مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
جمالة اللغة الفاطمية في استعمال خلاف ما اثبته علماء العربية والالسنية د. عباس إسماعيل الغراوي كلية التربية جامعة ميسان
+ = -

الفائز الثالث

جمالية اللغة الفاطمية

في استعمال خلاف ما ثبته علماء العربية والالسنية

اعداد عباس إسماعيل سيلان الغراويبسم اللهِ الرّحمن الرَّحيم

المـقدِّمــة

الحمدُلله ربِّ العالمين ، الحمدلله دومًا في جميع الأحوال والأزمان ، وله الشُّكر في الأولى والآخرة ، والصّلاة والسّلام على النّبيّ المبارك وعلى آله الطّاهرين إلى قيام يوم الدّين .

وبعد

إنّ أهل البيت منبعُ العلوم والمعارف ، فالانطلاق منهم في تأسيس العلوم أمرٌ محثوثٌ
عليه ، سوى أنّ المطّلع على التّراث العربيّ يجد صرف النّظر عن مناهلهم في تأسيس طائفة من العلوم على النّحو من علوم اللغة العربيّة ؛ فلم نجد اعتمادًا على أقوالهم في الوقت الذي نجدُ فيه الاعتماد على شعر شاعر جاهليّ مغمور ومنزور الفائدة ، أو الاعتماد على كلام أعرابيّ لم يعرف له مُسمّى .

لقد جادَ علينا أهل البيت (عليهم السّلام) بما ينفعنا دُنيا وآخرة ، وفي كلام الزّهْراء مناجم من الكنوز التي هي بحاجة إلى بحث وتنقيب ، فقد وجدَ الباحث مجموعة من الأمور اللغويّة التي تخالف ما جاء في الخطاب الفاطميّ ، ولذا اختار العنوان : (جمالية اللغة الفاطميّة في خلاف ما أثبته علماء العربيّة والألسنيّة ) ، وانما أسماه (جمالية) ؛ لأنّه حقّا كان كذلك ، ففيه ما يجلو الأفهام ، ويشذِّبُ الخيال ، وبه يتغذى الفكر على مائدة السلامة .

وقد قسم البحث على مبحثين ؛ تخصّص المبحث الأوّل ببيان القضايا اللغويّة التي خالفت ما جاء في اللغة الفاطميّة ، أما المبحث الثاني فضمّ قضايا الألسنية على النّحو من إعلامية
المعلوم وقد شملت مجوعة من الانماط .

واعتمد الباحث مبدأ الإيجاز ، فلم يوغل في التّنظير ، ولم يتطرق إلى التّعريف بالزّهْراء مثلما هو المعتاد في البحوث ، إذ تعرف بالشخصية المدروس خطابها ، بيد أن الباحث رأى أن الشّمس ليست بحاجة إلى تعريف فضلًا عن توافر المصادر التي أغنت عن التعريف بحياتها .

ختامًا أسأل الله أنْ أوفَّقَ في هذا العمل ، وأنْ يجعله قربة إليه مُتكلًا عليه تعالى ، ومستنيرًا بفضلهِ . وآخر دعوانا أنِ الحمدلله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطّاهرين .

المبحث الأول : اللغة الفاطميّة والقواعد اللغويّة

توطئة

اللغة تخضع للاستعمال ، وهي رهن الأحوال المحيطة ، ومن هنا فانّ فرض قوانين عليها لا يصحُّ بسبب أنّ القوانين هذه لا يمكنها أنْ تسري في جميع الأحوال . فالإيجاز له مواطنه والإطناب له مواطنه ، وكلام المتحذّر ليس ككلام المطمئن ، فالمتكلمون درجات ، وأهل البيت في قمّة تلك الدّرجات بما لا يُدانيهم أحد ، فلقد وجدْنا في كلامِهم ما يفوق في سحريته ورونقه كلام الآخرين سوى أنّه على خلاف ما سوّغه العلماء . ولا ضير في ذا ما داموا هم أمراء الكلام، والأمراء يفوقون العوام في المهامّ . يقول أمير المؤمنين ( u) : (( إنّا لأُمَراءُ الكلامِ، وفينا تَنَشَّبتْ عُرُوقُه ، وعلينا تهدَّلتْ غُصُونُهُ ))([1]) .

زد على هذا أنّ القواعد النّحويّة واللغوية وُضِعت في عصر لاحق لهم (عليهم السّلام) ، أي إنّ الضّير على القواعد التي لم تنتهل من رحيق كلامهم، لكنّها انتهلت وعلّت من الشّعر ، والشِّعر ليس كالنّثر كونه يخضع للضّرورات ، وقد انتبه النّحويّون إلى ذلك ، فقد نُقِلَ عن بعض النّحويين: (( أمّا الاعتماد على الشِّعر مجردًا عن نثر شهير يضاف إليه، أو يوافق لغة مستعملة يحمل ما في الشّعر ، فليس بمعتمد عند أهل التحقيق؛ لأنّ الشّعر محلّ الضّرورات ))([2]) ، والى مثل هذا ذهب الدكتور المخزوميّ (رحمه الله) بقوله :  (( إنّ أمثلة من الشِّعر لم تؤيد بأمثلة من النـثر الصّحيح لا يصح أنْ تكون أساسًا لأصل من أصول العامة )) ([3]) .

وسيضم المبحث هذا : المستويين النّحوي والصرفيّ ، فهما اللذان ورد في قواعدهما إشكالٌ يحثُّنا على إعادة النّظر في الأسس التي اعتمدها النحويّون والصّرفيّون .

ــ المستوى النَّحويّ :

النحو يتعلّق بدراسة الجملة أي بدراسة التّركيب ، ببيان أحكامه وطرق تعبيره , ومن الظّواهر التي خالف النّحويون فيها اللغة الفاطميّة :

ـــ خبر كان

يأتي خبر كان على أكثر من نمط ، فقد يأتي مفردًا ، نحو (كان الجو ممطرًا )، وقد يأتي مضارعًا نحو (كان الجو يمطر) … ، وغير ذلك إلا أنّ النّحويين أنكروا مجيئه فعلًا ماضيًا ، فلا يجوز القول (كان الجوُّ مَطَرَ) ، وقد  نقل عن ابن درستويه ( ت 347 هـ) : (( انّه لا يجوز أن يقع الماضي خبر ( كان ) ، فلا يُقال: ( كانَ زيدٌ قامَ…، وجمهورهم على أنّه غير مستحسن ، ولا يحكمون بمطلق المنع ، قالوا : فإن وقع فلا بدّ من ( قد) ظاهرة أو مقدَّرة ؛ لتفيد التقريب من الحال ، إذ لم يستفد من مجرد ( كان ) )) ([4]) ؛ وذلك لأنّ ( كان ) تدلّ على الماضي ، فإذا وقع في خبرها ما يدلّ عليه كان كاللغو ، فاشترط اقتران الخبر بـ( قد ) ؛ لأنّها تقرِّبه من
الحال([5]) ، نحو قولنا : ( كان زيدٌ قد حضَرَ ) ، فحضوره قريب من الحال . فهم لا يجوزونه إلا مع تقدير (قد) ، و جعله ابن يعيش (ت 643هـ) غير مستحسن ، فقال : (( لا يحسن وقوع الفعل الماضي في أخبار ( كان وأخواتها ) ؛ لأنّ أحد اللفظين يُغني عن الآخر ))([6]) ، وقبل الخوض في مناقشة هذا الرّأي نستحضر قول الزّهْراء (عليها السلام)  :  (( كان دخل إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عند ولادتي الحسين (u) ، فناولته إياه في خرقة صفراء ، فرمى بها ، وأخذ خرقة بيضاء ولفّه فيها، ثم قال : خُذيه يا فاطمة فإنّه إمام ابن إمام أبو الأئمة التسعة من صلبه أئمة أبرار، والتّاسع قائمهم ))([7]) .

 

فهنا جيء بالخبر ماضيًا، ولم يُقترن بـ (قد) ، ومثل هذا عند النّحويّين غير مقبول أو أنّه غير مستحسن ، ولهذا يقولون بتقدير (قد) ، وليس الأمر كما ذهبوا ، فالزّهْراء كان بإمكانها أنْ تقول : (كان قد دخل …) إلا أنّ ثمّة فرقًا بين الأسلوبينِ ، فالقول (كان دخل…) هو الذي يناسب المراد لأكثر من سبب :

أ ـ التّوكيد على المضيّ : الذي يتأتَّى من دلالة ( كان ) عليه من جهة ، و دلالة الخبر عليه من جهة أخرى ؛ إذ لا يمنع من اجتماع ما يدلّ على الشّيء نفسه في كلام واحد ما دام هذا لأجل التّوكيد([8]) ، وذلك للاعتناء بحدث ذلك الزّمان الماضي ، فالزّهْراء في النص تستحضر حدثًا مهمًّا وقع في الزمن الماضي، وليس الأمر مثله لو قدرنا (قد) ، فهي تدل على الماضي القريب ، والفرق واضح بين الماضي البعيد والماضي القريب .

ب ـ الدلالة على أنّ الخبر قد وقع مرة واحدة : فالخبر إذا كان فعلًا ماضيًا دلّ على وقوعه مرة واحدة ، فتلك المرة كانت القطعة التي لفّ بها الإمام صفراء وبعد أنْ استبدلها النّبيّ صار أمره امتثالًا تمامًا ، والتزموا نهجه بالتّقميط بالبيضاء ، أي إنّها تلك المرة الوحيدة التي كان فيها التقميط بالصّفراء ، إنّ المثال الفاطمي بيّن أنّ الأمر قد وقع مرة واحدة فعلًا ، وهذا يفارق المعنى فيما لو كان مضارعًا الذي يدلّ على تكرار الفعل مرارًا ، ويختلف عن الاسم الذي يدل على الثبوت أي يفيد المدة الطويلة ، ويختلف عن الماضي المقرون بـ (قد) ، فهو يدل على مرة واحدة ولكنه للمدة الزمنية القريبة .زد على هذا أنّ الاستعمال الفاطمي هو الموافق للقرآن فقد جاء في القرآن الكريم خبر كان فعلًا ماضيًا من دون (قد) نحو قوله تعالى: ) ولقَدْ كَانوا عَاهَدوا اللهَ مِنْ قَبْلُ ( (الأحزاب /15) ، وقوله تعالى : ) وإنْ كانَ قميصُهُ قُدَّ من دُبُرٍ ( ( يوسف/27 ).  لا يسعنا بعد هذا إلا القول إنّ خبر (كان) يمكن أن يأتي ماضيًا ولا حاجة إلى تقدير بل لا يجوز التقدير بسبب الفرق الدلاليّ المذكور آنفا .

غير للنّفي لا للاستثناء

ذهب النّحويون إلى أنّ (غير) تأتي للاستثناء بمعنى (إلّا)([9])، وقد أنكر الدّكتور أحمد عبدالستار الجواري (رحمه الله) ذلك عليهم([10]) ، وله الحق ففيه تعقيد للعمليّة التعليميّة؛ إذ جعلت النّحو يصبُّ في باب الأحكام وصرفته من التّحليل والجماليّة ، فالمطّلع على قواعد السّادس الإعدادي في موضوع الاستثناء يجد هذا الأمر بارزًا ، فالطالب يغطّ في دوّامة من القواعد الاستثنائية الخاصّة بـ (غير) من دون أن يجد مجالًا لتذوق جماليّة النّصّ وبراعته .

إنّ الحقيقة لـ (غير) أنّها اسم للنفي يُعرَب بحسب موقعه من الإعراب ولا حاجة إلى التكلف ، ولا أدري هل فتحوا هنا باب (الاسم المشبه بالحرف) ، فالمعهود أنّهم يشبهون الحرف بالاسم كتشبيه الكاف بـ (مثل) ، أو يشبهون الحروف بالأفعال من مثل موضوع (إنّ وأخواتها) المشبهة بالأفعال ، والصّحيح أنْ نجعل كلًّا في مجاله فهو يجنبنا التعقيد .

وعند التأمل في قول الزّهْراء (عليها السلام) واصفةً المسلمين لإعراضهم عن الحق :
(( فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ )) ([11])، نجد هنا أنّ (غير) مفعول به منصوب أفاد النفي .

إنّ الزّهْراء (عليها السّلام) تريد القول : إنكم وضعتم الأمور في غير نصابها ؛ فبدلًا من وَسْم إبلكم رحتم إلى غيرها، فوسمتم؟! وهذا هو الخسران المبين ، انّه عمل الإنسان الذي يُضيِّع خيره ورزقه، وفي الوقت نفسه تجده مُجهدًا نفسه بالعمل على مصلحة آخر غيره .

ثم انّهم وردوا ماءً ليس لهم ؟! وهذا عمل خاطئ من جهة ، وعملٌ لا يقوم به إلّا جاهل لا يحسن التّصرف . إنّ الأداة (غير) النّافية رسمتهم بصورة قبيحة ؛ إذ يقدمون على فعل كان الصّواب بتركه .

إنّ التحليل هنا أبان بشاعة الموقف لأولئك الخاسرين ، ولو ذهبنا إلى القول بأنّها للاستثناء لشغلنا هذا التّأويل المتكلِّف بالشّكل دون المضمون .

ـ المستوى الصّرفيّ

الصرف ويعرف أيضًا بالتّصريف ، و(( هو علمٌ بأصولٍ يعرف بها أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب)) ([12]) ، أي إنّه يقوم بدراسة الكلمة من جهة أبنيتها ، ويتخصّص بالأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة . وثمة مجموعة من القواعد التي أقرّها الصّرفيون ، ويبدو أنّ إقرارهم كان ناقصًا بسبب الاستقراء النّاقص . وستلقانا اللغة الفاطميّة لغةً رائعةَ الجمال بالرّغم من مخالفتها لهذه القواعد الصّرفيّة ــ إنْ صحّ القول ــ ، وإنْ كان الصّحيح أنْ نقول: إنّ القواعد الصّرفيّة خالفت تلك اللغة المثاليّة . على النّحو من :

المطاوعة

المطاوعة من موضوعات الفعل المزيد ، وتعني (( حصول الأثر عن تعلُّق الفعل المتعدّي بمفعوله، نحو: كسّرتُ الإناء فتكسَّر، فيكون تكسَّر مطاوعًا، أي موافقًا لفاعل الفعل المتعدّي، وهو كسّرت ))([13]) ، وكذا  (علّمته فتعلّم) … ، فهنا استجاب الموقف للفعل، فحدث الكسر في الأول والتّعليم في الثّاني ، وتأتي المطاوعة مع مجموعة من الصِّيغ الفعليّة ، ومنها صيغة (تفعّل) إلّا أنّ الذي عليه الصّرفيون أنّها تأتي مطاوعة للوزن (فعّل) على النّحو من المثال السّابق (كسّرته فتكسّر) ، وكذا (علّمته فتعلّم) ([14]) ، غير أنّها في الاستعمال الفاطميّ جاءت مطاوعة للفعل الذي على وزن (فعَلَ) في مخاطبتها للأنصار : (( نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ )) ([15]) ، ولم أجد أحدًا من الصّرفيّين يقول: إنّها تأتي مطاوعة للفعل الّذي على وزن (فَعَلَ) ، ولو عدْنا إلى الخطاب الفاطميّ نجد بلاغة التّعبير ، فالقول الوارد أفضل من (نؤمِّركُم فتأتمرون) ، فالقول الفاطميّ يُبيِّن أنّ الأنصار كانوا يستجيبون بمجرد أمرهم من قبل النّبيّ . ولو قيل بتشديد الفعل (أمّرَ) لدلّت على غير المعنى المراد، فهي تحتمل تسنيمهم الإمارة أو تحتمل أنّهم يستجيبون بعد المبالغة والتّكُثير في الأمر من النّبيّ لهم ، أي إنّهم استجابوا للنّبي بعد أنْ أكثر في أمرهم وهذا ما لم يكن ، فالمعلوم أنّ صيغة (فعّل) تأتي للتّكثير([16]) ، أرادت الزهراء تذكير الانصار بموقفهم المشرف بمسارعتهم لتلبية أوامر الرسول من دون أي تردد ، فما عدا ممّا بدا .

 

تصغير الاسم المبنيّ

التصغير هو (( عبارة عن تغيير الاسم ليدلّ على صغر المُسمّى وقلّة أجزائه، إذ الكبير ما كثرت أجزاؤه، والصّغير بعكس ذلك ))([17]) ، وثمة شروط للمصغَّر ، فـ (( لا يصغَّر الفعل ولا الحرف . وشذ تصغير فعل التّعجُّب . مثل “ما أُحيلاه! وما أُميلحه! “، ولا يصغّر الاسم المبني وشذ تصغير بعض الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة، كالذي والتي وذا وتا، فقالوا في تصغيرها : “اللذيا واللتيا وذيا وتيا” )) ([18]) ،  وجاء تصغير الاسم الموصول المبني في الخطاب الفاطميّ في مخاطبتها الأنصار : (( فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي )) ([19]) ، وهذا التعبير عند الصرفيين شاذٌّ ، والسؤال الذي يطرح نفسه : أيهما هو الأسبق ؟ صياغة القواعد الصرفية ؟ أم الخطاب الفاطميّ ؟

    إذا كان الخطاب الفاطميّ هو الأسبق حكمْنا للقاعدة الصّرفية بالشّذوذ أو بالخطأ ، وإذا كانت القاعدة الصّرفية هي الأسبق حكمْنا للخطاب [حاشاه] بالشذوذ ؟

 

  حين نأتي نستكشفُ الأمر نجد الخطاب الفاطميّ هو الأسبق بأكثر من مئة عام أو مئتين باحتساب أنّ الصّرف كما يقال: قد أسّس على يد مُعاذ بن مسلم الهراء([20]) ، وقد توفي معاذ الهراء  سنة 190 للهجرة ، ولم تُصَغِ القواعد الصرفيّة كلها في عهده ، بل امتدّ الزّمن بها .

إذا كان الأمر كذلك فهل يصح تحكُّم اللاحق بالسّابق ؟!

أمَا كان  على الصرفيين واللغويين بصورة عامّة استعمال الألفاظ التي تنسجم مع الحقّ والواقع فليس من الإنصاف أن يصيغوا قواعد ـ ثم يريدوا إرغام السّابقين عليها ، فإذا ما خالفت ما قالوا به وَسَمُوا أقوال القدماء بالشّذوذ .

إنّ الاستعمال الفاطميّ يوحي بسعة اللغة وعدم اقتصارها على القواعد ، فهي لغة حيّة قابلة للتوسع والنّموّ ، وهذا ما يجعلها تواكب العصر ويخرجها من قفص التحجيم . والبليغ الحقيقي هو الذي يجعل اللغة منسابة مع الواقع بصورة مؤثرة ومُقنعة .

 

ــ الجمع دلاليّ لا لهجيّ

تمتاز العربيّة بتنوّع الأساليب وتعدّد الأنماط ، وهذا الغنى ظاهر في كثير من قضاياها ، ومن هذه القضايا تنوّع الجموع للفظ الواحد في بعض الأحايين ، فمثلا لفظة : (كاتب) تجمع جمع تكسير على : كَتَبة ، كُتَّب ، كُتَّاب ، وتجمع جمع مذكر سالمًا على (كاتبون) في حالة الرفع و(كاتبين) في النصب والجر ، والسؤال المطروح هو : هل هذا التغيير في الجمع يعود إلى تغيير دلاليّ أم إلى أثر لهجيّ ؟

يجيبنا الدكتور إبراهيم السامرائيّ (رحمه الله) في هذا الباب : (( المتتبع للأصول العربيّة يجد شيئًا غريبًا في هذا الباب فالحِبّ (بكسر الحاء) ، وتعني (المحبوب) تجمع على (أحباب) ، (حِبّان) ــ بكسر الحاء وتشديد الباء ــ و(حبوب) و(حببة) و(حُب) ، وربما دلّ هذا على أنّ صيغة من هذه الصّيغ قد استعملت في جهة من الجهات عند قوم من الأقوام في حين أنّ جهة أخرى قد ألفتِ استعمال صيغة أخرى من هذه الصيغ ، وكثرة صيغ جموع التّكسير في العربيّة تسترعي التّأمُّل والنّظر ، بحيث لا نستطيع أنْ نفسِّر ذلك بغير القول بتعدّد اللهجات ))([21]) . فرأيه أنّ السّبب في تباين الجموع يعود إلى أثرٍ لهجيٍّ فحسْب .

سوى أنّ هذا الكلام لم يخضع للقطع والجزم، بل بقيَ خاضعًا للاحتمال مستندًا إلى (ربّما) . وفي نظرة للخطاب الفاطميّ نجد التّنوع في الجمع ، فكلمة (ظَهْر) جمعت للقلة على (أظْهُر) وللكثرة([22]) على (ظُهُور) ، وذلك في خطابها (عليها السلام) النّاس في الخطبة الفدكيّة : (( وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ))([23]) ، ثم كررت الجمع والمعنى الأخير نفسه بعد أسطر من الخطبة نفسها : (( أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ )) ، ويظهر أنّ النص بدأ بجمع القلة الذي هو على وزن (أفعُل) إشارة إلى توطين القرآن بينهم ، وأنّه قريبٌ منهم ، فقالت (بين أظهركم) ، فهو موجود بينهم ماديًّا ، وحين اعرضوا عنه جاء جمع الكثرة ( ظهور ) ، فهم جميعهم اعرضوا عنه بالرّغم من كثرتهم ، أي إنّ جمع القلة جاء مع وجوده الماديّ ، وجمع الكثرة جاء مع صرفهم المعنويّ عنه بسبب كثرة صرفهم المعنويّ عنه  . وفي هذا ذمّ وانتقاد لهم وتقريع ، فكيف اطمأنّوا إلى إعراضهم جميعًا عن القرآن ؟! لقد بذل النّبيّ جهده قرابة ثلاثًا وعشرينَ عامًا من أجل تسريب معاني القرآن في نفوسهم ، وها هم ينتزعون قلوبهم منها في غضون أيامٍ قلائل .

ويمكننا الردّ على الدّكتور إبراهيم السّامرائيّ بأنّه لا يمكن أنْ نعزو القضيّة إلى سبب لهجيّ بأنّ لكل قبيلة نمطًا جمعيًّا خاصًّا بها ، والسّبب أنّ الزّهْراء (عليها السلام) من قبيلة واحدة  فهي هاشميّة من قبيلة قريش ، ومع ذا استعملت للفظ واحدٍ نمطين من الجمع ، فلو كان السبب لهجيّا مثلما يقال لاكتفت بنمط واحد من الجمعين .

ويظهر أنّها استعملت الجمع (ذؤبان) النادر بدلًا من الجمع (ذئاب) الكثير الاستعمال في القول : (( وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ ))([24])، ولعلّ (ذئاب) للحيوانية، و(ذُؤْبان) للبشريّة.

المبحث الثاني : جماليّة اللغة الفاطميّة في خلاف ما أثبته علماء الألسنيّة

ــ توطئة

علماء الألسنية هم المشتغلون باللسانيّات أو بالألسنيّة ، وتعني : علم يهتم بدراسة اللغات الإنسانية ودراسة خصائصها وتراكيبها ودرجات التشابه والتباين فيما بينها([25]).

وهناك أمور أثبتها أصحابها ، لا يمكن التّسليم لها ، على النّحو ممّا يأتي :

إعلاميّة المعلوم (الخبر البديهيّ)

النَّصُّ لا يكون نصًّا ما لم يُوْحِ بالفائدة ؛ لذا (( تُفْهَمُ النُّصُوصُ على أنّها حيِّزٌ لنَقْلِ المَعارفِ الاجتماعيّةِ المُتعدِّدةِ ))([26]) ، وهذا هوَ الإعلاميّة ، وهي من الموضوعات التي ظهرت في اللسانيّات النّصيّة ، وقد جعلها بوجراند أحد معايير النص السبعة([27]) ، وهي مهمة في إنتاج النص سوى أن اللسانيين المحدثين أسّسوا لها تأسيسًا لا يوافق الصّواب ، ولا سيّما في قضية النصّ البديهي (المعلوم) مثلما سيظهر في هذا البحث :

الإعلاميّة والمعلوم (الخبر البديهيّ)

لم أجد للمعلوم تعريفًا وافيًا في حدود ما اطلعتُ عليه ، وليس هذا بمستغرب فكتبُ الاصطلاحات تميل إلى تعريف الغامض أو الذي يُشكُّ في المراد منه . وليس هذا مجالَ لفظ المعلوم ، لكن يمكن إيجازه بأنه هو الخبر البديهيّ ، أي هو أمر غير مجهول، مُشعور به ، مهتدًى إليه . وعند اللسانيين هو منعدم الإعلاميّة أو قليلها ، فلديهم تزداد قيمة الإعلاميّة بمقدار غموض النص([28]).

