المعاني البلاغية في خطبة الزهراء (عليها السلام)
الأستاذ المساعد الدكتور : حسين لفته حافظ
مركز دراسات الكوفة \ جامعة الكوفة 2012م / 1434هـ
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين وبعد …
تعد خطب السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ذروةً في الفصاحة وقمة البلاغة وآية في قوة البيان وعدم الوهن والانكسار، لأنها تربت في بيت عرف بالفصاحة والبلاغة، فقد كانت قريبة من قلب أبيها وبعلها ومن ثم تأثرت بهما اشد تأثير لذلك تقمصت السيّدة الزهراء شخصية أبيها في شجاعته ومثابرته وفي فصاحته وبيانه وانقطاعه إلى الله تعالى وعبادته، وتتلمذت على يديه، فجمعت في خطبها بين فنون البلاغة وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان وبين معاني الحماسة وقوة الاحتجاج وحجة المعارضة والدفاع في سبيل الحرية والحق والعقيدة .
فضلا عن هذا فان في خطبة الزهراء (عليها السلام )([1]) لعبرا سامية ومواعظ عالية ودروسا جامعة مانعة وفوائد نافعة تحكي المبادئ القيمة للدين الإسلامي الحنيف بألفاظ موجزة معبرة ومعان واضحة مؤثرة .وقد اشتملت هذه الخطبة المباركة على خلاصة من الحكم الإسلامية النبيلة مثل الحمد والشكر لله والتذكير بنعم الله على العبد والخطاب الإسلامي المتكامل لقد كانت خطبة السيدة الطاهرة دعوة الى الالتزام بالدين القيم الكامل الشامل لجوانب الاعتقاد والتمسك بالدين والعناية بجوانب الحياة والإصلاح الاجتماعي من خلال التأكيد على منزلة النبي الأعظم وصلة القرابة فالخطبة تشكل رؤية واضحة لمراعاة حقوق الأفراد من خلال التأكيد على أحقية الزهراء في الإرث .
إذا هي دعوة من السيدة الزكية عليها السلام إلى الالتزام بالحقوق والواجبات من خلال تأييد الفكرة بنصوص قرآنية.ولعل السبب الذي دفعني الى دراسة هذه الخطبة من الجانب البلاغي هو إهمال اغلب الدارسين لهذا الجانب على الرغم من بروزه واضحا في كلام الزهراء عليها السلام إذ أن اهتمام الدارسين السابقين كان ينصب على دراسة الجوانب الموضوعية والفقهية حصرا .أما عن الصعوبات التي واجهتها فاذكر اختلاف الروايات في المصادر التي تحدثت عن الخطبة ووجود هذه الخطبة متناثرة أحيانا في كتب التراحم والتاريخ والرواية واختلاف هذه المصادر .أما عن منهج الدراسة فقد كان منهجا وصفيا تحليليا اعتمدت فيه على وصف الظاهرة في البلاغة ومن ثم تحليلها بغية الوقوف على الأهداف والغايات المتوخاة من وراء هذه الظاهرة ,وفيما يتعلق بمصادر الدراسة فقد تنوعت هذه المصادر لتشمل كتب التراجم والتفسير وكتب البلاغة فضلا عن كتب التاريخ العربي وكتب الحديث النبوي الشريف واذكر من هذه المصادر كتاب ( بحار الأنوار) للعلامة المجلسي (ت1111هـ), و(أصول الكافي) للشيخ الكليني (ت329هـ), فضلا عن كتب التراجم , وكتب البلاغة ومنها كتاب( أسرار البلاغة) للشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ ) فضلا عن كتب التاريخ العربي.اما عن كتب مصادر خطبة الزهراء فهي كثيرة ,اذكر منها كتاب (بلاغات النساء )لابن طيفور (ت280هـ) وكتاب (مروج الذهب)للمسعودي(ت346هـ) و كتاب (الشافي في الإمامة ) للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت 436هـ) وكتاب (الاحتجاج ) للشيخ الطبرسي وهو من أعلام القرن السادس الهجري وكتاب (شرح نهج البلاغة )لابن أبي الحديد(ت655هـ) وكتاب (الطرائف) لابن طاووس(ت664هـ), وكتاب(كشف الغمّة في معرفة الأئمة عليهم السلام) لعلي بن عيسى الاربلي(ت693هـ).
