التراث الروائي لفاطمة الزهراء(ع) / هادي العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
يُشكِلُ المخالفون على الشيعة الإمامية تمسّكهم بأهل البيت عليهم السلام ، وقلّة الروايات في كتبهم عن الصدّيقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ؟أقول : إنَّ هذا الإشكال سطحي جداً ، ويعكس مدى جهل هذا المُشكِل لمذهب ورؤى ومعارف وعقائد الشيعة ـ أنار الله برهانهم ـ ، وكذا يبين مدى اطلاعه على المنظومة الروائية ، كما أنّها تعكس الجهل التام بحياة وسيرة الزهراء وكذا الظروف الاجتماعية التي مرّت فيها الزهراء روحي فداها ، بالإضافة إلى بُعده عن تاريخ تدوين الحديث ومناهج التدوين وغير ذلك من الأمور . وقد ذكرت بعض الأجوبة على هذا الإشكال السخيف بأجوبة متعددة نقضاً وحلاً ، وإليك سردها : (1) نظام توارث الروايات :إنَّ أحاديث الأئمة الأطهار بدءاً من الحسن والحسين إلى المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجهم أجمعين ـ هي أحاديث توارثوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله جيلاً بعد جيل ، وكابراً عن كابر ، وهي روايات سمعية حسيّة متصّلة السند تبدأ تمرّ في سلسلتها الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام . ومنه يظهر أنَّ كل حديث رواه الأئمة الطاهرون بدءاً من الحسنين إلى المنتظر روحي فداه ، فهي روايات مروية عن فاطمة الزهراء عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليهم وآلهم .هذه هي نظام توارث الروايات ، وهذا هو نظام الأحاديث وانتقال السنة ، والأدلة على هذا التوارث متواترة في كتبنا .فلا يأتينا أحدٌ لكي يشكل قائلاً إن أحاديث الزهراء قليلة ، لأنّ كل حديث يرويه الإمام الباقر أو الصادق أو الكاظم أو غيرهم من الأئمة عليهم السلام فهي من أحاديث الزهراء عليها السلام أيضاً . فافهم (2) مصدرية مصحف فاطمة:إنَّ الأئمة الأطهار عليهم السلام مصادر عديدة لعلومهم ، ومن تلكم المصادر هي مصحف فاطمة ، التي هي نقل وحياني لأخبار المستقبل إلى أن يرث الله الأرض ، وفيه أخبار كل مَنْ يملك الأرض ، و.. الخ من الأخبار . وطبعاً هذا المصحف ليس قرآناً ، بل ليس فيه آية واحدة من القرآن ، بل هو وحي ملائكي كان يسلي فاطمة عليها السلام ـ نظير نزول الوحي إلى مريم وأم موسى عليهما السلام وغير ذلك ـ . وهذا المصحف هو مصدر مهم في معارف وعلوم أهل البيت عليهم السلام ، ويمكن أن يُفهم من ذلك : أنّ الأخبار المستقبلية التي تُروى عن الأئمة عليهم السلام، وكذا الروايات المعارفية هي مستقاة من هذا الكتاب الشريف .وهذا الكتاب هو لفاطمة عليها السلام ، لذلك كان اسمها مصحف فاطمة ، أي كتابها ، وليس المراد أنه قرآن . إذن : كل حديث في شؤون المستقبل يحكيه الأئمة بدءاً من الحسنين وختماً بقائم آل محمد عليهم السلام ، هي مقتبسة أو ـ على الأقل ـ لها ذكر في هذا السفر الجليل الخطير . (3) نظام الواسطة : إنَّ تراتبية الحجج والإحاطة والأفضلية يشير إلى الواسطية في وصول الفيض من المحيط إلى المُحاط ، ومن الأفضل إلى الفاضل ، ومن الفاضل إلى المفضول ، وهكذا . فإنَّ أفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم علي بن أبي طالب عليهما السلام ، ثم فاطمة الزهراء ثم الحسنين ثم الإمام المهدي ، ثم بقية التسعة عليهم السلام .هذه التراتبية ، هي تراتبية من حيث الكمال والإحاطة والأفضلية ، فإنَّه لا ينزل العلم ولا يُفاض إلى الحسنين عليهما السلام إلا بالمرور عن طريق نزوله إلى رسول الله ثم سيد الأوصياء ثم سيدة النساء ثم إليهما عليهم السلام . فكل علم حادث أو كائن ، آني أو مستقبلي ، كله أجمع لا يُفاض إلا بعد أن يُفاض على الأكمل والأسبق والأفضل . فكل علم روي عن الأئمة عليهم السلام فهو مأخوذ عن طريق فاطمة الزهراء سلام الله عليها . فافهم ذلك(4) الظروف الاجتماعية لحياة الزهراء :دراسة الظروف الاجتماعية للصديقة الزهراء عليها السلام ، ولبيان ذلك ينبغي التنبيه على عدة أمور : الأول : إنَّ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كان عمرها قصير جداً ، فقد عاشت لمدّة 18 سنة تقريباً فقط .الثاني : لم تخرج السيدة الزهراء عليها السلام من بيتها ، بل كانت ملتزمة في بيتها ، ولم تكن ترضى بدخول الرجال إلى بيتها ـ كما كان يحدث مع غيرها من النساء ـ ، وهي التي روت أنّه الأفضل للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال . الثالث : السرك العقلائي هو رواية الرجال عن الرجال ، لا الرجال عن النساء ، وقد كان ديدن بعض المحدثين عدم نقل رواية في سندها امرأة ، فضلاً عن النقل المباشر عن المرأة . الرابع : إنَّ السيدة الزهراء عليها السلام طردت جميع نساء قريش من عندها بعد أيام من استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله ، بل كان هنالك حصار حول بيتها بعد أن أحرقوه ، لأنّ التواجد في بيتها كانت جريمة في فترة من الفترات لأنها كانت مأوى للمعارضة . الخامس : إن فاطمة روحي فداها لم تحتج إلى أن تروي للآخرين ، لأنّ المعصوم القائم ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وآله كان موجوداً ، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام موجوداً بعد الخاتم . السادس : إنَّ غاية ما تحرّكت في الزهراء هي مدّة ما بين استشهاد رسول الله ومرضها عليهما السلام ، أي مناظرتها مع أبي بكر وعمر بشأن حقوقها وسهمها وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، لا سيما خطبتها الشهيرة ، وكل هذه الأمور نقلها علماء الشيعة في مصنّفاتهم ، ولا يخلو كتاب شيعي لا يتطرَّق إلى مظلوميتها سلام الله عليها . السابع : إنَّ المدة الزمنية التي عاشتها بعد رسول الله قصيرة جداً ، وليست مدّة كافية لنقل مئات أو آلاف الروايات ـ كالتي نقلتها عائشة أو أبو هريرة أو غيرهم ـ . وهنا أهمس في أذن المخالفين : إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو أكثر شخص لازم رسول الله ، فقد تربّى في حجر رسول الله منذ أن كان طفلا ، ولم يفارقه بل وحتّى لمّا فارق رسول الله الحياة فقد كان في حجر أمير المؤمنين عليه السلام ، أي لازمه أكثر من نصف عمره الشريف ، وقد توفي أمير المؤمنين وعمره 63 سنة ، ومع ذلك ، فكل ما رواه في كتب أهل السنة فهي 536 حديث ، بل والصحيح منها هي 50 حديث ـ كما ذكره ابن حزم .وأما أبو هريرة الذي اسلم بعد غزوة خيبر ، فقد روى اكثر من 5000 حديث .النتيجة : نفهم ممّا سبق أنَّ الحالة الاجتماعية للصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام لم تكن تسمح لها بالرواية الكثيرة المتكاثرة ، فالإشكال منتفٍ أساساً ، لأنّها من باب السالبة بانتفاء الموضوع .إذ لا يمكن صدور آلاف الروايات عنها للرجال الغرباء بتلك الحالة الاجتماعية.وهنا أنقل اعتراف ابن حزم حيث يذكر عدد الروايات التي نقلها أهل السنة عن فاطمة الزهراء عليها السلام ، فيقول : [وصلنا عن فاطمة الزهراء ثمانية عشر حديثا] هنيئاً لكم هذه الكمية من الروايات ، بل ثم يقول ابن حزم قائلاً : [صحّ منها حديثان]!! . (5) المعارضة السياسية والضغوط الاجتماعية :فدراسة الظروف الاجتماعية السياسية لحياة الزهراء عليها السلام فقد منع الخلفاء رواية الأحاديث ، وكانت الرواية جريمة نكراء في عصر أبي بكر وعمر وعثمان ـ أمّا نوع تلك الرواية فيمكن معرفتها من خلال فهم البيئة السياسية وتوجهاتها ومناوئيها ، فإنّ الحاذق يفهم أنَّ الحكومة الديكتاتوية تقتل مناوئيها ومعارضيها ، وإن لم تستطيع فتُشكِّل حصاراً اجتماعياً حول المعارضين ، وذلك باخماد الذكر الحسن لهم ، ومنع الناس عن الالتقاء معهم ، والتعريض بهم والنيل منهم ، وتشويه سمعتهم .وفي حال كانت المعارضة قوية جداً لا يمكن المساس بسمعتها ، يقومون باخماد صوتها وثورتها بمنع الشارع عن الحديث عنها .والمُلفت للنظر أنَّ أكبر وأعظم معارضة تاريخية في وجه أبي بكر وعمر كانت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، فقد ناظرتهم وجادلتهم وطالبتهم حقوقها منهم وثارت عليهم بل أرادت أن تقوم بحركة انقلابية ثورية بكل المقاييس عندما استنهضت الأنصار في خطبتها الشهيرة . فلم يستطع أبو بكر وعمر من النيل من سمعتها لأنّها الطُهر الطاهرة المطهَّرة بنت أطهر الخلائق صلى الله عليهما ، فما كان منهم إلاّ إخماد صوتها بوضع حصار اجتماعي خانق حولها!! فقد صار بيتها عليها السلام مأوى المعارضين الثوريين ، وصار الدخول في بيتها هو إعلان جهري للبراءة من السلطة السياسية في ذاك الوقت ، فكان الدخول في بيتها ممنوع لأنه عصيان ونواة لثورة . فلم يعد أحد من الرجال ولا النساء يدخلون بيتها لأنّ البيت كان تحت المراقبة الشديدة . وكان كلُّ شخص يتواصل مع الزهراء عليها السلام ولو حديثاً ، فيُوضع جانب اسمه إشارة حمراء . ما أريد أن أقول: إنَّ الجهات السياسية في ذاك الوقت جعلت حصار اجتماعي خانق حول بيت الزهراء عليها السلام ، بل كانوا يُجرِّمون كلَّ شخص يتناقل أخبار الزهراء عليها السلام بأنّها فعلت كذا وكذا، أو قالت كذا وكذا ، لأنّ هذا النقل هو دعوة إلى الثورة ، وإلى الاستجابة لاستغاثة الحق ، ولبيان الحقيقة.فالقوم كانوا ممنوعين ـ حتّى ـ من نقل أخبار وأحاديث وكلام وأفعال الزهراء سلام الله عليها ، لأنّ ذلك كان وقوفاً ضد الجهات السياسية . هذا ، ومن ثم بعد هؤلاء، فقد جرى سلطة الاسكات وتجريم النقل في عصر بني أمية ، وكذا في عصر بني العبّاس ، وكان علماء السلطة يعلنون بوضوح أنّه لا يجوز نقل ما جرى بين الصحابة ، بل يدعون أيضاً إلى اتلاف كلّ ما يُنقل في ذلك ، هذا بالإضافة إلى أنّهم حرقوا عشرات الكتب والروايات في سبيل تصفية القلوب على حب الصحابة . فكل هذا يقتضي عدم تناقل أخبار المعارِضة الأولى في ميدان الثورة ، الصديقة الزهراء عليها السلام ، وهذا الحصار الخانق على رواة الحديث ، جعل رواياتها وأخبارها قليلة جداً ، لأنّ أحسن سياسية لقتل وخنق الثورات هي عدم الاهتمام بها بل عدم ذكر اسم الثائرين أصلاً ، حتّى تُخمد ذكراهم ويصيروا من الماضي .هذا ما اتّبعته السياسية السقيفية في تلك الآونة لقتل نداء الصدّيقة الكبرى ، فكيف ستكون رواياتها بالآلاف ؟!ـ مع كل ذلك؛ فإنَّ صوت الحق والحقيقة لا يموت ، والحقيقة مهما سُترت فإنّها ستظهر ، ولا يمكن تعميتها 100% وقد استطاع سلفنا الصالح من نقل تلكم المظلوميات لنا كابراً عن كابر ، وأب عن جد عن أبيه وهكذا .(6) تلف كتب الحديث : وذلك دراسة البيئة الاجتماعية والتاريخية لنقل الروايات والأحاديث ، وكل ما أريده في هذا الجواب هو إشارة إجمالية إلى طبيعة الرواية عند الشيعة ، ثم إلى ما فعله المخالفون :إنَّ الشيعة منذ استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا يعيشون حالة التقية والتخفّي بسبب ظلم الحكومات الجائرة ، وحتّى أنّ الرواية عن اهل البيت عليهم السلام أو الرواية في فضائلهم هي لوحدها سبب كافٍ لإثبات تهمة التشيع أو الترفّض ليكون علة تامة لاستحقاق القتل والجلد و.. الخ. لذلك كانت السيرة المستمرّة عند سلف الشيعة هو التخفّي في نقل الروايات ، وكتم الهوية الشيعية ، وكان أهل الاختصاص من أصحاب الأئمة يدوّنون تلكم الروايات في بعض الكتب ويخبئونها في أكثر المواطن آمناً . وقد استطاعت الدولة الأموية ، ومن ثمَّ الدولة العباسية بزرع الجواسيس والعملاء بين أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السلام ، لمعرفة الشيعة وأهل الاختصاص وأولئك الذين يكتبون ويروون . فكانت هناك أجهزة استخباراتية مركّزة تعمل على كشف الكتب المدوَّنة ، منهم [المغيرة بن سعيد] ، الذي كان يصادق أصحاب الأئمة ، ثم يأخذ كتبهم من باب الأمانة والاستعارة وغير ذلك من الحيل ، فيضيفون إليها روايات من تأليفهم ليختلط الحابل بالنابل . ففي مدة زمنية قليلة تفشَّت الكثير من الروايات الموضوعة في كتب الشيعة في ذاك الوقت ، فقام الإمام الباقر عليه السلام ، وأمر جميع أصحابه بأنّه [ يجب اتلاف جميع الكتب الروائية المصنَّفة ] وليست هناك أي حجيّة لها . ثم حمل الإمام الباقر عليه السلام على عاتقه تأسيس تراث شيعي جديد ، بتطوير الادوات العلمية ، وهو مشروع ضخم جداً ، لا يستطيع رجل واحد عادي أن يقوم به ، وهذا يبيّن مدى عظمة التكليف الواقع على عاتق الإمام الذي يبقر العلم بقراً صلى الله عليه . أياً ما كان؛ فاستطاع الإمام الباقر عليه السلام ثم الإمام الصادق بتأسيس تراث روائي شيعي جديد ، تحت نظر ورعاية وأوامر وإشراف المعصوم نفسه ، فأسَّس منذ ذاك الوقت الأصول الأربعمائة ، وقد أتلفت جميع الكتب السابقة على هذا العصر . ومن هنا نفهم لماذا الروايات المنقولة عن النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين وزين العابدين صلى الله عليهم هي روايات قليلة جداً ، والسبب يعود أنّ ذاك التراث الحديثي الذي كان يعود إلى هؤلاء ، قد أُتلِف بسبب ما قام به المخالفون والنواصب وأصحاب السلاطين والجواسيس من الدسّ والتزوير والملاعبة بالكتب الحديثية .وقد صار أمر اتلاف الكتب سبباً لقلّة الأحاديث المنقولة عن فاطمة الزهراء عليها السلام .(7) المخزون المعرفي الضخم : وهو يعتمد على صناعة التحليل والتركيب المنطقية ، بيان ذلك : إنَّ هناك صناعة علمية منطقية تُسمّى بـ صناعة التحليل والتركيب ، وهي صناعة فطرية عقلية ، تعتمد على العقل الإنساني في تحليل الشيء الواحد إلى أشياء متعددة متفرقة ، أما التركيب : فهو ضم الاشياء المتعددة حتى تصير شيئاً واحدا هذا اجمالاً ، وإلا فهناك تفاصيل تُدرك من مظانها . هناك روايات جيدة منقولة عن فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولو لم يكن لدينا إلاّ ثلاث روايات لهي كافية كفاء الدهر كله : (1) الخطبة الفدكية المتواترة . (2) حديث الكساء اليماني الشهير الصحيح .(3) حديث اللوح الشهير . إنَّ مذهب الشيعة الإمامية ـ رضوان الله عليهم ـ ليس مذهباً حشوياً همّه هو نقل الروايات والأحاديث فقط ، بل هو مذهب يعتمد على الفهم والعلم والعقل ، بتحليل الآيات والأحاديث تحليلاً عقلياص على هدي المحكمات ، وقراءتها باللغة القلبية الذوقية واللغة العقلية واللغة الاجتماعية و… الخ، وإعمال الأدوات العلمية الصناعية من علوم العربية اشتقاق وصرف ونحو وبلاغة ، والعلوم العقلية كالفلسفة والكلام ، والعلوم الشرعية كالفقه وأصول الفقه ، ، وغير ذلك من الأدوات التي يمكن من خلالها فهم واستنباط المعارف . هذه الأدوات هي التي تعطي الإنسانَ قدرة التحليل والتجزيء ، وقدرة لاستنباط العلوم والمعارف من النصوص الوحيانية . فلو اقتصرنا النظر على [الخطبة الفدكية] فقط ، وأعملنا جميع العقول البشرية ، وكل الأدوات الصناعية لاستخراج المعارف الإلهية منها ، ستجد أنها ـ في الواقع ـ تسبح على شواطيها ، لأن كلام المعصوم بحر من المعرفة . وللتمثيل البسيط ، فقد استطاع أحد الأعلام من استخراج مئات وربّما الآلاف من الأحكام الشرعية من [الخطبة الفدكية] في 4 مجلدات !! فالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام عندما تخطب ، فهي تفرغ عن لسان أبيها صلى الله عليه وآله ، كأنّها رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فكل مقطع من خطبتها الشريفة هي عبارة عن [هدم نظريات وتشييد نظريات] على صعيد المعرفة الإلهية ومعرفة الحجة ومعرفة المعاد بل في كل المستويات المعرفية ، فخطبتها الشريفة مخزون معرفي ضخم جداً . فنحن ما نريده هو علومها الجليلة الخطيرة ، وقد بثّتها في خطبتها المباركة الشريفة ، بعبارات وحيانية وقوالب ملكوتية ، جليلة الألفاظ ، عظيمة السبك ، خطيرة المعاني ، رفيعة المطالب . فمن الخطأ أن يُشكَل بقلّة التراث الحديثي للسيدة الزهراء عليها السلام ، بل إنَّ المخزون المعرفي والعلمي الذي تركته الزهراء عليها السلام يحتاج إلى ملايين العقول البشرية لفهمه ودركه ، ولن تستطيع الوصول إلى كنهه وحقيقته وقعره ، لأنَّ ما قالته الزهراء في خطبتها الشهيرة هي علوم معصومية لا يدركها إلا المعصوم ، ولكلهم ظهر وبطن ، وللبطن أيضاً ظهر وبطن ، وهكذا .فهذا المستشكِل لم يقرأ شيئاً عن الزهراء عليها السلام ، ولا خطبتها الجليلة الخطيرة ، لأنّه لو كان لديه أدنى اطّلاع على خطبتها الشريفة لَمَا طرح هذه الشبهة المتهالكة التي تبين جهله التام بما يتعلّق بالزهراء عليها السلام . اكتفي بهذا القدر ، إذ تبيّن سذاجة هذا الإشكال على الشيعة أنار الله برهانهم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين