قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فاطمةُ بضعةٌ منّي من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”. ولدت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام بعد مبعث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنوات في بيت الطهارة والإيمان. – تمكّنت السيـّدة الزهراء عليها السلام من أن تحوط النبي صلى الله عليه واله وسلم بالحنان واهتمـّت به أشدَّ اهتمام حتّى لقّبها بـ”أمِّ أبيها”. طفولة فاطمة عليها السلام نشأت فاطمة الزهراء عليها السلام في بيت النبوّة ومهبط الرسالة، فكان أبوها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلّمها العلوم الإلهيـّة ويفيض عليها من معارفه الربّانيّة. وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الإبنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد. في الخامسة من عمرها فقدت أمّها السيّدة خديجة، فكانت تلوذ بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بات سلوتها الوحيدة، فوجدت عنده كلّ ما تحتاجه من العطف والحنان والحبّ والاحترام. ووجد هو فيها قرّة عينه وسَلْوَة أحزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامها به كالأمّ الحنون حتّى قال عنها: “فاطمة أمُّ أبيها”1. هجرة فاطمة عليها السلام بعد أن غادر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مكّة متوجِّهاً إلى المدينة لحق الإمام علي ّعليه السلام به ومعه الفواطم، ومنهنَّ فاطمة الزهراء عليها السلام، وكان عمرها آنذاك سبع سنوات. – سادت المحبـّة والتوافق بيت عليٍّ وفاطمة، لـِما كان بينهما من تقاسم الأدْوار، والقيام بالواجبات. زواج فاطمة عليها السلام من عليّ عليه السلام ما إن بلغت فاطمة الزهراء عليها السلام التاسعة من عمرها حتّى بدا عليها كلُّ ملامح النضوج الفكريّ والرشد العقليّ، فتقدّم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّه كان يردّهم بلطف معتذراً بأنّ أمرها إلى ربّها. وعندما خطبها عليّ عليه السلام وافق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووافقت فاطمة على زواجها من عليّ عليه السلام، لأنّه الكفؤ الوحيد لها، كما جاء في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وتمّ الزواج، فباع عليٌّ درعه بخمسمائة درهم لدفع المهر، ولتأثيث البيت الذي سيأويهما عليهما السلام2. لقد كان هذا البيت المتواضع بأثاثه، غنيّاً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الإيمانيّة العالية، فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الأُلفة والوئام والحبّ والاحترام، حتّى قال عليّ عليه السلام يصف حياتهما معاً: “فوالله ما أغضبتُها ولا أكرهتُها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغْضَبَتْني ولا عَصَتْ لي أمراً. لقد كنت أنْظُر إليها فتنكشِف عنّي الهموم والأحزان”3. كانا يتقاسمان العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. وقد أثمر هذا الزواج ثماراً طيّبة، الحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم. مكانة الزهراء عند الرسول تعلَّق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابنته فاطمة عليها السلام تعلّقاً خاصاً لِمَا كان يراه فيها من وعي وتقوى وإخلاص فأحبّها حبّاً شديداً، وكان إذا أراد السفر جعلها آخر من يُودَّع، وإذا قَدِمَ من السفر جعلها أوّلَ من يَلقى. وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبّلها بل ربَّما قبّل يدها. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “فاطمةُ بضعةٌ منّي من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”4. ومع كلّ ذلك، فقد جاءته يوماً تشكو إليه ضعفها وتعبها في القيام بعمل المنزل وتربية الأولاد وتطلب منه أن يهب لها جارية تخدمها. فلم يستجب لطلبها، بل استبدل ذلك بأمر آخر، عبّر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: “أعطيك ما هو خير من ذلك”، وعلّمها تسبيحة خاصّة تُسْتَحَبّ بعد كلّ صلاة، وهي التكبير أربعاً وثلاثين مرّة، والتحميد ثلاثاً وثلاثين مرّة، والتسبيح ثلاثاً وثلاثين مرّة، وهذه التسبيحة عُرِفَت فيما بعد بتسبيحة الزهراء.هكذا يكون البيت النبويّ، حيث إنّه يتجاهل الأمور الماديّة، ويعطي الأهميّة للأمور المعنويّة ذات البعد الروحيّ والأخرويّ. – إنّ اهتمام الرسول بفاطمة كان لما لها من صفات خاصّة، كما كان ذلك منه بياناً لمكانتها عند الله، وليس لأجل الدنيا الفانية. أسماء فاطمة عليها السلام عُرِفَت السيّدة فاطمة عليها السلام بأسماء عديدة تُعبِّر عن كمالها ومقامها، ومن هذه الأسماء: * الزهراء: وقد علَّل الإمام الصادق عليه السلام تسميتها بالزهراء بـ “أنّ اللَّه عزَّ وجلَّ لقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها”5. * الحوراء: وهذا الاسم يعود لانعقاد نطفتها من ثمار الجنـّة، كما في الرواية عن أبيها الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:”أخذ جبرائيل بيدي وأدخلني الجنّة وأدناني من شجرة طوبى”، ويتابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثه بأنّه أكل فاكهة هذه الشجرة المباركة وعند عودته إلى الأرض انعقدت نطفة فاطمة عليها السلام من تلك الفاكهة، وكان يقول:”فاطمة حوراء إنسيّة، كلّما اشتقت إلى الجنّة قبَّلتُها”6. * المحدِّثة: لأنـّها كانت تحدِّث أمـّها وهي جنين في بطنها، ولأنّها كانت تُحدِّث المسلمين بأحاديث أبيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما أفاض الله عليها من علمه. * المحدَّثة: لأنّ ملائكة اللَّه تعالى كانت تحدِّثها، حتّى ورد إخبارهم لها أنّها سيّدة نساء العالمين، مقارنين بينها وبين مريم بقولهم: “إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيّدة نساء عالمكِ وسيّدة نساء عالمها، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين”7، وقد ورد أيضاً أنّ جبرائيل عليه السلام كان يأتيها بعد وفاة أبيها يُسلّيها ويُخبرها بأخبار الغيب، فأخبرت عليها السلام أمير المؤمنين عليه السلام بذلك، فسمع ما يخبرها به جبرائيل صلى الله عليه وآله وسلم عن مقام أبيها، فكتب ما سمع في كتاب سُمّي بـ”مصحف فاطمة” أي كتاب فاطمة. * الزكيـّة: أفلحت بتزكية نفسها فكانت عليها السلام تصلّي وتطيل القيام حتـّى تتورّم قدماها، وكانت عليها السلام حينما تقوم إلى الصلاة تتغيّر معالمها من خشية الله، وقد عَرف ذلك عنها القريب والبعيد. حتّى قال الحسن البصري “ولم يكن في الأمّة أعبدُ من فاطمة عليها السلام”. * الشهيدة: بدأت مظلومـّية السـّيدة الزهراء عليها السلام تتعاظم مع وفاة أبيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقد شاهدت بأمِّ عينها محاولة هدم بنيان الإسلام الشامخ الذي بناه أبوها صلى الله عليه وآله وسلم بمعاناة فاقت كلّ المعاناة، فانحرف القوم عن الخلافة الإلهيـّة المتمثّلة بولاية عليّ عليه السلام، وتجرَّؤوا على إيذاء بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي تدافع عن مقام الولاية الأعظم ما أدَّى إلى شهادتها بعد حزن طويل. أرادت عليها السلام أن تكتب في التاريخ وعلى مدى الأجيال، رسالة حقّ خالدة تشهد على ما جرى بعد وفاة أبيها، فأوصت أن تُدفن سرّاً، ليكون قبرها المجهول علامة دائمة على الحقّ المُغْتَصَب. مقام الزهراء عليها السلام يوم القيامة عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة تُقْبِلُ ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنّة مدبجة ( مزيّنة ) الجنبين، خطامها من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرّد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كلّ ركن مرصّع بالدرّ والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّيّ في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام النّاقة، ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد. فلا يبقى يومئذٍ نبيّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد، إلّا غضّوا أبصارهم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد، فتسير حتّى تحاذي عرش ربّها جلّ جلاله، فتزجّ بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيّدي، احكم بيني وبين من ظلمني، اللّهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قِبَلِ الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تُعْطَيْ، واشفعي تشفعي، فوعزَّتي وجلالي لا جازني ظُلم ظالمٍ. فتقول: إلهي وسيّدي، ذريّتي، وشيعتي، وشيعة ذريّتي، ومحبّي ذريّتي. فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: أين ذريّة فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّو ذريّتها؟ فيُقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتتقدّمهم فاطمة حتّى تُدخِلَهُم الجنّة8. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1-
شرح إحقاق الحقّ، السيّد المرعشي، ج25، ص29. 2- فكان أن بسط أرض الحجرة بالرمل ونصب عوداً لتُعلّق به القربة واشترى جرّةً وكوزاً، وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدّة من ليف. 3- بيت الأحزان، الشيخ عباس القمّي، ص53. 4- علل الشرائع، الصدوق، ج1، ص187. 5- علل الشرائع، ج1، ص180. 6- الغدير، الأميني، ج3، ص18. 7- علل الشرائع، ج1، ص182. 8- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 69 – 70.
اقرأ المزيد على الرابط : https://alwelayah.net/post/34107
/