:

  كان النبي يرى أن استمرار الإسلام وبقاء رسالة السماء وحفظ القران الكريم ومنهاجه القويم في ابنته فاطمة من خلال تطلعه إلى آفاق المستقبل الذي سيكون لولدها فكان يكرمها ويحترمها ويكنيها بأم أبيها.

  فحرصت السيدة على حمل اللقب وتوظيفه لخدمة الأمه الإسلامية من خلال تربيتها لأبنيها اللذين أصبحا منارا يقتدى به وإشعاعا براقا ينير درب الأجيال فأنشأتهما على الاستقامة في السلوك, اذ ربتهما على الحق وعدم الخذلان فكانت تشارك الإمام علي عمليا في تطبيق المبادئ التي نشأت عليها.

  يتضح مما ذكر أعلاه أن التربية الحقه هي تلك القيم النبيلة والممارسات الصحيحة التي تكون منذ الصغر وهذه الآفاق التربوية كان لها صدى على واقع المجتمع .

رابعا: الاعتماد على النفس:

   الاعتماد على النفس من شروط الأساسية لتكامل الفرد وان المرء مرهون بإعماله وامتثالا لقوله تعالى (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين))، إي إن الفرد مرهون بعلمه الذي اكتسبه من تربيته (التنشئة الاجتماعية) التي مر بها والتنمية الحقه أعماله استنادا لقول الإمام علي(ع) ( الشرف بالهمم لا بالرمم البالية).

  ويجدر القول إنها فريدة في عصرها بل هي الاعجوبه الدنيا قلب يتحمل الآهات والإحزان فهذا يدلل على أنها ورثت الخصال الحميدة وتلقت دروس التربية الراقية فما تقول في هذه الأمم التي أنجبت وأرضعت بنتا امتازت بالنضج العقلي المبكر واكتسبت المواهب والفضائل من صدر اشرف أمهات العالمين كما قال لها الإمام السجاد ( أنت عالمه غير معلمه وفهمه غير مفهمه).

   كما إن لهذه المواقف والتغيرات والظروف التي تطرأ على الفرد والمجتمع تأثير على السلوك فالطبيعة البشرية بحاجة إلى توجيه فإتباع الدين والقيم والعادات وسيلة لمقارنة الظروف وضبط السلوك في حالات معينه, وللأفكار دور مهم في تلقي الأطفال دروساً في الاعتماد على أنفسهم منذ سن الصغر ويتجلى ذلك من خلال التربية حيث كان بيتها من أول المدارس التي خرجت الأبطال .

   حيث جسدت المرأة المؤمنة الكاملة ونتلمس هذا جليا وواضحا خلال استقراء سيرتها في مختلف الإبعاد الاعتيادية فلم تكن المرأة ذات الأخلاق العادية بل امرأة روحانية تتحلى بأخلاق الوجود الإنساني من خلال ما قدمه الرسول من صيغ التعظيم والتبجيل لشخص الزهراء في سنته فكانت أحب الناس إليه.

    كما ظهرت مساهمتها التربوية الفعالة في إبراز مجتمع إسلامي يستوحي قيمة من القران الكريم والسنه النبوية الشريفة، حيث عملت السيدة فاطمة على تحقيق مجتمع إسلامي تسوده الفضائل السامية والعدل والمساواة تغلب فيه قوة المنطق على منطق القوة ، كما عمل أولادها الأئمة في السير على نهجها وبناء قواعد ومرجعيات تنظيميه ترتكز عليها.