وليس هذا بصحيح دائمًا ، وربما وافقهم العرب القدماء في ذلك أيضًا ، فالغرض من الإعلاميّة عندهم إيضاحِ المُشْكِلِ ، وهو أنْ تَتَحقَّقَ الفائدةُ عندَ المُتَلقِّي لهذا يميلون إلى النّصوص الخالية من البداهة فلا يحبّذون مثل : (السّماء فوقنا ، والنّار حارة ) ، وهو أمر لا بأس به لكن هذا ليس مطلقًا . ونجدهم يَصفُونَ النُّصوصَ الّتي لا تُدْلي بفائدةٍ إعلاميّةٍ بـ (الباردة) ، ولديهِم مِنَ (( البارد منَ الشّعرِ قولُ عمرو بنِ معدي كرب([29]) :

قدْ عَلِمَتْ سلْمَى وجارَاتُها        ما قَطَّرَ الفَارِسَ إلا أَنَا
شَكَكْتُ بالرُّمْحِ سَرَابـِيْلَهُ      والخَيْلُ تَعْدُو زِيَمًا حَوْلَنا

… وقول أبي العتاهيّة([30])  :

ماتَ واللهِ سَعيدُ بنُ وَهَبِ           رَحِمَ اللهُ سَعيدَ بنَ وهبِ
يا أبَا عُثْمانَ أبكيْتَ عَيْنِي        يا أبا عُثْمانَ أوْجَعْتَ قَلْبِي

والباردُ في شعرِ أبي العتاهيةِ كثيرٌ ))([31]) ، وعبّرَ عنهُ بالرّديء ، فقد جاءَ : (( وما كانَ لفظُهُ سَهْلًا ، ومَعناهُ مَكْشوفًا بيِّنًا فهوَ من جُملةِ الرّديءِ المَردودِ ))([32]) .

ويرى اللسانيون في الإعلامية أنها لا تتمثَّلُ (( في مُجرَّدِ المعلوماتِ الّتي يَحتويها النَّصُّ ، وإنّما تتمثّلُ في جِدّةِ هذهِ المعلوماتِ … ، ولذا كلّما قلّ ﭐحْتمالُ المُتَلقِّي لها ﭐزدادَ مُستواها الإعْلاميّ ، فإذا قُلْنا مَثَلًا : ( السَّماءُ فوقَنا ، والأرضُ تحتَنا ، والنّارُ حارّةٌ ) ، فهذا النَّصُّ يحمِلُ مَعلوماتٍ ، ولكنْ لا يُمْكِنُ أنْ تُوْصَفَ بالإعلاميّة ))([33]) ، لأنّها لم تمنحِ المُتَلقِّيَ شيئًا .

ويُقسّمُ الدّكتور تمّام حسّان الإعلاميّة على درجاتٍ ، فمنْها (( الدُّنْيا كحين يتّفقُ اللّفظُ في رُكْني الجُملةِ ، نحو ” الحقُّ حقٌّ والباطلُ باطلٌ ” ؛ إذْ لا يُضيفُ الخَبَرُ شيئًا إلى ما عَبَّرَ عنْهُ المُبتدأ … ، فهذه الدّرجةُ الدُّنيا منَ الإعلاميّة تفتقرُ إلى إعلاءٍ يَرْقى بها إلى الدّرجةِ المُثْلى في الإعلاميّة ليُؤوِّلَها المُتَلقِّي إلى معنًى مَقْبولٍ ، أمّا الدّرجةُ العُليا منَ الإعلاميّة  فهيَ درجةُ الإلغازِ والتّعميّةِ ))([34]) ، فالإعلاميّة تقوى لديه بمقدار ما يتجسد فيها من غموض .

ولكنَّ التّحليلَ هذا لا يَكونُ دائمًا ؛ بل يُؤاخَذُ بسبب إهمالِهِ مراعاةَ المقامِ (الأحوال المحيطة
بالنصّ) ، ولنلحظ المقولة الفاطمية التي يراها أمثال الكلام السابق بالضعيفة الإعلاميّة ؛ لأنّها بديهية غير أنّ الحقيقة تشي بخلاف ذلك ، وذلك في قولها (عليها السلام) : ((ثُمَّ قالت: أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) )) ([35])

فجميع من في المسجد يعلم : من المتكلمة ؟ ومن أبوها ؟ فقد سمعوا بقدومها ، إذ كان أمرًا مهمًّا وخطبًا وعتْهُ النّاس ، وإذا كانوا على علم بها (عليها السلام) فلِم الإخبار بشيء معلوم ؟!

الجواب انه وإنْ كان معلومًا إلا أنّها أنزلتهم منزلة الجاهل الذي لا يعلم ، فأخبرتهم بأنّها فاطمة ابنة النبيّ ، إنّها فاطمة كوثره المبارك ، إنّها هي البنت التي عبر عنها بأمّ أبيها إنّها فاطمة .

أمَا كان هذا كافيًا لأنْ يتعاملوا معها بحسن واحترام عظيم وتبجيل ؟! لكنّهم تصرّفوا بما يُسيء فأخذوا حقّها من فدك ، واغتصبوا الخلافة من زوجها ، وكأنّهم نسوا مع مَنْ قصروا  .

لقد بان من كلام بنت الرسول أنّ كلامهم البديهيّ يفوق غيره من الكلام الغامض في بيان الإعلاميّة وليس كما ذهب الألسنيون بأنّ الكلام البديهي نزْرُ الإعلاميّة أو منتفية منه  ، فقد أبدعت اللغة الفاطميّة حتى في اللغة البديهية . إنّ العصر الذي تُنكِّر فيه لفاطمة الزّهْراء هو الذي جعلها تنزل إلى مستواه الجاهل او المستنكر ، وتعرِّفهم من هي ؟ إنّ القلب الفاطميّ العظيم جعلها تقوم مقام المعلّمة العظيمة التي تعلِّمُ تلامذتها في جميع الأحوال من دون يأس ، حتّى لو جهلوا أو تجاهلوا . لمَ لا وهي ابنةُ أبيها معلم الإنسانيّة .

ومما يبين دناءة العصر ولؤم النفوس فيه أن الزّهْراء قالت ما قالت ، ومثل الزّهْراء ليس بها حاجة إلى أنْ تعرف عن نفسها لولا جهل الأسماع أو تجاهلها . ومما يجرح في القلوب أيضًا استعمالها لكلام بديهي للسامع يعبر عن عظم التجاهل نحوها (عليها السلام) في قولها : (( وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطًا، وَلا أفْعلُ ما أفْعَلُ شَطَطًا )) ([36]) ، فمن يشك في ذا ؟! والنبي قد أوضح أنّها بضعة منه ، أي هي مثله ، والنبي لا ينطق عن الهوى .

انّ بعض الرّسول لا يقول ولا يفعل غير الصّواب ، إنّ الزّهْراء معصومة بلسان الزّهْراء ، فماذا تفهم من العبارة (( وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطًا، وَلا أفْعلُ ما أفْعَلُ شَطَطًا )) إنّها العصمة في الأقوال والأفعال ، وإذا أعرضْنا عن هذا فلا نُعرضُ عن بعضيّتها للرسول فهذا أيضًا إثبات لعصمتها ، بل انّ الأحاديث النّبويّة تُدلي بعصمتها ، ولسْنا نحن في صدد إثبات العصمة ، بل انّ النصّ الفاطميّ الوارد قد ترجم عنها ، وما هذا إلّا  بسبب تنكّرِ القوم لها .

سوى ان بلاغة القول المعلوم عندها قد فضحهم وعرّف بحقيقة جهلهم وتجاهلهم ، فالحائط الذي بنوه في منع تمشيةِ الحقّ قد انهار على رؤوسهم بسبب مثل هذه النُّصوص التي قد يقول
بعض ببديهيتها .

بل من أحلى ما أرى أنها حين شارفت على إثبات حجتها في قولها للخليفة الأول :
(( فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً. تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ
الْقِيامَةُ
))([37]) ، وكان قد ثبت للمسلمين بعد أن آمنوا أنّ الله سيحكم بينهم يوم القيامة ، والنبي بمحضر من المحاكمة ينظر قومه ، وسيكون ذا يوم القيامة فقالت : (وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ) ، وهذه الأمور كانت مما عرفت مضامينها سوى أن الكارثة أن الامور تلك  عرفت في التنظير دون التطبيق ، فلم يعملوا لها فأخذوا من أمير المؤمنين خلافته ومن الزّهْراء إرثها ، وما ذا إلا لأنهم لم يفكروا بعظم الآخرة فتجاهلوها . وفعلوا ما فعلوا .

ها هي الزّهْراء تُعرِب عن أنّها أميرة الكلام ، فقد جعلت من المعلوم كلامًا أصله الجدّة
والابتكار .

ــ الإعلاميّة والتّكرار

التكرار هو إعادة الكلام لفظًا أو معنى([38]) ، وقد كثر في العربية ، وتنوعت أنماطه ، وقد يلتقي مع المعلوم نوعًا ما ، فالشيء إذا ذُكِر أصبح معلومًا فإذا أعيد مرة ثانية كان الثاني كالمعلوم؛ لأنّه علُمِ من الأول ، وهذا الأمر جعل اللسانيون يُضعفون الفائدة الإعلامية للتّكرار([39]).

ولقد ورد التكرار في كلام الصدّيقة في أثناء تعريفها بالقران ، ففي الوقت الذي كان يُتوقَّع فيه أنْ يبدأ النّصّ الفاطميّ ـــ في الخطبة الفدكيّة ـــ مباشرة بالمطالبة بالحقّ لأخذ فدك، محتجّةً في القرآن لكنّها لم تعمد إلى ذلك ، فقد عدلت إلى التّعريف بالقرآن ، وقد أجادت كل الإجادة في وصفهِ ، فلم تدخل (عليها السلام) مباشرة إلى أنّ في القرآن ما يُدلي بإثبات الورث إلى الأبناء ، بل مهّدت ببيان عظمة القرآن ، وقد يقول بعض أنّ مدح القرآن إنّما هو من البدائهِ في عصر شمخَ فيه القرآن ، وأصبحَ كتابُ الأمّة الأوّل ودستورها الأوحد ، فلا حاجة إلى وصفه أو الإطالة في وصفه حتى غدت تلك الأوصاف تكرارًا للفظ القرآن بالمعنى ، فهو من باب التَّكرار الدَّلاليّ على حد تعبير الدكتور صبحي إبراهيم الفقّي([40]) . وللتّكرار عندَهم (( عيبٌ ملحوظٌ هوَ أنَّهُ يُقلِّلُ منَ الإعلاميّة ))([41]) ، أو أنّهُ (( تقليصُ الإعلاميّة ))([42]) ، وبهِ يُفقدُ عنصرُ المُفاجأة([43]) ؛ أي : إنّ النَّصَّ الَّذي تتكرَّرُ فيهِ المَعْلوماتُ تقِلُّ إخباريَّتُهُ عنِ النَّصِّ المتَّسِمِ بالمَعلوماتِ المُتجدِّدةِ ، وهوَ أمرٌ كانتْ بوادرُهُ ظاهرةً في التُّراثِ ، فقد (( كانَ البُحْتريّ يُفَضِّلُ الفرزدقَ على جريرٍ ، ويَزْعَمُ أنّهُ يتصرَّفُ منَ المَعاني فيما لا يَتَصرَّفُ فيهِ جريرٌ ، ويُورِدُ منهُ في شِعْرهِ في كُلِّ قصيدةٍ خِلافَ ما يُوردُهُ في الأُخْرى ، قال : وجريرٌ يُكرِّرُ في هِجاءِ الفَرزدقِ ذِكْرَ الزُّبيرِ وجعثَن والنّوارِ ، وأنَّهُ قيْنُ مُجاشِعٍ . لا يَذكُرُ شيئًا غيرَ هذا ))([44])  .

ومنَ البدهِيّ أنّ الأمْرَ إذا تكرَّرَ مُتَجاوِزًا الحدَّ بلا مسوِّغ  يصبَحُ غيرَ مَقْبولٍ ، ويَمُلُّهُ
المُتَلقِّي ، ويقرِّرُ (( ريفاتار([45]) … أنّ قيمةَ كُلِّ خاصّيّةٍ أُسْلوبيّةٍ تَتَناسَبُ معَ حِدّةِ المُفاجأةِ الّتي تُحْدِثُها تناسبًا طَرْديًّا بحيثُ كُلَّما كانتْ غيرَ مُنتظَرَةٍ كانَ وقْعُها على نفْسِ المُتقبِّلِ أعمَقَ ، ثمَّ تكتمِلُ نظريّةُ ريفاتار بمقياسِ التّشَبُّعِ ، ومَعناهُ أنّ الطّاقةَ التّأثيريّةَ لخاصّيّةٍ أُسلوبيّةٍ تَتَناسَبُ تناسُبًا عَكسيًّا معَ تواتُرِها ، فكلّما تكرّرتْ نفسُ الخاصِّيّةِ في نَصٍّ ضَعُفَتْ مُقوّماتُها الأسْلوبيّةُ ، معنى ذلكَ أنّ التّكرُّرَ يُفْقِدُها شحنَتَها التّأثيريّةَ تَدْريجيًّا ))([46]) ، سوى أن القول هذا والذي قبله لا يمكن أنْ يُسلَّمَ له تمامًا ولا أن نرفعَ له راية الصواب أبدًا ، فقد وجدنا القرآن يكرّر ويوسِّعُ في تكراره حتّى ألفتْ في ذا المؤلّفات والمطوّلات ، يكفينا أنْ ننظر في كتاب التَّكرار للكرمانيّ ، إذ سنجده  يزخر بالتكرار وما كان في هذا عيب ، ولو كان لكان المشركون القرشيون قد استغلوا هذه المسألة وانتقدوا بوساطتها القرآن الكريم .

ومما أثبته العلماء في ذم التكرار مجيء لفظين بمعنى واحد ، وذلك في قولهم : (( العُيوبُ العامّةُ للمَعاني … التَّكرير … مثلُ قولِ هُذيل الأشْجعِيّ :

  فما بَرِحَتْ تُوْمي إليهِ بطَرْفِها         وتُومِضُ أحْيانًا إذا خَصْمُها غَفَلْ

لأنّ “تومض” و”تومي” بطرفِها مُتساويانِ في المَعنى ))([47]) .

وذهب الخطابي إلى (( انَّ تكرُّرَ الكلامِ على ضَربينِ : أحَدُهُما مَذْمُومٌ ، وهوَ ما كانَ مُسْتغنًى عنهُ غيرَ مُستفادٍ به زِيادةُ معْنى لم يَستفيدوهُ بالكلامِ الأوّلِ ؛ لأنّهُ حينئذٍ يَكونُ فَضْلًا منَ القَولِ ولَغْوًا … ، والضَّرْبُ الآخَرُ ما كَانَ بخِلافِ هَذهِ الصِّفةِ … يُحتاجُ إليهِ ، ويَحْسُنُ ﭐستعمالُهُ في الأُمُورِ المُهمّةِ ))([48]) .

إنَّ نهايةَ نصِّ الخطّابيّ ( في الأُمورِ المُهمّة ) تقومُ مقامَ الفيصلِ في تحديدِ صلاحيّةِ التَّكْرارِ
منِ ﭐنعدامِها ؟ وهيَ تُوحي بأنّهُ لا يُكتفى باللُّغَةِ وحْدَها في تحديدِ المراد ؛ بل ينضَمُّ إليها
المقام ، ويحكمانِ بمَدى الحاجةِ إلى التَّكْرارِ ، يكفي أننا نجد ان التكرار في اللغة الفاطمية عرض القرآن بأكثر من صورة ((عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ )) ([49]) ، فكل مقطع نصي كان يراد به القرآن ، وعلى النحو :

عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ

وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ

كِتابُ اللهِ النّاطِقُ

 والقُرْآنُ الصّادِقُ

 وَالنُّورُ السّاطِعُ

وَالضِّياءُ اللاّمِعُ

 بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ

مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ

مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ

 مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ

 قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ

مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ

بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ

وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ

وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ

 وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ

 وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ

 وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ

 وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ

 وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.

 

القرآن الكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهذه المقاطع النَّصّيّة كلها تكرار لمفهوم القرآن الكريم ، ولم تُضعِف إعلاميّة النّصّ ، بل زادت فيه وقوته وجعلته أكثر تأثيرًا ، والنّصّ يترجم لنا حرص الزّهْراء على القرآن ، فقد تعامى الآخر عنه ، وأنكر عليها ورث أبيها ، ومن تعاليم القرآن أنه يورث الأبناء مثلما يرد في لاحق الخطبة (( أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ ) لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا (، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، اذْ يَقُولُ:) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ(، وَقالَ فيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا (عليهما السلام) اذْ قالَ رَبِّ ) هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ( وَقَالَ: ) وَ اُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه( ، وَقالَ: ) يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ( ، وقال: ) انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ الْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ())([50])  ؟!

تركوا هذا الكم المبارك من الوميض القرآنيّ واستناروا إلى ظلام حديث منتحل ، لا ينسجم مع روح القرآن ، فقالوا أنهم سمعوا الرسول ، يقول : (( نَحْنُ مَعاشِرَ الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً وَلا دارًا وَلا عِقارًا، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ )) ([51]) .

هب أنّ هذا الحديث صحيحٌ ، فلمَ لمْ يروه غير أبي بكر ؟!

هبْ أنّ هذا الحديثَ صحيحٌ ، فهذا يعني أنّ آل النبي هم من ورث العلم والحكمة منه ، أي إنهم الأعلم من بعده (صلى الله عليه وآله) ، وها هي الزّهْراء تحاججهم بأن هذا حقها مستندة إلى القرآن ونوره ، فألا يعني هذا يا أبا بكر : أنه حتى في هذا الحديث الذي رويته يجدر أن ترجع أرض فدك إلى الزّهْراء فأنت تناقش امرأة ورثت علم رسول الله وحكمته ، وناهيك عن هذا فضلًا وفخرًا ، وهي بعلمها النبوي وحكمتها المحمديّة تقول لك إنّ ذلك ورثي وحقي!

لقد تعاضد النقل والعقل بالتصريح بحق الزّهْراء ، وما كان على المسلمين إلا أنْ يضعوا القرآن أمام ناظرهم أولا ، ولا يتجاوزوا حدوده لكنهم حين أعرضوا عنه معتمدين الهوى والمصالح الذاتية عرجت الزّهْراء الى وصف القرآن وتكرار الوصف فيه ، فهو عندهم كالمجهول ويجدر توسعة الكلام فيه ليصوبوا أخطاءهم .

 

ــ الإعلاميّة والنعت المعلوم

النعت : هو (( الذي يُكمِّل متبوعه بدلالته على معنًى فيه ، أو فيما يتعلّق
به ))([52])،  والأول ، نحو : ( يومُ الجمعةِ يومٌ مباركٌ ) ، فـ ( مبارك ) نعت دلّ على بركة ذلك اليوم ، والثاني لو قيل : ( يومُ الجمعةِ يومٌ مباركٌ الدعاءُ فيهِ ) ، وهنا انتقل معنى البركة إلى الدعاء ، وهو وإنْ لم يدل على معنى المتبوع فقد دلّ على معنى  ما تعلق به ( يوم ) فأبان سبباً من أسبابه  ؛ لذا يسمـى مثل هذا بالنعت السببي ، و يسمى الأول بالنعت الحقيقي([53])0

والمعروف أن النعت يبيِّن صفة من صفات متبوعه([54]) غير أنّه أحيانًا يقرِّرها ، وذلك
عند الوصف بلفظة (واحد أو واحدة)([55]) ، وهذا التَّقرير يأتي لغاية منشودة ، ومنه قولها (عليها السلام) : (( أمْ هَلْ تَقُولًونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، أ وَلَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! ))([56])، فلفظة (واحدة) معلومة للسّامع بدليل لفظة (مِلّة) ، فهي تُوحي بمعنى أنّها واحدة لا غير ، وإنّما وصفت بـ (واحدة) لتقرير صفة وحدويَّتها مع أبيها ، فكيف جاز حرمانها من إرثها مع أنّها على ملّة أبيها .

إنّ لفظة (واحدة) جاءت لتوبيخ المخاطب الذي تطاول على إرث ابنة النبيّ ، فعملهُ هذا لا يجوز إلا إذا كانت الصديقة على غير دين النّبيّ (حاشاها من ذلك) .

 

الإعلاميّة والبدل المعلوم

البدل أحد التّوابع في العربية ، ويقسم على أنواع([57])، وجاء من أنواعه في كلام الصديقة (البدل المطابق) ، وهو الذي يتطابق به البدل مع ما أُبدل منه بأنْ يقعا على ذات واحدة([58]) ، ويفيد التقرير والتوثيق([59]) ، نحو قول الزّهْراء (عليها السلام) : (( وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّدًا (صلّى الله عليه وآله) عبْدُهُ وَرَسُولُهُ )) ([60]) ، فحين قالت (أبي) عُلِم أنّه النّبيّ محمد ، غير أنّها تمَّمَتِ القول
بـ (محمد) ، وما هذا إلّا لأنّ المخاطب تجاهَلَ قدرها متناسيًا فضلها ، فكانَ في ذكر لفظ (محمّد) تبكيت له وتقريع ، فهل يدرك ما فعل ؟ أيسوِّغُ لنفسهِ الوقوف بوجهِ بنتِ النّبيّ المُصطفى ؟!

إنّ لفظ (محمّد) مع أنّه معلوم غير أنّه أعطى مساحة كبيرة للفكر لتعيَ مقدار التّجاهل المُمارس ضد الصديقة(عليها السلام) .

 

 

الخاتمة (النتائج والمقترحات)

بعد هذه النزهة في رياض الخطبة الفدكية ، والتّنعم برونق ألفاظها،  والتّمعن فيما جاء فيها من مقاطع نصيّة معلومة المحتوى عظيمة المقصد وصل البحث إلى إثبات مجموعة من النّتائج .

ـ  النتائج

1 ــ إنّ صياغة الأسس اللغويّة في النّحو والصّرف بصرف النّظر عن أمراء الكلام ولّد شرخًا واسعًا بين القواعد اللغويّة والاستعمال البليغ ، وعسّر من العملية التّعليمية للدرس العربيّ .

2 ــ   إنّ طائفة طيبة مما أنكره علماء العربيّة كان له وجود صحيح في العربيّة ، فيجدرُ تصحيح الرّؤى والخروج من قفصِ تحجيم العربيّة مع الرّجوع إلى المنبع اللغويّ الأصيل المتمثل بالقرآن الكريم وخطابات النّبيّ وأهل البيت ، وإلّا فما رأيك أنّ كتابًا عظيمًا عرف بأنه قرآن النحو ، وهو كتاب سيبويه (ت180ه) ، هذا الكتاب استشهد بالشّعر أضعافًا مضاعفة لما استشهد به بالقرآن الكريم ، ولم يورد الخطاب النّبويّ إلّا في أربع مواضع بصورة عابرة ، وانعدم فيه ذكر أي حديث لأهل البيت، والأمر هذا يصدق مع سائر الكتب النحويّة واللغويّة باستثناء شرح الرّضي للاسترابادي (688هــ) الذي اعتمد كلام الإمام علي (u) في ثلاثين موضعًا .

3 ــ إنّ بعض الأمور التي أثبتها اللسانيون ليست صحيحة جميعها ، فيجب تلقي الأمور تلقي الناقد المتفحص لا القارئ المسلِّم ، والسّبب أنها لم تـُبتنَ على أمور صحيحة مطلقًا كي نقول بصحتها دائمًا .

4 ــ إنّ المعلوم في اللغة الفاطميّة برزت جماليته بصورة فائقة ، فهو من السّهل الممتنع جدًّا ، فقد أعربَ عن عظم الفاجعة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، إذ تنكّر القوم لذريته من بعد أنْ كان قد أوصى بهم (عليهم السّلام) .

5 ــ أعرب التـّكرار الدّلاليّ في الكلام الفاطميّ عن شغف الزّهْراء بالقرآن وسعيها إلى تثبيته في قلوب النّاس والاستنان به وعدم هجره ، فكان التكرار بليغًا في إعلاميته ، ومثله الأمر مع الأداء الوظيفي للنّعت المعلوم والبدل المطابق .

6 ــ يجدر ملاحظة السّياق والمقام لغرض فهم النّص ومعرفة مقصده الحقيقي .

 

ــ  المقترحات

1 ــ يقترح البحث ضرورة العودة إلى تراث أهل البيت وإعادة صياغة القواعد انطلاقًا منه بعد القرآن الكريم والسنة النبوية .

2 ــ يوصي البحث بتوظيف كلامهم (عليهم السلام) في المناهج الدراسيّة لما لها من فضل في تصحيح المسار وتقويم الأمة وإرشادها ، فالمناهج النّبيلة تخلق بلدًا نبيلًا ؛ ليكون الجيل القادم واضعًا أقدامه في طريق النّجاح والفلاح في كل شيء ، وقد (( سئل أحد السياسيين رأيه في مستقبل الأمة فقال : ضعوا أمامي مناهجها أنبئكم بمستقبلها )) ([61]) .

    وقد أكد الإمام الباقر ضرورة نشر معارفهم ، فـ ((عن سعد الإسكاف قال : قلت لأبي جعفر (u) إنّي أجلس فأقصّ وأذكر حقّكم وفضلكم ، قال : وددْتُ أنّ على كل ثلاثين ذراعًا قاصًّا مثلك )) ([62]) .

 

ومن هنا يدعو الباحث إلى توالي المؤتمرات والمهرجانات في الصّديقة (عليها السلام) مع إقامة الندوات الفاطميّة والجلسات المتوالية مع تنويع الأماكن ، وما أجمل أن يكون الإعلام المرئي فعالًا في عكس الرّؤى الفاطميّة .

3 ــ في أثناء رحلة البحث طفح للباحث مجموعة من الرؤى التي يمكنها أنْ تصبحَ دراساتٍ مُثمرة ؛ لذا يقترح العنوانات الآتية :

أ ـــ الزهراء في نظر زوجات النبيّ (خديجة ، أم سلمة ، عائشة) .

ب ــ الإمام علي في نظر الزّهْراء (عليها السلام)  .

ج ــ بناء المجتمع الصالح في كلام الزهراء (عليها السلام)  .

د ــ المرأة الناجحة في نظر الزّهْراء (عليها السلام) .

ه ــ التنمية البشرية في الخطابات الفاطمية .

و ــ عوامل السعادة في الرؤى الفاطميّة .

ز ــ الخطابات الفاطمية ـــ دراسة تداوليّة ـــ

ح ــ الاتساق والانسجام في اللغة الفاطميّة .

ط ــ معاني الأبنيّة الصّرفيّة في اللغة الفاطميّة .

ي ــ أسلوب الإقناع في كلام الزّهْراء (عليها السلام) .

ك ــــ جموع التكسير في كلام بنت سيد المرسلين .

ل ــ اسم الفعل في خطابات الزهراء (عليها السلام) .

ـــ            وفي الختام نسأل الله القبول والمغفرة ، والتوفيق إلى مرضاته .

قائمة المصادر والمراجع

أولا : القرآن الكريم

ثانيا : الكتب

  • ﭐجتهاداتٌ لُغويّةٌ ، د. تمّام حسّان ، عالَمُ الكُتُب ، القاهِرة ، ط1 ، 1428ه ــ 2007م .
  • الاحتجاج، العلامة أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (من علماء القرن السادس الهجريّ)، تح: الشيخ إبراهيم البهادريّ ، والشيخ محمد هادي به ، دار الأسوة للطباعة ، ط7 ، طهران ، 1422هــ.
  • اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) ، الشيخ الطوسي ( ت 460 هـ ) ، تح : مير داماد الأسترابادي و السيد مهدي الرجائي ، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث ، (د.ت).
  • أسرار العربية، كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري الأنباري ( ت 577هـ) ، دار الأرقم بن أبي الأرقم ، ط1 ، 1420هـ- 1999م .
  • الأسلوبيّة والأسلوب، عبد السّلام المِسدّيّ ، دارُ الكُتُب الوطنيّةِ ، بنغازي ــ ليبيا ، ط5 ، 2006م ـ
  • الأشباه والنظائر في النحو ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هــ) ، تح : د. فايز ترحيني ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، ط1 ،1404هـ – 1984م .
  • أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، ابن هشام جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد (المتوفى: 761هـ) ، تح: يوسف الشيخ محمد البقاعي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، (د.ت) .
  • بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، جلال الدين السيوطيّ، تح : محمد أبو الفضل
    إبراهيم ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، مصر ، ط1 ، 1384 ـ 1965م .
  • البهجة المرضية على ألفية ابن مالك ، جلال الدين السيوطـي ، تح : مصطفى الحسيني الدشتي ، قم ، ط13، 1424هـ.
  • التعريفات ، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (ت 816هـ) ، ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر ، دار الكتب العلمية بيروت ــ لبنان ، ط1 ، 1403هـ -1983م .
  • ثلاثُ رَسائلَ في إعجازِ القرآن ، للرّماني (ت 386هـ) ، والخَطّابي ( ت 388هـ ) ، وعبد القاهر الجرجاني ( ت471هـ ــ 474ه ) ، تح : مُحَمَّد خلف الله ، ومُحَمَّد زغلول سلام ، دار المَعارف ، مِصْر ، ( د . ت ) .
  • جامع الدروس العربية ، مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (ت 1364هـ) ، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت ، ط28 ، 1414 هـ – 1993 م .
  • حاشية الصبان على شرح الأشموني في شرح ألفية ابن مالك ، ومعها شرح الشواهد للعيني ، الصبان محمد بن علي ( ت 1206هـ) ، تح : محمود بن الجميل ، مكتبة الصفا ، القاهرة ،
    ط1 ، 1423هـ ـ 2002م .
  • خزانة الأدب وغاية الأرب ، تقي الدين أبو بكر عليّ المعروف بابن حجة الحمويّ
    ( ت 837 ه ) ، دار القاموس الحديث ، بيروت ، ( د . ت ) .
  • الدَّلالة والنّحْو ، د. صلاح الدِّيْن صالح حسنين ، مكتبة الآداب ، ط1 ، ( د . ت ) .
  • ديوان أبي العتاهيّة ( إسماعيل بن القاسم ت 210ه ) ، ديوان بيروت لِلطِّبَاعَةِ والنَّشْر ، بيروت ، 1406ه ــ 1986م .
  • شرح الرضي على الكافية ، رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي ( ت688 هـ) ، تح: يوسف حسن عمر ، مؤسسة الصادق ، طهران ، 1398 هـ – 1978 م .
  • شرح المفصل ، موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش ( ت643هـ) ، تح : أحمد السيد وإسماعيل عبد الجواد ، المكتبة التوفيقية ، القاهرة ، ( د.ت ).
  • شعر عمرو بن معدي كرب الزّبيديّ ، تح : مطاع الطّرابيشيّ ، مطبوعات مجمع اللُّغة العَرَبِيّة بدِمَشْق ، ط2 ، 1405ه ــ 1985م .
  • شفَرات النّصّ ــ دراسة سيميولوجيّة في شِعْريّةِ القصِّ والقَصيد ، د.صلاح فضل ، دار الآداب ــ القاهرة ، ط1 ، 1999م .
  • الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها ، أبو الحسين أحمد بن فارس القزويني الرازيّ ( ت 395هـ) ، دار الكتب العلمية ، محمد علي بيضون ، ط1 ، 1418هـ-1997م .
  • علم اللُّغة النّصّيّ بين النّظريّة والتّطبيق ( دراسة تطبيقيّة على السُّور المكيّة ) ، د. صبحي إبراهيم الفقيّ ، دار قباء لِلطِّبَاعَةِ والنَّشْر ـ القاهرة ، ط1 ، 1431هـ ـ 2000م .
  • فقه اللغة المقارن ، د. إبراهيم السامرائيّ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1968 م .
  • في النحو العربي ـ نقد وتوجيه ـ ، د. مهدي المخزومي ، منشورات المكتبة العصرية , صيدا ، 1964 م .
  • كتاب سيبويه ، أبو بشر عمرو بن عثمان ( ت 180هـ ) ، تح : أميل بديع ، منشورات محمد علي بيضون ، ط 1 ، 1999 م .
  • كتاب الصِّناعتين ، أبوهلال العَسْكريّ (ت295هــ) ، تح : د. مفيد قميحة ، دار الكُتُب العِلْمِيَّة، بيروت ، ط2 ، 1409ه ــ 1989م .
  • كفاية الأثر ، علي بن محمد الخزاز القميّ (ت400هــ) ، تح : السيد عبداللطيف الخوئيّ ، انتشارات بيدار ـــ قم ، 1401هـــ .
  • المتبع في شرح اللمع ، أبو البقاء العكبري (ت 616هـ) ، تح : عبد الحميد حمد الزّوي، جامعة قاريونس ، بنغازي ، ط1 ، 1994 م .
  • المَثَـلُ السّائر في أدبِ الكاتبِ والشّاعر ، ضياءُ الدِّيْن ﭐبن الأثير ( ت637 ه ) ، تح : أحمد الحوفيّ ، وبدويّ طبانة ، دار نهضة مِصْر لِلطِّبَاعَةِ والنَّشْر ، الفجالة ــ القاهرة ، ( د . ت ) .
  • المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، جلال الدين السيوطي ، تح : فؤاد علي منصور ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط1 ، 1418هـ 1998م .
  • معاني القرآن ، الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ( ت 215 هـ ) ، تح : إبراهيم شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ن ط1 ، 1423 هـ .
  • المغني في تصريف الأفعال ، د. عبدالخالق عضيمة ، دار الحديث ــ القاهرة ، 1426هــ ـــ 2005م .
  • مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ابن هشام الأنصاريّ ، تح : د. مازن المبارك ، ومحمد علي حمد الله ، مؤسسة الصادق ، طهران ، ط1 ، 1376هـ .
  • المقتصد في شرح الإيضاح ، عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) ، تح : د. كاظم بحر المرجان ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام ، الجمهورية العراقية ، 1982م.
  • الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية ، عبد العليم إبراهيم ، دار المعارف ، القاهرة ــــ مصر ،
    ط7 ، ( د . ت ) .
  • نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي ، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي
    ( ت 581هـ) ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط1 ، 1412 هــ – 1992 م .
  • نحو القرآن ، د. أحمد عبدالستار الجواري ، مطبعة المجمع العلميّ العراقيّ ، بغداد ، 1394هــ ــــ 1974 م .
  • نحو النّصّ بينَ الأصالةِ والمُعاصرةِ ، د. أحمد مُحَمَّد عبد الرّاضي ، مكتبة الثّقافة الدِّيْنيّة ، ط1 ، 1429هـ ـ 2008م .
  • النّصّ والخِطاب ، شتيفان هابشايد ، تر : أ.د. موفق مُحَمَّد جواد المصلح ، دار المأمون للتّرجمة والنَّشْر ـ بغداد ، 2003م .
  • النّصّ والخِطاب والإجْراء ، روبرت دي بوجراند ، تر : د. تمام حسان ، عالم الكُتُب ، القاهرة ، ط1 ، 1418هـ ـ 1998م .
  • نظريّة علم النّصّ ( رُؤية منهجيّة في بناءِ النّصّ النثريّ ) ، د. حسام أحمد الفرج ، مكتبة الأنجلو المِصْريّة ، ط 1 ، 1428ه ــ 2007م .
  • نقد الشِّعْر ، قدامة بن جعفر ( ت 337ه ) ، تح : كمال مُصطفى ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط3 ، 1398هـ ـ 1978م .
  • نهج البَلاغة ، تح : د . صُبحي الصّالِح ، مركز البُحوث الإسلاميَّة ، قم ، 1395 هـ .

 

ثالثا : الرَّسائل والأطروحات

  • آثار الدرس اللساني في تفعيل الدرس اللغوي العربي دراسة ميدانية في الجامعة الجزائرية ، عبدالرزاق هنداي (أطروحة دكتوراه) ، إشراف : د. صالح بلعيد ، كلية الآداب واللغات ، جمهوريّة الجزائر العربية ، 2012 ـــ 2013م .
  • البحث الدّلاليّ عند الشَّرِيْف الرَّضِيّ ، مجيد جابر محسن الخفاجيّ ( رسالة ماجستير ) ، إشراف: أ.د. غالب فاضل المُطّلبيّ ، كلية التربيّة ، الجامعة المستنصريّة ، 1419ه ــ 1998م .

 

([1])   نهج البلاغة : 354 .

([2])  بغية الوعاة : 1/ 427 .

([3])في النحو العربي ـ نقد وتوجيه ـ : 166 .

([4])شرح الرضي : 2/142 ـ 143.

([5])ينظر : مغني اللبيب : 1/228 .

([6])شرح المفصل : 3/362 .

([7])كفاية الاثر :193 ـــ 194 .

([8]) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/ 386

([9]) ينظر  : اسرار العربية : 160  .

([10]) ينظر  : نحو القرآن : 61 ــ 62 .

([11])  الاحتجاج : 1 / 265 .

([12]) التعريفات : 59  .

([13]) التعريفات : 218  .

([14]) ينظر : المغني في تصريف الأفعال : 140 .

([15])الاحتجاج : 1 / 271 .

([16]) ينظر : الصاحبي في فقه اللغة : 169 .

([17]) نتائج الفكر : 70  .

([18]) جامع الدروس العربية : 2 / 85 .

([19]) الاحتجاج : 1 /  262 ، والنص المذكور يظهر انه تناص مع مثل ، وهو لا باس فهو أيضا استعمال فاطمي فهي قد وظفته في لغتها وهذا يعني جواز استعمال التصغير من المبني الموصول .

([20]) ينظر : المزهر في علوم اللغة : 2 / 343 .

([21])  فقه اللغة المقارن : 95 .

([22]) ينظر : الكتاب : 3 / 544  .

([23])  الاحتجاج : 1 / 265 .

([24])  الاحتجاج : 1 / 262 .

([25]) ينظر : آثار الدرس اللساني في تفعيل الدرس اللغوي العربي (أطروحة دكتوراه ) : 4 .

([26]) النَّصّ والخطاب ، شتيفان هابشايد : 22 .

([27])  ينْظَر : النّصّ والخطاب والإجراء  : 103 ــ 105 . .

([28]) ينظر : نحو النَّصّ بين الأصالة والمُعاصرة : 97 .

([29]) شعر عمرو بن معدي كرب : 167 ، والزّيَم : المتفرّقة .

([30]) ديوان أبي العتاهيّة : 67 .

([31]) كتاب الصِّناعتينِ : 74 ، و معنى ( زِيَم ) : متفرقة .

([32]) كتاب الصِّناعتينِ : 79 .

([33]) نحو النَّصّ بين الأصالة والمُعاصرة : 97 .

([34]) اجتهادات لغويّة : 150 .

([35])  الاحتجاج : 1 / 259 .

([36])  الاحتجاج : 1 / 259 ، وهذا القول يذكِّرُنا بقول ابنها وهو يتوجّه إلى محراب الشّهادة حين قال عبارته الخالدة : (( إني لم أخرج أشرا ولا بطرًا … )) .

([37])الاحتجاج : 2 / 268 .

([38]) ينظر : خزانة الأدب وغاية الأرب : 164 .

([39]) ينظر : نظريّة علم النَّصّ : 107 .

([40]) يُنْظَر : علم اللُّغَة النَّصِّيّ  بين النظريّة والتَّطْبِيق : 2 / 44 .

([41]) الدَّلالة والنَّحْو : 244 .

([42]) نظريّة علم النَّصّ : 107 .

([43]) يُنْظَرُ : شفرات النَّصّ : 91 .

([44]) الصِّناعتينِ : 33 .

([45]) ريفاتار : أستاذ في جامعة كولومبيا ــ أبرز جامعة في نيويورك بالولايات المتّحدة  ــ اختصّ بالدَّراسات الأسلوبيّة ، وأبرز مؤلَّفاته “محاولات في الأسلوبيّة والبنيويّة ” ، يُنْظَرُ : الأسلوبيّة والأسلوب : 194 .

([46]) الأسلوبيّة والأسلوب : 68 .

([47]) نقد الشعر : 199 ، ويُنْظَر : المثل السائر : 3 / 3 ، و البحث الدلاليّ عند الشَّرِيْف الرضي ( رسالة ماجستير ) : 86 .

([48])ثلاث رسائل في إعجاز القرآن الكريم  ، بيان إعجاز القرآن ، الخطابيّ : 52 .

([49])  الاحتجاج : 2 / 258 .

([50])  الاحتجاج : 2 / 268 .

([51]) الاحتجاج : 2 / 276 .

([52])أوضح المسالك : 1/ 450 .

([53])  ينظر : البهجة المرضية : 2/ 52 0

([54])ينظر : المقتصد : 2/ 904 – 905.

([55])ينظر : شرح الرضي : 2/ 288 ، وينظر : معاني القرآن الكريم  للأخفش : 219 .

([56])  الاحتجاج : 2 / 268 .

([57])  ينظر :  المتبع في شرح اللمع : 2/ 413 .

([58])  ينظر : حاشية الصبان : 3/ 184

([59])  ينظر : شرح المفصل : 1/ 632 .

([60])  الاحتجاج : 2 / 256 .

([61])الموجه الفني : 35 .

([62])اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي ) : 2 / 476 .