السَّبْكُ الصُّوْتِي وَأَثَرُهُ فِيْ بِنَاْءِ الْنَّصِّ
الْخـطْبَةُ الْفَــدَكِيَّةُ مِثَاْلاً
أحمد موفق مهدي
الكلماتُ المفتاحية: السَّبْكُ، السَّجَعُ، الجِنَاسُ، التّوازي، الخطبةُ الفدكيَّةُ
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
الملخص
هذا بحثُ يتناولُ السَّبْكُ الصُّوْتِي وَأَثَرُهُ فِيْ بِنَاْءِ الْنَّصِ الْخـطْبَةُ الْفَــدَكِيْةُ مِثَاْلاً، وقد اقتضت خطة البحث أَن يكون في أربعةِ مباحث هي: السَّبْكُ لُغَةً وَاصْطِلَاْحَاً، والسَّجَعُ، والجِنَاسُ، والتوازي، وقد بيَّنَ البحث قدرة السَّيدة الزهراء (عليها السَّلام) على الإبداع الذي تحقق في السَّبكِ الصوتي للخطبةِ الشريفةِ، فجاءت مقاطع الخطبة متماسكة ومتلاحمة بواساطة ركونها إلى أدوات تركيبية استطاعت (عليها السَّلام) في ضوئها أن تجعلَ النَّصَ مرتبطاً في جُمَلِهُ ومقاطعه، كما أنَّ السيدة الزهراء عليها السَّلام اختارت اللفظ المُعَبر الموحي ببلاغة عالية صادرة عن وعي وفكر قل نظيرهما ومثيلهما إلَّا عند نبينا الأكرم محمَّد (صلى الله عليه وآله)، وأمير البلاغة والفصاحة والبيان الإمام علي (عليه السَّلام)، فارتقتْ بأساليبها وفصاحتها إلى درجة البلغاء؛ إذ جعلت الألفاظ ناطقة معبرة على الرغم من الموقف الذي ينأى فيه العقل عن التعقل والتدبر، فجاءت بجمل وعبارات في قمة بالحكمة والعلم، وأظهرت الدِّراسة انَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) استعملتْ عدداً من التقنيات الصوتية كالتوازي والسجع، فقد حقق التوازي تجانساً صوتياً، وإيقاعاً تكرارياً، كما حقق السجع إيقاعاً موحداً خالياً من التكلف، متسماً بالسلاسة والتتابع الصوتي والتناغم الإيقاعي، وأظهرتْ الدراسة أيضاً أنَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) وظفتْ أنواعاً من السجع، منها السجع المتوازي، والسجع المُطّرف، فضلاً عن استعمالها (عليها السَّلام) نسق التصريع الذي كان فيه كثير من التناسق الإيقاعي المؤثر، وعمق البناء النّغمي المتولِّد من السجع والجناس بأنواعه المختلفة, فكان له الأثر البالغ في نقل المشاعر والأحاسيس وتوضيح المعنى والتأثير في المتلقِّين.
المقدمــة
الحمدُ للهِ جلَّت أسماؤُه، وسمتْ أوصافُه، الذي علَّم الإنسانَ، وشرَّف العربيَّةَ بنزولِ القرآن، وأفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ على النَّبيِّ الأمينِ، الذي فتحَ أبوابَ العلمِ والرحمةِ للعالمينَ، وعلى غصنِ دوحتهِ، وأوَّل مَنْ صَدَّقَ برسالتهِ، وعلى الصدِّيقةِ الزهراءِ البتولِ، وعلى الذريّة الطاهرة، مِنْ ولدِهم أجمعينَ.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ المتأمِّلَ في الدَّراساتِ اللسانيةِ الحديثةِ يجد أنَّها أسهمتْ بولادةِ علمٍ جديدٍ يُعرَفُ بـ(نحوِ النَّصِ)، إذ يقومُ هذا العلمُ على تجاوزِ الرَّبطِ بيّن أجزاء الجملة الواحدة، إلى الربطِ بيّن مجموعة من الجملِ، فهو ينبثقُ من النَّظرةِ الكليةِ للنَّصِ مِنْ دُونِ الفصلِ بيّن أجزائهِ، ليُظهر ــــ أعني النَّص ــــ نسيجاً واحداً، وبنيةً متكامةً، ومِنْ ثَمَّ الحكم على جودةِ النَّصِ.
لقد عُنِيَ البحثُ بالخطبةِ الفدكيةِ للسيدةِ الزكيةِ فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) بنت الرَّسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله)، للكشفِ عن الجوانبِ النَّصيةِ في النَّصِ، مستفيداً ممَّا قدَّمته الدَّراسات الغربية في هذا المجال، تلك التي اعتمدت على مجموعة من المعايير التي حُدِّدتْ بسبعةِ معايير في ضوئها يكون الحكم على نصيةِ النَّصِ، وهي:السَّبك، والحبك، والقصد، والقبول، والتناص، ورعاية الموقف، والإعلام، وقد وقع الاختيار على معيارٍ واحدٍ مِنْ هذهِ المعايير، وهو(السَّبك) دارساً إياه دراسةً صوتية تطبيقةً على نصٍ لطالما تَرَدّد على لسانِ محبي أهلِ البيتِ، وأقتبسه أغلب أهلُ العلمِ والفضلِ في خطبهم، أو الدفاع عن حقهم، فخطبةِ سيّدةِ النِّساءِ (عليها السَّلام) اختصرتْ ما جرى بعد رحيلِ المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، في نصٍّ مُعَدٍّ أفضل إعدادٍ، ومنظّم أحسنَ تنظيمٍ، لوقائعٍ جرت في مجتمعِ المسلمينَ الأوَّل، ثبّتتْ فيه اعتراض بيتِ النبوّةِ .
وكان لهذهِ الخطبةِ أهميَّةٌ كبيرةٌ؛ لأنَّها صدرتْ مِنْ بيتِ النبوّةِ في لحظةٍ تأريخيّةٍ فاصلةٍ، لحظة الإحساس بالانعطافِ الكبير بعد رحيله (صلى الله عليه وآله)، لحظة تصرّف صحابتهِ، وأقرب النّاس إليه، وهذا واضحٌ، في قول السيدة الزهراء (عليها السَّلام): ” أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله… فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ … ﴿وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ﴾([1])“([2]).
إذ تفصح الخطبةُ وما يحيطُ بها عن محنةِ التغيير،، وشدَّةِ التداخل والاختلاف، فتعترضُ السَّيدةُ الزهراءِ (عليها السَّلام (على آفاق المنهج الجديد الذي بدتْ ملامحُ تأسيسهِ تتّضِحُ، وأخذ يفرض وجوده السياسي والإعلاميّ والاقتصاديّ مدعوماً بجهدِ الدولةِ الجديدة التي صارت تنحاز إلى غير العترة الطاهرة.
إنَّ العناية اللغويّة والأدبيّة والنقديّة بهذه الخطبة مهمّة على مستوى التحليل النَّصيّ والاستشهاد الثقافي والاجتماعي، إذ بفهم هذه الخطبة حاجة إلى إعادة نظر من زوايا جديدة، وأدوات معرفية مختلفة، تكشف عن منطقها وأسرارها وتأويلها وفهمها؛ لذا نجد كثيراً من العلماء القدامى قد اهتم بدراستها وشرحها وبيان مفرداتها([3])، فضلاً عن الدِّراسات الحديثة التي درست هذا الخطبة بمستوياتٍ مختلفةٍ وبأساليبٍ متعددةٍ([4])؛ لأنَّ خطبتها (عليها السَّلام) امتازت بعمقِ معانيها، ودقّةِ البيان فيها، وفصاحةِ ألفاظها، وقوَّةِ تركيبها، وجمالِ أسلوبها، وحُسنِ أدائها، مفصحةٌ عن بلاغةِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) وفصاحتهِ، ومنطقُ عليٍ (عليه السَّلام) وخطابهِ.
وحاولت جاهداً ــــــ في هذا البحثِ ـــــ تطبيق معيار السَّبك الصوتي على الخطبةِ الفدكيةِ، مستهلاً البحث بمقدِّمةٍ وتمهيدٍ، وَمِنْ ثَمَّ لحقتها ثلاثةِ مباحث، وخاتمةٍ .
وأمَّا التمهيد فقد تناولتُ فيه تعريفُ السٍّبكِ في اللغةِ والاصطلاحِ، فضلاً عن السَّبكُ الصوتي، واشتمل المبحثُ الأول على السَّجَعِ، وعرضتُ في المبحثِ الثاني الجنَاسِ، وأمَّا في المبحثِ الثالث فقد درستُ فيه التوازي.
ولا بُدَّ مِنْ الاشارةِ إلى أنَّ الباحثَ اعتمد منهجَ التطبيقِ أكثرَ مِنْ التنظيرِ؛ لأَنَّ طبيعةَ الدِّراسة تتطلب ذلك، فهي دراسةٌ تقوم على إظهار السَّبْكُ الصُّوْتِي وَبيَّان أَثَرِهِ فِيْ بِنَاْءِ الْنَّصِ، وترابط أجزائهِ، وإبرازهِ بوصفهِ وحدة متكاملة، ولا ريب في أنَّ ذلك يتعلق بتطبيق هذا المعيار على النَّصِ.
التمهيد/ مَفْهُوْم السَّبْكُ الصُّوْتِي
السَّبكُ لغةً : السَّبكُ فِيْ اللُّغَةِ هو: تَسْبِيْكُ السَّبيكةِ أيّ هو عمليةُ إِذَابَةِ الذَّهَبِ، أو الفضةِ، ووضعها فِيْ قالبٍ من حديدٍ؛ حتى تَخْرُجُ مُتَمَاسكةً متلاصقةً، وتُسمَّى حينئذٍ سَبِيْكَةً([5])، وقد اسْتُعمِلَ المصطلح للدَّلالةِ عَلَى الكلامِ مِنْ بَابِ المجازِ، قال الزمخشري :”وَمِنْ المَجَازِ: هذا كلامٌ لا يُثبتُ عَلَى السَّبكِ، وهو سبَّاكٌ للكلامِ”([6]).
وفي ضوءِ ما تقدم يَتَبيَّنُ وجودُ علاقةٍ بيّن المعنيين المعجميّ والمجازي الذي انتقلتْ إليه دلالة اللفظة، وذلك لإنَّ المتكلم يقومُ بجمعِ ألفاظٍ من شتاتٍ، فيجمعها في ذِهْنِهِ فتخرجُ متماسكةً، وقد يُخطئ سبَّاكُ الذَّهب، فتخرجُ السبيكةُ مشوهةِ المظهرِ، كذلك يخرجُ الكلامُ من فمِّ
المتكلمِ،إمَّا حسُنُ السَّبكِ لإجادةِ المتكلم الصياغة، أو رديء السَّبكِ فتمُجُّهُ الأذنُ لعيِّ صاحبه .
السَّبكُ اصطلاحاً : هو المعيارُ الذي يهتمُّ بشكلِ النَّصِ، ويدرسُ الوسائلُ التي تُتحققُ بها خاصيةُ الاستمرار اللفظي، فهو يترتبُ على إجراءاتٍ تبدو بها العناصر على صورةِ وقائع يؤدي السابق منها إلى اللاحق، حتى يتحققَ لها الترابط الرصفي([7]).
وعَرَّفَهُ الدكتور تمَّام حسَّان بقولهِ: “السَّبكُ إحكام علاقات الأجزاء، ووسيلة ذلك إحسان استعمال المناسبة المعجمية من جهة، وقرينة الربط النحوي من جهة أُخرى، واستصحاب الرتب النحوية إلَّا حين تدعو دواعي الاختيار الأسلوبي، ورعاية الاختصاص والافتقار في تركيب جملي”([8]) .
السَّبكُ الصوتي
إنَّ اللغةَ وسيلةٌ مِنْ وسائلِ التواصل الإنساني، في ضوءِ نطق أصوات معينة تقوم بدورٍ فعَّالٍ بتحديدِ مفهوم الرِّسالة اللغويةِ.
ومتى أقتصرَ دورُ اللغةِ على السمعِ والإنشادِ، أصبح من الضروري أن تُعنى بالسَّبكِ الصوتي، إذ لاتقلُ أهميته عن عناصر السَّبك الأخرى.
فظاهرةُ السَّبكِ الصوتي خاضعة لموقع الأصوات وتآليفها بشكلٍ تتابعي معينٍ، ليعطي هذا التناسق دلالة مُعينة، وبهذا تُحقق اللغةُ التفاهم بيّن أفراد المجتمع، فهي وسيلة اتصالية إنسانية والصوت مادتها الخام، وهي بمنزلة سلاسلٍ صوتيةٍ يرتبطُ بعضها ببعضٍ ارتباطاً وثيقاً، فالمتكلمُ لايُعَبِرُ عن خَلَجاتِ نفسهِ، ولايبين عن مقاصده وأغراضه بأصوات مفردة منعزلة مجردة، بل يَنْتِجُ كلماتٍ وجملاً وعباراتٍ مادتها الأساسية الصوت في اللغةِ المنطوقةِ، والحرف في اللغةِ المكتوبةِ([9])، والبلاغة العربية قدّمت عن طريق علم البديع؛ إسهامات لها
أهميتها في بيان أنواع الروابط الصوتية في النصوص العربية من سجع، وجناس، ووزن، وقافية، وغيرها([10])، وعناصر البديع كلها مقصورة على العربية، وهذا يبيّن عدم تطرق علماء النص لتلك العناصر غير الموجودة في اللغات الأخرى([11])، إلا أنه كانت هنالك إشارة صغيرة إلى الوسائل الشكلية التي تؤدي إلى ترابط النص، مثل(الوزن، والقافية، والتنغيم). ([12])
أمّا وسيلة التنغيم؛ فقد وقف بوجراند(1983م) أمام هذا المصطلح؛ وِقفةَ تأمل، وعدّه من المحاور الصوتية الرئيسة لمصطلح السبك، وعدد أنواعه([13])؛ لهذا أصبح من الواجب علينا أن نقفَ أمام هذه الظاهرة، ونُبيَّن الطريقة التي يتمُّ بها السَّبكُ النَّصي بالصوت، لذا سأتتبع العناصر الصوتية التي تملك قيمة وظيفية،وهذه العناصر هي:(السجع، والجناس، والتوازي).
المبحثُ الأول/ السَّجَعُ
السَّجَعُ لغةً :هو الكلامُ المقفى، أو موالاةُ الكلامِ على رويٍ واحدٍ، وجمعهُ أسجاعٌ، وأساجيعٌ، وهو مأخوذٌ مِنْ قولِهم: سجعتْ الحمامةُ، وسجعَ الحمامُ هو هديلهُ وترجيعهُ لصوتهِ([14])، وفي المعجم العربي الأساسي ، سَجَعَ الرَّجلُ أي :تَكَّلَمَ بكلامٍ مقفى غير موزونٍ([15]) .
وهو الكلامُ المنثورِ على رَوِيٍّ واحدٍ، فتجيءُ الكلمتانِ في آخرِ الفقرتينِ على حرفٍ معينٍ يُكسِبُ النثر ضرباً من الموسيقى والتنغيمِ، ليُجارِيَ عاطفةَ قائِلِه، ويثيرَ نفسَ سامِعِه([16])، أو هو الاتفاقُ الحاصلُ بيّنَ فاصلتينِ في الحرفِ الأخيرِ من النَّثرِ([17])، وهناك الشرائط المهمَّة التي لابدَّ من توافرِهَا في السجعِ، ليكونَ حَسَنَاً يُسهمُ في تماسكِ النَّصِ، ويضفي عليه رونقاً, وجمالاً, وحُسنَاً، ومِنْ هذهِ الشَّرائط ما يأتي([18]):
1ـــ أن تكونَ المفرداتُ المُستعمَلة مألوفةً ومفهومةً للقارئ، وخفيفة على السمعِ أيضاً.
2ـــ أن لا تكون هناك زيادة في الألفاظِ أو نقصٌ, وذلكَ بهدفِ الوصولِ إلى سجعٍ حَسِنٍ، وجميلٍ.
3ــ أن تدلَّ كلُّ واحدةٍ مِنْ السَّجعتينِ على معنى يَختَلِفُ عمَّا دَلَّتْ عليه الأخرى؛ وذلكَ حتى لا يكون السجعُ تكراراً غير مفيدٍ .
4ــ يجبُ الوقوفُ على نهايةِ كلِّ فقرةٍ بالسَّاكنِ, وذلكَ بهدفِ الحفاظ على الإيقاعِ نفسه.
ويُعَدُّ السَّجَعُ من العناصرِ التي اعتمدتها السيدة الزهراء (عليها السَّلام) في خطبتها الشَّريفةِ، وبشكلٍ أساسيّ؛ ليسهمَ في خلقِ التَّماسكِ الصوتي، القائم على المماثلةِ المعقودة بين كلمتينِ، أو أكثر في الوزنِ والقافيةِ([19])، ومِنْ السَّجعِ الذي تماثلتْ حروفَهُ في المقاطعِ ما جاءَ في خطبتِها (عليها السَّلام):” فَأَنّى جُزْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم بَعْدَ الإْيمانِ؟…”([20])، فالسجعات في(الْبَيانِ، الإْعْلانِ، الإْقْدامِ، الإْيمانِ) حصلَ بينها تماثلٌ في الوزنِ والقافيةِ، ويسمَّى هذا النوع بالسَّجَعِ المُرصَّعِ([21]) الذي عمل على الرَّبطِ بين أجزاءِ النَّصِ.
إذ إنَّ هذا السَّجع في هذا النَّصِ غير مُتَكَلَّفُ في الصياغةِ، وقد جاءَ على السليقةِ، والبديهةِ، ممَّا يُؤدي إلى توليدِ إيقاعٍ منتظمٍ، وهو سمَّةٌ مميزةٌ للخطبةِ، ولعلَّ السِّرَّ الفنِّي وراءَ ذلك يَكمنُ في طبيعةِ عنصر الأداء الذي تَمْتَازُ به الخطبة الشِّريفة عَنْ غيرِها([22])، وهذا دليلٌ على ما تملكهُ السَّيدة الزَّهراء (عليها السَّلام) مِنْ ثراءٍ لغوي، وفصاحةٍ تُميزُها بها عَنْ غيرها، ويُؤَدي تماثلُ الحروفِ دوراً عظيماً في الموسيقى اللفظيةِ، فقد تشتركُ الكلمات في حرفٍ واحدٍ أو أكثرٍ، ويكونُ لهذا التماثل فائدةٌ موسيقيةٌ عظيمةٌ، وقيمةٌ نغميةٌ جليلةٌ تُسهمُ في زيادةِ ربطِ الأداءِ بمضمونِ الخطبةِ.
وخلقتْ الألفاظُ المسجوعة (الْبَيانِ، الإْعْلانِ، الإْقْدامِ، الإْيمانِ) جواً تنغيمياً أسهمَ في خلقِ تفاعل لدى المتلقي وجعله يتفاعل مع القيمةِ الدَّلاليةِ للنَّصِ، فهذهِ الألفاظُ كلها تنتهي بصوتِ الغُنَّةِ, الذي يُمَثِلَهُ صوتا(النون، والميم)، وكلاهُما يتميزُ بالوضوحِ السمعي لدى المتلقينَ, على أنَّ (صوت النون) أعلى مِنْ (صوت الميم) وضوحاً؛ لذا وردتْ النون فاصلة في أكثرِ من نصفِ فواصل القرآن الكريم نسبة تفوق 50%؛ وذلكَ لِمَا فيه من الغنَّةِ الطفيفةِ في السمعِ، إنَّ صوتَ النُّونِ قد حقًقَ –بتطريبهِ وتنغيمهِ– إيقاعاً واضحاً؛ إذ الموقفُ يتطلبُ توضيحاً لِمَا هم عليه من حالةِ الانقلابِ([23])، فضلاً عن تجلِّي هذا الموقف وبيانه، فالسَّيدة الزهراء (عليها السَّلام) عندما استعملتْ هذا السجع الإيقاعي لعلها تريدُ بيانَ كيف تحيرهم بعد بيان الحالة ووضوحها عندهم، وكيف أخفوا أشياء كانوا يتجاهرونَ بها أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكيفَ رجعوا القهقرى بعد إقدامهم على الإسلامِ، فأشركوا باللهِ عندما خالفوا رسوله في أمرِ عترتهِ، وهذا ما تكفَّلَ به صوتا النون والميم.
ومنه ما وَرَدَ في خطبتِها (عليها السَّلام):“مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ“([24]), فجاءتْ السَّجعاتُ فِيْ(الْعَجْلانِ، والأقْدامِ) بشكلِ سلسلةٍ موسيقيةٍ فِي ضوءِ نهاياتِ التَّراكيبِ؛ مُولِّدَةً نغمةً إيقاعيّةً داخل النَّصِ إذ تُعاضِدُ عناصرَ السَّبك الأخرى لتولدَ إمكانية السَّبكِ النَّصي بتفاعلها مع غيرها،عن طريقِ استمرارية تكرار الحروفِ في نهاياتِ الأسجاعِ؛ ليكونَ نصاً مسبوكاً ويُحْبَكَ حتى يصبحَ متماسكاً([25]).
وَمِنْ الجديرِ بالذكرِ أنَّ صوتي (النون، والميم) مِنْ أصواتِ أشباه اللِّين اللذَين ينمازان بإيقاعهما داخل النَّصِ ممَّا يُضفيانِ على النَّصِ رونقاً, وجمالاً, وحسناً؛ وذلكَ لانَّ كُلّاً منهما صوت غُنَّة في علمِ تجويدِ القرآنِ, فتقاربُ الصوتين جعل اللفظتين (الْعَجْلان, والأقْدام) مسجوعتين, وهذا يُعطي النَّصَ جَرْساً موسيقياً وإيقاعاً يَجذبُ انتباه السامع ويجعلُ للتعبيرِ قوةً وتأثيراً ووضوحاً, ويساعدُ على ترسيخِ الفكرة المراد إيصالها, فالسجعُ على هذا يُحَقِّقُ فوائد عدَّة منها أنَّهُ يُعطي رونقاً ونغمةً موسيقيةً للكلام؛ بحيث يكونُ لها الوقع والأثر الحسن في نفسِ السامعِ, والمتعة الجمالية التي تنشأ من التكرار الإيقاعي, والفائدة الدَّلالية التي تُثبت المعنى في ذهنِ المتلقي وتقوّيهِ([26])، فضلاً عن أنَّ التعالقَ الصوتي الذي أحدثه تكرار الصيغة، هو أشبه بصدىً للفكرةِ التي يُرِيدُ أن يُعَبِرَ عنها المنتجُ في توافقِ سطح النَّصِ مع عمقهِ الدَّلالي؛ فيخلقُ لدى المتلقي إحساساً بالتآلفِ مع النَّصِ، وتقريباً للصورةِ الذهنيةِ، لضرورة الإعداد والتحضير النفسي والتهيؤ للسَّفرِ إلى اللّهِ، ومن نافلِ القولِ إِنَّ الخطبةَ كانت مِنْ الأسجاعِ القصيرةِ التي يكونُ وقعها في الأُذنِ أقوى، وولوجها في القلبِ أسرعُ، فيكون تأثيرُها أشدَّ في المتلقّي، وهي مِنْ العناصر التي حققت قُوَّةَ التأثيرِ الإعلامية للنَّصِّ بشكلٍ مميزٍ([27]) .
وقد يختلفُ الوزنُ – من دُونَ القافيةِ – بيّنَ الفواصلِ الواردةِ في الخطبةِ، فيكونُ السَّجَعُ عنّدَ ذلك السَّجَع المُطَرَّف([28])، ومنه قولها (عليها السَّلام:( “فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينَ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِينَ“([29])، اتفقتْ السجعاتُ في حرفِ الروي في الكلماتِ (الدّينِ, والْغاوِينَ، والأَقَلِّينَ، والْمُبْطِلِينَ)، واختلفتْ في الوزنِ، والإتيان بالأسجاعِ مجالٌ يتبارى فيه كلّ كاتب لإظهارِ ثراء لغتهِ، ومفرداتهِ، وتمكنه؛ وقَدْ عُرِضَتْ الخطبةُ الشريفةُ في ضوءِ أقوالٍ مسجوعةٍ؛ إذ للسَّجعِ وظيفةً جماليّةً تُضْفِي نوعاً من التنغيمِ الخاصِ الذي يَخلُقُ جَوّاً جماليّاً يَستقرُّ فيه القارئُ ويساعدهُ في سرعةِ إدراكهِ للأَخبارِ([30])، فضلاً عن أنَّ هذا النوعُ من السَّجَعِ أعطى حريةً أكبرَ للتصرفِ بالسجعاتِ من دُونَ الالتزامِ بوزنٍ معينٍ, وقد حَقَقَ حرفُ الروي (النون) بجهرهِ، وانفتاحهِ، وغنتهِ إيقاعاً عالياً يَحمِلُ رنيناً مؤثراً في المستمعين, ويَعمَلُ على جذبِ انتباههم ([31]), ولعلَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) أرادت أن تبيّن مِنْ خلال هذه السجعات في هذا النَّص أنّ ثوب الإسلام ظهرت عليه آثار الاندراس، بعد أن كان هذا الثوب في غاية الحسن والجمال، ولعلَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) أرادت أن تُنبه المستمعين من خلال صوت (النون) ـــ حرف الروي ــــ على أنَّ الذي كان لا يتجرأ على أن يتكلم في عهد أبيها (صلى الله عليه وآله) أخذ يتكلم بالباطل وينهى عن الحق؛ لأنَّ هذا الصوت كما ألمعتُ يُحقق بجهره وانفتاحه وغنته إيقاعاً عالياً يَعمَلُ على جذبِ انتباه المستمعينَ، ويَحمِلُ رنيناً يُؤثرُ فيهم فضلاً عن الحسنِ والجمالِ الذي أضفاه اتفاق السجعات في هذا المقطعِ من الخطبةِ الشَّريفةِ.
ويرى الدكتور طلال خليفة في خطبتها (عليها السَّلام): “وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ“([32]) “إنَّ اتفاق السجعتينِ (الإْخْلاصِ، والْخِماصِ) حققتْ إيقاعاً صوتياً عالياً؛ لأنَّ السجعتين اختصتا بحرفي الألف والصاد, فالألف يتصفُ بالجهرِ والشَّدةِ والانفتاح, والصَّاد يتصفُ بالصفير والاستعلاء , ممَّا يُحَقِقُ إيقاعاً مجهوراً شديداً عالياً فيه صفير واضح يَعمَلُ على إظهار شدةِ الموقفِ وأهميةِ الحدثِ” ([33])، ويبدو لي أنَّ هذا الإيقاع الشديد المجهور العالي الذي فيه صفير واضح لا يعملُ على إظهارِ شدةِ الموقفِ ـــــ كما قال الدكتور طلال خليفة ـــــ بل السَّيدة الزهراء (عليها السَّلام (لعلها أرادت أنَّ تُؤكد أهمية الحدث، وهو أنَّ مَنْ تَلفَّظَ بكلمةِ الإخلاصِ (لا إله إلَّا الله) بلسانهِ ــــ وهذه الكلمة التي جعلها الله أساساً لتوحيده ــــ، وكان قريباً من الذين تنطبق عليهم الصفات التي ذكرتها بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الصفات (بيض الخماص) ([34])هي أقرب إلى الصفوةِ مِنْ أصحابِ الرَّسولِ (صلى الله عليه وآله)، أو أهل البيت(عليهم جميعاً سلام الله)، فهم الذين حققوا كلَّ الانتصاراتِ وهم الذينَ تحمَّلوا كل العناءِ والمشقةِ في كلِّ موقفٍ لحربٍ، أو غزوةٍ ليُثبتوا كلمة (لاإله إلَّا الله)، لذا جاءتْ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) بهاتين السجعتين (الإْخْلاصِ، والْخِماصِ) اللَّتين حققتا إيقاعاً صوتياً عالياً لتؤكد على أهمية الحدث .
وقد تتفق الفواصلُ وزناً، وقافيةً، وهذا ما يُسمَّى بالسَّجعِ المتوازي([35])، ومنه ما جاءَ في قولِهَا عليها السَّلام:“أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله، فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْنُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ([36])“حققتْ اتفاقُ السجعات المتوازية (وَهْنُهُ, وفَتْقُهُ, ورَتْقُهُ) ايقاعاً متساوقاً، ومنتظماً يُمارسُ تأثيراً صوتياً في المتلقي, وأوحى صوتُ الهاء الذي كان مهيمناً على حروف الخطبة, وعلى نهايات سجعاتها بشدةِ الألمِ الذي كانت تُعانيِه السَّيدة الزهراء عليها السَّلام, إذ شكَّل تكرار هذا الحرف في كلماتِ الخطبةِ, وفي سجعاتِها بالذَّاتِ, متنفساً لآلامها وأحزانها، ولا يَخفى على القارئِ أنَّ حرفَ الهاءِ, وفي ضوءِ صفاتهِ التي يَتَصِفُ بها من همسٍ، ورخاوةٍ، وانفتاحٍ، وإصماتٍ, يحملُ صفةُ الإفضاءِ، والتنفيس عن النفسِ, فإذا ما تألم أحدنا أو تضايق من أمر ما, صاح (آه)([37]), لذا نَجِدُ أنَّ السَّيدةَ الزهراء (عليها السَّلام) تُشِيرُ في ضوءِ هذا المقطعِ إلى بعضِ ما تركهُ رحيل أبيها (صلى الله عليه وآله) من آثارِ وفراغ في حياةِ الأمةِ، ففقدهُ (صلى الله عليه وآله) أمرٌ عظيمٌ شديدٌ، فرحيل منقذ البشرية كالطعنةِ التي تُوَّسِعُ الشقَ في البدنِ، ويُمَثِلُ الشقُ الواسعَ في نسيجِ كيان أمتهِ، وفَتَحَ عليها أبواب الفتن وعوامل التمزق والفرقة بعد أن كانت أمة موحدة في ظلِّ قيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورعايته.
وعندما استعملتْ السَّيدةُ الزهراء (عليها السَّلام) السجعَ في كلامِها كان ذلك من أجلِ التأثير في المتلقينَ، ولاسيَّما إنَّ الكلامَ كان خطاباً يُلقى مباشرةً، ويكونُ الاعتمادُ فيه على السمعِ، فالأذنُ تتأثرُ بالكلامِ الذي يأتي منسجمَ الفقراتِ يَشتَمِلُ على نهاياتٍ متوافقة الحروفِ تامة المعنى.
المبحثُ الثاني: الجِنَاْسُ
الجناسُ لغةً هو” الضربُ مِنْ كُلِّ شيءٍ … ومنهُ المجانسة والتجنيس، ويقال : هذا يجانسُ
هذا أي يشاكلهُ “([38])، أمَّا في الاصطلاحِ فإنَّ ” الجناسَ بين اللفظتين هو تشابههما في اللفظِ مع الاختلافِ في المعنى “([39]).
أنواع الجناس : يقعُ الجناسُ على نوعينِ هُمَا:
الجناسُ الحقيقي الذي يتطابقُ فيه اللفظان تطابقاً تاماً, والجناسُ غير الحقيقي وفيهِ ينعدمُ التطابقُ بيّن اللفظتينِ، وتتوافرُ المشابهةُ في جانبٍ واحدٍ أو أكثرُ منهما، وقد قسَّمَ البلاغيونَ الجناسَ على نوعينِ : تام، وناقص (غير تام)، وذكروا لكلِّ نوعٍ مِنْ هذينِ النوعينِ تعريفاتٍ تُنَاسِبُ العنوان الدَّال عليها التي تندرجُ تحت هذينِ القسمينِ :
1 – الجناسُ التَّامُ : “وهو ما اتفقَ فيه اللفظانِ المتجانسانِ في أربعةِ أشياءٍ، هيَ: نوعُ الحروفِ, وعددُها, وهيأتُها الحاصلة مِنْ الحركاتِ والسكناتِ, وترتيبُها مع اختلافِ المعنى”([40])، ولم أجدُ- بالتتبع والاستقراء – هذا النوع مِنْ الجناسِ في الخطبةِ الشريفةِ, فلذا لا أُطيلُ فيه الحديث ، ولننتقلُ إلى النَّوعِ الثَّاني وهو:
2- الجناسُ النَّاقصُ (غير التام) : وهو ما اختلفَ فيهِ اللفظانِ في أحدِ أركانِ الجناس التَّام التي لا بدَّ من تتوافرَ فيهِ، وهي: (أنواعُ الحروفِ, وعددُهَا, وترتيبُها, وهيأتُها)، فهو عبارةٌ عن “مقطعينِ صوتينِ مختلفينِ في الإيقاعِ مختلفينِ في المدلولِ”([41])، وأنواعُ هذا الجناسُ هي([42]):
1 – الاختلافُ في عددِ الحروفِ .
2- الاختلافُ في نوعِ الحروفِ .
3 –الاختلافُ في ترتيبِ الحروفِ .
4 –الاختلافُ في هيأةِ الحروفِ .
ولم أجدُ إلّا نوعاً واحداً طُبِّقَ على الخطبةِ الفدكيةِ، وهذا النوع هو الاختلافُ في نوعِ الحروفِ، وهذا يكونُ على نوعينِ :
النَّوعُ الأول : يكونُ فيهِ الحرفانِ اللَّذَانِ وقعَ فيهما الاختلاف متقاربينِ في المخرجِ سمَّاه علماءُ البلاغةِ بـ(الجناسِ المضارعِ)([43])، ومثالُ هذا النَّوعِ مِنْ الجناسِ ما جاءَ في خطبةِ السيدةِ الزهراءِ (عليها السَّلام): “جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها “([44])، فـالمجانسةُ وقعتْ بيّنَ لفظتي (أَمَدُهَا, وَأَبَدُهَا)، فهاتان اللفظتان على وزنٍ واحدٍ إلَّا أنَّ تركيبهما مختلف في حرفٍ واحدٍ داخل سياق النَّص؛ إذ إنَّ صوتَ )الميم( صوتٌ شفويٌ, ومخرجها من باطنِ الشَّفةِ العليا مع باطنِ الشَّفة السفلى([45]).
ومخرجُ الميمِ فيهِ إشراكٌ للخيشومِ، لأنَّ الميمَ لا تكتملُ إلَّا بالغُنَّةِ التي مخرجها الخيشوم،
فالفرقُ بيّنَ مخرجها ومخرجُ الباءِ قوة الاعتماد في المخرجِ، فقوةُ التصادم عند الميم أقل من الذي عند الباء لأنَّ الباءَ أقوى من الميمِ([46]).
والميمُ حرفٌ مجهورٌ متوسطٌ, ومجهورٌ يعني لا يخالطه نفس ومتوسط يعني حال وسط بيّنَ كمال الشِّدَةِ، وبين كمال الرَّخاوةِ يعني الصوت ينقطعُ انقطاع ضئيلاً ويجرى جرياناً ضئيلاً، فأول ما يكون التصادم عند مخرج الميم يبدأ الصوت منقطعاً انقطاعاً ضئيلاً نظراً لانغلاق المخرج، فيعود الصوت إلى الخلف ويخرج من الخيشوم، فيجرى جرياناً ضئيلاً، ومن ثَمَّ كان صوتها متوسطاً بين كمال الشدة وكمال الرَّخاوة([47]).
وأمّا صوت (الباء(، فَهُوَ من الأصواتِ الشفويةِ أيضاً, ومخرجهُ باطن الشَّفة العليا مع باطنِ الشَّفةِ السفلى، فالباءِ حرف شديد مجهور, والشَّدةُ تعني أن ينقطعُ معها الصوت، والجهر يعني أن لا يصاحبها نفس، إذ يكون التصادم بيّنَ طرفي النُّطقِ بقوةٍ، أي أَنَّ هناك قوة اعتماد على المخرجِ؛ لذلك لا تكتمل تمام ولادة نطق الباء الَّا بعملٍ مكملٍ، فلابدَّ من القلقلة حال سكونه([48])، وهذ يعني أنَّ كِلا المخرجينِ (الميم، والباء) يخرجانِ مِنْ مخرجٍ واحدٍ، هو ما بيّنَ الشفتينِ؛ وبذلكَ نجدُ جمالُ الجناس وأهميته في النَّصِ الأدبي، لدلالةِ المعنى المطلوب في خطبةِ السَّيدةِ الزهراءِ (عليها السَّلام) على أعدائها، بأن ينتقمُ اللّهُ تعالى منهم، ومن المشبه بالتجنيس، ما يسمى بـ )المعكوس(، أو ما تسمّيهِ الدكتورة )عزّة شبل محمد( بـ( جناس القلب(، إذ الاختلاف في ترتيب الحروف (عكس الحروف)([49]).
ويتضحُ لنا في ضوءِ هذا المقطع من الخطبةِ الشَّريفةِ “الاقتراب الإيقاعي بين اللفظتين المتجانستين (أمدُها, أبدُها) عن طريق حرفي (الميم, والباء) الشفويين, والتناغم الصوتي، والدَّلالي بينهما”([50])، فالملاحظ في ضوء هذا المقطع أنَّ نِعَمَ اللهِ تعالى جمَّةٌ كثيرةٌ، وهي أكثرُ مِنْ أن يُحصيها الإنسان عدداً واستقصاءً كما قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ([51])، فالنّعمُ الإلهيةُ أمدُها بعيد في شمولِها، وهي أبعدُ من أن ينالها جزاء يُعادلها أو يقابلها، فمهما اجتهد الإنسان في أداء الشكر فإنَّه لا يصل إلى الحد الذي يُوّفي به ما يقابل نعمة من تلك النعم الجمَّة، فنعمُ الله تعالى أبعد وأكثر من أن يصل إلى حدها الإدراك من الإنسان، فأنَّى له أن يُحصيها عدداً أويُوفيها شكراً.
وقريبٌ مِنْ ذلكَ مَا جاءَ في خطبتِها (عليها السَّلام)، وهي توضحُ مزايا القرآنِ الكريمِ قائلةً: ” كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ“([52])، فوقعَ الجناسُ بيّنَ لفظتي (بَصائِرُهُ, وسَرائِرُهُ )، وكانَ الاختلافُ بيّنَ حرفي (الصَّاد، والسِّين)، إذ إِنَّ صوت (الصَّاد) يكونُ مخرجهُ مِنْ طرفِ اللسانِ الدقيقِ الواقع ما بين الثنايا العليا والثنايا السفلى، أو طرف اللسان الدقيقِ مع ما فوق الثنايا السفلى([53])، واكتسبَ صوتُ الصَّادِ صفةَ الصفيرِ نظراً لطبيعةِ المخرج, إذ يصطدمُ الصوتُ الخارج مِنْ الرئتينِ بحائلٍ، وهو ما فوق الثنايا السفلى، أو ما بين الثنايا العليا والثنايا السفلى، ثُمَّ يَمرُّ ما بيّنَ فتحات الأسنانِ، فيكتسبُ الصوتُ حدَّتَهُ، وهو ما نُعَبِرُ عنهُ بالصفيرِ([54]).
وللصَّادِ صفتا ضعف، وهما الرخاوة والهمس إذ إِنَّ هُناكَ جرياناً للصوتِ والنَّفسِ، ولها صفتا قوة، وهما الاستعلاء والإطباق، إذ إِنَّ هُناكَ استعلاء لأقصى اللسان، وارتفاعاً لطرفِ اللسان نظراً لطبيعةِ المخرج([55]).
أمَّا صوتُ (السِّين)، فيكونُ مخرجهُ مِنْ طرفِ اللسانِ الدقيقِ مع ما بين الثنايا العليا والثنايا السفلى، أو طرف اللسان الدقيق مع ما فوق الثنايا السفلى([56])، وصوتُ السِّينِ صوت رخو مهموس مثل صوت الصَّاد، ويختلفُ عن الصَّادِ في الاستعلاءِ، فالسِّين صوت مستفل منفتح, فهو مرقق على كل حال([57]).
وفي ضوءِ ما تقدم يتبيَّنُ لنا أنَّ درجةُ الاعتمادِ عند مخرج السِّينِ أقلُّ مِنْ درجةِ الاعتمادِ عند مخرج الصَّادِ، ومن ثَمَّ همس الصَّاد أضعفُ مِنْ همسِ السِّينِ؛ لأَنَّ الهمس صفة ضعف، أمَّا صفةُ الصفيرِ في الصَّادِ، فهي أقوى منه في السِّينِ لأنَّها صفة قوة.
فالصِّاد أقوى من السين، ومن ثَّم صفات القوة تكون عندها أقوى من السِّين، وصفات الضعف عند السِّين تكونُ أبينُ منها عند الصَّادِ لأنَّ السَّينِ أضعفُ مِنْ الصَّادِ، وهذا الاختلافُ لا يجعلُ الصوتينِ (الصَّاد، والسِّين) متباعدينِ مِنْ حيثُ الصفة والمخرج، بل يجعهما متقاربينِ متعادلينِ ـــ تقريباً ـــ صفةً ومخرجاً.
وفي ضوءِ هذينِ الصوتينِ المتعادلينِ تقريباً من حيث الصفة والمخرج، فإنَّ التعادلَ الصوتي في هذا المقطع من الخطبةِ الشَّريفةِ قائمٌ على التجاوبِ بين صوتي (السِّين والصَّاد)، فالصَّادُ ونصاعة دلالتها على البصيرةِ والإبصارِ والتَّبصرِ, والسِّين بهمسها وسحرها وسكونها, قد منحتْ الصورة تعزيزاً وتعميقاً في نفس المتلقي([58]), فضلاً عن ذلكَ فإنَّ التوازي الإيقاعي قد منحَ النَّصَ جمالية بارزة للعيانِ، والجناسِ هنا أثارَ تجاوباً موسيقياً تطرب له الأذن، وتهتزُ لهُ أوتارَ القلوبِ من ناحية, ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ مجيء اللفظتينِ المتجانستينِ في مقطعينِ متوازيينِ قد أفاضَ ايقاعاً مكثفاً وجرساً موسيقياً موحداً في كليهما، فاللفظتانِ المتجانستانِ جعلتا النَّص مسبوكاً ومترابطاً بعضه مع بعض.
النَّوعُ الثَّانِي: وهو ما كانَ فيهِ الحرفانِ متباعدينِ في المخرجِ ويُسمَّى بـ(الجناسِ اللاحقِ)([59])، والاختلافُ في هذا النَّوعِ أَمَّا أن يكونَ :
أ – في البدايةِ : كما في لقولِها (عليها السَّلام (” وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ ،… “([60])، وقعَ الجناسُ في الفاظِ (ظاهِرَةٌ، وَزاهِرَةٌ، وَباهِرَةٌ)، وجاءتْ كلُّ هذهِ الألفاظ في نسقٍ إيقاعٍ متوازنٍ، وفي ضوءِ هذا الإيقاع يَشعِرُ القارئُ أنَّ نفسَهُ تلجأ إليهِ, ويستهوي سمعَهُ, فضلاً عن ذلكَ فإنَّ مجيء هذهِ الألفاظ على زِنةٍ، وتقفيةٍ موحدةٍ قد أفاضَ على المقطعِ إيقاعاً مكثفاً منظماً أحال على المعنى بدلالاتٍ لفظيةٍ مختلفةٍ تَصبُ في بوتقةٍ واحدةٍ، وهي الوضوح والظهور والانكشاف في النَّصِ القرآني، فضلاً عن أَنَّ هذا الجناس وحدَّ النَّصَ، وجعله نصاً متماسكاً متصلاً بعضهُ ببعضٍ بصورةٍ واضحةٍ وسهلةٍ بعيدة عن التعقيدِ، بل هذا الجناس أضافَ موسيقى جميلة للنَّصِ، وهذه الموسيقى تطربُ الأذهانِ([61])؛ لِيُبيِّنَ أنَّ النَّصَ القرآني لا يُوجد فيهِ ما يوجبُ الشَّكَ والارتياب، لأنَّ أمُوْرُهُ ظاهرة، وبيّنة، وجليّة، وأحكامُهُ متلائمة مشرقة، والعلامات التي يُستدلُ بها على القرآنِ الكريمِ يسودها النُّورُ والضياءُ، والنَّواهي في القرآنِ الكريمِ التي تزجرُ العبدُ عن اتباع الهوى واضحة، وكذا الحال بالنِّسبةِ إلى أوامر الله جلَّ ذكرهُ في اتباعِ أحكامهِ، والانقياد إلى ساحتهِ سبحانه وتعالى، كلُّ هذهِ الأمور واضحةٌ في القرآنِ الكريمِ لا تشوبها شائبة.
وَمِنْ ذلكَ قولِها (عليها السَّلام): ” يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله أبِي يَقُولُ: “اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ“؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ“([62])، موضعُ الشَّاهدُ فيهِ لفظتانِ (اُحاوِلُ، وَاُزاوِلُ)، فالجناسُ هنا قائمٌ بيّنَ هذينِ الفعلينِ باختلافِ صوتي (الحاء، والزَّاي)، وهذا الجناسُ أحدثَ هندسةً صوتيةً، وجمالية تكمنُ في الجو الايقاعي الذي أحدثهُ هذا الاختلاف في ايقاعِ اللفظتينِ, فضلاً عن المُفاجأةِ الدَّلاليةِ، وحالة الترقب في ذهنيةِ المتلقي مِنْ معنى بدا لهُ أنّهُ قد تَكَّرَرَ مِنْ جرَّاءِ الايهام الذي انتابهُ من تكررِ اللفظةِ للتوكيدِ, حتى إذا تمكنُ أولُ اللفظةِ (صوت الحاء، والثَّانية صوت الزَّاي) زالَ ذلكَ التوهمُ, فحصلتْ الفائدةُ بإضافةِ معنى جديد الى ذهنِ المتلقي، وكما نلحظُ في هذهِ القطعةِ الفنيةِ ثنائية التراكيب المتجانسةُ ذاتَ الصبغة الإيقاعية تجذبُ أذهانَ المتلقينَ, وتشدُّ نفوسَهم, فلم تعتمدُ على الجناسِ الموحَّد, بل تنوعتْ الجناساتُ فيها, ومِنْ ثَمَّ تنوع الإيقاع؛ وذلكَ لإحداثهِ الأثر الجمالي من جانبٍ, ولإيصال مقصود المتلقي بأروعِ صورةٍ بإحداثِ نوعٍ مِنْ التأثيرِ في نفوسِ المتلقينَ مِنْ جانبٍ آخر .
وجاء في خطبتها عليه السَّلام:“ أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ، أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟ “([63])، فوقعَ الجناسُ بيّنَ لفظتي (مَسْمَعٍ, وَمَجْمَعٍ )، وكانَ الاختلافُ بيّنَ حرفي (السِّين، والجيم ) اللذين أثارا تجاوباً موسيقياً تطربُ لهُ الأذنُ، وتهتزُ لهُ أوتارُ القلوبِ, فضلاً عن ذلكَ فإنَّ مجيء اللفظتينِ المتجانستينِ في مقطعينِ متوازيينِ قد أفاض ايقاعاً مكثفاً وجرساً موسيقياً موحداً في كليهما .
ب– في الوسطِ : تقولُ السَّيدةُ الزهراءِ (عليها السَّلام)، وهي تخاطبُ أميرَ المؤمنينَ علي بن أبي طالبٍ (عليهِ السَّلام) بعدَ رجوعها مِنْ المسجدِ، وإلقاء خطبتها الفدكية : “مَاْتَ الْعَمْدُ، وَوَهَنَ الْعَضْدُ“([64])، فالجناسُ هنا قائمٌ بيّنَ الفاعلينِ (الْعَمْدُ، وَالْعَضْدُ) باختلافِ حرفي (الميم والضَّاد) إذ خلقَ إيقاعاً مؤثراً يستجلبُ ذهنَ المتلقي قائماً على التجاوب الموسيقي بيّنَ اللفظتينِ, فضلاً عن التعادلِ والتوازنِ الصوتي بيّنَ الفقرتينِ, وما تبعثهُ جمالية الدَّلالة على المعنى الذي قصدهُ المتكلم في ضوءِ الكناية عن الضعفِ، والحزنِ المتمثلة بصورةِ (مَاْتَ الْعَمْدُ), وهو الرَّسول محمَّد (صلى الله عليه وآله)، والكناية كذلكَ بـ(وَهَنْ الْعَضْدُ) صورة تعبرُ عن حالةِ الضعفِ الذي ألمتْ بأميرِ المؤمنينَ عليه السَّلام بعد وفاة الرَّسول (صلى الله عليه وآله)، فعندما التحقَ الرَّسولُ بالرَّفيقِ الأعلى فَقَدَ الأميرُ(عليه السَّلام) العماد الذي كانَ يعتمدُ عليه ويستندُ بهِ، فبوفاةِ العماد ضعف العضد.
ج – في النهاية : جاءَ في قولِها (عليها السَّلام) “فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرائِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ“([65]) موضع الشاهد فيهِ لفظتان(أَزاحَ, وأَزالَ) إذ وقعَ بينهُمَا الجناس باختلاف صوتي (الحاء، واللام) لفظاً، ومخرجاً في آخرِ الكلمةِ، فتكمنُ جماليةُ هذا الجناس في خداعِ المتلقي ومفاجأتهُ بالجديدِ بعد أن يظنَّ أنَّ اللفظةَ قد تكررتْ نتيجةَ لتشابهِ حروف اللفظتينِ, ولكنَّ سُرعانَ ما يزولُ التوهمُ عندما يطرقُ مسامعهُ حرفٌ مغايرٌ للحرفِ الأخيرِ مِنْ اللفظةِ الأولى, وهذا التغاير بطبيعةِ الحالِ أدَّى إلى استحداث معنىً جديد يغايرُ ما سبقهُ، فتأخذُ المتلقي الدَّهشةَ لهذهِ المفاجأة التي أجدَّت عليهِ بالجديدِ من المعاني، فتشابهُ أصوات اللفظتينِ ماعدا الصوت الأخير ادَّى الى تقاربِ المسافةِ الإيقاعيةِ بيّنَ اللفظتينِ، وأثارَ نغمةً موسيقيةً هادئةً تخرجُ من أعماقِ القلبِ، لتستقرَ وتُؤَثِرَ في المتلقي وتستجلبُ ذهنهُ ([66])، فالمتلقي لهذا المقطعِ مِنْ الخطبةِ الشَّريفةِ يجدُ أنَّ القرآنَ الكريمِ أزاحَ كلَّ وسيلة يتذرعُ بها أهل الباطلِ، إذ يحاولونَ أن يتقولوا على اللهِ تعالى وعلى رسولهِ (صلى الله عليه وآله)، ويزيلوا الشبهاتَ ويعملوا بالظنِّ الذي لا يُغني من الحقِ شيئاً إذ لا لبسَ ولا شبهة، بل الحكم واضح وبيِّن أمام أجيال الأمة إلى أن يرثَ اللهُ الارضَ وَمَنْ عليها([67]).
المبحثُ الثالث: التوازي
التوازي لغةً :
جاءَ في لسانِ العربِ: ” وَزِي : وَزَى الشيء يَزي : اجتمعَ، وَتَقَّبَضَ”([68]).
وفي المعجم الوسيط:”وازره قابله وواجهه، توازى الشئيان: وازى أحدهما الآخر”([69]).
التوازي اصطلاحاً :
لم يتفق على تعريفٍ موحَّدٍ للتوازي، بل عُرِّفَ بتعريفاتٍ عدةٍ منها: إِنَّهُ عبارةٌ عن تماثل، أو تعادل المباني، أو المعاني في سطور متطابقة الكلمات، أو العبارات القائمة على الازدواج الفني وترتبط ببعضها، وتسمى عندئذ بالمتطابقة، أو المتعادلة أو المتوازية سواء في الشعر أم في النثر، ولا سيما النثر المقفى، أو النثر الفني([70])، في حين عرفهُ الدكتور محمَّد مفتاح بأنَّهُ: “تنمية لنواةٍ معينةٍ بإركامٍ قسري، أو اختياري لعناصرٍ صوتيةٍ، ومعنويةٍ، وتداوليةٍ، ضماناً لانسجامِ الرسالةِ”([71]).
إذ أكَّدَ الدكتور مفتاحُ على أهميةِ وجود النواة بوصفها المادة الأساس التي تتشكل منها بنى التوازي المختلفة، ليتسنى للباحث دراستها على المستويات كافة (الصوتية والتركيبية والتداولية)، فحدَّهُ بأنَّهُ: تشابه البنى واختلاف المعنى، وهو تنميةٌ لنواةٍ معنويةٍ سلبياً أو إيجابياً بإركامٍ قسري أو اختياري، لعناصر صوتية ومعجمية وتركيبة ومعنوية وتداولية ضمناً لسبكِ النَّصِ([72])، وفي ضوءِ ما تقدَّمَ تظهرُ أهميةُ التوازي بالنِّسبةِ للنَّصِ الشعري أو النثري، وإذا يممنا أبصارُنا نحو الخطبة الفدكية، لوجدنا أنَّ ظاهرة التوازي من الظواهر البارزة في خطبة السيدة الزهراء (عليها السَّلام) إذ تُعدُ ظاهرة مهيمنة وبارزة في السَّبك الصوتي لخطبتها (عليها السَّلام)، وتخلق تصوراً مسبقاً لدى المتلقي بتماثل مع ما يتلقاه لاحقاً, ممَّا أكسبها سمةً جماليةً واضحةً, فتقابل الأجزاء المتساوية في الحجم والشِّكل يُعد من علامات الجمال([73])، فالتوازي يحقق إيقاعاً تكرارياً في النصوص, ويتسم هذا الإيقاع بالتجانس الصوتي, والترتيب المنظم للكلمات المُكوِّنة للجمل المتوازنة([74]).
فممَّا وَرَدَ في خطبة السَّيدة الزهراء (عليها السَّلام) حاملاً لظاهرة التوازي في السَّبك الصوتي قولها (عليها السَّلام) في افتتاحها للخطبة الفدكية:“ الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها“([75])، لقد برزتْ جماليةُ التوازي ــــــ “وهو أن تتبادل الكلمات مواقعها راسمة صورة جديدة هي من الفاظ الصورة الاولى التي سبقتها “-([76]) في هذا المقطع مِنْ الخطبةِ الشَّريفةِ في مجيءِ الكلمات متلاحماتٍ تلاحماً مستحسناً لا معيباً ولا مستهجناً, متكئاً على فواصلٍ متوازنةٍ أو مُطرَّفة, فحَقَقَ إيقاعاً داخلياً تطربُ اليهِ النُّفُوسُ, ويحركُ الاذهانُ، وإنَّ إمعانَ النَّظر في هذهِ البنى المتوازية يظهرُ لنا آلية اشتغال التوازي فيها إذ توازت تسع جمل توازياً تركيبياً تاماً على النحو الآتي :
الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ// وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ// وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ
مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها// وَسُبُوغِ آلاءٍ أسْداها// وَتَمامِ مِنَنٍ والاها
جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها // وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها // وَتَفاوَتَ عَنِ الإدْراكِ أَبَدُها. فقد تشكَّلتْ الجملُ الثلاث الأولى كالآتي : الجملةُ الأولى تشكَّلتْ مِنْ مبتدأ + اسم مضاف (لفظ الجلالة) + حرف جر + اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل جر بحرف الجر + فعل ماضٍ + فاعل مستتر عائد على لفظ الجلالة (الله)، أمَّا الثانية فتتكون مِنْ شبة جملة خبر مقدم + مبتدأ + حرف جر + اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل جر بحرف الجر+ فعل ماضٍ + فاعل مستتر عائد على لفظ الجلالة (الله)، والجملة الثالثة تشكَّلت من مبتدأ خبره محذوف + حرف جر + اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل جر بحرف الجر+ فعل ماضٍ + فاعل مستتر عائد على لفظ الجلالة (الله)، فيُلحَظُ في ضوءِ هذا التشكيل أنَّ هذهِ الجمل قد منحتْ طاقةً صوتيةً في نسقٍ متوازنٍ استطاعتْ السِّيدة الزهراء (عليها السَّلام) في ضوئهِ أن توصلَ الموضوعَ بطريقةٍ هادئةٍ موسيقيةٍ تشدُّ المتلقينَ, وتحرِّكُ مشاعرهم وأذهانهم, وتشعرهم بالجماليةِ الصوتيةِ؛ إذ انتظم الكلام بنهاياتٍ مسجوعةٍ بصوتِ (الميم) بصداه الموسيقي العالي وترنيمتهِ البارزة وتنغيمهِ الواضح الجلي, ممَّا أفاضَ على المقطعِ جرساً ايقاعياً يجذبُ النُّفُوس ويستهويها.
إنَّ الاعتدالَ في فقراتِ المقطع والتوازن بيّن مفرداتهِ أنتجَ جرساً موسيقياً متناغماً وشكلاً متجانساً صوتياً زاد من حيوية اللغة، وفضلاً عن التوازي في التركيب فإنَّ هذه الجمل تعملُ من المعاني والدَّلالات المتشابهة والمتقاربة مع بعضها الآخر, التي تصبُ في بوتقةٍ واحدةٍ، وهو وصف نعم الله, وبيان كثرتها وديمومتها على الإنسان .
أمَّا الجمل الثلاث الثانية فقد تشكَّلت كالأتي: حرف جر + اسم مجرور + اسم مضاف + فعل ماضٍ + فاعل محذوف + ضمير متصل (ها) في محل نصب مفعول به .
فلهذا التوازي خصيصة لا تخفى عن أُوْلي الألباب ما لعبقرية المنشئ في تلاحمِ النَّصِ وتماسكه, فهذا الأسلوب استقتهُ السِّيدة الزهراء (عليها السَّلام) مِنْ رحيقِ القرآنِ، وبلاغةِ، أبيها محمَّد (صلى الله عليه وآله) وفصاحتهِ، وخطاب بعلها أميرَ المؤمنينَ عليٍ (عليه السَّلام) وبيانهِ، فضلاً عن أنَّ هذا الأسلوب لا تَخفى فائدتهُ في اعمال فكر المتلقينَ وجذب انتباههم, فيشتاقُ المتلقي الى ردِّ كلِّ فقرة الى أختها .
أمَّا الجمل الثلاث الآخيرة، فقد تشكلت كالآتي: فعل ماضٍ + جار ومجرور + فاعل، فإنَّ أولَ ما يُلحظُ في هذا المقطعِ دقةِ اختيار الالفاظِ ودلالاتها في السياقِ ضمن نسقٍ لغويٍ قائمٍ على التوازي بيّن الجمل, وهذا التوازي بدورهِ اكسَبَ النَّصَ ايقاعاً موسيقياً عذباً, فضلاً عن النهايات الموسيقية المتمثلة في السَّجعات في نهاية كلِّ جملةٍ متوازيةٍ (ابْتَدَأها، وأسْداها،ووالاها)، والتطابق في البناء النَّحوي, رسمَ ايقاعاً وجرساً موسيقياً يدخل القلوب وتميل اليه النفوس؛إذ بطبعها تميلُ الى الاصواتِ المنتظمةِ والمنسقةِ.
وتقولُ (عليها السَّلام) أيضاً في نصٍ آخرٍ مِنْ الخطبةِ الفدكيةِ:” ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ“([77])، فقد توازتْ الجملتانِ توازياً تركيباً تاماً كما يأتي: فعل ماضٍ + مفعول به+ جار وجرور, وبذلكَ تشتغلُ آليةُ هذا التوازي على مبدأ التشابه والتَّضاد في الدَّلالةِ, إذ تمظهر التضاد عبر الكلمات الآتية : الثوابُ تضاد العقابُ, والطاعةُ تضاد المعصيةُ، ومِنْ ثَمَّ فإنَّ هذا التوازي سيجذبُ انتباهَ المتلقي إلى النَّصِ ممَّا يُعَمِقُ درجةَ المتلقي والفهمِ لديه، فضلاً عن أنَّ هذا التضاد الذي أتى عبر توازي الجملِ في هذا المقطع قد حَقَقَ هنا بُروزاً صوتياً يعبرُ عن قصدية المنشئ وارادته, فالمقطعُ بمجملهُ قائمٌ على فكرةِ التقابل الضدي في هذين المفهومين, وقد أجادتْ السيدة الزهراء(عليها السَّلام)في عرضهما بشكلٍ يستجلبُ الاذهانُ,ويأخذُ بمجامع القلوبِ عبر:
1ـــ الحضور الايقاعي في مجملِ المقطعِ، واضافة جرس موسيقي عبر النهايات في كلِّ وحدة لغوية متوافقة صوتياً وايقاعياً وهي على التوالي (طاعَتِهِ، ومَعْصِيِتَهِ، ونِقْمَتِهِ، وَجَنَّتِهِ) .
2ــــ بلاغة الاستعارة والكناية في المقطع، وهي اعمق دلالة وتأثيراً من التصريح , فاللغة المصورة فضلاً عن شاعريتها تشدُّ المتلقين, وتجعلهم يعيشون في فلك التخيل ومُمَارسة كشف الصورة والمعنى المطابق، ونلاحظ في ضوء هذا المقطع الشريف أنَّ الإنسان لا يندفع نحو العمل إلَّا بدافعين هما: دافع الخوف من المكروه، فالصانع يصنع صنعة معينة لبيعها حتى يكسب بعض الأموال خوفاً من الفقر، والطالب يدرس طلباً للتعلم والثقافةأو التوظيف، وهروباً من الجهل الذي يحول بينه وبين الوصول الى درجة الكمال، ودافع الطمع لجلب الخير، والإنسان لا ينقاد ولا يطمع إلَّا طمعاً في الأجر والثواب، وخوفاً من العذاب والعقاب وانطلاقاً من هذه الحكمة جعل الله الثواب، وهو الأجر مع التقدير والاحترام جزاء للطاعة والانقياد، فالله سبحانه وتعالى مثلما جعل الثواب للمطيعين، وضع العقوبة للمخالفين العاصين لأوامره المتجاوزين لأحكامه؛ وذلك من أجل ردع العباد، ومنعهم عن ارتكاب الأعمال التي توجب عقوبة الله تعالى، وهذا ما دلَّ عليه التوازي داخل النَّص الشريف فالثواب للمطيعين، والعقاب للمخالفين العاصين.
وجاءَ في نصٍ آخرٍ من خطبتها (عليها السَّلام):”حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ ثَغرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ “([78])، ففي هذا المقطعِ توازتْ ست جمل في سياقٍ متتابعٍ ومتصلٍ, ومتناسق تركيبياً ودلالياً كما يأتي: دَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ//خَضَعَتْ ثَغرَةُ الشِّرْكِ// سَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ// خَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ // هَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ// اسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ([79])، وعبر آلية اشتغال واحدة تمظهرت عبر الفعل الماضي، والفاعل، والمضاف والمضاف إليه، وأول ما يُلحظُ في هذا المقطعِ دقةُ اختيارِ الألفاظِ ودلالاتها في السياقِ ضمن نسق لغوي قائمٌ على التوازي الإيقاعي, وهذا ممَّا يجعلُ النَّصَ يكتسبُ إيقاعاً موسيقياً عذباً، فالسِّيدة الزَّهراء (عليها السَّلام) كرَّست مجموعة من الألفاظ التي تحملُ دلالات معنوية استمدت جمالها من المقابلة، والموازنة، والإيقاع الموسيقي الناشئ من مجموع تلك الإيقاعات ضمن الوحدات اللغوية الخمس, فأدّى الايقاع دوراً تنظيمياً للغة, يُبرزُ تدفق الشحنات الخطابية للنَّصِ ودلالاتها, فضلاً عن جمالياتها(2).
ومَنْ يتأمل في هذا النَّصِ من الخطبةِ يجدُ أنَّ الكلمات داخل النَّصِ جاءت بشكلٍ متلاحمٍ تلاحماً مستحسناً لا معيباً ولا مستهجناً, فهذا التلاحم حَقَقَ إيقاعاً داخلياً يحركُ الأذهانُ, وتطربُ إليه النفوسُ, ولعلَّ التوازي الإيقاعي الذي حصلَ في هذا المقطعِ منحَ طاقةً صوتيةً في نسقٍ متوازنٍ استطاعتْ في ضوئه السيدة الزهراء (عليها السَّلام) أن تُوَصِلَ الفكرةَ المراد إيصالها بطريقة هادئة وجميلة ومتوازنة تشد المتلقين, وتحركُ أذهانهم وأحاسيسهم, وفي ضوء ما تقدم لا يخفى عن ذي لب ما للسيدة الزهراء (عليها السَّلام) من عبقرية في إنشاء النَّص من حيث تلاحم الكلمات داخل النَّصِ وتماسكه، وممَّا لا شك فيه أنَّ هذا الأسلوب استقته (عليها السَّلام) من رحيق القرآن الكريم، ومن بلاغة أبيها (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى، ومن فصاحةِ أمير الفصاحة والبيان بعلِها المرتضى (عليه السَّلام), وكما لا يخفى أنَّ فائدة هذا الأسلوب هو جذب انتباه المتلقين, وجعلهم متشوقين إلى ما بعده من كلام حتى يصل كلامها (عليها السَّلام) إلى أسماع المتلقين، وأذهانهم ومشاعرهم بأتم صورة وأحسنها وأفضلها وأكملها.
الخَاْتِمَةُ وَنَتَاْئِجُ الْبَحْثِ
1ــ كانت خطبة السِّيدة الزهراء (عليها السَّلام) خطاباً موجهاً ينسجم مع سياق الموقف والحدث أي أنها راعت الأسلوب الخطابي، وهنا تبرز قوة المعاني والألفاظ، وقوة الحجة والبرهان، في تتحدث عن إرادت السامعين لإثارة عزائمهم واستنهاض هممهم.
2ـــ بيَّن البحث قدرة السَّيدة الزهراء(عليها السَّلام)على الإبداع الذي تحقق في التماسك النَّصي للخطبة الشريفة، فجاءت مقاطع الخطبة متماسكة ومتلاحمة بواساطة ركونها إلى أدوات تركيبية استطاعت (عليها السَّلام) في ضوئها أن تجعلَ النَّصَ مرتبطاً في جُمَلَهِ ومقاطعهِ.
3ــ بيّنت الدِّراسة أنَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) اختارت اللفظ المعبر الموحي ببلاغة عالية صادرة عن وعي وفكر، فارتقتْ بأساليبها وفصاحتها إلى درجة البلغاء؛ إذ جعلت الألفاظ ناطقة معبرة على الرغم من الموقف الذي ينأى فيه العقل عن التعقل والتدبر، فجاءت بجمل وعبارات في قمة بالحكمة والعلم.
4ــ أظهرت الدِّراسة انَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) استعملتْ عدداً من التقنيات الصوتية كالتوازي والسجع، فقد حقق التوازي تجانساً صوتياً، وإيقاعاً تكرارياً، كما حقق السجع إيقاعاً موحداً خالياً من التكلف، متسماً بالسلاسة والتتابع الصوتي والتناغم الإيقاعي، وأظهرتْ الدراسة أيضاً أنَّ السيدة الزهراء (عليها السَّلام) وظفتْ أنواعاً من السَّجع، منها السَّجع المتوازي، والسَّجع المُطّرف، فضلاً عن استعمالها عليها السَّلام لنسق التصريع الذي كان فيه الكثير من التناسق الإيقاعي المؤثر .
5ــ عمق البناء النّغمي المتولِّد من خلال السجع والجناس بأنواعه المختلفة, فكان له الأثر البالغ في نقل المشاعر والأحاسيس وتوضيح المعنى والتأثير في المتلقِّين.
6ـــ في ضوء دراستنا تبيَّن أنَّ بناء الخطبة الشَّريفة بناءً رصيناً حقَّقَ تماسك النّص وتلاحمه, ووحدة البناء ودقّة المعنى, وقوَّة التراكيب ومتانتها, يُظهر كل ذلك براعة أسلوب الخطيبة ومتانته, وقوّة منطقها.
7ــ مثَّلت خطبة السيدة الزهراء (عليها السَّلام) انعكاساً للواقع الإنساني الذي عاشته الأمة حينذاك, فيُعُّد وثيقة تأريخية لمن أراد استجلاء صورة ذلك العصر, ولمَّا كان المجتمع منغمساً في أهواء مضلِّلة, تتجاذبُه صراعات كونيَّة ازليّة بين قوى الخير والشر, والحق والباطل… فقد كثُر استعمال السيدة الزهراء (عليها السَّلام) للثنائيات الضدِّية بصورة جليَّة.
8ــ أدركت السيدة الزهراء (عليها السَّلام) أنَّ للخطابة دوراً كبيراً في تأثير الكلمة في العقل وفي القلب؛ لأنَّها تؤثر في قناعة الناس في مختلف جوانب الحياة؛ بسبب سرعة نفاذها إلى الذات الإنسانية، لهذا أجادت استثمارها في ضوء توظيف عناصر متنوعة كالصورة الفنية بمختلف طرائقها.
9ــ بيَّن البحث أنَّ بلاغة السيدة الزهراء (عليها السَّلام) امتد تأثيرها ليشمل علماء اللغة وكُبَّار الأدباء، وقد تبيَّن هذا التأثير في ضوء الشروح التي أُقيمتْ حول الخطبة، فضلاً عن المفردات التي استوقفت علماء اللغة وقاموا بتفسيرها في مؤلفاتهم.
10ـــ تُعَدُّ الخطبة الشَّريفة أنموذجاً للنصوص المسبوكة، وما يؤكد نصيته توفيرهُ الروابط الشكلية اللغوية الكافية لسبكه، فضلاً عن ترابطها الدِّلالي بترابط عناصرها معنوياً على وفق السياق، وهذا يسمح للقارئ بالتأويل والفهم.
11ـــ أثبت البحث قدرة السيدة الزهراء (عليها السَّلام) على ترك أثرها الواضح في المتلقي في ضوء خطبتها التي وردت في البحث؛ وذلك بفضل امتلاكها قدرات لغوية وثقافية موروثة عن طريق ذلك الإرث التاريخي العظيم الذي تجسد بشخصية أبيها محمد بن عبد اللّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وبعلها عليٍّ بن ابي طالب (عليه السَّلام)، فها هي تُجددُ ذلك الإرث وتُسخِّرُهُ في تأثيرها في المتلقّي .
12ــ نص الخطبة يتميز بهيكله الخارجي الذي يعرف بـ )البنية(، وقَدْ صيغَ في قالب ثابت يميزه عن غيره من ألوان النثر، فهو ليس كأنواع النثر الأخرى، فهو يتميز بقدسية خاصة.
وأملي كُلُّه أن يكون هذا الجهد مؤهلاً للالتحاق في مسيرة البحث الأكاديمي ليُضيء إضاءة بسيطة في ميدانه، ويفيد باحثاً أو طالبَ علمٍ، والله العالم من وراءِ القصدِ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الخلقِ والأنبياءِ و المرسلين، حبيب إله العالمين أبي القاسم المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين المخلصين، ومن تبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين.
المصادر والمراجع
القـــرآن الكـــــريم
1ــ الاحتجاج، الشيخ أبو منصور الطبرسي، دار المرتضى، بيروت، ط1، 1429ه ـــ 2008م.
2ــ أساس البلاغة, أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري (ت538هـ), تحقيق محمد باسل عيون السود, دار الكتب العلمية, بيروت- لبنان, ط1, 1419هـ/1998م.
3ــ إشراقات غرَّاء من خطاب السيدة الزهراء (ع)، د.عبدالحسن علي حبيب الناصر، دار القارئ، لبنان، ط1، 2018م .
4ـــ أنوار الربيع في انواع البديع, السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني (1120هـ), تحقيق شاكر هادي شكر, مطبعة النعمان, النجف الاشرف, 1389هـ/1969م.
5ـــ البديع تأصيل وتجديد, د. منير سلطان, منشأة المعارف, الاسكندرية, د.ط, 1986.
6ــ البديع والتوازي, د. عبدالواحد حسن الشيخ, مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية, ط1, 1419هـ/1999م.
7ـــ بُغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة, عبدالمتعال الصعيدي, مكتبة الآداب, القاهرة, طبعة نهاية القرن, 1420هـ/1999م.
8ـــ تاج العروس من جواهر القاموس, السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت1205هـ), تحقيق مجموعة من المحققين, مؤسسة الكويت للتقدّم العلمي, الكويت, ط1, 1421هـ/2000م.
9ــ تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، دار البيضاء ــ المغرب، ط3، 1992.
10ــ التناسب البياني في القرآن دراسة في النظم المعنوي والصوتي, أحمد محمد أبو زيد, مطبعة النجاح الجديدة, الدار البيضاء- المغرب, ط1, 1992م.
11ــ جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع, السيد أحمد الهاشمي, دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت- لبنان, ط1, 1418هـ/1998م.
12ــ حسن التوسل الى صناعة الترسل, شهاب الدين محمود الحلبي (ت 725هـ), تحقيق أكرم عثمان يوسف, دار الحرية للطباعة, بغداد, د.ط, 1400هـ/1980م.
13ــ دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر, عالم الكتب, القاهرة, د.ط, 1418هـ/1997م.
14ــ شرح المختصر على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني, سعد الدين التفتازاني, منشورات اسماعيليان, قم إيران, ط6, 1431هـ .
15ــ علم لغة النّص، النظرية والتطبيق، عزة شبل محمد، ط 1، مكتبة الآداب، القاهرة، 1428 ه – 2007 م.
16ــ فاطمة من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت ــــ لبنان، ط1، 1430ه ـــــ 2009م .
17ــ فن الجناس, علي الجندي, دار الفكر العربي, مصر, د.ت.
18ــ في البحث الصوتي عند العرب، د.خليل إبراهيم العطية، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1983م .
19ــ كتاب العين, أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ), تحقيق د. مهدي المخزومي, ود. إبراهيم السامرائي, مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت- لبنان, ط1, 1408هـ/1988م.
20ــ الكتاب (كتاب سيبويه), أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت180هـ), تحقيق عبدالسلام محمد هارون, مكتبة الخانجي, القاهرة, ط4, 1425هـ/2004م.
21ــ كشف المحجة في شرح خطبة اللمَّة، العلامة السيد عبد الله شبر، تحقيق الشيخ علي الأسدي، مكتبة فدك لأحياء التراث، إيران ــــ قم، ط1، 1428هـ ـــ 2007م.
22ـــ لسان العرب, جمال الدين أبو عبدالله محمد بن مكرَّم بن منظور (ت711هـ), تحقيق ياسر سليمان أبو شادي, ومجدي فتحي السيد, المكتبة التوفيقية, مصر, د.ت.
23ـــ المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر, ابو الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الموصلي المعروف بـ(ابن الأثير) (ت637هـ), تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد, المكتبة العصرية, بيروت- لبنان, د.ط, 1995م.
24ـــ مختار الصحاح، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: 666هـ)، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت – صيدا، ط5، 1420هـ / 1999م.
25ـــ مدخل إلى قراءة النص الشعري، محمد مفتاح، مجلة فصول، المجلد16، العدد1، 1997.
26ــ المستويات الجمالية في نهج البلاغة, نوفل أبو رغيف, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد, ط1, 2008م.
27ــ معجم البلاغة العربية ، د. بدوي طبانة ، دار المنارة ، جدة ، دار الرفاعي ، الرياض ، ط 3 ، 1408 هـ / 1988 م.
28ــ المعجم العربي الأساسي، مجموعة من كبار اللغويين، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1889م.
29ــ المعلم في فن التجويد، منذر علي أبو صويلح، دار المنهاج، ط1، 1435ه ـــ 2014م .
30ــ مفتاح العلوم, ابو يعقوب يوسف بن ابو بكر بن محمد بن علي السكّاكي (ت626هـ), ضبط وتعليق نعيم زرزور, دار الكتب العلمية, بيروت- لبنان, ط2, 1407هـ/1987م.
31ــ مقالات في اللغة والأدب، تمَّام حسَّان، عالم الكتب، ط1، 2006.
32ــ النَّص والخطاب والإجراء، روبرت دي بوكراند، ترجمة: د. تمام حسان، ط 1، عالم الكتب، 1418 ه – 1998 م.
33ــ نظرية علم النّص رؤية منهجية في بناء النّص النثري، د. حسام أحمد فرج، تقديم: أ. د. سليمان العطار، وأ. د. محمود فهمي حجازي، ط 1، مكتبة الآداب، القاهرة، 1428 هـ – 2007 م.
الرَّسائل
1ــ نظرية الإنسجام الصوتي وأثرها في البناء الشعر، نوارة بحري (إطروحة دكتوراه)، جامعة الحاج لخضر ــ باتنة ـــ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، 2009م .
البحوث
1ــ التكرار في التماسك النصي، مقاربة معجمية تطبيقية في ضوء مقالات خالد المنيف، د. نوال بنت إبراهيم الحلوة، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها، العدد 8- رجب 1433 هـ – مايو 2012 م.
2ــ الخصائص الأسلوبية في خطبة السيدة الزهراء (ع)، الدكتور طلال خليفة سلمان، موسوعة الموسم، أكاديمية الكوفة في هولندا، العدد 109، المجلد2، السنة (27) ـــ (1436هـ ـــ 2015م) .
3ــ الدعاء عند السيدة الزهراء (ع)، أ. م. د – خليل خلف بشير، ومصطفى إبراهيم عاجل، مجلة جامعة ذي قار العلمية، المجلد 10 – العدد 2 حزيران 156.
4ـــ سجع أم فواصل، د. أحمد الحوفي، مجلة اللغة العربية بالقاهرة، العدد (27) سنة 1971م.
The voice and the sound of it in us
The fudding is like a snitch.
M.M. Ahmed Muwaffaq Mahdi
Department of Arabic
Faculty of Education for Girls / Basra University
This is research that deals with the sound cause in the cheek. The search plan required to be in four investigations: the slack of a long-term, the record, the record, the body, the race, and the parallel, and the research showed the ability of Mrs. Zahra ( The speech syllables came together and coherently by their men to the installation tools that (peace) in her light were able to make the sign connected in his whole and his sections, and the lady of the flower on her. She chose the word “express”, which was inspired with a high eloquence, emanating from the consciousness and thought of their counterparts and their counterparts, except when Nabeel al-Akram Muhammad (peace be upon him) and the prince of eloquence, eloquence and the statement of Imam Ali (peace be upon him), so she was satisfied with her methods and eloquence to the point of salutation; Expressing the attitude in which the mind dissociates from reason and reason, it came in sentences and phrases top with wisdom and science, and the study showed that Mrs. Zahra (peace be upon her) used a number of acoustic techniques such as paralleland saja, the parallel achieved vocal homogeneity, and a repetitive rhythm, as The study also showed that Ms. Zahra (peace be upon her) employed types of saja, including parallel saja, and the well-known sa’a, as well as her use (peace) The difficulty, which had a lot of influential rhythmic harmony, and the depth of the toned structure generated by the saja and the jinn of its various types, had a profound effect on conveying feelings and feelings, clarifying meaning and influencing the recipients.
(([2]الاحتجاج، الشيخ أبو منصور الطبرسي: 1/102.
(([3] ينظر: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء(عليها السَّلام)، محمد علي بن أحمد الأنساري القراجة داغي التبريزي الأنصاري، وكشف المحجة في شرح خطبة اللمَّة، السيد عبدالله شبر، والزهراء (عليها السَّلام) وخطبة فدك , للعلَّامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، والدرَّة البيضاء في شرح خطبة الزهراء (عليها السَّلام)، العلَّامة السيد هادي الحسيني الصائغ ، وشرح خطبة الصدِّيقة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) للشيخ محمد طاهر الخاقاني، والزهراء (عليها السَّلام) خير نساء العالمين، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وفاطمة من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، وغيرها الكثير.
(([4] ينظر: البنى التركيبة في خطبة الزهراء (عليها السَّلام)، والإيحاء والتصوير في خطبة السدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) دراسة في البنى الأسلوبية، الدكتور جنان محمد مهدي، والبنى الصرفية في خطبة السيدة الزهراء (عليها السَّلام)، الدكتور بان صالح مهدي الخفاجي، والخصائص الأسلوبية في خطبة السيدة الزهراء (عليها السَّلام)، الدكتور طلال خليفة سلمان، وخطبة الزهراء (عليها السَّلام) الكبرى دراسة في الأسلوب والفن ، الدكتور حسين لفتة حافظ وعواد كاظم لفتة، وخطبة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) دراسة دلالية، المدرس المساعد رُسل عباس محمد شيروزة، والصيغ الصرفية وأثرها الدلالي في خطبة الزهراء (عليها السلام)، المدرس المساعد محمد فيصل حسن الموسوي، وكسر أفق التوقع في خطبة السيدة الزهراء (ع)، الدكتور طلال خليفة سلمان، وغيرها الكثير.
([5]) ينظر: كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مادة (سبك): 2/214، ولسان العرب، لابن منظور مادة (سبك): 10/438، وتاج العروس، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الملقب بـ(مرتضى الزبيدي)، مادة (سبك): 1/ 6714، ومختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، مادة (سبك): 153 .
([6])أساس البلاغة، للزمخشري : ١/436.
([7]) ينظر: النَّص والخطاب والإجراء ، روبرت دي بوجراتد :103 .
([8])مقالات في اللغة والأدب ، تمَّام حسَّان: 2/256.
([9]) ينظر: نظرية الانسجام الصوتي وأثرها في البناء الشعر، نوارة بحري (إطروحة دكتوراه)، جامعة الحاج لخضر ــ باتنة ـــ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، 2009م ـ 2010م .
([10]) ينظر: علم لغة النص، النظرية والتطبيق، عزة شبل محمد: 125 .
([11]) ينظر: نظرية علم النص – رؤية منهجية في بناء النص، د. حسام أحمد فرج: 117 .
([12]) ينظر: علم لغة النص، النظرية والتطبيق: 125
([13]) ينظر: نظرية علم النص – رؤية منهجية في بناء النص: 116 .
([14]) ينظر: لسان العرب، ابن منظور مادة (سجع): 7 /12.
([15]) ينظر: المعجم العربي الأساسي، مجموعة من كبار اللغويين، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1889م: 609 .
([16]) ينظر: سجع أم فواصل، د. أحمد الحوفي، مجلة اللغة العربية بالقاهرة، العدد (27) سنة 1971 م: 114 .
([17])ينظر: معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، مجدي وهبه وكامل المهندس: 197 .
[18])) ينظر : المثل السائر، لأبن الأثير : 1/213.
([19]) ينظر: نظرية علم النّص، رؤية منهجية في بناء النّص النثري: 117 .
([21])السجع المُرصَّع : وهو ما اتفقت فيه ألفاظ إحدى الفقرتين أو أكثرها في الوزن والتقفية. ينظر : أنوار الربيع في أنوار البديع, السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني (1120هـ):6 /250.
([22]) ينظر: الدعاء عند السيدة الزهراء (ع)، أ. م. د – خليل خلف بشير، ومصطفى إبراهيم عاجل، مجلة جامعة ذي قار العلمية، المجلد 10 – العدد 2 حزيران 156 : 2015 .
([23]) ينظر: إشراقات غرَّاء من خطاب السيدة الزهراء (ع)، د. عبدالحسن علي حبيب الناصر: 142-143.
[24])) الاحتجاج : 1/101.
([25]) ينظر: التكرار في التماسك النصي، مقاربة معجمية تطبيقية في ضوء مقالات خالد المنيف، د. نوال بنت إبراهيم الحلوة، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها، العدد 8- رجب 1433 هـ – مايو 2012 م: 27 .
[26])) ينظر : إشراقات غراء من خطاب السيدة الزهراء (ع) : 132.
([27]) ينظر: نظرية علم النص – رؤية منهجية في بناء النص: 117 .
([28])السجع المُطرَّف: وهو ما اختلفت فيه الفاصلتان وزناً واتفقتاً في حرف السجع. ينظر : أنوار الربيع في أنوار البديع, السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني (1120هـ):6 /250.
([30]) ينظر: نظرية علم النص – رؤية منهجية في بناء النص: 119 : 118 .
([31]) ينظر: الخصائص الأسلوبية في خطبة السيدة الزهراء (ع)، الدكتور طلال خليفة سلمان، موسوعة الموسم، أكاديمية الكوفة في هولندا، العدد 109، المجلد2، السنة (27) ـــ (1436هـ ـــ 2015م):223.
([33]) اشراقات غراء من خطاب السيدة الزهراء (ع): 143-145 .
([34]) أي بيض الوجوه من النور ، الضامري البطون من الجوع بسبب الصيام أو الزهد . ينظر: كشف المحجة، السيد عبدالله شبر : 80 ــــ 81
([35]) السجع المتوازي : وهو ما اتفقت فيه الفاصلتان وزناً وروياً . ينظر : أنوار الربيع في أنوار البديع, السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني (1120هـ):6 /250.
[37])) ينظر: الخصائص الأسلوبية في خطبة السيدة الزهراء (ع) : 613.
[38])) تاج العروس مادة (جنس) : 15/515 .
([39]) بغية الايضاح لتلخيص المفتاح في البلاغة, عبد المتعال الصعيدي : 4/69.
([40]) معجم البلاغة العربية, د. بدوي طبانة :1/155 .
([41]) البديع تأصيل و تجديد, د. منير سلطان :76.
([42]) ينظر: فن الجناس, علي الجندي:29.
([43]) ينظر: مفتاح العلوم, ابو يعقوب يوسف بن ابو بكر بن محمد بن علي السكّاكي (ت626هـ): 429, وبُغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة, عبدالمتعال الصعيدي: 4/74 , وجواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع, السيد أحمد الهاشمي: 247 ., وذهب الحلبي الى تسميته بـ(المطمع) وعرَّفه ” ان يُجاء بالكلمة واختها على مثل أكثر حروفها فيطمع في انّها مثلها فيخالفها بحرف “. ينظر: حسن التوسل الى صناعة الترسل, شهاب الدين محمود الحلبي (ت 725هـ), تحقيق أكرم عثمان يوسف : 192.
[44])) الاحتجاج : 1/98 .
([45]) ينظر : دراسة الصوت اللغوي، د. أحمد مختار عمر: 214.
([46]) ينظر : المصدر نفسه: 214.
([47]) ينظر : الكتاب، سيبويه: 4/433.
([48]) ينظر : دراسة الصوت اللغوي: 214.
([49]) ينظر : علم لغة النص، النظرية والتطبيق: 131 .
([50]) إشراقات غراء من خطاب السيدة الزهراء (ع) :124.
([51]) سورة إبراهيم : 34 ، وسورة النحل : 18 .
[53])) ينظر: دراسة الصوت اللغوي، د. أحمد مختار عمر: 316.
[54])) ينظر: في البحث الصوتي عند العرب، د.خليل إبراهيم العطية: 58.
[55])) ينظر: المعلم في فن التجويد بروايه حفص عن عاصم، جمع وترتيب منذر علي ابو صويلح : 69.
[56])) ينظر: دراسة الصوت اللغوي: 316.
[57])) ينظر: المعلم في فن التجويد بروايه حفص عن عاصم من الطريقه الشاطبيه: 70.
[58])) ينظر: شرح المختصر على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني, سعد الدين التفتازاني: 474
([59]) ينظر: مفتاح العلوم: 429, وبُغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة: 4/74 , وجواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع : 247 .
([61]) ينظر: إشراقات غراء من خطاب السيدة الزهراء (ع) : 152 .
([66])ينظر: إشراقات غراء من خطاب السيدة الزهراء (ع) : 128.
([67])ينظر : فاطمة من المهد الى اللحد : 128.
([68])لسان العرب مادة (وزى)، ابن منظور : 15/391 .
([69])المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية مادة (وزى): 1030 .
([70])ينظر: البديع والتوازي ، عبد الواحد حسن الشيخ : 8.
([71])تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، الدكتور محمد مفتاح: ٢5 .
([72])ينظر: مدخل إلى قراءة النص الشعري، محمد مفتاح : 259.
([73]) ينظر : التناسب البياني في القرآن , أحمد محمد أبو زيد : 129.
[74])) ينظر: جماليات النثر الفني، طراد الكبيسي: 23.
[76])) المستويات الجمالية في نهج البلاغة، نوفل أبو رغيف: 75
[77])) الاحتجاج : 1/113 .
([79])ينظر: الخصائص الأسلوبية في خطبة السيدة الزهراء (ع) : 610 .