وقد اقتضت طبيعة المادة ان تكون وفق محاور متنوعة تحاول هذه المحاور ان تغطي المادة من كافة جوانبها البلاغية .
التمهيد :
(مضامين خطبة الزهراء عليها السلام )
أخذت الخطابة العربية منذ فجر الإسلام تتطور وتنتعش , وقد تفنن البلغاء في فن الخطابة , والأمر له علاقة بالنهضة الحضارية الشاملة التي حققها الإسلام , فقد تطورت الحياة السياسية والاجتماعية وفتحت أبواب شتى لمخاطبة الجمهور ونشأت في البلاد العربية ضروب مختلفة من الخطب لم تكن معروفة في زمن القدماء , وقد امتازت هذه الخطب باستعمال الأسلوب السهل المرسل ويرى أنيس المقدسي ان هذا الأسلوب يمتاز عن الأسلوب الكتابي السائد في المقالات والمؤلفات بما يكثر فيه من صيغ المخاطبة والاستفهام والتكرير والتعجب والقسم وتقطيع العبارات يناسب نبرات المتكلم والحدث وإشاراته مع الإكثار من الشواهد الموضحة والعبر المؤثرة ([2]).
إذا لابد من الحديث عن الأفكار الرئيسة الواردة في خطبة الزهراء (عليها السلام) ومنها الحديث عن القفزة النوعية الهائلة التي أحدثها مجيء الإسلام فقد غير الإسلام وجه الأرض وكان النبي الأكرم هو اللسان الناطق بتعاليم الدين, فضلا عن هذا تحدثت الزهراء عن المعجزات والبراهين الإلهية , فضلا عن هذا كشفت الزهراء ببلاغتها البارعة عن صورة للوضع الجاهلي والظروف التي بعث فيها الرسول الأعظم ,ومن الأفكار الأخرى فكرة التعريض بالمنافقين , وقضية ارث الزهراء , وتؤكد الزهراء على منزلة الإمام علي عليه السلام فضلا عن مخاطبة الأنصار كونهم أهل خير وصلاح , وأخيرا أرادت الزهراء استنهاض الهمم من خلال مخاطبة مجموع الناس .
ولاشك ان مثل هذه الخطبة اشتملت على مضامين دينية واجتماعية وسياسية وقد لاحظ بعض الباحثين ان المرأة استطاعت أن تُحقّق نجاحاً كبيراً في هذا الفنّ وبصورة عملية ، فجاءت خطبها غايةً في الدِّقّة من حيث العُمْق الدِّلالي والبلاغي ، وهذا بديهي كونها كانت (( معنية بالخطابة قبل الإسلام وبعده ، ويتّضح ذلك من خلال المرحلة الأولى للدعوة الإسلاميّة )) ([3]) ، فإنّنا نجد نصوص خطبٍ لنساء هذه المرحلة قد تضمّنت أحداثاً سياسيّة وتحوّلات اجتماعيّة ومُرتكزات دينيّة بشكلٍ دقيق ، ومن خلال تأمّلي بعض خُطب نساء تلك المُدّة ألحظ أنّها كانت تُعبّر عن رأيها ، وتعرض ما يختلج في صدرها من أفكار وتطلّعات ، وتُدافع عن قضايا وتقوّي دفاعها بأدلّة وبراهين ، وتلجأ إلى المنطق في بعض الحالات ، وممّا يُلاحظ أيضاً استعمالها للمصطلحات الإسلاميّة الجديدة ، والمعاني الراقية التي اكتسبت من الدِّين السمح ، ولا يفوتنا أن نذكر أثر القرآن الواضح على خطبهنّ ، والثورة الروحية التي قادها الرسول صلى الله عليه واله وسلم في اللّغة والأدب ، وهذا ما نلمسه واضحاً في خُطبة الخنساء بنت عمرو السلمي مثلاً ، حين خرجت تُدافع عن العقيدة وتُجاهد في سبيل الله (( يا بَنيّ إنّكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتُم مُختارين ، ووالله الذي لا إله غيره ، إنّكم لبنو رَجُلٍ واحد ، كما أنّكم بنو امرأة واحدة ، ما خُنت أباكم ، ولا فضحتُ خالكم ، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين ، واعلموا أنّ الدار الباقية خير من الدار الفانية ، يقول الله عزّ وجلّ :((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، فإذا أصبحتم غداً فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين ، وللهِ على أعدائِهِ مُستنصرين )) ([4]) .
ومن المضامين التي ظهرت من خلال دراسة خطبة الزهراء انها كانت طريقة من طرق الإقناع وبما إن الخطاب موجه الى أناس أغواهم الشيطان وغلبت عليهم الأطماع الدنيوية لهذا احتاجت الزهراء إلى هذا الأسلوب البلاغي الرفيع محاولة منها للتأثير وقد دفع ذلك الزهراء (عليها السلام) إلى ان تكشف وبصراحة لهؤلاء القوم أخطائهم وعيوبهم مبينة لهم ان الذي يعيشون به ما هو إلا وهم زائل وأنهم بعملهم هذا ينتقلون على أعقابهم بعد هداهم .
الدراسة الفنيّة :
يعد الحديث عن محور الدراسة الفنية والبلاغية أمر ضروري, وذلك لان خطبة الزهراء تعد نموذجا فريدا للخطب الدينية إذ التزمت فيها الزهراء بالبيان البليغ الذي يأخذ بمجامع القلوب فقد كانت الغاية التأثير في الناس وإحداث الصدمة التي تعيدهم الى الوراء ليميزوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود , لقد كانت خطبة الزهراء تمتاز بالأسلوب الواضح الذي يتدرج من حيث الانفعال وإثارة المشاعر أما عن ابرز الظواهر البلاغية التي لاحظها البحث فاذكر منها:
تألفت خطبة الزهراء من جمل متوازنة من حيث التركيب وقد حقق هذا التوازن إيقاعا هادئا وجميلا يجعل السامع يحس بمتعة التأثير إذ ان المعاني التي تضمها الجمل تؤثر في المتلقي فيجتمع المعنى والإيقاع لصالح النص ومن أمثلة هذا التوازن قولها عليها السلام : ” كِتَابُ اللهِ النَّاطِقُ ، والقُرآنُ الصَّادِقُ ، والنُّوْرُ السَّاطِعُ ، والضِّيَاءُ اللامع ” ([5]).
أثر القرآن الكريم في نفوس المسلمين وهذا التأثير دفع المؤمنين الى التحقق في النص القرآني ومحاولة محاكاته في الخطب والكلام وهذا ما ظهر جليا في خطبة الزهراء (عليها السلام) نحو اقتباسها: ((فأتقو الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ))([6]), واقتباسها لقوله تعالى :(( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ))([7]).
ان استعمال الزهراء عليها السلام للتراكيب والمعاني القرآنية واضح كل الوضوح , فقد تجسد التأثير القرآني في خطبتها , وهذا دليل على شدة تأثرها عليها السلام بالثقافة القرآنية .
وقد لاحظ بعض الباحثين ان خطبة الزهراء امتازت بأسلوب حاول أن يُفيدَ من القرآن الكريم من حيث الدِّقّة والوضوح والسّمو في المضمون ، وكذلك أفاد من المنهج المنطقي في الكلام ، والاحتجاج بالأدلّة والبراهين ، والاطراد في الإتيان بالأحكام الشرعية ، والاقتباس من القرآن الكريم على وفق ما يناسب الخطبة من حيث المضمون ، حتّى جاءت اقتباساتها مُتناسقة مع الخطب ، وهذا ما أكسبها روعة واضحة ، ممّا أدّى إلى أن تتحول هذه الخطب إلى عطاءات مثمرة وداعية للتأمّل ([8]).
اهتم النقاد والبلاغيون بهذه الظاهرة البلاغية المهمة لان لها دلالة كبيرة ذلك لان التقديم والتأخير يفيد التأكيد والاختصاص والسيدة الطاهرة عليها السلام كانت تهدف الى تأكيد المعنى في نفوس المسلمين ومن الأمثلة على ذلك قولها ( فمحمد من تعب هذه الدار في راحة ) , و قولها في وصف كتاب الله ( كتاب الله الناطق … بينة بصائره منكشفة سرائره ) ومن الأمثلة الأخرى قولها: ( قائدا الى الرضوان أتباعه , مؤد الى النجاة استماعه) ,((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))([9]) ؟ ! … أَفَعَلَى عَمدٍ تَرَكتُم كِتَابَ اللهِ وَنَبَذْتُمُوهُ))([10]).
وقد قدّمت الخطيبة عليها السلام(افحكم الجاهلية يبغون ) فانها لو قالت (يبغون حكم الجاهليّه ) نلاحظ الفرق الدقيق بين المعنيين المستفاد من أسلوب الاستفهام المقدم أي انهم يهدفون الى إرجاع الناس الى الوراء من خلال سلوك حكم الجاهلية وطمس المنجزات الكبيرة التي حققها النبي برسالته العظيمة اذا الغرض هو التوبيخ والتقريع ، فضلاً عن الفائدة التي حققها التعجب الاستنكاري.
اما قولها الآخر فأصل الكلام فيه (أفتركتم كتاب الله على عمدٍ)ان هذا التقديم والتأخير افاد التخصيص والتأكيد على فعل العمد في ترك كتاب الله وان هذا الترك كان مقصودا من القوم في حين لو أرجعنا الكلام الى أصله نلاحظ ان التركيز ينصب على التركز بغض النظر عن كون هذا الترك جاء عمدا ام غير عمد .
تعارف أهل البلاغة على ان الكناية ابلغ من التصريح , ذلك لان الكناية توصل الى المعنى بطريقة الإيحاء غير المباشر مما يدعو المتلقي الى التأمل والتفكر في النص وفي خطبة الزهراء وردت مجموعة من الكنايات وفي مواضع متعددة فمرة نجدها تستعمل أسلوب الكناية في وصف المنافقين بصفات مذمومة الهدف منها تصوير قبح أعمالهم نحو قولها: ( خرست شقاشق الشيطان وطاح وشيظ النفاق ) , وهي كناية عن خمود جذوة الشذر وذلك لان الشر أمر مستهجن , واستشهادها عليها السلام بقوله تعالى : (وكنتم على شفا حفرة من النار)([11]), وهي كناية عن ضعفهم وقلتهم .
فضلا عن هذا استعملت الزهراء عليها السلام أسلوب التعريض في قولها : ” وفُهتم بكلمة الإخلاص مع النفر البيض الخماص الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ” ([12]), فقولها فهتم أي تلفظتم , وفاه بالكلام لفظ به , وكلمة الإخلاص : كلمة التوحيد , وفيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم , , والبض جمع ابيض وهو من الناس خلاف الأسود , والخماص بالكسر , جمع خميص ووصفهم أي أهل البيت بالبيض لبياض وجوههم , او هو من قبيل وصف الرجل بالأغر , وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلة الأكل , او لعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل ([13]).
لقد اظهر استعمال الزهراء للكناية أكثر من غيرها و يبدو ان السبب وراء ذلك هو أن الكناية لها محاسن عديدة لايصل إليها الا كلّ بليغ متمرس لطف طبعه وصفت قريحته فضلا عن هذا ان الكناية في صور كثيرة تعطيك الحقيقة مصحوبة بدليلها والقضية في طبعها وبرهانها وقديما رأى الإمام عبد القاهر الجرجاني ان الكناية ابلغ من الإفصاح والتعريض أوقع من التصريح .
5-الرمز والإيحاء :
استعملت الزهراء عليها السلام أسلوب الإيحاء والرمز في خطبتها الغراء , لان النص مجموعة من العلامات والإشارات التي تضيء للقارئ ظلمته , والخطيب إنما يتعامل مع هذا النوع من العلامات لتوطيد العلاقة بين المتلقي والنص , لان القوانين الاجتماعية تفرض نوعا من التخاطب المشفر عبر علامات يتم الاهتداء بها ” لان الشفرة تملك خاصية إبداعية متفردة , فهي قابلة للتجدد والتغير والتحول , حتى وان ظلت داخل سياقها ” ([14]) .
ومن الأمثلة التي تؤكد استعمال الزهراء لهذا النوع من الإيحاء قولها : ” مذقة الشارب , ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطيء الأقدام …” ([15]), فقولها مذقة الشارب إشارة الى تصغير أمرهم , والنهزة الفرصة تريد انّ كل طامع كان قادرا عليكم وكنتم عنده فرصة ينتهزها أي يغتنمها , وكل هذه الكلمات تشير الى ذلَهم قبل ان أعزهم الله بالإسلام , وفي البحار : القبسة شعلة من نار يقتبس من معظمها والإضافة الى العجلان لبيان القلة والحقارة ,
6-أسلوب الاستعارة :
عرف البلاغيون الاستعارة بأنها تشبيه بليغ حذف احد طرفيه , فالاستعارة تحتاج الى نوع من التأمل في النص بسبب خفاء هذا الفن البلاغي أي ان بلاغة الاستعارة تحتاج الى هذا النوع من التحليل والقراءة وقد استعملت الزهراء عليها السلام الاستعارة في قولها تصف النبي الأكرم 🙁 مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثبجهم آخذا باكظامهم ) وقولها :(واطلع الشيطان رأسه من مغرزه) , فقد شبهت الشيطان بحيوان .
لقد اتخذت الزهراء من أسلوب الاستعارة طريقا الى القول الجميل والخيال المثير والعاطفة الفياضة والفكر المحلق فبالاستعارة استطاعت الزهراء (عليها السلام) ان تجسد المعنوي حتى يغدو كتلة من عالم المحسوسات تراه العين وتسمعه الإذن ويشمه الأنف ويذوقه اللسان وبالاستعارة ترتفع الأجسام الى المعنوي ويتحول الظاهر للعيان خفيا تطلع عليه النفس انظر الى قولها الشريف ” واستقر الحق عن محظه , ونطق زعيم الدين , وخرست شقاشق الشيطان وطاح وشيظ النفاق , وانحلت عقد الكفر والشقاق ” ([16]), يقول القاضي النعمان : وقولها : خرست شقاشق الشيطان : الخرس ذهاب الكلام وذهاب الصوت من الشيء , يقال منه : كتيبة خرساء : إذا لم يسمع لها صوت ولا جلبة , والشقاشق : جمع شقشقة , وهي التي يغطى بها البعير , وتخرج من شدقيه اذا هدر , وإذا نحر لم توجد كذلك , وإنما هي لحمة في اخر فيه تنتفخ اذا هاج وتمتد حتى تخرج من حلقه فاذا سكن انفشت والناقة تهدر ولا تغط لانهلا شقشقة لها تمتد كذلك اذ لاتهيج فضربت لذلك مثلا لصولة الكفار وانقطاعها برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ([17]).
لقد استعارت الزهراء هذا التعبير للخطيب , لأنهم اذا قالوا للخطيب ذو شقشقة فإنما يشبه بالفحل , وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازي([18]) .
7-أسلوب الاستفهام :
شكل أسلوب الاستفهام ملمحا بلاغيا بارزا في خطبة الزهراء وذلك لان الزهراء استعملت هذا الأسلوب في مواضع التوبيخ والاستنكار ونحن نعلم ان الاستفهام المجازي لايحتاج الى جواب لأنه ليس من قبيل طلب حصول الفهم وكما ذهب الى ذلك أصحاب البلاغة.
لقد كانت الزهراء تراعي في خطابها حالة المتلقي وموقفه إزاء مايتلقى من خطبة بليغة فقد استفهمت في قولها ( اولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟) وقولها في موضع آخر من الخطبة (فاني … وأسررتم بعد الإعلان ؟ وأشركتم بعد الإيمان ؟).
لاشك في ان الفاصلة توفر نمطا موسيقيا له تأثيره في المتلقي خاصة عندما يكون الكلام إنشادا ويكون الاعتماد فيه على السمع ذلك لان الآذن تتأثر بالكلام الذي يأتي منسجم الفقرات يشتمل على نهايات متوافقة الحروف تامة المعنى لاحظ قولها (ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته وحياشة لهم الى جنته).
9- توظيف المثل: