مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
الجوانب الاقتصادية في مسيرة السدة فاطمة الزهراء(ع) / م. الهام خزعل عاشور / مركز دراسات البصرة والخليج العربي
+ = -

المحور الخامس: الجانب الاقتصادي:

الجوانب الاقتصادية

في مسيرة حياة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

م. الهام خزعل ناشور

مركز دراسات البصرة والخليج العربي- قسم الدراسات الاقتصادية

    يعد الاقتصاد العصب الرئيس في حياة البشرية جميعاً، وهو الشريان الأساس الذي يغذي مجالات الحياة العملية كافة، وعلى هذا الأساس مثلت شخصية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام نموذجاً للإنسان الكامل في جميع المستويات الاقتصادية والدينية والإنسانية والأخلاقية والتربوية والثقافية، والجانب الاقتصادي في حياة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وهو محور هذا المقال قد تجلى في أمرين هما:

1ــــــ التمويل المالي: وهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعة أرض تسمى فدكاً للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، لما بذلته والدتها السيدة خديجة الكبرى عليها السلام من أموال وتضحيات في سبيل تقويم الإسلام وانتصاره. وفدك هي أرض كثيرة الإنتاج ذات نخيل مترامي الأطراف بين المدينة وخيبر، وكان هذا النخيل من أكبر الموارد الاقتصادية لأهل المدينة لسعته وكثرته وترامي أطرافه، وقد ذكرت احدى الدراسات إن وارد فدك فقد كان أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة، وفي دراسة أخرى سبعين ألف دينار، ولعل هذا الاختلاف في واردها حسب اختلافهم في السنين. مع ذلك فإنها تمثل ثروة كبيرة، ونظراً لموردها وريعها الكبير فكان وكلاء وعمال السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام يعملون فيها طيلة حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الكثير من الفقراء والمساكين ينتظرون محصول ونتاج هذه الأرض، لأن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت توزع ذلك المحصول عليهم وأن البعض كان يستدين الأموال ويتعهد بالتسديد عندما يحصل على حصته المقسومة من قبل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام له.

    ومن هذا المنظور نجد أن لموارد فدك قوة مالية واقتصادية كبيرة وكانت عوناً للفقراء، وقوة لأهل البيت عليهم السلام من أجل تثبيت الدين ونشره. فمطالبة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بحقها في فدك كان يكمن في طياته هدفاً أساسياً هو بيان العامل الأساس لظاهرة الفقر، ألا وهو إضاعة الحقوق، وهذا لا يكون إلا في جو الاستبداد الذي يشيعه الظلمة لضرب الأقتصاد، إذ قال أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب عليه السلام ( ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع ).

2ــــ تدبير المنزل والاكتفاء الذاتي: يعد تدبير المنزل من أقدم مهام المرأة عموماً داخل الأسر، وذلك للعديد من الاعتبارات، فهي الموجودة في المنزل أكثر من الرجل بشكلٍ عام وهي أيضاً الأقدر على متابعة شؤونه، ويقصد بالتدبير المنزلي هي إدارة شؤون المنزل على مختلف الأصعدة، ونتأمل في حياة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ولنتمعن في أسلوب تعاملها مع قضية التدبير المنزلي والاكتفاء الذاتي لنفهم من خلال سلوكها حقيقة الرؤية الإسلامية في ذلك، فلا تنحصر مهمة المرأة بالأعمال المنزلية فحسب بل إنها تتولى مهام التربية والتدبير المنزلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وخير مثال على ذلك مغزل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الذي هو عبارة عن أداة بدائية للعمل تستخدم لغزل الملابس، فعندمــا دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة، كانت صناعة الألبسة كلها بيد اليهود، وكان المسلمون محتاجين اليهم من هذه الناحية، فلما رأى النبي (ص) ذلك اشترى للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام مغزلاً وطلب منها أن تغزل، فصارت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تغزل ثيابها وثياب أولادها وبعلها وأبيها، وقد كان للإمام علي عليه السلام قميص من غزل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام يلبسه تحت لامته في الحروب. وقد تأثرت نساء المسلمين في المدينة بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فصرن يغزلن، وهكذا تحول هذا المغزل إلى سلاح فعال جعل المسلمين في غنى عن اليهود. كما كان للمغزل دور أساسي في حادثة إطعام أهل البيت عليهم السلام المسكين واليتيم والأسير، ونزول سورة كاملة في القرآن الكريم بحقهم، وهي سورة ” الإنسان” ، فالحادثة بدأت في محاولة الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام توفير طعام لإفطارهم من صيام نذوره لشفاء الحسنين عليهما السلام، فبعد أن عزم أهل البيت على الصيام ثلاثة أيام شكروا لله على العافية، ذهب الإمام علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف وطلب إليه: أن يعطيه جزة من الصوف تغزلها إليه ابنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بثلاثة أصوع من شعير، فأعطاه إياها فجاء بالصوف والشعير، فأخذت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الصوف فغزلت ثلثه، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته بالرحى التي هي عبارة عن صخرة كبيرة لصنع الدقيق، وعجنته وخبزت منه خمس أقراص لكل واحد قرص. وقد كان الهدف الأساس من وراء ذلك العمل الشاق هو الحصول على الاكتفاء الذاتي، فهذا الطعام له قيمة عظيمة في النفوس فهو يشد الأواصر، ويبعث الدفء والحنان والحب بين أفراد العائلة، ثم الشكر والعرفان لله عز وجل، فضلاً عما سيوفره من نقود وتقليص قيمة المصروفات البيتية، ويفتح حساب التوفير لمزيد من ضمان السعادة والرخاء، ومد يد العطاء والعون والمساعدة للآخرين.

    نستنتج من ذلك أن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت معلمة كبيرة في التدبير المنزلي، إذ ضربت لنا مثالاً رائعاً في ذلك، وقد اقتدت بها  الكثير من النساء، إذ لجأن إلى العمل داخل البيت، مثل إنتاج بعض الأطعمة، أو خياطة الملابس وغير ذلك، في محاولة منهن لتجاوز الأزمة المالية والاستغناء عن الآخرين، وهذا يعني انه عندما تتظافر جميع الجهود المجتمع يمكن الإسهام في تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلد والاستغناء عن شراء المواد الغذائية والمستلزمات البيتية من الخارج. وهذا ما يزيد من نمو وتطور وتقدم البلد .