بقلم: وجدان الشوهاني
لقد ضجّتْ كُتُبُ الشيعةِ بظُلامةِ الزهراءِ (عليها السلام)، ولكن يبدو أنّها ليستِ الوحيدة؛ فقد شاركتْها كُتُبُ العامّةِ وإنْ لم تُعنوَنْ بعنوانِ الظُلامة. والرواياتُ التي ترويها كُتُبُهم المُعتبرةُ تحملُ بينَ طيّاتِها اعترافًا بوقوعِ التعدّي على سيّدةِ نساءِ العالمين (عليها السلام)، ولكن سياسة تجهيلِ المُجتمعِ التي مارسَها أربابُ السُلطةِ الحاكمةِ كانتْ هي السائدةَ منذُ وقوعِ الظُلامةِ وحتّى اليوم، وهذا ما يؤسفُ له.
ونحنُ إذ نُشيرُ لظلامةِ الزهراءِ (عليها السلام) في كُتُبِ العامة، فلسنا بصددِ إثارةِ نعراتِ طائفيةٍ كما يراها البعضُ، بل الهدفُ الأساسيّ من وراءِ ما نكتبُه هي دعوةٌ للوقوفِ على الحقيقةِ التي يُحاوِلُ البعضُ تغييبَها بعناوينَ مُختلفةٍ.
وللوقوفِ على الحقيقةِ علينا أنْ نتعرَّفَ أوّلًا على مقامِ الزهراء (عليها السلام) في كُتُبِ العامّةِ، ثمَّ نُشيرُ إلى ظُلامتِها في نفسِ الكُتُب؛ وذلك لأنّ ثبوتَ المقامِ الرفيعِ للزهراء (عليها السلام) كاشفٌ عن أنّ المساسَ بذلك المقامِ يُعَدُّ تعدٍّ صريحٍ لا يُمكِنُ أنْ يُغتفر.
فلنُقلِّبْ معًا صفحاتِ كُتُبِ العامّةِ لإثباتِ مقامِ الزهراء (عليها السلام)، ولنبدأ بأهمِّ الكُتُبِ ثم نُعرِّجْ للبقية.
ففي صحيحِ البُخاري/ كتاب بدءِ الخلق أخرجَ البُخاري عنِ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «فاطمةُ بضعةٌ منّي من أغضبَها أغضبَني».
ووردَ في نفسِ صحيحِ البُخاري وكذلك في مُسندِ أحمدَ وأبي داود وصحيح مُسلمِ أنّه جاءَ عن النبيّ [صلى الله عليه وآله] أنّه قال: «فاطمةُ بضعةٌ منّي يُريبُني ما أرابَها ويؤذيني ما آذاها».
كما جاءَ في صحيحِ مُسلم/ باب مناقب فاطمة [عليها السلام]، مسند أحمد 4/5، المستدرك 5/323 وقال: صحيحٌ على شرطِ الشيخين قولُ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنّما فاطمةُ بضعةٌ منّي يؤذيني ما آذاها»، وقال أيضًا: «إنّما فاطمةُ بضعةٌ منّي يؤذيني ما آذاها وينصبُني ما أنصبَها»، وقالَ: «فاطمةُ بضعةٌ منّي يُقبِضُني ما يُقبِضُها ويُبسِطُني ما يُبسِطُها»
ووردَ في المُستدركِ والإصابةِ وكنزِ العُمَال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه [وآله]): «إنَّ اللهَ يغضبُ لغضبِ فاطمةَ، ويرضى لرضاها».
يبدو من كُلِّ تلك الرواياتِ للزهراءِ (عليها السلام) أنّها قطعةٌ من النّبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ لها مقامًا يصلُ إلى أنّ في غضبِها (عليها السلام) غضب اللهِ (جلَّ وعلا) والنبيّ (صلوات الله عليه وآله)؛ لأنّه ليس بالأمرِ الهيّن.
وهُنا نُلفِتُ نظرَ القارئ الكريم لأمرٍ مُهمّ وهو:
لِمَ كانَ النبيُّ (صلواتُ الله عليه وآله) يُكرِّرُ الرواياتِ بألفاظٍ مُتعدِّدةٍ على أصحابِه؟
ألا يوحي لنا ذلك التكرارُ بتحذير النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أيّ اعتداءٍ على مقامِ ابنتِه (صلوات الله عليها)؛ لعلمه فضلًا عن توقُعِه وقوع ذلك ؟!
وقبلَ أنْ ننتقلَ للشِقِّ الثاني من رواياتِ العامةِ التي تُشيرُ إلى أنّ الزهراءَ (عليها السلام) رحلتْ غاضبةً على بعضِ القومِ بسببِ ما وقعَ عليها من ظلم، لنُبيّنْ للقارئ الكريم حُكمَ اللهِ (تعالى) في كتابِه الكريم لمَن يؤذي الرسولَ (صلوات الله عليه وآله) فقد قال (تعالى): «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)»[الأحزاب57].
والحكمُ واضحٌ لا يحتاجُ منّا إلى بيان.
والآن لننتقلْ إلى رواياتِ العامّةِ حولَ ظُلامةِ الزهراء (عليها السلام)؛ فهذا تاريخُ الطبري 3/202 وقريبٌ منه ابنُ أبي شيبة وهو من مشايخ البُخاري في المصنف 7/432، فعنِ الطبري بسندِه: «أتى عمرُ بن الخطاب منزلَ عليٍّ وفيه طلحةُ والزبيرُ ورجالٌ من المُهاجرين، فقال: واللهِ لأحرِّقَنَّ عليكم أو لتَخرُجُنَّ إلى البيعة …..».
أمّا كتابُ أنسابِ الأشراف 1/586، وقريبٌ منه ابنُ عبدِ ربِّه في العقدِ الفريدِ 5/13، وأبو الفداءِ في المُختصر في أخبارِ البشر 1/156، فعنِ البلاذري بسندِه: «إنَّ أبا بكرٍ أرسلَ إلى عليٍ يُريدُ البيعةَ، فلم يُبايعْ، فجاءَ عمرُ ومعه فتيلةٌ، فتلقّتْه فاطمةُ على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب أتُراكَ مُحرّقًا عليّ بابي؟! قال: نعم …».
ولا يقتصر ذكرُ ظُلامةِ الزهراءِ (عليها السلام) على تلك الكتب فقط، بل وردَ ذلك أيضًا في كتابِ مروج الذهب 3/86، وشرح ابن أبي الحديد 20/147، فقد روي عن عروة بن الزبير: «أنّه كانَ يعذرُ أخاهُ عبدَ اللهِ في حصرِ بني هاشم في الشِعبِ وجمعِه الحطبَ ليُحرِقَهم، قالَ عروةُ في مقامِ العُذرِ والاعتذارِ لأخيه عبدِ اللهِ بن الزبير: بأنَّ عمرَ أحضرَ الحطبَ ليحرقَ الدارَ على من تخلّفَ عنِ البيعةِ لأبي بكر».
وفي كتابِ ميزان الاعتدال 1/139 قالَ ابنُ أبي دارمِ المُتوفّى سنة 352: «إنَّ عمرَ رفسَ فاطمةَ حتّى أسقطتْ بمُحسن».
وفي كتابِ المِلل والنحل 1/59، والوافي بالوفيات 6/17، قالَ إبراهيمُ بن سيّار النظّام المُتوفى سنة 231: «إنَّ عمرَ ضربَ بطنَ فاطمةَ يومَ البيعةِ حتّى ألقتِ الجنينَ من بطنِها، وكانَ يصيحُ عمرُ: احرقوا دارَها بمنْ فيها، وما كانَ بالدارِ غيرَ عليٍ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين».
وفي كتابِ المعارفِ لابنِ قُتيبة كما عنه ابن شهر آشوب في مناقبِ آلِ أبي طالب 3/358 (وقد تمَّ حذفُ المقطعِ من كتابِ المعارف في الطبعاتِ الجديدة)، روي عن ابنِ قُتيبة: «إنَّ مُحسنًا فسدَ من زخمِ قُنفذ العدوي».
وفي شرحِ ابنِ أبي الحديد 14/192، عن شيخِ ابنِ أبي الحديد: «لمّا ألقتْ زينبُ ما في بطنِها أهدرَ رسولُ اللهِ دمَ هبّار؛ لأنّه روّعَ زينبَ فألقتْ ما [في] بطنها، فكانَ لابُدَّ أنّه لو حضرَ ترويعَ القومِ فاطمةَ الزهراء وإسقاطَ ما في بطنِها لحَكمَ بإهدارِ دمِ منْ فعلَ ذلك، فقال له ابنُ أبي الحديد: أروي عنكَ ما يرويهِ بعضُ الناسِ من أنّ فاطمةَ روِّعَتْ فألقتْ مُحسنًا؟
فقال: لا تروِهِ عنّي ولا تروِ عنّي بُطلانه».
وبالرجوعِ إلى تاريخِ الطبري 3/430، والعقدِ الفريد 2/254، وكتابِ الأموال لابنِ سلام، ومروجِ الذهب، والإمامةِ والسياسة، نجد ما روي عن أبي بكر: «أنّه قالَ قُبيلَ وفاتِه: إنّي لا آسى على شيءٍ من الدُنيا إلا على ثلاثٍ فعلتُهنَّ ووددتُ أنّي تركتُهن …… وددْتُ أنّي لم أكشفْ بيتَ فاطمةَ عن شيءٍ وإنْ كانوا قد أغلقوه على الحرب…».
وهذا صحيحُ البُخاري/ بابُ غزوةِ خيبر، وصحيحُ مُسلم/ كتابُ الجهادِ والسير؛ إذ أخرجَ البُخاري ومُسلمُ عن عائشةَ: «إنَّ فاطمةَ بنت النبيّ أرسلتْ إلى أبي بكر … فوجدتْ فاطمةُ على أبي بكرٍ فهجرتْه، فلم تُكلِّمْه حتّى توفيَت، وعاشتْ بعدَ النبيّ ستةَ أشهرٍ، فلمّا توفيَتْ دفنَها زوجُها عليٌّ ليلًا، ولم يؤذَنْ بها أبا بكر …».
ومن خلالِ تلك الرواياتِ التي أثبتَتْ مقامَ الزهراء (عليها السلام)، ومن ثمَّ أثبتَتْ وقوعَ التعدّي الصريحِ الذي وصلَ بتصريحٍ من زوجِ النبيّ (صلوات الله عليه وآله) بأنّ الزهراءَ (عليها السلام) لم تُكلِّمِ الأولِ بسببِ ما جرى حتّى رحلت.
فبعد كُلِّ ما تقدّمَ، هل يبقى مجالٌ لإنكارِ ظُلامةِ الزهراء (عليها السلام)؟!
إيُّها القارئُ الكريمُ، أيًّا كان فكرُك أو مذهبُك أو دينُك، عليكَ أنْ تفهمَ أنّ ما جرى كانَ على فاطمةَ بنتِ مُحمّدٍ (صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما)، ومن ثم فليستِ القضيةُ قضيةً شيعيةً، وإنّما هي قضية الإسلام.