تعثر في مرطها* من الخجل)(1).
ويتضح من خلال الحديث المذكور بأن رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” جاءها في صبيحة اليوم الثاني فدعاها، وكانت ” صلوات الله عليها ” مدهوشة لرؤيته فأصابها الخجل فجاءته مسرعة تتعثر من الخجل، إلا إن ابن منظور لم يبين بقية الحديث التي ذكرته المصادر، فأن رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” قد دعا علياً وفاطمة ” صلوات الله عليهما ” في صبيحة اليوم الثاني من زواجهما ونضح عليهما من الماء ودعا لهما وأخبر فاطمة ” صلوات الله عليها ” بأنه أنكحها أحب أهل بيته إليه.
وبذلك الزواج المبارك أتم الله تعالى شرف أمير المؤمنين علي ” صلوات الله عليه ” بالبضعة النبوية والبتول الطاهرة بنت رسول الله محمد ” صلى الله عليه وآله وسلم ” سيدة النساء المخصوصة بالثناء والسناء المؤيدة بعناية رب السماء أم أبيها صلى الله عليه وعليها وعلى بعلها وبنيها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ” صلوات الله عليها “، فإنها زادته شرفاً إلى شرفه القديم، فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت واستشهدت ويوم تبعث حيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وأنظر ما جاء عن الدولابي بإسناده عن أسماء بنت عميس قالت : كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحنا جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال : يا أم أيمن ادعي لي أخي، قالت هو أخوك وتنكحه ابنتك ؟ ، قال : نعم يا أم أيمن، وسمعن النساء صوت النبي صلى الله عليه وسلم فتخبأن، قالت : واختبأت أنا في ناحية فجاء علي فنضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه من الماء ودعا له ثم : قال ادعي لي فاطمة : فجاءت خرقة من الحياء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اسكتي فقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي ثم نضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها من الماء ودعا لها….الخ ؛ الدولابي، الذرية الطاهرة، ح رقم(88)، ص96-97 ؛ النسائي، أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب (303هـ)، السنن الكبرى، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان – سيد كسروي حسن، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ، ج5، ص143 ؛ الإربلي، كشف الغمة، ج1، ص375 ؛ المحب الطبري، ذخائر العقبى، ص29.
* المرط : هو سرعة المشي والعدو، وقيل : هو كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل : هو الثوب الأخضر، وجمعه مروط ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج7، ص401.
الذريـة المباركـة:
أعلن النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” للمسلمين : (إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب علي)(1)، وقال ” صلى الله عليه وآله وسلم ” : (كل بني أم عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم)(2)، وقال ” صلى الله عليه وآله وسلم ” : (وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدي)(3)، وقال ” صلى الله عليه وآله وسلم ” مشيراً لعلي ” صلوات الله عليه ” : (هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي)(4).
وهذا يعني إن ذرية النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” قد انحصرت بولد سيدة النساء فاطمة ” صلوات الله عليها ” وأنه ليس له ولد إلا ولد فاطمة ” صلوات الله عليها “، وكان ” صلى الله عليه وآله وسلم ” يوصي بهما خيراً، إذ يذكر ابن منظور ما قاله رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” للإمام علي ” صلوات الله عليه ” : (أوصيك بريحانتي خيرا قبل أن ينهد ركناك، فلما مات رسول الله ” صلى الله عليه وسلم ” قال : هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : هذا الركن الآخر، وأراد بريحانتيه الحسن والحسين ” رضي الله عنهما “)(1).
وهذا يبين بأن رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” كان يحب ولديه الحسن والحسين ” صلوات الله عليهما ” حباً جماً، وكان يوصي بهما في حياته خيراً وفي مماته فمن آذاهم فقد آذى رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” ومن أحبهم فقد أحب رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم “، فهما ” صلوات الله عليهما ” ريحانتيه التي يشم في الدنيا، وهم ذريته من ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء ” صلوات الله عليه ” وولد أخيه في الدنيا والآخرة أمير المؤمنين علي ” صلوات الله عليه “.
ولم يذكر ابن منظور ولادة أبناء علي وفاطمة ” صلوات الله عليهما ” وإنما ذكر تسمية الإمام علي ” صلوات الله عليه ” لهم بأسماء النبي هارون ” عليه السلام “، إذ يقول : (ووجدت ابن خالويه(2) قد ذكر شرحها فقال : شبر وشبير ومشبر هم أولاد هارون، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ومعناها بالعربية حسن وحسين ومحسن، قال : وبها سمى علي عليه السلام أولاده شبر وشبيراً ومشبراً يعني حسناً وحسيناً ومحسناً رضوان الله عليهم أجمعين)(3).
وهنا بيـن ابن منظور أبناء الإمام علي ” صلوات الله عليه ” مـن السيدة الطاهرة فاطمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزهراء ” صلوات الله عليها “، إلا أنه ذكر نقلاً عن ابن خالويه أن الإمام علي ” صلوات الله عليه ” هو من سمى أولاده بهذه التسمية، وعند مراجعتنا للمصادر نجد أن رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” هو من قام بتسميتهم (حسن وحسين ومحسن) بأسماء ولد هارون النبي ” عليه السلام ” (1)، فكانت أسمائهم ” صلوات الله عليهم ” مشتقة من أسماء أولاد النبي هارون ” عليه السلام “.
كما لم يذكر ابن منظور العقيلة زينب ” صلوات الله عليها “(2) من زوجته فاطمة الزهراء ” صلوات الله عليها “، إلا انه ذكر بأن أم كلثوم* هي إحدى بناته، إذ أورد نصاً عن خطبتها من عمر بن الخطاب إذ ذكر بأن الإمام علي ” صلوات الله عليه ” : (بعث ابنته أم كلثوم إلى عمر ” رضي الله عنهم ” لما خطبها فقال لها : قولي له أبي يقول : هل رضيت الحلة* ؟)(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (هناك دراسات عديدة بحثت في وجود أم كلثوم من عدمه كابنة للإمام علي ” صلوات الله عليه “، وقد أثبتت وهمية هذه الشخصية وعدم وجودها وإن المصادر قد اختلط عليها الأمر في زواجها من عمر بن الخطاب وأن هناك شخصية أخرى) ؛ ينظر : علي صالح رسن المحمداوي، أم كلثوم، .
* الحلة : من اللباس ويكنى به عن النساء ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص173.
وهناك الكثير من علامات الاستفهام على هذه الرواية منها :
أولاً : إن الإمام علي ” صلوات الله عليه ” بعث ابنته أم كلثوم حتى يراها عمر لما أراد خطبتها، وهو الأمر الذي لا يتناسب ويتلائم مع أخلاق الإسلام وبناء الإمام ” صلوات الله عليه ” الفكري.
ثانياً : إخبار أم كلثوم على لسان أبيها بأن تقول لعمر هل رضيت الحلة ؟ أي الزواج كما مبين في الحديث، وهو أمر مستغرب أيضاً ويتضح الدس فيه وكأن عمر هو المتفضل بمصاهرة هذا البيت.
ثالثاً : لم يبين ابن منظور سبب إرسال الإمام علي ” صلوات الله عليه ” لابنته أم كلثوم لعمر ؟ ولماذا أخبرته بعبارة (هل رضيت الحلة) ؟ وما جواب عمر على سؤالها ؟ وهل تم هذا الزواج أم لم يتم ؟
فقد صورت الروايات التاريخية الإمام علي ” صلوات الله عليه ” بعديم الحيلة وهو ما يؤكد عدم وجود أم كلثوم أصلاً، هذا فضلاً عن إن الأخبار عن أم كلثوم بعد هذا الزواج تكاد تكون معدومة ومكررة ولا تدل على شيء كما ذكرت الدراسات(1).
وقد حاولت بعض المصادر شرعنة أمر الزواج ومتعلقاته بالقول أن الإمام علي ” صلوات الله عليه ” أحتج بصغر سن ابنته أم كلثوم وعدم تصديق عمر بذلك، ولذا كان يعاوده ويكثر التردد إليه ويلح عليه وفي بعض الأخبار تصريح بذلك، ففي رواية ابن إسحاق والمحب الطبري قال الإمام ” صلوات الله عليه ” لعمر : (هي صغيرة، فقال عمر : لا والله ما ذلك بك، ولكن أردت منعي، فإن كانت كما تقول فابعثها إلي ….)(2)، وفي رواية البيهقي وابن البطريق وابـن طاووس، إذ قال الإمام ” صلوات الله عليه ” لعمر : (إنها تصغر عن ذلك، فقال عمر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سمعت رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فأحببت أن يكون لي من رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” سبب ونسب….)(1)، ويذكر الدولابي : (….فرجع علي فدعاها فأعطاها حلة وقال : انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين فقولي : يقول لك أبي كيف ترى هذه الحلة ؟ فأتته بها فقالت له ذلك….)(2)، ويذكر إبن العربي قول عمر : (قد رضيتها فأنكحها علي فأصدقها أربعين ألف درهم)(3).
وعلى أية حال فإن الإشكالات الفقهية فيما ذكرته المصادر من تصرف الإمام علي ” صلوات الله عليه ” كولي أمر تدل بشكل قاطع على عدم حدوث الزواج أو مقدماته ولعل السبب واضح وهو عدم وجود أم كلثوم أصلاً.
سكنـهم فـي المسجـد الشريـف :
نظمت العناية الإلهية حتى سكن الإمام علي ” صلوات الله عليه ” واستقطبت حوله الأسماع والأذهان ليبقى هذا التمييز واضحا وخصوصا بعد زواجه من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ” صلوات الله عليها ” بنت رسول الله محمد ” صلى الله عليه وآله وسلم “، فأسكنه الله تعالى ورسوله الكريم ” صلى الله عليه وآله وسلم ” في المسجد الشريف إلى جنب رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” دون غيره من المسلمين، وقد ذكر ابن منظور حديثاً عن سعد قوله : (لما نودي : ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله وآل علي، خرجنا من المسجد نجر قلاعنا*)(4)، كما وأورد ابن منظور حديثاً آخـر بنفس الإطار وفقاً لمـا جاء عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القلع : الكنف الذي يكون فيه زاد الراعي ومتاعه، ونجر قلاعنا : أي خرجنا ننقل أمتعتنا ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج8، ص291.
رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” قوله : (لا تبقى خوخة* في المسجد إلا سدت إلا خوخة علي)(1).
ويتضح من خلال ما ذكره ابن منظور ما يأتي :
أولاً : إن سكن الإمام علي ” صلوات الله عليه ” كان في المسجد الشريف مع رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم “.
ثانياً : إخراج رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” كل من كان ساكناً في المسجد الشريف أو كان بابه مفتوحاً أمام المسجد.
ثالثاً : لم يشر ابن منظور إلى سبب إخراج رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” الناس الساكنين في المسجد أو بالقرب منه ؟ وعند الإطلاع على المصادر الأخرى نجد بأن رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” وقف خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته، وإنما أمرت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وآل علي وآل أبي بكر وآل عمر وأعمامه، قال : فنودي فينا ليلاً أخرجوا من المسجد إلا آل رسول الله وآل علي، قال : فخرجنا نجر قلاعنا، فلما أصبحنا أتاه عمه حمزة فقال : يا رسول الله أخرجتنا وأسكنت هذا الغلام، ونحن عمومتك ومشيخة أهلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : “ما أنا أخرجتكم، ولا أنا أسكنته ولكن الله عز وجل أمرني بذلك” ؛ ينظر : الأمالي، ص56.
* الخوخة : مخترق ما بين كل دارين لم ينصب عليه باب، وقيل : هي باب صغير كالنافذة الكبيرة تكون بين بيتين ينصب عليها باب ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص14.
بشيء فأتبعته)(1)، وقال ” صلى الله عليه وآله وسلم ” : (إن الله عز وجل أوحى إلى نبيه موسى عليه السلام : أن أبن لي مسجداً طاهراً، لا يسكنه إلا موسى وهارون، وابنا هارون، وان الله أوحى إلي : أن أبن مسجداً طاهراً، لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي)(2)، كما وقام النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” خطيباً فقال : (إن رجالاً لا يجدون في أنفسهم أن أسكن علياً في المسجد وأخرجهم، والله ما أخرجتهم وأسكنته، بل الله أخرجهم وأسكنه، إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه أن تبوؤا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة، ثم أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب إلا هارون وذريته، وإن علياً مني بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي ولا يحل لأحد أن ينكح فيه النساء، إلا علي وذريته فمن ساءه فهاهنا وأشار بيد نحو الشام)(3).
ومن المؤكد إغلاق النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” لأبواب أصحابه المشرعة على المسجد في وقت مبكر بعد هجرته إلى المدينة لحرمة دخول الجنب إلى المسجد المطهر واستثناء الإمام علي ” صلوات الله عليه ” ونفسه ” صلى الله عليه وآله وسلم ” من ذلك مما يؤكد الآية القرآنية في طهارة أهل البيت ” عليهم الصلاة والسلام ” : ” إنَما يُريدُ الله ليُذهبْ عَنكُمْ الرِجسْ أهلْ البيتْ وَيُطَهِرُكُمْ تَطْهِيرَا “(4)، وبهذا وضحت المصادر العلة التي من أجلها سدت أبواب جميع المسلمين إلا باب علي ” صلوات الله عليه “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