مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
بحوث أخرى
المحور السياسي في سيرة السيدة فاطمة (ع)   الباحث الاردني المهندس حسام عبد الكريم
+ = -

                         المحور السياسي في سيرة السيدة فاطمة (ع)

                               الباحث الاردني المهندس حسام عبد الكريم

ظهر الموقف السياسي للزهراء (ع) كأوضح ما يكون في الفترة التي تلت وفاة النبي (ص) وانتقال الحكم الى الخليفة أبي بكر. فقد وقفت الزهراء(ع) الى جانب زوجها الامام علي (ع) بل وكانت حافزا ودافعة اضافية له في مواجهته للهيئة التي تولت الحكم عقب اجتماع السقيفة. ولن نتطرق لما جرى في اجتماع السقيفة من جدال وخلاف بين المهاجرين القرشيين من جهة و الانصار من جهة اخرى , فهذا خارج نطاق بحثنا. وسنبدأ من بعد ذلك.

 فقد كان المهاجرون قد خلقوا أمرا واقعأ بحصولهم على البيعة العامة لأبي بكر عندما انتقلوا إلى الخطوة الثانية الضرورية في تحركهم, والموجهة نحو آل الرسول (ص) , وعلى رأسهم علي بن أبي طالب (ع). وقد تصرف المهاجرون الذين حققوا الخطوة الأولى والأساسية في مساعيهم الرامية إلى تثبيت حكم أبي بكر, وبقيادة واضحة من عمر بن الخطاب وبتخطيط منه, تصرفا سياسيا محترفا. وأدركوا أهمية الحصول على ضمان لشرعية فعلهم. وذلك يعني بالضرورة عدم قيام منافسيهم, وبالذات علي (ع), بتحرك عملي مضاد يتحدى سلطة الخليفة الجديد.

 فانتقل المهاجرون للتعامل مع علي وآل بيت النبي (ص):

” فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة. فقال : ما الرأي ؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب, فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده, فتقطعون به ناحية على بن أبي طالب حجة لكم على على إذا مال معكم…”1

 وهذا تدبير في غاية الدهاء, ومصمم تماما لیزرع بذرة الشقاق داخل صفوف بني هاشم! فالعباس هو أكبر بني هاشم سنة , وهو عم علي(ع) ويكبره بحوالي الثلاثين عاما, ولذا تصور المخططون أن العباس بحكم تربيته القبلية لا شك سيرى نفسه مرشحة لأن يكون في الصدارة, وأن نفسه ستأبي عليه أن ينقاد لابن أخيه الذي يصغره بثلاثين عاما! ومؤكد أن المخططين لو نجحوا في كسب العباس إلى صقهم, ولو بتقديم تنازلات شكلية له, قد ترضي فيه بعض طموحه, لكانوا قد وجهوا بذلك ضربة معنوية قاصمة لعلي (ع) الذي سيرى أن عائلته بالذات تتخلى عنه! ولكن العباس خيب أمل القرشيين ورفض عرض مهاجري قريش بإشراكه معهم في الحكم – دون علي.

قال أبو بكر للعباس بن عبد المطلب :

” إن الله بعث محمدا نبيا وللمؤمنين وليا, فمن عليهم بكونه بين أظهرهم, حتى اختار له ما عنده. فخلى على الناس أمورة ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين. فاختاروني عليهم واليأ ولأمورهم راعياً…

وما انفك يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامة المسلمين, يتخذكم لجأ, فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع. فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه, وإما صرفتموهم عما مالوا إليه.

وقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك, ويكون لمن بعدك من عقبك, إذ كنت عم رسول الله….

وقال عمر بن الخطاب : إي والله وأخرى : إنا لم نأتكم لحاجة إليكم, ولكن كرها أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم, فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم…”

| تاريخ اليعقوبي, ج2 ص124

وأجاب العباس :

“…. وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين, فما وجب إذ كنا كارهين. ما أبعد قولك من أنهم طعنوا عليك, من قولك أنهم اختاروك ومالوا إليك. وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك. وأما ما قلت إنك تجعله لي, فإن كان حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه, وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض.

