مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
من بحوث المسابقة السنوية السادسة”الانزياح الأسلوبيّ في الخطبة الفدكيّة للسيّدة الزهراء(ع)إعداد: د. زهراء علي دخيل
+ = -

تحت شعار السيّدة الزهراء “مرجعيّة الفكر وواحة المعرفة”

المحور: الأدب

عنوان البحث:  “الانزياح الأسلوبيّ في الخطبة الفدكيّة للسيّدة الزهراء

إعداد: د. زهراء علي دخيل

دكتوراه دولة في اللُّغة العربيّة وآدابها- الجامعة اللُّبنانيّة

Email: profzahraa@gmail.com

الملخص:

   تُمثّل خطبة الزهراء أثرًا مهمًّا، وعلامةً بارزة من علامات الخطاب النّسْويّ في عصر صدر الإسلام، كما تُمثّل إشارةً مُتميّزة ومبكرة إلى أهمّيّة أن تعي المرأة دورها في المجتمع الإسلاميّ، وتسعى إلى المطالبة بحقوقها بمختلف الوسائل المُتاحة، فضلًا عن أنّها تُشكّل ملمحًا من ملامح الأدب النّسويّ في ذلك العصر. ومِنْ ثَمَّ، تُعدّ مصدرًا مهمًّا من مصادر دراسة أدب المرأة وبلاغتها في عصر صدر الإسلام.    

    إنّ دراسة النّصوص الأدبيّة التُّراثيّة تُعدّ مظهرًا من مظاهر الرُّقيّ في العربيّة، ولا سيّما نصوص أهل البيت  الَّتي انمازت بفصاحة الألفاظ، وجودة السّبك، وجزالة اللّفظ. كما أنّ للصُّور البيانيّة أثرًا بارزًا في فهم النّتاج الأدبيّ، والوقوف على أسراره عبر مستوياتها المختلفة.  

    تُعدّ الصّور البيانيّة إحدى عناصر اللُّغة الشعريَّة، أو اللغُّة الإيحائيّة الشّعريّة التي لها مقدرة إبداعيّة خاصّة، وهي تُضفي جانبًا جماليًّا واضحًا على النّصوص التي تُوظّف فيها، وتسمح بالتعبير عن الأفكار بحرّيّةٍ واسعة مُوفّقة بين الأشياء البعيدة مُساهمةً في إنشاء صورٍ جديدةٍ. والذي سنتبيّنه في توظيف الزهراء في خطابها لتلك الأساليب البيانيّة على سبيل تحقيق دلالات مقصودة في سياقها.  

    تُعدّ الصورة جزءًا من أهم أجزاء الشعر؛ لأنّها تُسهم في إظهار المعنى وتقريبه للمتلقّي، وتُسهم إسهامًا مباشرًا في إظهار انفعالات الأديب، وإيضاحها وفقًا للمسار التصويريّ. 

فقد ضمّ خطابها  كنزًا لغويًّا يضمّ الذهبان والعقيان فوسمتُ البحث بـ “الانزياح الأسلوبيّ  في الخطبة الفدكيّة للسّيِّدة الزهراء؛ فتوظيف الصور البيانيّة والتّصويريّة والانزياحيّة يُضفي جانبًا جماليًّا على النّصوص، وتسمح في التعبير عن الأفكار بحرّيّة واسعة، مُبدعةً صورًا جديدة، فضلًا عن تحقيق دلالات معيّنة.

الكلمات المفتاحيّة: السيدة الزهراء- خطبة الزهراء- الانزياح التصويريّ- التراكيب .

تساؤلات الدّراسة:

ما نريد معرفته هو الإجابة عن السؤالين الآتيَيْن:

-ما التّركيب النّحويّ وانزياحه المستخدم في خطبة الزهراء؟

-ما الانزياح التّصويري المُستخدم في خطبة الزهراء؟

أهمّيّة الدراسة:

تُمثّل الخطابة رافدًا مهمًّا من روافد الأدب العربيّ، منذ عصوره الأولى، وتُمثّل خطبة الزهراء نصًّا مهمًّا، وأثرًا مُتميّزًا من آثار الخطابة في العصر الإسلاميّ.

-أهميّة خطبة الزهراء في تاريخ الأدب في العصر الإسلاميّ، ولدورها المهمّ في إظهار الخصائص العامّة للخطابة في ذلك الوقت.

-أهمّيّة خطبة الزهراء من النّاحيتين: التَّاريخيّة، والموضوعيّة.

-تميّز الخطبة من النّاحية الفنّيّة.

-منزلة صاحبتها عند المسلمين، فهي ابنة النبيّ الأعظم ، الذي قال: “أنا أفصح العرب بيدَ أنّي من قريش” ، ولبلاغتها وفصاحتها، ولأثرها الكبير في المتلقّي سامعًا كان ،أو قارئًا.

-تلمّس الأثر الّذي قد تُضيفه الزهراء إلى اللُّغة كونها قد شُهِد لها بالأصالة والابتكار والإبداع مثل سائرأئمّة أهل البيت ؛ للوقوف على مدى إسهامها في إثراء هذه اللّغة وإنمائها، ممّا قد تبتدعه من أساليب، وتبتكره من تعابير ومجازات على نحوٍ قد تُضيف إلى رصيد هذه اللّغة: ألفاظًا، وتراكيب، ومجازات، ودلالة.  

-رصْد الخصائص والسّمات البيانيّة التي يتميّز بها خطاب الزهراء، وإماطة اللّثام عن ظواهر “الشعريّة” التي تتجلّى في تشكيل الصياغة، وإنتاج محاور الدلالة، عبر تبيّن الخصائص اللّغويّة التي يتشكّل منها خطاب الزهراء الذي أبدعته، واستكناه قوّتها التعبيريّة، واستنطاق دلالتها الجماليّة.   

فتوظيف الصُّور البيانيّة والتصويريّة بهدف دراستها في خطاب الزهراء، والكشف عمّا تتضمّنه من معانٍ وأفكار ورؤًى.

     أهداف الدراسة:

-الاهتمام بالأدب الإسلاميّ وأعلامه، وموضوعاته، وقضاياه.

-الرّغبة في دراسة عَلَم من أعلام آل البيت الأطهار وذلك إحياءً لذكرهم من خلال الوقوف على تراثهم الثّرّ الّذي يستحقّ منّا الدّراسة، والعناية، والاهتمام.

منهج الدراسة:

      نظرًا إلى أنّ الدّراسات القديمة والحديثة لم تُوف خطاب الزهراء حقّه من الدّرس والبحث؛ إذ اتّسمت تلك الدراسات بعدم العمق في معالجة الجانب الإبداعيّ في خطاب الزهراء، فضلًا عن اهتمامها بالجوانب: التّاريخيّة، والفكريّة، والسّياسيّة. فقد كان ذلك دافعًا إلى دراسة خطاب الزهراء على وفق المنهجين: الأُسلوبيّ، والبِنْيويّ؛ بوصفهما منهجين علميّين يقفان في مواجهة النّصّ مواجهةً لا تغفل جماليّاته، ولا تتنكّر لمنجزات الأقدمين، وتُحقّق -في الوقت نفسه- ما يطمح إليه المحدثون من دقّةٍ لها روح العلم.

 لماذا درست الخطبة الفدكيّة وفق المنهج الأسلوبيّ؟  

      لأنّ المنهج الأسلوبيّ يقوم بتحليل الخطبة تحليلًا ينأى به عن الذّاتيّة والانطباعيّة، ويقترب -إلى حدٍّ كبير- من روح العلميّة والموضوعيّة؛ فبالتحليل الأسلوبيّ ننطلق من تحليل النّص الأدبيّ من بِنْيته اللُّغويّة، دون أن نُولي المؤثّرات الأخرى الّتي تُصاحب إبداع النص -كالمؤثّرات السياسيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، وغيرها من المؤثّرات كبير عناية؛ لينصبّ اهتمامنا على دراسة البنية اللّغويّة للخطبة الفدكيّة، ووصف طريقة تشكيلها على مستوى الصّياغة والتعبير. 

      فمع التّحليل الأسلوبيّ لخطبة الزهراء نُركّز على محورين؛ يرتقي بهما نصّ الزهراء إلى مستوى الأدبيّة؛ أحدهما لُغويّ، والآخر جماليّ. 

      أمّا دراسة خطبة الزهراء على وفق المنهج البِنْيويّ للأسباب الآتية:

لدراسة أبنية العمل الأدبيّ، وعلاقات بعضها ببعضها الآخر، وكيفيّة أدائها لوظائفها الجماليّة، والبحث في داخل النّصّ فقط، وحصرت  الدراسة  وفقًا لهذا المنهج على مستويَيْن فقط: التركيب، والانزياح التصويريّ .  

المقدّمة:

    إنّ خطبة السيّدة الزهراء من الخطب المُهمّة في تأريخ الخطابة العربيّة بشكلٍ عام، وفي تأريخ الخطابة النّسويّة بشكلٍ خاص؛ إذ إنّها تُعدُّ من النُّصوص المبكرة الّتي تؤسّس لتأريخ الخطابة النسويّة في تأريخ الأدب العربيّ، فضلًا عن أنّها تظهر بلاغة المرأة في تلك المرحلة من التأريخ، وقدرتها على الخروج والخطابة والاحتجاج في ذلك المجتمع، الذي قد لا يعطي المرأة كلّ حقوقها؛ ولا سيّما حقّها في بيان رأيها صراحة أمام المجتمع، وقيامها بكشف بعض الأدواء الاجتماعيّة الّتي كانت سائدة وقتذاك ،وتشخيصها، ومحاولتها علاج تلك الأدواء علاجًا قد يعجز بعض الرجال عنه، انطلاقًا من حرصها على ذلك المجتمع التي تُشكّل نصفه الذي يكاد يكون مُغيّبًا في الكثير من الأحيان. كما أنّها تظهر قدرة المرأة على المطالبة بحقوقها كلّما أحسّت بالحاجة إلى ذلك، وكلّما رأت هيمنة المجتمع، وسعيه إلى السّيطرة على مُقدّراتها، وغصب ما تراه حقًّا لها كفلته لها الشرائع السّماويّة، والقوانين الوضعيّة.[1] 

   لقد نجحت خطب أهل البيت ، ومنها -الخطبة الفدكيّة للزهراء – لنقل اللُّغة إلى مستويات عالية من التواصل، وتمثّل ذلك في الخروج من إطار التقليديّة المباشرة إلى وظيفة جمالية وتعبيريّة منظّمة ومبتكرة ذات مستوى أعلى، وبهذا أتاحت اللُّغة لمستعمليها مستوى آخر من مستوياتها المتعدّدة وهو المستوى الإبداعي، تحدّدها الثقافة والقدرة على اكتشاف أسرار اللُّغة، والإبداع هنا إعادة تشكيل اللُّغة من حيث المفردات والتراكيب بصورة مُتجدّدة، تثري القاموس العربيّ، ومستويات اللّغة من صرف وصوت ونحو ودلالة بمعان جديدة وأساليب مبتكرة، لكن هذا يشترط معرفة اللُّغة وقواعدها ، وأسرار نظمها، ونظامها النحويّ والصرفيّ…[2]

المبحث الأول: المستوى التركيبيّ

        يُعدّ التركيب عنصرًا مهمًّا من العناصر التي تقوم عليها شعريّة اللُّغة وأدبيّتها، فالأدب يقوم على نسيج من الجمال والدقّة في التعبير، والعناصر الأخرى لا يمكن أن تحقّق هدفها بمعزل عن التركيب، فالنص الأدبيّ “شبكة متكاملة من الدوال والمدلولات ومجموعة علاقات متشابكة تكوّن في النهاية صورة بنائيّة لهذا النص هي بعينها أسلوبه”[3].

       لقد أدرك عبد القاهر الجرجاني سرّ الجمال والإبداع في التّركيب فألّف كتابه دلائل الإعجاز على النّظم، وأظهر معنى النّظم في مواضع كثيرة من كتابه. فقال: “واعلم أن ليس النّظم إلّا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو وتعمل على قوانينه وأصوله ،وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رُسِمت لك فلا تُخلّ بشيءٍ منها”[4] و”الإحاطة بدقائق النظم تقتضي الإحاطة بمواضيع التقديم والتأخير والحذف والتكرار والإظهار والإضمار وما أشبه ذلك، فهي السبيل إلى معرفة مواضع الإبداع”[5].

      تُعنى دراسة التراكيب بالكشف عن خصوصيّة بناء التراكيب -لشاعر ما- وتميّزها، إذ تكشف الدراسة عن العلاقة القوية بين لغة العمل الأدبي ودلالته من خلال وعي المبدع بالصياغة، ولا يعني هذا أنّ كل عدول يحمل بالضرورة دلالة أسلوبيّة؛ “فليس باللازم أنّ أي انحراف عن القاعدة الأساسيّة أو النمطيّة ينبثق عنه إبداع لغوي”[6].

أولا–التقديم والتأخير:

       ينشئ الشاعر، لدى نظمه القصيدة، تركيبًا خاصًّا، ينطلق فيه من خرق قواعد اللغة من ناحية الترتيب المعروف، فيحدث انزياحًا في البناء النحوي، ويكون هذا العمل وفق تعليلات ظاهرة أحيانًا، وخفية أحيانًا أخرى. فهذه المزية -التقديم والتأخير- في النصوص الشعريّة هي إحدى القيم الجماليّة في الدرس الأسلوبي كما يقول محمد عبد المطلب: “والعدول عن الترتيب المألوف إلى ترتيب آخر، يتميز بقدرته على إبراز الدلالة بتقديم جزء على آخر، أو تأخيره عنه”[7].

1-تقديم (الجار والمجرور) على الفاعل، في نطاق الجملة الفعليّة:

       تقديم الجار والمجرور، في البناء التركيبيّ، على الفاعل يعطي دلالات معنويّة وإيقاعيّة[8]. واحتواء شبه الجملة على المعنى الدلاليّ يوضح لنا “أنّ مصطلح ((فضلة))، أو ((قيد)) الذي نصّ عليه النُّحاة في تقسيم الجملة الفعليّة لا يعني القيمة الدلاليّة، ولا علاقة له بالبؤرة الدلاليّة”[9].

    من قول الزهراء في خطبتها الفدكيّة: “لا تأخذه في الله لومة لائم”[10]؛ فتقديم الجار والمجرور (في الله) على الفاعل المضاف والمضاف إليه (لومة لائم)؛ يوجّه حركة المعنى في العبارة نحوه، ويحمل دلالة التمجيد والتعظيم لله الذي استحقّ التقديم، بعلوِّ قدره، ورفعة شأنه، واستحقاقه مكان الصّدارة.

2-تقديم الجار والمجرور على المفعول به:

من قول الزهراء في خطبتها الفدكيّة: “فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه”[11]؛ فتحريك الدّوالّ عن مواضعها المألوفة التي اعتادت أن تحلّ فيها –بتقديم الجار والمجرور على المفعول به مؤشّر على أنّ الذات المبدعة معنيّة بتوجيه مركز الثّقل الدلاليّ-الذي يمثّله الفعل إلى الجار والمجرور؛ بحيث يصبح بإمكانه استيعاب الحدث المسلّط عليه من الفعل استيعابًا كليًّا؛ ليقرّر في ذهن المتلقّي –من ثمّ-مدى تعظيم النبيّ والعناية والاهتمام؛ فقد انزاحت عن الترتيب التقليديّ لها وقدّمت الجار والمجرور المتّصل بالضمير الهاء الذي وقع مضافا إليه مجرورًا (لنبيّه) وذلك لتعظيم شأن النبي والعناية والاهتمام.

– من قول الزهراء في خطبتها الفدكيّة: “وأنار في التفكُّر معقولها”؛ تقديم الجار والمجرور (في التفكُّر) على المفعول به (معقولها)؛ فالتقديم بهذه الكيفيّة يثري الدلالة المطروحة، ويُوجّه حركة المعنى في البيت لخدمته؛ (ولتقوّي أواصر التفاعل بين المتلقّي والنص، ولكي تُحفّز ذهنه وتبعثه على التساؤل عن سبب هذا التقديم والتأخير، وبسؤالها هذا يصبح عنصرًا مفعلًا لديناميّة النص، ومُتلقّيًا إيجابيًّا يسعى إلى فهمه فهمًا صحيحًا؛ إذا ما أدرك أنّ هدف التقديم كان الاختصاص؛ لأنّ من خصوصيّات العقل هو التفكير.).[12]

3-تقديم الجار والمجرور على المفعول المطلق:

-“من قول الزهراء في خطبتها الفدكيّة: ثمّ قبضه الله إليه قبض”[13] ؛ تلجأ الزهراء إلى تحريك الدوالّ عن مواضعها الأصليّة، بما يتواءم مع هذه العناية، فنراها تعمد إلى تقديم الجار والمجرور(إليه) على المفعول المطلق (قبض)؛ بحيث (الله) يقود حركة المعنى في العبارة ، ويستقطب الحدث الناتج عن الفعل نحوه استقطابًا تامًّا ومن ثمّ، تتمخّض دلالة العبارة عن معنى التعظيم والاختصاص لله جلّ جلاله، إلى جانب تقريره وتوكيده، وتمكينه في ذهن المتلقّي.

4-تقديم الجار والمجرور على الخبر:

– من قول الزهراء في خطبتها الفدكيّة “وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون”[14]؛ فتقديم الجارين والمجرورين (في رفاهيةٍ من العيش) على الخبر يكشف عن رغبة الزهراء تصوير حالهم (في رفاهيةٍ من العيش)؛ والتقديم بهذه الكيفيّة يثري الدلالة المطروحة ،ويُوجّه حركة المعنى في العبارة لخدمتها. 

-من أنواع التقديم والتأخير الأخرى:

-“فوجدكم لدعائه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين” تُقدّم الزهراء معمول المفعول الثاني(وجد) الذي هو في الأصل خبر؛ لأنّ الأصل وجدتكم مستجيبين لدعائه ملاحظين، وهذا التقديم أعطى تخصيصًا كأنّ الزهراء توحي بمعنى لمَ استجبتم دعاء غيري، ولم تستجيبوا لدعائي؟!؛ أي خصصتم استجابتكم لذلك الدعاء لا لسواه، ولاحظتم الغرة ولم تلاحظوا غيرها!؟

-من التقديم قول الزهراء :”فحكم الجاهلية يبغون”[15] ، فإنها لو قالت: (يبغون حكم الجاهليّة) نلاحظ الفرق الدقيق بين المعنيين المستفاد من أسلوب الاستفهام المقدّم ؛أي أنهم يهدفون إلى إرجاع الناس إلى الوراء في ضوء سلوك الجاهليّة، وطمس المنجزات الكبيرة التي حقّقها النبي برسالته العظيمة، إذًا الغرض من التقديم هو التوبيخ والتقريع، فضلًا عن الفائدة التي حقّقها التعجُّب الاستنكاريّ[16]

   إنّ الخروج على الطُّرق المتعارفة في الأداء اللّغوي هو مكمن الإبداع في الخطاب الأسلوبيّ، والمبدع حينما يلجأ إلى تحريك الدوالّ عن مسارها الطبيعيّ، فإنه يُحمّلها –في الغالب-طاقات إبداعيّة تُشكّل المعنى وتثري الدلالة المطروحة، وتلك الطّاقات ما كان من الممكن توليدها لو أنه سار على النمط المثالي في رصف جمله، وإن كنا نلاحظ أن تلك الدلالات لا يمكن تأطيرها، أو تقنينها، أو صبّها في قوالب جاهزة تُطبّق على كل لون من ألوان الخروج على المستوى العادي للّغة؛ فالغرض من الظاهرة أمر يحدّده السياق وقرائن الأحوال أولا وأخيرا ، وربما يكون لجوء المبدع إلى تحريك الدوالّ عن مواضعها الأصليّة من أجل مقتضى صوتيّ يتمثّل في إقامة توازيًا صوتيًّا ، وذلك المقتضى الصوتيّ قد يؤازره ناتج دلاليّ، وقد لا تُصاحبه أيّ نواتج دلاليّة على الإطلاق….[17]

المبحث الثاني: الانزياح التّصويريّ:    

         تُعدّ الصورة جزءًا من أهم أجزاء الشعر؛ لأنّها تُسهم في إظهار المعنى وتقريبه للمتلقّي، وتُسهم إسهامًا مباشرًا في إظهار انفعالات الأديب، وإيضاحها وفقًا للمسار التصويريّ.  

        كانت عبارة الجاحظ التي وصفت الشعر بأنّه “صناعة، وضرب من النسيج، وجنس من التصوير”[18]، تقوم كلها على التقريب والتشبيه، وإيضاح التجربة الشعوريّة، من خلال ربط الصورة الحقيقيّة بالصورة المتخيّلة. فقوله: (صناعة) توحي بأنّها مقصودة لذاتها، أي لم يكتب الشعر إلا عن طريق مقصود، أراد المبدع أن يسلكه بإرادته، وقوله: (ضرب من النسيج، وجنس من التصوير)، توحي بأنّه قائم على المقاربة والمشابهة، وليس على المطابقة.

       فالصورة هي: “رسمٌ قوامه الكلمات”[19]، وتظهر أهميتها من كونها أداة مهمّة يتحدّد من خلالها أسلوب الكاتب[20]، ومن كونها تُحرّك ذهن المتلقّي، وتقرّب له بين المتباعدات، في البناء التصويري، وتحدث الانسجام فيه، “وتتضمّن بعض نماذج الصورة شحنات عاطفيّة قويّة”[21]، ترفع من درجة التأثير الذي تحدثه الصورة.

       تتحقّق أهمّيّة الصورة في الدرس الأسلوبي من كونها قائمة على الانزياح والتَّحوّل[22]، فهي تمثّل وجهًا من وجوه تركيز الرسالة، وتكرار الصور بإمكانه أن يحدّد السمات الأسلوبيّة الخاصة للمبدع[23].

أولا-الاستعارة:     

في اللغة: من قولهم استعار المال: إذا طلبه عارية[24]. وأعاره الشيء وأعاره منه وعاوره إيّاه والتعاور شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين[25].

وفي الاصطلاح: هي استعمال اللّفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي[26]. والاستعارة أنواع عدّة؛ منها التصريحيّة، والمكنيّة…

الاستعارة التصريحيّة:

       وهي التي يصرح فيها بلفظ المستعار منه “المشبّه به” وفيها يكون مستوى الصورة الظاهرة “أقرب مأخذًا وداله أبين أثرًا في التركيب إذا ذكر المستعار بلفظه في الاستعارة. ولذلك تعدّ الاستعارة التصريحيّة أبسط مظهر يخرج فيه هذا النوع من التصوير في الكلام، أمّا درجة عمق المدلول ومدى بعد المرمى فيتحكم فيهما المتعلقات خاصّة”[27].

الاستعارة المكنيّة:

       عرّفها السكاكي بقوله: “هي أن تذكر المشبّه وتريد المشبّه به دالاًّ على ذلك بنصب قرينة تنصبها وهي أن تنسب إليه وتضيف شيئًا من لوازم المشبّه به”[28]. والاستعارة المكنيّة “تتميّز بدرجة أوغل في العمق مرجعه إلى خفاء لفظ المستعار وحلول بعض ملائماته محلّه، ممّا يفرض على المتقبل تخطّي مرحلة إضافيّة في العمليّة الذهنيّة التي يكتشف إثرها حقيقة الصورة”[29].

تحتاج الاستعارة إلى نوع من التأمُّل في النصّ؛ بسبب خفاء هذا الفن البلاغي، وقد اتّخذت الزهراء من أسلوب الاستعارة طريقًا إلى القول الجميل، والخيال المثير، والعاطفة الفيّاضة، والفكر المحلّق، فبالاستعارة استطاعت الزهراء أن تجسّد المعنوي حتى يغدو كتلة من عالم المحسوسات تراه العين، وتسمعه الأذن، ويشمّه الأنف، ويتذوقه اللسان، وبالاستعارة ترتفع الأجسام إلى المعنوي، ويتحول الظاهر إلى العيان خفيًّا تطلع عليه النفس…فتقول عليها السلام: “واستقر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشيطان ،وطاح وشيظ النفاق، وانحلت عقدة الكفر والشقاق”[30]، وخرست شقاشق الشيطان: الخرس ذهاب الكلام وذهاب الصوت من الشيء، يقال منه: كتيبة خرساء إذا لم يسمع لها صوت ولا جلبة، والشقاشق: جمع شقشقة، وهي التي يغطى بها البعير، وتخرج من شدقيه إذا هدر، وإذا نحر لم توجد كذلك، وإنما هي لحمة في آخر فيه تنتفخ إذا هاج، وتمتد حتى تخرج من حلقه فإذا سكن انفشت والناقة تهدر ولا تغط لأنها شقشقة لها تمتد كذلك إذ لا تهيج فضربت لذلك مثلا لصولة الكفار وانقطاعها برسول الله[31] . لقد استعارت الزهراء هذا التعبير للخطيب؛ لأنهم إذا قالوا للخطيب ذو شقشقة فإنما يشبه بالفحل، وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازي.[32]

    قدّمت الزهراء عن طريق الاستعارة تصويرًا رائعًا لحال الدِّين بعد وفاة الرسول؛ تصف الزهراء حال الدين؛ إذ تُشبّه الدين بالرجل، ثمّ تحذف المشبّه به (الرجل) وتبقي لازمة من لوازمه وهو الجلباب، فقد أصبح حال الدين بعد وفاة الرسول كحال رجل سمُل ثوبه، وأخلق، فهو رثّ الثياب، وهذا منظر يبعث على الشفقة على رجل هذه حاله، فلو قالت مثلا: ضعُف حال الدين لما كان لتلك الكلمات وقع وتأثير لدى المتلقي، على حين كانت الاستعارة (سمل جلباب الدين) ذات تأثير فيه؛ لكونها صوّرت الموقف بدقّةٍ متناهية، وفنّيّةٍ عالية.   

    تُصوّر الزهراء أعمال أولئك الناس؛ إذ تقول: “ثمّ أخذتم تورون وقدتها، وتهيّجون جمرتها”[33]؛ إذ شبّهت الفتنة التي حصلت بعد وفاة الرسول بالنّار، واستخدمت لازمتين من لوازمها هما:  (وقدتها) و(جمرتها)، فقد شبّهت حال إثارتهم للفتنة ،عن طريق هاتين الاستعارتين بالذي يشعل النّار ويوقدها، وبالذي ينفخ في الجمر حتى يلتهب، أو يحركه حتى تشتعل ناره الكامنة فيه، لتحرق الأخضر واليابس.

      تُبيّن الزهراء في خطبتها دور الإمام علي ومكانته في نصرة الإسلام؛ إذ تقول:   “وَبَعْدَ ما مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالوَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، كُلَّما حشوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها، ونَجَمَ قَرْنٌ لِلضلال، وفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ[34] مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ بأخيهُ في لَهَواتِها[35]، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صماخها بِأَخْمَصِهِ[36]، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِحدّهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ، سِيِّدًا في أوْلياءِ اللّهِ”.[37]

     تُشبّه الزهراء المشركين الذين تعرّضوا للرسول والإسلام بهيئة وحش مفترس، وتُشبّه الإمام عليًّا بالسهم والرسول بالرامي. هذه الصورة تتركّب من ثلاث استعارات مكنيّة. في الاستعارة الأولى، شبّهت الزهراء المشركين بالوحش، حذف المشبّه به (الوحش) ودلّت عليه بلفظ (فغرت فاغرة) و(لهواتها) وطرفا التشبيه حسيّان والمشترك بينهما عقلي متمثل بالشر والخطر الذي ينجم من المشركين. وفي الاستعارة الثانية، تُشبّه الزهراء الإمام عليًّا  بالسهم وهي أيضًا استعارة مكنيّة حذف فيها المشبّه به، ودلّت عليه بلفظ (قذف) فالقذف يكون بالسّهم والحصى، فالطرفان حسّيّان والمشترك بينهما عقلي، وهو القوة والسرعة من جانب والقضاء على الأعداء من جانب آخر؛ لأنّ السهم إذا أصاب  الوحش في لهواته قتله، والإمام علي كان له دور بارز في القضاء على رموز الشرك والمشركين، والثَّابت أنَّ الرسول محمدًا كلّما تعرضت له طائفة من المشركين كلف الإمام عليًّا لمواجهتها والتّصدّي لها بدليل قولها: “فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه”[38] فلفظ الصماخ يدلّ كذلك على المحذوف في الاستعارة الأولى، فالرسول محمد كان يطلب من الإمام علي أن يردّ عنه المشركين والمنافقين فكان الإمام علي يخاطر بحياته ،ويتصدّى بنفسه لسادة المشركين وفرسانهم، ويخوض غمار الحرب بدليل قولها: ” قذف بأخيه في لهواتها”؛ أي في فم الموت بين أنياب الوحوش المفترسة والرماح المشرعة والسيوف الباترة، فلا يغادر عليه السلام أرض المعركة حتى يسحق رؤوس المشركين، وهامات أسيادهم وصناديدهم بباطن قدمه. وفي الاستعارة الثالثة، تُشبّه الزهراء الرسول محمدًا  بالرّامي البارع المُتمكّن من إصابة مركز الهدف بسهم قاتل. فحذفت المشبّه به وأبقت المشبّه، ودلّ على المشبّه به لفظ (قذف) فالاستعارة مكنيّة أيضا، والطرفان حسيّان والمشترك بينهما إصابة قلب الهدف، وهو عقلي. لقد أبدعت الزهراء في رسم صورة مركّبة في غاية الروعة والجمال من خلال الاستعارات الثلاث الموحية فالرسول محمد رام بارع ، والإمام علي سهم الرسول محمد ، والمشركون وحش مفترس.[39]   

    عندما أرادت الزهراء أن تُبيّن عظم الفاجعة التي لحقت بهم بعد وفاة الرسول محمد قالت:” خضعت الجبال، وأكدت الآمال” فهي تُشبّه الجبال بالرجل المفجوع بحبيب له، وهي أيضًا استعارة مكنيّة؛ إذ حذفت المشبّه به (الرجل) ودلّت عليه بإحدى لوازمه(الخشوع) والمشبّه (الجبال) والطرفان حسيان، والجامع بينهما عقلي وهو الإقبال بالقلب والحزن الشديد على فقده. ثمّ إنّ الآمال انقطعت، والآمال أمر معنوي فهي لا تقطع إلّا أن يكون الكلام محمولا على المجاز، فهي استعارة مكنيّة أيضًا حذف فيها المشبّه به، وهذه الاستعارة هي صورة لتدهور الأوضاع بعد فَقْد الرسول محمد.  

      من الاستعارات التصريحيّة الأصليّة قولها:” حتى تفرّى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه”، فهي تستعير لفظ الليل للضلال والكفر وعدم الهداية؛ لتشابههما في عدم الاهتداء، وتستعير لفظ الصبح للإيمان والهداية؛ لتشابههما في هداية الإنسان. إنّ ظلمات الكفر وليله الطويل انجلت بانشقاق نور الإيمان وصبحه المضيء، ببعثه النبي الخاتم وهذا ما أرادت الزهراء تصويره وبيانه، وتعدّ هذه صورة من أروع صور الخطبة؛ إذ جعلت المتلقّي يتحسّس ظلمة الكفر، وعدم الاهتداء عن طريق استشعاره لظلام الليل الدامس، وجعلته يرى انشقاق نور الإيمان وهدايته له إلى الصراط المستقيم عن طريق استئناسه بالنور الذي يضيء دنياه ومن ثمّ آخرته.[40]

ثانيًا-الكناية:   

     عدّ البلاغيّون الكناية إحدى وسائل التصوير، فقد عرّفها عبد القاهر الجرجاني بقوله: “أن يريد المتكلّم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ به إليه ويجعله دليلاً عليه”[41]؛ ما يعني أنّ الكناية في بعض الحالات تكون أبلغ من إثبات المعنى والتصريح به.[42] أي أنها تُيسّر للإنسان أن يفصح عمّا يدور في ذهنه بصورة غير مباشرة؛ لأنّ “لكل إنسان معانٍ يصعب الإفصاح عنها باللّفظ المباشر فيلجأ إلى التعبير عنها مجازًا”[43] مما يعني أن الكناية لها قيمة بلاغيّة في توضيح المعاني في صور المحسوسات؛ ما يؤثر تأثيرا كبيرًا في النفس ، ويحدث فيها انفعالا فيما تعجز اللغة العادية عن تصويره.[44] فهي لون من ألوان التعبير غير المباشر عن المعنى، إذ يتمّ من خلالها الربط بين معنيين “المعنى، أو الدلالة المباشرة الحقيقة ثمّ يصل القارئ، أو السّامع إلى معنى المعنى أي الدلالة المتّصلة وهي الأعمق والأبعد غورًا في ما يتّصل بسياق التجربة الشعوريّة والموقف”[45].

الكناية عن صفة: وهي “تتمثّل في كل تعبير يُرادُ به إلحاق صفة بموصوف ما ثمّ لا تذكر تلك الصفة صراحة، وإنّما يذكر أمر يكون بينه وبينها تلازم”[46].

الكناية عن موصوف: وهي “تتمثّل في كل تعبير يراد فيه الحديث عن موصوف ما فلا يصرّح بذكره فيه، ولكن يذكر من الصفات ما تدلّ عليه، ويُكنّى بها عنه لاختصاصها به”[47].

   تقول الزهراء في خطبتها:” فإن تَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ آبائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، فَبَلَّغَ النّذارةَ، صادِعاً بِالرسالة، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ[48]، ضارِباً لثَبَجهمْ[49]، آخِذاً بِكظمِهِمْ[50]…  

     تريد الزهراء بذلك أن تُثبت القرابة بينها وبين الرسول محمد  وحصرها بها من دون بقيّة الناس  بالكناية عن صفته؛ إذ نجدها ذكرت الموصوف ،ولم تُصرّح بالصفة(القرابة) ؛إذ تركتها لعامة المسلمين أن يعرفوها، فهي أرادت بقولها (تجدوه أبي) توكيد القرابة في أسماعهم وحصرها بها فقط؛ بمعنى لا يوجد منكم من يدّعي أنّ الرسول محمدًا  أباه، أو هو أكثر قرابة مني به، وهي بذلك توضح أنّ فضلها عليهم لا يمكن أن ينكره جاحد بدليل قولها: “أيّها الناس، أنا فاطمة وأبي محمد أقولها عودًا على بدء”[51] . فهي تبين أن جميع الحاضرين يعرفونها ولا يمكن لأحد منهم أن ينكر ذلك، وتؤكد هذه المنزلة والفضل بقول الرسول محمد :”فاطمة بضعة مني”[52]. ولكي تثبت قرابة الإمام علي من الرسول محمد كنّت على ذلك بلفظة (الأخ) وهي بذلك لا تقصد النسب الماديّ(القرابة)؛ وإنما أرادت الأخوة المعنويّة؛ لأنّ الإمام عليًّا لم يكن أخا الرسول محمد بالنّسب؛ وإنما ابن عمّه في الحقيقة، فهي تريد إثبات النّسب المادّيّ والمعنويّ معًا، وفي الوقت نفسه، أنها في هذه اللّفظة (الأخ) أرادت أن تُذكّر المسلمين أنّ الرسول محمد في مواضع كثيرة يصف الإمام عليًّا بالأخ ويقول: “هذا أخي” كما أنّه آخى بينه وبين الإمام علي حينما آخى بين المهاجرين والأنصار.[53]    

    تكنّي الزهراء بقولها: “والكلم رحيب والجرح لمّا يندمل”[54] عن المحنة الرهيبة الّتي تعرّضت لها، والآلام الّتي كابدتها، والأحزان الّتي تجرّعتها، بسبب وفاة أبيها، فقد أصبح جرحها واسعًا ومؤلمًا، ولم يكد يندمل ويبرأ حتّى حصل الّذي حصل ، فكان ذلك سببًا لسقوط النّاس في الفتنة ؛ إذ تقول: “ابتدارًا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين”.[55]  

    ومن قول الزهراء :”وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرةٍ من النار مُذقة الشارب، ونُهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام”.[56]

    فقولها (فهتم)؛ أي تلفّظتم، وفاه بالكلام لفظ به، وكلمة الإخلاص: كلمة التوحيد، وفيه تعريض بأنّه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم.

    كنّت الزهراء عن صفة في قولها هذا؛ فقد احتوى هذا النّص على عدد من الكنايات؛ إذ كنّت بـ(البيض الخماص) عن المؤمنين ،(أو يُقال أهل البيت) بذوي الوجوه البيضاء المنوّرة بنور الإيمان، (أو هو من قبيل وصف الرجل بالأغرّ)، وذوي البطون الخميصة الضامرة ؛ بسب الجوع، أو الزهد، أو الصوم، أو لعفّتهم عن أكل أموال النّاس بالباطل.

    فتصف الزهراء  حال النّاس قبل مجيء الإسلام، ولتبيّن حالهم التي كانوا عليها، ولتوجّه أنظارهم إلى المقارنة بين حالهم تلك، وحالهم بعد ظهور الإسلام وانتصاره. لذلك، عمدت إلى استخدام عدد من الكنايات المتساوقة بعضها إثر الآخر؛ فقد كنّت بـ(مذقّة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام) عن ضعفهم وذلّهم، فهم في ضعفهم واستكانتهم مثل الشربة البسيطة السهلة للشارب، والفرصة المتاحة للطامع، والشعلة أو الجذوة من النار يأخذها الرجل المتعجّل المسرع، وموطئ الأقدام.[57]

    تستخدم الزهراء كنايات عدّة ؛لتصف حال الناس التي آلوا إليها بعد وفاة النبي ؛إذ تقول: أَلا وقَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ[58]، وَنَجَوْتُمْ بالضِّيقِ من السَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ[59]، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ[60]، فهي تكنّي بقولها: “أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ” عن صفة إقامتهم على الراحة وسعة العيش، وتكنّي بقولها: “فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ” عن الارتداد عن الحق والدين ورفض الالتزام بهما، فهم بهذه الصفة يشبهون الذين رموا من أفواههم ما كان فيها من شراب؛ إذ تقول العرب: “مجّ الشراب من فيه: رماه”[61] ، وهم يشبهون الذين تقيّأوا الشراب الذي شربوه بسلاسة ولذّة وسهولة؛ إذ تقول العرب: “ساغ الشراب سوْغًا وسواغًا: سهل مدخله”[62].

    لوّنت الكناية إحدى البِنْيات التصويريّة الّتي أرفدت نصّ خطبة الزهراء في رسم صورها، وتبيّن أنّ بِنْيتها أدّت دورًا فعّالاً في إقناع الجمهور، وتأكيد الدّلالات المطروحة في مُخيّلتها عبر البرهان المنطقيّ، والدليل المادّيّ المحسوس، وتجاوزت بها مرحلة الإبلاغ إلى مرحلة التأثير والإبداع، وقد جاءت غالبًا كناية عن صفة .      

    ممّا تقدّم، يتّضح أنّ استعمال السيدة الزهراء في طريقة الصّواغة التي وظّفتها في الكناية لها محاسن عديدة لا يصل إليها إلّا كلّ بليغ مُتمرّس لطف طبعه، وصفت قريحته، فضلًا عن هذا أنّ صواغة الجملة بقالب الكناية في صورٍ كثيرة تعطيك الحقيقة مصحوبة بدليلها والقضيّة في طبعها وبرهانها.   

    نجد الصور الكنائيّة في خطب الزهراء لترسم من خلالها الصور الأدبية، أو تتخذ منها وسيلة ترمز بها إلى معان تقصدها وإيصالها إلى المتلقي بالحجة والبرهان؛ “لأنّ إثبات الحجة بالبيّنة والبرهان أبلغ من إثباتها بلا بيّنة”[63]. ولا غرابة في ذلك إذا ما علمنا أنّ تلك الخطيبة هي ابنة أفصح العرب ، وأبلغهم لسانًا.

ثالثًا-الرمز اللّغويّ:

      يُعدّ الرمز اللغويّ من البنى التصويريّة التي يُتوسّل بها إلى التعبير عن المعنى بصورة غير مباشرة، حيث لا تُراد الدلالة الظاهرة للّفظ، وإنّما تُراد دلالة أخرى خفيّة تنبثق في ذهن المتلقّي، بحكم التلازم العرفيّ بين الدلالتين: الظاهرة والخفيّة[64].

   يتميّز الرمز اللُّغويّ –مثله في ذلك مثل سائر الأساليب الكنائيّة- بغموض مدلوله وخفاء معناه؛ وذلك لقلّة الوسائط التي تربط بين الدوال ومدلولاتها أو انعدامها؛ بل إنّ هذا الخفاء ليزداد كلّما كان الرمز موغلًا في الخصوصية؛ بحيث يكاد استعماله يقتصر على شاعر/خطيب بعينه دون غيره من الشعراء/الخطباء ، وقد يكون قدم العهد بالرمز وبعد الشقّة بين زمن إبداعه وزمن تلقّيه –من الأسباب التي تحول دون إلف المتلقي للرمز وفهم مغزاه. [65]  

    استخدمت الزهراء أساليب الإيحاء والرمز في خطبتها الغرّاء؛ لأنّ النص مجموعة من العلامات والإشارات التي تكشف عن الغموض، والخطيب إنما يتعامل مع هذا النوع من العلامات والإشارات لتوطيد العلاقة بين المتلقي والنص؛ لأنّ القوانين الاجتماعية تفرض نوعًا من التخاطب المشفر عبر علامات يتمّ الاهتداء بها[66]؛لأنّ الشفرة تملك خاصيّة إبداعيّة متفردة، فهي قابلة للتجدد والتغيُّر والتحوُّل ،حتى وإن ظلت داخل سياقها. ومن الأمثلة التي تؤكد استخدام الزهراء لهذا النوع من الإيحاء قولها:” مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام….”[67] فقولها مذقة الشارب إشارة إلى تصغير أمرهم، والنهزة الفرصة؛ تريد أنّ كل طامع كان قادرًا عليكم، وكنتم عنده فرصة ينتهزها ؛أي يغتنمها، وكل هذه الكلمات تُشير إلى ذلّهم قبل أن أعزّهم الله بالإسلام.

رابعًا-التناص:

    عمدت الزهراء إلى التناصّ الدينيّ، فقد ضمّنت خطبتها آيات من القرآن الكريم بطرق مختلفة؛ لإدراكها بقوّة الأثر الذي يتركه التناصّ القرآنيّ لدى المتلقّي، وعمق دلالته التي يتركها. نلاحظ أنّ هذا الاستخدام لتلك النصوص القرآنيّة جاء مؤكّدًا ومنسجمًا مع رؤى الزهراء التي قدّمتها من خلال خطبتها.  

       ومن هذه التناصّات التي اعتمدت فيها الزهراء في خطبتها استعارتها من القرآن الكريم لتتناصّ معها قولها:

 (كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع).

     جمعت هذه العبارات صيغ توازن واحدة في نهايتها، وهي صيغ سجعيّة ، موزعة فقراتها، وهو كثيرا ما تكرر في الخطبة ،وهو منساق وراء المعنى ،ويجري عفو الخاطر من دون قهر للفظ؛ فالصفات التي أسبغت على القرآن الكريم متناصّة من آيات القرآن في سور متفرّقة وصفت بها، فـ(الكتاب الناطق) مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ولا نُكلّف نفسًا إلا وسعها ولدينا كتابٌ ينطق بالحق وهم لا يُظلمون﴾[68].

وقوله تعالى: ﴿هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾[69]

و(القرآن الصادق) مستمدّ من قوله تعالى: ﴿فمن أظلم ممَّن كذب على الله وكذّب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتّقون﴾[70]

ومن قوله تعالى ﴿وهذا كتاب مصدّق لسانًا عربيًّا﴾[71]

وقولها (النور الساطع) وصف آخر مأخوذ من التعبير القرآني الذي وصف الكتاب العزيز بالنور بجامع الهداية إلى النجاة والفوز برضوان الله تعالى ،نحو قول الله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيّن لكم كثيرًا ممّا كنتم تُخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مُبين﴾[72]، وقوله تعالى:﴿ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا﴾[73]، وقوله تعالى: ﴿فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون﴾[74]

و(الضياء اللامع) لفظ منقول من قوله تعالى في موسى: ﴿ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكرًا للمتّقين﴾[75] .

    لقد تمّ رصد أشكال التناص لدى خطبة الزهراء وقيمته الفنّيّة في إبداعيّة النصّ النثريّ ، ففي مجال التناص القرآني؛ فقد لُوحِظَ أنّ الزهراء قد استحضرت التراكيب القرآنيّة بلفظها استحضارًا قد يصل إلى حدّ التنصيص، فتندغم وتتداخل الصياغة النثريّة بالصياغة القرآنيّة اندغامًا وتداخلاً والتحامًا ما يُسهم في إنتاج شعريّة الخطاب، كما عمدت إلى التصرُّف في بنية التعبير القرآني المُستدعَى بالإضافة، أو الإحلال، أو التبديل، وإن كانت هذه التصرّفات قليلة ولا تمسّ جوهر التعبير، وهذا بدوره يُسهم في تعزيز الدلالة المطروحة وتعضيدها، وإحكام المعنى وتوثيقه ،فضلاً عمّا يُضفيه من معاني القداسة والجلال على الصياغة النثريّة في خطبتها.

الخاتمة:

بعد هذه الرِّحلة الماتعة في رحاب الخطبة الفدكيّة، أقول:

وما الخطبة الفدكيّة للزهراء إلّا مثال للإبداع اللغويّ فقد نقلت اللغة إلى مستويات عالية من التواصل، وتمثّل ذلك في الخروج من إطار التقليديّة المباشرة إلى وظيفةٍ تعبيريّة وجماليّة منظمة ومبتكرة ذات مستوى أعلى، فكان لها تأثير كبير في عصرها ، واستمر إلى وقتنا الحاضر.

-بيّنت الدِّراسة وجود ظاهرة ارتباط الألفاظ وتداعيها مع بعضها لإنتاج معنى واحد؛ ليشكّل أعلى مستويات الطّلاقة عند المبدع.

-كشفت الدراسة عن بِنْية التقديم والتأخير التي تُعدّ من الظواهر الأسلوبيّة البارزة في خطبة الزهراء، وقد جعلتها الزهراء من العوامل الّتي تُسهم في إثارة المتلقّي، ومُشاركته في الوقوف على جماليّات النصّ الإبداعيّ.

-استخدمت الزهراء الاستعارة في خطبتها واتّخاذها طريقًا للتوسُّع والتّصرُّف في الألفاظ للدفاع عن حقّها والظلم الذي لحق بها بعد وفاة النبي. وكانت الاستعارة المكنيّة أكثر ورودًا من الاستعارة التصريحيّة؛ فكان للاستعارة دورها المؤثّر في رسم الصورة ، وتنويع دلالات الألفاظ وإخراجها من دلالاتها الحقيقيّة إلى دلالات مجازيّة.   

      فقد لُوحِظ أنّ الزهراء تأتي باللّامُتوقّع واللّامُنتظر من التّراكيب، على نحوٍ يُسهم في تفجير الطّاقات الإيحائيّة التي تُشكّل المعنى، وتُثري الدلالة المطروحة، وهو ما تعجز عنه اللّغة في مستواها النّمطيّ المألوف عن تحقيقه. فقد لجأت الزهراء إلى تحريك الدوالّ عن مواضعها الأصليّة، وقد وُرِدت هذه الظاهرة في أشكالٍ مُتباينة ما يدلّ على ثراء هذه الظاهرة في خطبتها الفدكية فمنها ما جاء للتخصيص، ومنها ما جاء للتعبير عن الموقف الوجداني، ومنها ما جاء للتحديد الزمني، فضلاً عن تقوية المعنى المراد وتوكيده.   

لوّنت الكناية إحدى البِنْيات التصويريّة التي أرفدت خطبة الزهراء في رسم صورها، وتبيّن أنّ بنيتها أدّت دورًا فعّالاً في إقناع الجمهور، وتأكيد الدّلالات المطروحة في مخيّلتها عبر البرهان المنطقيّ، ومشفوعةً بالدليل المادّيّ المحسوس، وتجاوزت بها مرحلة الإبلاغ إلى مرحلة التأثير والإبداع، وقد جاءت غالبًا كناية عن صفة…فتُمثّل وسيلة إقناع فنّيّ من خلال قدرتها على تصوير المعاني المجرّدة وتجسيدها في مشاهد محسوسة يتمثّلها المتلقي تمثّلا حسِّيًّا يثير عواطفه، ويوقظ شعوره، ويُحرّك خياله.   

ثبت المصادر والمراجع:

أولًا-الكتب

-القرآن الكريم.

-ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ.

-ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656ه)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبد الكريم النمري، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1418ه/1998م.

-أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور، بلاغات النساء، تحقيق: بركات يوسف عبود، المكتبة العصريّة، بيروت، 1426ه/2005م.

-أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، تحقيق: الدكتور محمد التنوجي، مؤسسة المعارف،  بيروت، 1999م.

-أحمد عبد العزيز إبراهيم باز، شعر جرير دراسة أسلوبيّة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، 2001-2002م.

-أوزوالد ديكرو، جان ماري سشايفر، القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان، ترجمة: د. منذر عياشي، المركز الثقافي العربي،2007م.

-الأزهر الزناد، دروس في البلاغة، نحو رؤية جديدة، المركز الثقافي العربي للنشر، بيروت،1984م.

-جلال بن عبد الرحمن القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة(المعاني والبيان والبديع)، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1916م.

-الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة الحلبي، القاهرة،1384ه.

– حسن الطبل، في علم البيان، مكتبة الزهراء، القاهرة،1995م.

-أ. م. د. حسين لفته حافظ، المعاني البلاغية في خطبة الزهراء عليها السلام، مركز دراسات الكوفة/ جامعة الكوفة، 2012م/ 1434هـ.

-سيسل دي لويس الصورة الأدبيّة، ترجمة: أحمد ناصيف الجنابي وآخران، دار الرشيد، بغداد،1982 م.

-السكاكي، مفتاح العلوم، تحقيق: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت،1987م.

– د. صلاح فضل، علم الأسلوب والنظريّة البنائيّة ،دار الكتاب المصري، القاهرة ،1427هـ.

-الطاهر أحمد الزاوي، مختار القاموس، الدار العربيّة للكتاب، ليبيا-تونس، 1983م.

-الطبرسي، أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، دار المرتضى، بيروت، 2008م.

-عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، 1984م.

– عمر عتيق، دراسات أسلوبية، دار جرير، عَمّان ،1433هـ.

-د. غازي يموت، علم أساليب البيان، دار الأصالة، بيروت، 1983م.

-فايز الداية، جماليات الأسلوب: الصورة الفنيّة في الأدب العربيّ، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2012م.

-مديحة جابر السايح، المنهج الأسلوبي في النقد الأدبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر ،2000م.

-د. محمد عبد المطلب، البلاغة العربية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1997م.

-ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، البلاغة والأسلوبيّة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 2012م.

-محمد الهادي الطرابلسي، خصائص الأسلوب في الشوقيات، منشورات الجامعة التونسية، تونس، 1981م.

-د. محمد صغير بناني، النظريات اللسانية والبلاغية عند العرب، دار الحداثة، بيروت، 1986م.

ثانيًا-المجلات (البحوث المحكّمة):

-حسين لفتة حافظ، خطبة الزهراء الكبرى، دراسة بلاغية، في: مجلة كليّة الفقه، جامعة الكوفة، كلية الفقه، ع18، 2013م. 

-د. طلال خليفة سلمان، الخصائص الأسلوبية في خطبة الزهراء، في: مجلة كليّة التربية، المجلد  الأول، العدد الرابع، 2011م.

-أ. م. د. طلال خليفة سلمان، كسر أفق التوقّع في خطبة السيدة الزهراء، في: مجلّة دواة، الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، قسم الإعلام، دار اللُّغة والأدب العربي، مج3، ع11، شباط 2017.

-عبادة حرز حبيب، خطب السيدة فاطمة الزهراء، دراسة فنية، في: مجلّة كليّة التربية الأساسية، ملحق العدد الخامس والسبعون، 2012م.

-أ.م. د. قصي سمير الحلي، و أ. د. سيف العيساوي، الإبداع اللغوي، في : مجلة كليّة التربية، جامعة بابل، 2022م.


[1] أ. م. د. طلال خليفة سلمان، كسر أفق التوقّع في خطبة السيدة الزهراء، في: مجلّة دواة، الأمانة العامّة للعتبة الحسينيّة المقدّسة، قسم الإعلام، دار اللغة والأدب العربي، مج3، ع11،ص29.

[2] أ.م. د. قصي سمير الحلي، و أ. د. سيف العيساوي، الإبداع اللُّغوي، في : مجلة كليّة التربية، جامعة بابل، 2022م، ص6.   

[3] مديحة جابر السايح، المنهج الأسلوبي في النقد الأدبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر ،2000م، ص192.

[4] الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز،م.س،ص81.

[5] المصدر نفسه، ص109.

[6] محمد عبد المطلب، البلاغة والأسلوبيّة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ص364.

[7] -د. محمد عبد المطلب، البلاغة العربية، مكتبة لبنان ناشرون، 2012م، ص255.

[8] – عمر عتيق، دراسات أسلوبية، دار جرير، عَمّان ،1433هـ، ص49.

[9] -المصدر نفسه، ص49.

[10] الطبرسي، الاحتجاج، ج1، ص147-149.

[11] المصدر نفسه، ج1، ص147-149.

[12] أ. د. طلال خليفة، كسر أفق التوقع، مصدر سابق، ص38-39.

[13] الطبرسي، الاحتجاج، ج1، ص147-149.

[14] المصدر نفسه، ج1، ص147-149.

[15] الطبرسي، أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، دار المرتضى، بيروت، 2008م، ج1، ص147-149.

[16] حسين لفته حافظ، المعاني البلاغية في خطبة الزهراء عليها السلام، مركز دراسات الكوفة/ جامعة الكوفة، 2012م/ 1434هـ، ص122.

[17] أحمد عبد العزيز إبراهيم باز، شعر جرير دراسة أسلوبيّة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، ص14. 2001-2002م، ص33.(بتصرف)

[18]-الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة الحلبي، القاهرة،1384ه، ج3،ص132.

[19] -سيسل دي لويس الصورة الأدبيّة، ترجمة: أحمد ناصيف الجنابي وآخران، دار الرشيد، بغداد،1982م، ص21.

[20] – د. صلاح فضل، علم الأسلوب والنظريّة البنائيّة ،دار الكتاب المصري، القاهرة ،1427هـ، ج 1، ص300.

[21] -المصدر نفسه،ج1،ص304.

[22] -أوزوالد ديكرو، جان ماري سشايفر، القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان، ترجمة: د. منذر عياشي، المركز الثقافي العربي،2007م،ص521.

[23] -المصدر نفسه، ص524.

[24] -أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، مصدر سابق، ص329.

[25] -ابن منظور، لسان العرب، مادة (عور).

[26] -أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، مصدر سابق، ص331.

[27] -الأزهر الزناد، دروس في البلاغة، نحو رؤية جديدة، المركز الثقافي العربي للنشر،بيروت،1984م،ص65.

[28]-السكاكي، مفتاح العلوم، تحقيق: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت،1987م، ص160.

[29] -محمد الهادي الطرابلسي، خصائص الأسلوب في الشوقيات، مصدر سابق، ص166.

[30] الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص147-149.

[31] حسين لفتة حافظ، خطبة الزهراء الكبرى، دراسة بلاغية، في: مجلة كليّة الفقه، جامعة الكوفة، كليّة الفقه، ع18، 2013م، ص123. 

[32] المصدر نفسه، ص124.

[33] الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص147-149.

[34][34]فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ: الطائفة المُعادية.  

[35] قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها: اللّهوات: جمع لهوة ،وهو ما يلقى في الرحى للطحن ؛والمراد: الكناية عن الشدائد والمعارك الطاحنة. 

[36] يَطَأَ صماخها بِأَخْمَصِهِ: الصماخ: الأذن. والأخمص: ما يُصيب الأرض من باطن القدم؛ والمراد: وصف انتصاره  على المشركين.

[37] الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص147-149.  

[38] المصدر نفسه، ج1، ص147-149.

[39] عبادة حرز حبيب، خطب السيدة فاطمة الزهراء، دراسة فنية، في: مجلة كلية التربية الأساسية، ملحق العدد الخامس والسبعون، 2012م، ص13.

[40] د. طلال خليفة سلمان، الخصائص الأسلوبية في خطبة الزهراء، في: مجلة كليّة التربية، المجلد  الأول، العدد الرابع، 2011م، ص29.

[41]عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني،القاهرة، 1984م، ص66.

[42] المصدر نفسه، ص56-57.

[43] د. محمد صغير بناني، النظريات اللّسانيّة والبلاغيّة عند العرب، دار الحداثة، بيروت، 1986م، ص335.

[44] د. غازي يموت، علم أساليب البيان، دار الأصالة، بيروت، 1983م، ص302.

[45] -فايز الداية، جماليّات الأسلوب، مصدر سابق، ص141.

[46] -حسن الطبل، في علم البيان، مكتبة الزهراء، القاهرة، 1995م، ص78.

[47] -حسن الطبل، في علم البيان، مصدر سابق، ص82.

[48] مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ: مشمّرًا مجدًّا في دفعهم وتحطيمهم.

[49] ضارِباً ثَبَجَهُمْ: الثبج : وسط الشيء.

[50] آخِذاً بِأكْظامِهِمْ: الكظم: مخرج النفس من الحلق، والمراد: وصف سعيه الشديد في تحطيمهم.

[51] شرح نهج البلاغة، 9/193.

[52] أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور، بلاغات النساء، تحقيق: بركات يوسف عبود، المكتبة العصريّة، بيروت، 1426ه/2005م، ص 25.

[53] عبادة حرز حبيب، خطب السيدة الزهراء، مصدر سابق، ص17 .

[54] الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص147-149.

[55] المصدر نفسه، ج1، ص147-149.

[56] المصدر نفسه، ج1، ص147-149.

[57] د. طلال خليفة، الخصائص الأسلوبية في خطبة الزهراء، ص31(بتصرف)

[58] وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ: الدّعة: الراحة والسكون

[59] فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ: تركتم التعاليم الدينيّة.

[60] وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ: الدسع: الدفع والقيء. وسائغ الشراب: ما سهل مدخله من الحلق. والمراد: تركهم للتعاليم الإسلاميّة.

[61] الطاهر أحمد الزاوي، مختار القاموس، الدار العربيّة للكتاب، 1983م، ص566.

[62] المصدر نفسه، ص316.

[63] جلال بن عبد الرحمن القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة(المعاني والبيان والبديع)، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1916م، ص329.

[64] أحمد عبد العزيز إبراهيم باز، شعر جرير دراسة أسلوبية، رسالة ماجستير غير منشورة ،2001-2002م، ص305.

[65] المصدر نفسه، ص234.

[66] أ. م. د. حسين لفته حافظ، المعاني البلاغية في خطبة الزهراء، مركز دراسات الكوفة، مصدر سابق، ص122.

[67] الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص147-149.

[68] الآية 62، المؤمنون/23.

[69] الآية 29، الجاثية/45.

[70] الآيتان: 32-33، الزمر/39.

[71] الآية 12، الأحقاف/46.

[72] الآية 15، المائدة/5.

[73] الآية 174، النساء/4.

[74] الآية 157، الأعراف/7.

[75] الآية 48، الأنبياء/21.