 وعلى رسلك, فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها , وأنتم جيرانها”1

وهذا النص في غاية الوضوح ولا يحتاج للكثير من الشرح.

ولما فشلت محاولتهم مع العباس, لجأ المهاجرون إلى القوة للحصول على الطاعة وإرهاب الخصم. جاء في الإمامة والسياسة لابن قتيبة أن القيادة الجديدة أرسلت إلى منزل علي(ع) الذي كان يتواجد فيه بنو هاشم وغيرهم من الذين رفضوا بيعة أبي بكر “….فذهب عمر إليهم في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم..”وأنهم أجبروا الزبير بن العوام وعموم بني هاشم على البيعة, باسثناء علي الذي أبي, فضغطوا عليه حتى اقتادوه وأرغموه على المثول أمام الخليفة الجديدة .

وفيما يلي المزيد من التفاصيل كما أوردها صاحب الامامة والسياسة قال:

“وإن أبا بكر( رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفسه عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة؟ فقال: وإن؟ فخرجوا فبايعوا إلا عليا ,,,”

 وهنا ظهرت فاطمة (ع) لتواجه القوم بكل شجاعة وجرأة :

“فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم. تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا”. ويتابع صاحب الامامة والسياسة :

“فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفد وهو مولى له: اذهب فادع لي عليا، قال: فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلا. فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفد: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع. فجاءه قنفد، فأدى ما أمر به، فرفع على صوته فقال: سبحان الله؟ لقد ادعى ما ليس له”. وأمام هذا الاصرار العلوي على رفض الاستجابة لاستدعاء الخليفة الجديد, كان لا بد أن يذهبوا هم اليه:

,,, ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت یا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول، قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساکت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه”.

ثم يتحدث صاحب الامامة والسياسة عن محاولة بذلتها الهيئة الحاكمة للتصالح مع فاطمة (ع) :

 “فقال عمر لأبي بكر، رضي الله عنهما: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما | عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا نورث، ما تركنا فهو صدقة “، فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتفعلان به؟

قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه واله سلم.

قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتمانی وما أرضيتمانی، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه؟

 فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي. قالوا: يا خليفة رسول الله، إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين، فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورايت من فاطمة.

قال: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنهما، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة”.

وفيما يلي المزيد من تفاصيل الحوار – غير المتكافئ – الذي دار بين علي (ع) وزعماء مهاجري قريش :

أولا : احتجاج على (ع) على قريش.

” ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : انا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له : بايع أبا بكر! فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم ! لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي. أخذتم هذا الأمر من الأنصار, واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم, وتأخذونه منا أهل البيت غصبة؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم؟ فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة. وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججنم به على الأنصار. نحن أولى برسول الله حية وميتا , فأنصفونا إن كنتم تؤمنون, وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون” ” فقال له عمر : إنك لست متروكة حتى تبايع. فقال له علي : احلب حلبأ لك شطژه! واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا. ثم قال : والله يا عمر ! لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك “

ثانيا : رد مهاجري قريش.

 تولى أبو عبيدة مهمة طرح بعض المنطق على سلوك المهاجرين, بدلا من فجاجة عمر : “فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرم الله وجهه : يا ابن عم ! إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك. ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور. ولا أری أبا بكر إلآ أقوى على هذا الأمر منك. فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق, في فضلك ودينك وعلمك وفهمك, وسابقتك ونسبك وصهرك”

ثالثا : جواب على (ع), مواصفات الإمام من أهل البيت :

“فقال علي كرم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمير في العرب, عن داره وقعر بيته إلى بيوتكم وقعور بيوتكم. ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه. فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به, لأنا أهل البيت. ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله الفقيه بدين الله, العالم بسنن رسول الله. المضطلع بأمر الرعية, المدافع عنهم الأمور السيئة, القاسم بينهم بالسوية. والله إنه لفينا؟

فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا عن سبيل الله بعد “5 ووصلت الأمور إلى طريق مسدو.. فلم يقبل علي (ع) أن يبايع الخليفة الجديد, ولا المهاجرون اقتنعوا بحجج علي ومنطقه. وافترقوا على ذلك.

فاطمة تكافح من أجل حق على (ع) في خلافة الرسول (ص) :

 أصرت الزهراء (ع) أن تبذل جهدا بنفسها مع انصار رسول الله (ص) في سبيل دعم قضية زوجها المحقة , لعلهم حين يرونها يذكرون عهودهم مع النبي (ص). روی صاحب الامامة والسياسة “وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة ليلا في مجالس الانصار تسألهم النصرة. فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل . ولو أن زوجك وابن عمك سبق الينا قبل ابي بكر ما عدلنا به .

فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه. وأخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع ابو الحسن الا ما كان ينبغي له. ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم”.

رأى عمر : ولكن قريشاً لا تحتمله !

 لقد أفصح عمر بن الخطاب , في حوار هادئ وودي في السنة الأخيرة من خلافته مع عبد الله بن عباس, عن السبب الحقيقي الذي جعله يتصرف على ذلك النحو تجاه علي بن أبي طالب (ع): ” …. والله يا ابن عباس إن علية ابن عمك لأحق الناس بها , ولكن قريشة لا تحتمله. ولئن وليهم ليأخذنهم بمر الحق لا يجدون عنده رخصة. ولئن فعل لينكث بيعته, ثم ليتحاربن ” وفي رواية ابن أبي الحديد عن ذلك الحوار بين عمر وابن العباس تفاصيل أوضح. قال عمر له : ” … یا ابن عباس : أتدري ما من الناس منكم؟ قال : لا يا أمير المؤمنین . قال : لكني أدري. قال : ما هو يا أمير المؤمنين؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الامامة والسياسة لابن قتيبة , ج1 ص 28-

29 و الإمامة والسياسة لابن قتيبة , ج1 ص29-30

قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة, فتجخفوا خفة. فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت”. ولما رد عليه ابن العباس منكرا خلق الكبر لدى بني هاشم, أجابه عمر متهما بني هاشم بالحقد على قريش؟ ” على رسلك يا ابن عباس ! أبت قلوبكم يا بني هاشم إلآ غشأ في أمر قريش لا يزول, وحقد عليها لا يحول”” فالموضوع إذن هو , باختصار, قريش. وعمر يعلم أن قريشأ لن تقبل بعلي تحت أي ظرف. وبما أن عمر يعتبر أن من حقه أن يحدد ما هو مناسب لمصلحة المسلمين, فلذلك قرر هو استبعاد علي (ع), رغم تسليمه بفضله وأحقيته. فمصلحة المسلمين المتماهية بنظره مع مصلحة قريش, تقتضي الفصل بين النبوة, التي هي خالصة لبني هاشم وبين الخلافة, التي يجب أن تكون لبقية بطون قريش. وهكذا كان.

المواجهة بين فاطمة وأبي بكر:

بعد ان تمكن ابو بكر من تثبيت نفسه في منصب الخلافة ولم يعد أمام آل البيت سوى التعامل معه كأمر واقع, انتقلت المواجهة بين الطرفين الى موضوع الحقوق المالية لأهل بيت النبوة . وهنا ايضا تصدرت فاطمة (ع) الأحداث بحكم كونها وريثة رسول الله (ص) الوحيدة.

ورد في صحيح البخاري:

” عن عائشة أن فاطمة عليها السلام, بنت النبي (ص), أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خیبر فقال أبو بكر: إن رسول الله (ص) قال : لا تورث . ما تركنا صدقة. إنما يأكل آل محمد في هذا المال . وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله (ص) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله (ص) ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله (ص).

فأبی أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا. فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك, فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت. وعاشت بعد النبي ستة أشهر. فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلي عليها وجاء في الطبقات الكبرى لابن سعد:

” جاءت فاطمة الى أبي بكر تطلب میراثها, وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه, وجاء معهما علي. فقال أبو بكر: قال رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة, وما كان النبي يقول فعلي. فقال علي : ورث سليمان داوود. وقال زكريا يرثني ويرث من آل يعقوب.

فقال أبو بكر : هو هكذا! وأنت تعلم مثلما أعلم. فقال علي : هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا وانصرفوا”(9)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, ج12 ص54. وجخفا : كبرا.

 صحيح البخاري باب غزوة خيبر ج 5 ص 177

 و الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2

وفي فتوح البلدان للبلاذري:

” قالت فاطمة لأبي بكر : إن رسول الله جعل لي فدك فأعطني إياها. وشهد لها علي بن أبي طالب. فسألها شاهد آخر. فشهدت لها أم أيمن. فقال : قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. فانصرفت” وجاء فيه أيضا أن ” فاطمة بنت رسول الله أتت أبا بكر فقالت له : من يرثك إذا مت؟ قال : ولدي وأهلي. قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا؟! فقال : يا بنت رسول الله! والله ما ورثت أباك ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا كذا . قالت : سهمنا بخيبر وصدقتنا فدك. فقال : يا بنت رسول الله! سمعت رسول الله يقول : إنما هي طعمة أطعمنيها الله حياتي , فإذا مت فهي بين المسلمين (10)

هذه النصوص الثلاثة من البخاري وابن سعد والبلاذري, تروي تفاصيل ذلك الخلاف والمواجهة التي حصلت بين فاطمة الزهراء (ع), ومعها آل بيت الرسول (ص), وبين الخليفة الجديد. وكان الذي طالبت به فاطمة الزهراء هو ببساطة حقها في ملكية بعض المزارع من بعد أبيها, وخاصة تلك التي تعرف ب “فدك”. وهناك إجماع في الروايات على أن فدك كانت ملكة شخصية للرسول (ص) , وأنه كان ينفق منها على آله في سنواته الأخيرة.

وهناك روايتان حول أساس مطالبة فاطمة الزهراء (ع) بفدك. أحدها تقول أنها طالبت بها على أساس أن الرسول (ص) كان قد منحها لها في حياته, والثانية على أساس أنها میراث لها من أبيها. ولكن الخليفة رفض مطلب فاطمة الزهراء على الحالتين : فهو رفض أن يصدق أن الرسول (ص) قد منح فاطمة (ع) فدك في حياته, وأصر على ضرورة وجود شاهدين رجلين, وبالتالي لم يأخذ بشهادة علي (ع) وأم أيمن. وهو أيضا رفض مبدأ وراثة أموال الرسول (ص), على أساس أن الأنبياء لا يورثون, وبالتالي فإن فدكأ تصبح البيت مال المسلمين.

والمفارقة هنا هي أن الخليفة الجديد إذا كان رفض ادعاء فاطمة (ع) بملكية فدك على أساس أنها خبر فردي ترويه هي, فإنه نفسه قد طبق ذات المبدأ وجاء “بخبر آحاد” من عنده , ملخصه أن الرسول (ص) قال له ان الأنبياء لا يورثون؟

والغريب في الأمر أن حكم الرسول (ص) بأن الأنبياء لا يورثون, لم يسمع به سوی أبي بكر, ولم يعرف به آل الرسول (ص) على الإطلاق, وعلى رأسهم علي وفاطمة! مع العلم طبعا أن آل الرسول (ص) هم المعنيون بالأمر, وبالتالي من باب أولى أن يكونوا أول من يعلم بهذا الحكم, ناهيك عن كونهم الأقرب لرسول الله (ص) وبالتالي الأعلم بأحكامه على إطلاقها.4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

10 فتوح البلدان للبلاذري ج1 ص35

وحتى زوجات الرسول (ص) لم يسمعن بحديث عدم توريث الأنبياء ! وقد طالبن هن أيضا بنصيبه الشرعي من الميراث قبل أن تنهاهن عائشة بنت أبي بكر, التي قررت دعم موقف أبيها.

عن ذلك ذكر البخاري عن عائشة ” أرسل أزواج النبي (ص) عثمان إلى أبي بكرو يسألنه ثمنه مما أفاء الله على رسوله (ص) . فكنت أنا أرده . فقلت له : ألا تتقين الله؟ ألم تعلم أن النبي (ص) كان يقول : لا نورث ما تركنا صدقة – يريد بذلك نفسه. إنما يأكل آل محمد في هذا المال. فانتهى أزواج النبي (ص) إلى ما أخبرته “(11)

إذن لم تعلم زوجات الرسول (ص) بهذه الفتوى. ولا يستقيم قول عائشة لهن ” ألم تعلم أن … “لأنه لو كن يعلمن ذلك لما طالبن به أصلا. وإنما أتت استجابته “لأمر” عائشة خضوعا منهن للخليفة الجديد , وابنته وليس عن اقتناع. ولم يعلم به عثمان بن عفان أيضأ, بدليل أنه قبل القيام بدور المرسال من زوجات الرسول (ص) إلى الخليفة الجديد. ولو علم بهذه الفتوى من الرسول (ص) لقالها لزوجات النبي (ص) ولما قام بهذا الدور. ومن المستحيل أن يأتي علي وفاطمة والعباس, يطالبون ويصرون, ويجادلون ويناقشون, ويحاولون إقناع أبي بكر بكل الوسائل, من أجل الحصول على حق ليس لهم!

لقد بلغ إصرار الخليفة على موقفه الرافض لمطالب فاطمة الزهراء حدا دفعه إلى إجابة علي (ع) بقوله ” هو هكذا عندما استشهد عليه بنصوص القرآن الكريم” يرثني ويرث من آل يعقوب”! ولا يمكن الجزم بشأن سبب تصلب الخليفة الشديد في موقفه, إلى ذلك الحد المتطرف. ربما يكون أبو بكر قد ظ أنه فهم من رسول الله (ص) ما يفيد أن أنبياء الله لا يتوارثون النبوة ولا يورثونها تلقائية لأبنائهم, فعممها لتشمل التوريث على إطلاقه, بما فيه المال. ولكن من الأرجح أن يكون أبو بكر هنا متأثرا بالخلاف الشديد الذي حصل فيما يتعلق ببيعته, ورفض علي وآل الرسول (ص) لها, وبالتالي أراد أن يطبق نوعا من العقاب عليهم, خاصة وأن تلك المشكلة الخطيرة والتي تشكل تهديدا جديا لخلافته, كانت حديثة العهد تماما ( أيام قليلة فقط). ولا شك بأن حرمان فاطمة الزهراء وآل الرسول (ص) من فدك, هو عقاب اقتصادي شديد لهم, لأنه يعني ببساطة حرمانهم من مصدر رزقهم, وأنهم قد أصبحوا تحت رحمة الخليفة في مأكلهم وملبسهم, يجود عليهم حسبما يراه مناسبة. فالخليفة لا يلتزم تجاه آل الرسول (ص) سوى بإطعامهم, ليس أكثر : روى أبو داود في سننها أن أبا بكر قال أن النبي (ص) قال : لا نورث ما تركنا صدقة. إنما يأكل آل محمد من هذا المال. يعني مال الله, ليس لهم أن يزيدوا على المأكل.

وحتى سهم الخمس قرر الخليفة حرمان آل الرسول منه. فقد روى أبو داود13 أيضا أن الرسول (ص) کان يقسم الخمس بين بني هاشم وبني المطلب, وأن أبا بكر لم يكن يعطي قربي رسول الله (ص) ما كان يعطيهم. وروى ابن أبي الحديد أن فاطمة (ع) حين طالبت أبا بكر أيضا بسهم ذوي القربی الوارد في نص الآية (واعلموا أنما غنمتم من شيئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربی..) رفض وقال لها :ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

11 صحيح البخاري ج5 ص 115 باب حديث بني النضير. وروى مثل ذلك الإمام مالك في كتاب الموطأ ج 2 ص 993. وفي سنن أبي داود ج 2 ص 25 عن عائشة أنها قالت : إن أزواج النبي (ص) حين توفي رسول الله (ص) أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ثمنهن من النبي (ص) فقالت لهن عائشة : أليس قد قال رسول الله (ص) : لا نورث ما تركنا فهو صدقة 12 سنن أبي داود ج 2 ص 23. وكذلك ورد في كنز العمال للمتقي الهندي ج5 ص604

سنن أبي داود ج 2 ص 25. ومثل ذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى ج6 ص342

” لم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا. قالت : أفلك هو وأقربائك؟ قال : لا. بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين “(14)

ومما يدعم احتمال أن يكون أبو بكر متقصدا لمعاقبة علي وفاطمة (ع) هو ذلك التساهل الذي بدر منه في حالة أخرى حصلت أثناء خلافته. فقد روى البخاري أنه لما ورد لأبي بكر أموال من واليه العلاء بن الحضرمي ” فقال أبو بكر : من كان له على النبي (ص) دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا. قال جابر : فقلت : وعدني رسول الله (ص) أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا. فبسط يديه ثلاث مرات. قال جابر : فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة”(15) فهنا لم يطلب أبو بكر شهود على ادعاء جابر, فصدق ما قاله اعتمادا على ذمته فقط, ودفع إليه المال بكل بساطة.

*وهكذا فإن أبا بكر قرر حرمان آل الرسول (ص) من أي حقوق اقتصادية على الإطلاق. وفي المقابل , تعقد بأن يشملهم برعايته وأن يكفيهم الحاجة والعوز. وقد مارس أبو بكر , ومن بعده عمر, هذه السياسة. فلم يرو أنهما قد حرما آل الرسول (ص) العطاء, أو أنهما قد أخة بالتزامهما بتقديم متطلبات الحياة لهم.به هم.

ولكن لب الخلاف كان على الحقوق, وليس على مبالغ مالية بعينها. وطرفا الخلاف كانا يدركان ذلك. فالخليفة لا يمانع في أن يكون كريمة تجاه آل الرسول (ص), وأن يكون سخيا جدا معهم في بعض الأحيان, ما دام الأمر يعود إليه ولقراره وما دام قادرة على التحكم في ذلك. فالمهم أن لا يكون ذلك حق شرعي مفروض لهم. والمهم أن لا يكون لهم استقلالية اقتصادية تجعلهم قادرين على الإنفاق على من شاؤوا من المسلمين أو القيام بأي مبادرات من شأنها أن تبرزهم أو تزيد من نفوذهم في المجتمع. وفي المقابل فإن آل الرسول (ص) کانوا يرفضون أن تكون حقوقهم رهنا بمزاج الخليفة, أو بحسن أخلاقه أو بلطفه. وهم يرون أنه حتى لو كان أبو بكر كريمة معهم الآن, فما الذي يضمن ما سيقرره الخلفاء في مستقبل الأيام؟ وما الذي يمنع أن يأتي خليفة سيئ الخلق فيمنعهم كل شيئ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص 230. وذكر السيوطي في تفسيره ج3 ص186 نقلا عن الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن عباس قوله بشأن (ذوي القربی) الواردة في الآية ” كنا نرى أنا هم, فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلها ذو قربی” کا صحیح البخاري باب من أمر بإنجاز الوعد

خطبة الزهراء العظيمة:

 كان غضب فاطمة الزهراء (ع) عظيمة على أبي بكر. ونذرت أن تشكوه إلى الله ورسوله. وهجرته وقاطعته إلى أن توفيت بعد فترة قصيرة.

وكانت فاطمة الزهراء (ع), بعدما أيقنت أن الخليفة الجديد مصمم على منعها میراثها, قد ذهبت حتى دخلت عليه, ومعه أعضاء قيادته من المهاجرين القرشيين, وألقت فيهم خطبة بليغة, جاء فيها : ” … أفعلی محمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم , إذ يقول الله تبارك وتعالى : وورث سلیمان داود وقال الله عز وجل فيما قص من خبر يحيى بن زكريا : رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وقال عز ذكره : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وقال : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” وقال : إن ترك خيرة الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي ولا رحم بيننا . أفخصتكم الله بأية أخرج نبيه منها؟ أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون؟ أولست أنا وأبي من ملة واحدة؟ لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي (ص)؟ أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون. أأغلب على إرثي جورا وظلما؟ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون “(16)

*ومن مآسي التاريخ , أن فدك هذه التي أصر أبو بكر وبكل شدة على رفض منحها لفاطمة الزهراء (ع), لعدم كفاية الشهود كما قال , ورفض تصديق شهادة كل من فاطمة و علي, وتمسك بخبر انفرد به عن أن الأنبياء لا يورثون , وبالتالي فهي ملك لبيت مال المسلمين, قد أصبحت بعد مرور ثلاثين عاما فقط على وفاة الرسول ملكة خاصة لابن واحد من أعتى أعدائه ( الحكم بن أبي العاص ) وهو مروان, الذي وهبه معاوية فدك ليستمتع بها أمام ناظري آل الرسول (ص) وأبناء فاطمة! وشاءت إرادة الله أن يبعث حفيدة لمروان بالذات لكي يتجزأ ويعلن أن كل ما جرى باطل وأن لا حق لبني أمية فيها. فقد جاء في فتوح البلدان للبلاذري : ” أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة خطب فقال : إن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. فسألته إياها فاطمة رحمها الله تعالى فقال : ما كان ليه أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك. فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل. ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله. ثم ولي معاوية فأقطعها مروان بن الحكم, فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك فصارت لي وللوليد وسليمان. فلما ولي الولید سألته حصته منها فوهبها لي, وسألت سليمان حصته منها فوهبها لي. فاستجمعتها فما كان لي من مال أحب إلي منها. فاشهدوا أني قد رددتها إلى ما كانت عليه(17)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

16 ” بلاغات النساء ” لابن طيفور ص 17 | فتوح البلدان للبلاذري ج1 ص

37. وروى مثل ذلك أبو داود في سننه ج2 ص24 باب في صفایا رسول الله (ص) من ال

ولكن بني أمية نقضوا قراره من بعده. ويتكرر نفس الموقف تقريبا بعد أكثر من مائة عام على يد الخليفة العباسي المأمون, الذي أعلن صراحة أن فدك لا بد أن تعود إلى فاطمة مهما طال الزمان. فقد روى البلاذري أيضا أن المأمون كتب إلى عامله على المدينة برد فدك إلى ولد فاطمة ” وقد كان رسول الله أعطى فاطمة بنت رسول الله فدك وتصدق بها عليها, وكان ذلك أمرا ظاهرة معروفة لا اختلاف فيه بين آل رسول الله. ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدق عليه. فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم, تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رسول الله بتنفيذ أمره وصدقته……. .

إن فاطمة رضي الله عنها لأولى أن يصدق قولها فيما جعل رسول الله لها. وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله , بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلآت وغير ذلك , وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زید بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب, لتولية أمير المؤمنين إياهما للقيام بها لأهله”

ولكن للأسف, بعد وفاة المأمون تم نقض قراره . أضاف البلاذري ” فلما استخلف المتوكل على الله رحمه الله أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون رحمه الله(18)

خاتمة:

أبت السيدة الزهراء (ع) إلا أن يكون لها موقف سياسي, بل وموقف في غاية القوة والتأثير من الأحداث الجسام التي جرت في اعقاب وفاة أبيها (ص). تدخلت فاطمة (ع) لنصرة زوجها الامام علي (ع) ودفاعا عن حقه في خلافة رسول الله (ص) وتحملت في سبيل ذلك عواقب المواجهة القاسية مع الخليفة أبي بكر ونائبه عمر. وهي طبعا كانت تنطلق في موقفها ذاك من اساس عقائدي يعود الى حديث الغدير والی کون آل البيت هم الثقل الثاني في الاسلام بعد القران والذين على المسلمين الرجوع اليهم واتخاذهم أئمة وقدوة. كانت السيدة الزهراء (ع) تأمل أن ظهورها على مسرح الأحداث بشخصها من شأنه أن يذكر الانصار, وعموم المسلمين, بعهدهم مع النبي (ص) وأن يستنهضهم للوقوف مع الامام علي (ع) في رفضه لخلافة أبي بكر, ولكن ذلك لم يحصل بسبب قوة الطرف الاخر وحسن تخطيطه وسرعة تحركه. انتقلت بعدها المواجهة بين الزهراء (ع) وابي بكر الى موضوع فدك وميراث رسول الله (ص). ورغم أنها لم تتمكن من الحصول على حقوقها إلا أنها نجحت في اثبات موقفها وموقف آل البيت عموما حتى صار معروفة لعامة المسلمين عبر الاجيال والذين لولا الزهراء (ع) وشجاعتها وجرأتها في الحق لظنوا أن ما جرى في الاسلام من أحداث سياسية بعد وفاة الرسول (ص) – أدت في النهاية إلى استيلاء معاوية وبني أمية على الحكم – إنما كانت عن رضی وموافقة آل بيت النبوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وورد في تاريخ اليعقوبي ج2 ص223 أن معاوية في عام 44 قد منح فدكة لمروان بن الحكم ” ليغيظ بذلك آل رسول الله “. وأما ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 198 فقد ذكر أن عثمان بن عفان هو الذي أقطع مروان فدكة. 18 فتوح البلدان للبلاذري ج1 ص 38اماسدوران عقد موقف ما

مصادر البحث:

تاریخ الامم والملوك للامام الطبري, طبعة مؤسسة الأعلمي , بيروت – لبنان.

تاريخ اليعقوبي, طبعة دار صادر , بيروت – لبنان.

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, تحقيق محمد ابو الفضل ابراهیم دار احياء الكتب العربية, 1959 فتوح البلدان للبلاذري. مطبعة لجنة البيان العربي – القاهرة.

صحيح البخاري, طبعة دار الجيل. بيروت – لبنان

 الطبقات الكبرى, لابن سعد ,دار صادر , بيروت – لبنان

 سنن أبي داود, تحقيق سعيد محمد اللحام, الطبعة الأولى 1990, دار الفكر. بيروت – لبنان.

الامامة والسياسة , لابن قتيبة الدينوري, تحقيق علي شيري. الناشر:

انتشارات الشريف الرضي, الطبعة الأولى – ایران , 1413 کنز العمال, للمتقي الهندي, تحقيق بكري حياني وصفوة السقا, مؤسسة الرسالة. بيروت – لبنان.

السنن الكبرى للبيهقي. دار الفكر. بيروت – لبنان.

 كتاب الموطأ, للامام مالك. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي الطبعة الأولى 1406, دار إحياء التراث العربي.

 بلاغات النساء, لابن طيفور. منشورات مكتبة بصيرتي. قم – ایران.

الدر المنثور في التفسير بالمأثور. للسيوطي , دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبها حسام عبد الكريم , باحث و مؤلف من الاردن الإبداء الرأي والتواصل مع الكاتب , يرجی استعمال البريد الالكتروني

التالي: