مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
البحث الفائز الخامس حنين راضي بكاء السيدة الزهراء(ع) رسالة مشروعية لتثبيت حقوق امامية وقراءة لاستشراقات سياسية
+ = -

 الفائز الخامس

 بكاء السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

رسالة مشروعية لتثبيت حقوق إمامية وقراءةً لأستشرافات سياسية

اعداد

الأستاذة حنين راضي خضير

 الملخص

   يتناول هذا البحث دراسة تصدي الزهراء B للانقلاب السياسي الذي حدث بعد رحيل رسول الله J وشيوع الفتن ورفع الشعارات القريشية بالحكم بسيرة الشيخين وابعاد شعار من كنت مولاه فعلي مولاه , واتباع الأمة لهذا الشعار ومن ثم بيان ما ستجلبه تلك الشعارات من الويلات والالالم وجريان الدماء ليس  في اوانها فحسب وانما بعد سنين من مضيء هذه البيعة التي كانت سببا في التمهيد لحكم هذه السلطات الانحرافية. وكانت احد الأساليب لذلك التصدي بكاءها Bعلى ابيها رسول اللهJ , و توظيفه في قيادة حركة المعارضة انذاك , إذ إن بكاءها B كان فطرة بشرية طبيعية نتيجة لفقد الأب , إلا أنه في نفس الوقت كان موقفا معارضا هز نظام الانقلابيين على الأعقاب  .

المقدمة

تعد الفترة التي أعقبت وفاة رسول الله J من اصعب الفترات التاريخية في حياة بيت النبوة خاصة والأمة عامة إذ بدأت لمحات الفتن السياسية تدب في نفوس من كُمن الحقد والضغينة وتقلد زمام حكم الجاهلية واعتاد تولي الزعامة بالقسوة والتدبير للمؤامرات وطغت على عقله الحكم للأقوى فابتدر من امتلك هذه الصفات الواهية الى ان يتقلد زمام الحكم والملك وليس الخلافة وإمامة الناس , لأن من تسري في عروقه هذه الصفات محال ان يرقى لتصدي زمام الخلافة ليكون خليفة الله يحمل ما تريده السماء , ومن الطبيعي ان من يملك هذه الصفات سيكون بعيداً عن شروط وصفات الخلافة الحقيقية , ولذلك بدأت كل جماعة تتحزب لتأسيس حكومة و سلطة جديدة بدعوة الخوف من الوقوع في الفتنة وهذه الشعارات طغت على السطح ورسول الله J بعده لما يدفن , وهذا ما بينته قائدة الإصلاح المتصدية لهذه الشعارات السيدة فاطمة الزهراءB فردت على رافعي هذا الشعار فقالتB: ((…فلما اختار الله لنبيهJ دار انبيائه وأتم عليه ما وعده ظهرت حسيكة النفاق وسمل جلباب الإسلام , فنطق كاظم الغاوين ونبغ خامل وهدر فينق الكفر , يخطر في عرصاتكم , فأطلع الشيطان من مغرزه هاتفا بكم فوجدكم خفافا , وأحمشكم فوجدكم غضابا , هذا والعهد قريب , والكلم رحيب , والجرح لما يندمل , فوسمتم غير أبلكم وأوردتموها شربا ليس لكم والرسول ص لما يقبر , بداراً زعمتم خوغ الفتنة , )أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ([1]…))[2], فأوضحت Bإن اسباب نشوء هذه الفئة والحكومة هي اسباب سياسية , فتصدت B لهذه الفتنة السياسة العاصفة واوضحت مكامنها وخباياها ومن تصدى لزعامتها , مستعملة اساليب واليات متعددة لإنقاذ الأمة من هذا الأنحراف وبيان الشعارات السياسية الحاكمة الجديدة المخالفة لسنن رسول اللهJ, وكانت إحدى تلك الأساليب الدفاعية  البكاء وصوره الحزينة  .

 المبحث الأول: بكاء السيدة فاطمة الزهراء B دور رسالي لحفظ الاسلام :

    لقد بكت الزهراء Bبعد وفاة ابيها ص حتى عدت نتيجة لذلك احد البكائين الخمسة إذ جاء عن الامام الصادقA قال : (( البكاءون خمسة آدم ويعقوب , ويوسف , وفاطمة بنت محمدJ , وعلي بن الحسينA, فإما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية , وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له : )… قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ([3], واما يوسف بكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا: إما أن تكون تبكي بالنهار وتسكت بالليل , واما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما , وأما فاطمة بنت محمد J فبكت على رسول الله حتى تأذى بها أهل المدينة وقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك , فكانت تخرج الى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف , وأما علي بن الحسين A فبكى على الحسين A عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له : جعلت فداك  ياأبن رسول الله J إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال : إنما أشكو بثي وحزني الى الله وأعلم من الله مالا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة))[4]. على الرغم لو قارنا المدة الزمنية بين طول مدة لقاء يعقوب ليوسف لوجدنا ان الزهراءB كانت اقصر فترة وزمنا من نبي الله يعقوب ولكن بلغت في تلك فترتها الوجيزة التي لم تتجاوز الخمسة والسبعون يوما, حزن يعقوب وبياض عينيه وكظم حزنه واعتزاله , وبكاء يوسف شوقا لأبيه ,إذ قال الإمام الصادق A:(( عاشت فاطمةB بعد رسول اللهJ خمسة وسبعون يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة… ))[5]. إذ بلغت بحزنها إنها لم تر ضاحكة كما يقول الإمام الباقرA : (( ما رئيت فاطمةB ضاحكة مستبشرة منذ قبض رسول اللهJ حتى قبضت ))[6], ولكن يا ترى ما سبب هذا البكاء على ابيها بهذه الشدة لا سيما في الأيام الأولى لوفاة ابيها[7]؟ لماذا اعظم الناس بكاءا ؟ قد يُقال احد ما أن هذا الأمر مسلماً به بطبيعة الحال لكونها ابنته وام ابيها[8] , ومن ثم ان الزهراءB بشر وهذه فطرة بشرية في تكوينه وخلقه . ونحن بطبيعتة الحال نسلم بهذه الأمور ونؤكدها , لكن نحن نلاحظ شيء ما لا يمكن ان نضعه في ميزان القياس للبشرية بخصوص بكاء الزهراءB على ابيها , والسبب في ذلك لأن فقد ابيها قد كشف حقائق ومصائب وقعت على بيت فاطمة الزهراء وعليC فأصبحوا يعاملون وكأنهم مرتدين عن الإسلام وغير عارفين بشرائعه والدليل على ذلك هو احراق بيت الزهراء B ([9]) , نتيجة لرفض امير المؤمنين Aالمبايعة , لأن نحن نعلم ان الأحراق هو احد الأساليب التي اتبعتها السلطة الجديدة لمحاسبة كل من يخالف اوامرهم كما هو الحال ما فعل بمالك بن نويرة وقومه [10] . ومن ثم يمكن الاستنتاج من هذا البكاء بيان عدة امور :

1.ارادت الزهراءB خلال بكائها بهذه الصورة حفظ الاسلام وارساء قواعده من خلال حفظ مشروع الامامة والولاية لأمير المؤمنين عليA وذلك من خلال حمايتها لعليAوالذود بالنفس والمنع دون حرقه او قتله , لأن في حقيقة الأمر ان احراق الدار ماذا يراد من خلاله؟ والهدف واضحا ومعروفا كالشمس الضاحية اُراد به احراق امير المؤمنينA وكل ما له صلة بسنة رسول الله لأبتداع سنن جديدة تماشي اهوءاهم وتسد اطماعهم وتشبع رغباتهم وامنياتهم الجاهلية الأولى وقد تمثلت هذه الحماية من خلال تعرضها للضرب وكسر ضلعها و اسقاط جنينها[11] , ومن ثم خروجها وراءهA والمطالبة بإرجاعه والإحالة دون قتله إذ يروى انها عندما وصلت الى قبر  ابيها JقالتB: (( خلوا عن ابن عمي, فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول اللهJ على رأسي ولأصرخن الى الله , فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي …))[12], ومن ثم ( فقد كان دور الزهراءB دورا استثنائيا , لأنها B بالأصل غير مكلفة بالجهاد , ولكن وجدت ان عليا A معرض للقتل , وكان من المحتمل أن يقتل بسبب رفضه للبيعة , فالزهراءB كان موقفها هو التظلم لعلي A ولنفسها وكشف الحقيقة الأمر الذي يصب في نفس موقف الإمام علي A وهو تسجيل الرفض بإتجاه الخلافة والاوضاع الجديدة , فكلا الموقفين كان صلبا و غاية الأمر ان الزهراء B قامت بواجبها ووظيفتها التي لم يكن من الممكن لعلي B ان يقوم بها , لأن شخصية الزهراء B وظروفها كأمرأة منتسبة لرسول الله  J كان دورها التظلم يعطيها فرصة للحركة وشيئا من الأمان من القتل وان كانت لم تأمن من الضرب والأعتداء والتجاوز إلا ان موقفها كان يعطيها أمانا نسبيا من القتل))[13] .

  1. كان في هذا البكاء اداء لدورها الوظيفي لايصال رسالة تكشف عن الظلم الذي لحق ببيت النبي J بعد رحيله , ( لقد قامت بدور يمكن أن نقول فيه :لولا موقفها في ذلك اليوم الذي قامت به الى جانب أمير المؤمنين A لكان من الممكن أن تخفى الإمامة على الأجيال التي جاءت بعد علي A وتتشوه وتتغير, ولولا إكمالها دور علي Aفي ذلك اليوم لكان من الممكن اختفاء هذه الحقيقة على كل المسلمين, ويبقى المسلمون في ضلال وبُعد عن الواقع الذي جاء به رسول الله J. لقد كان للزهراء الدور العظيم في حفظ الإسلام والحقائق الإسلامية , والمنهج والمذهب الصحيح الذي توارثناه عن أهل البيتD.وهذا شبيه بدور الإمام الحسينA بتضحيته وفدائه,والذي أكملته العقيلة زينبB,ولولا هذا التكامل في الأدوار بين الحسين وزينب C لم يحفظ الدين ولم يبق)[14].

  2. حافظت الزهراءB على مشروع الإسلام المتمثل بولاية امير المؤمنينA وحمايته إذ استعملت الزهراءB عدة اساليب لإنقاض مشروع السقيفة, وتم هذا الأمر بعدة تحركات معارضة منها مطالبتهاB بقميص ابيها J الذي كان قد غسله به امير المؤمنين ، إذ كانت تشمه B حتى يغشى عليها ولما راى امير المؤمنين A حالها اضطر A إلى اخفاءه عنها[15]. وهنا احتجت الزهراءB عليهم برفع قميص النبوة للتذكير بوصاياه , وهو شبيه بقميص يوسف الذي رد نظر يعقوب , فأرادات الزهراءB ارجاع الأمة عن الطريق الخاطى ورد بصيرتها في كيفية تعاملها مع اهل بيت النبوة .

  3. احتجت الزهراء Bعلى الأمة برفع الأذان وبصوت بلال ,إذ يروى : إنها قالت ذات يوم B: (( إني اشتهي أن اسمع صوت مؤذن أبي بالأذان , وكان بلال قد امتنع من الآذان قائلاً : ” لا أؤذن لأحد بعد رسول الله J ولكنه لما بلغه طلب السيدة فاطمة B شرع يؤذن فلما بلغ ذكر أبيها بقوله : اشهد أن محمداً رسول الله ، يقال في الرواية : ” شهقت فاطمة  B وسقطت لوجهها وغشي عليها ، فقال الناس لبلال : امسك يا بلال ! فقد فارقت ابنة رسول الله  J الدنيا وظنوا أنها قد ماتت ، فقطع آذانه ولم يتمه . فأفاقت فاطمة B وسألته أن يتم الآذان . فلم يفعل ، وقال لها : يا سيدة النسوان ! إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسكِ إذا سمعتِ صوتي بالأذان ، فأعفته عن ذلك))[16] . و من ثم فإن الأذان هو شعيرة من شعائر الله تعالى ارادت الزهراءB من خلالها احياء القلوب التي عميت واصبحت صما وعميانا لا مدافعا ولا نصيرا لأهل بيت النبي J ,كما أن لها به غاية وابعاد تتمثل في تذكير  الصحابة  بموقفهم في يوم الغدير ومن ثم فان اذان بلال وصوته هو تذكير وشهادة على ما تعهد عليها الناس في بيعتهم لرسول الله J إذ ان بلال كان احد المتواجدين في يوم الغدير , ومن ثم فان صوت بلال هو حجة وشهادة بيانية لمن تخلف على وصايا رسول الله وتعدى على حقوق اهل بيتهD , كما ان استجابة بلال لمطلب الزهراء B ذكّر من خلاله  بإن فاطمة B هي بضعة رسول الله J والخلف له وان تنفيذ مطلب الزهراء هو تنفيذ لمطلب رسول الله ص لاننا كما نلاحظ ان بلال قال لا اوذن لأحد بعد رسول الله J , لكن انتفى هذا الشرط عندما علم بان الذي طلبته هي الزهراء B.

المبحث الثاني: أنّة السيدة فاطمة الزهراءB وسيلة دفاعية لتثبيت رواسي الرسالة وقواعد النبوة والإمامة:

       يعد بكاء الزهراء B عبارة عن تمهيد لكشف الحقائق السياسية التي انتهجتها السقيفة , وبيان ظلامة اهل بيت رسول اللهJ  وبيان مسألة الإمامة والتنصيب الالهي . وفي خضم هذه الاحداث والانقلاب على الاعقاب بشتى الصور المتنوعة رأت الزهراء B ضرورة الركون للنهوض بتصحيح المسار الذي بدأ يحيد عن الاستقامة التي تريدها السماء,  ومن ثم فقد مثل بكاء الزهراءB ثورة منظمة لحركة سياسية ذات قيادة استراتيجية , فلم يكن تحرك الزهراء B للمطالبة والوقوف للاحتجاج بأرثها غاية ذات هدف مادي ارادت بها الاستفادة من واردتها واعالتها اقتصاديا لتحقيق ارباح مادية تجذب من خلالها الانظار فحاشا ان يكون ذلك في مظان قلب الزهراء B والدليل على ذلك ما قاله امير المؤمنين A:(( بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء, فشحت عليها نفوس قوم, وسخت عنها نفوس قوم آخرين, و نعم الحكم الله. وما أصنع بفدك و غير فدك…))[17] . ولكن حينما رأت الزهراءB مدى الظلم الذي لحق بها وبأهل بيت النبوة ولا سيما بعد حرق دارها, وعدم أكتفاء السلطة الحاكمة بذلك وإنما اقدمت على ارض فدك التي هي أرثاً للزهراءB وسلبتها منها, والتي تعني في حقيقة امرها ليس سلب لأرضٍ فحسب بل سلب الخلافة والإمامة ، و أنتزاع حقوق بيت النبوةDلكون فدك تعني الحكم والخلافة وهذا ما اوضحه ابن الفارقي حينما سأله ابن ابي الحديد : ( قال : سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فلت له : أكانت فاطمة B صادقة؟ قال: نعم, قلت له : فلمِ لم يدفع ابو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاما …لو أعطاها فدك بمجرد دعواها لجاءت اليه غدا وأدعت لزوجها الخلافة , وزحزحته عن مقامه , ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء لأنه يكون قد سجل على نفسه انها صادقة فيما تّدعي وما كان حاجة الى بينة ولا الشهود)[18], انتهضت B و فكانت احدى وسائل نهضتها وحركتها هو البكاء الذي عُد بمثابة الأسلوب الاعلامي الدفاعي الذي اتخذتها الزهراءB لتقويض اسس السقيفة والسلطة السياسية الحاكمة, إذ اتخذ بكائها في هذا الموقف صدى اعلامياً واسعاً عّرف الرأي العام والأمة بحقيقة خروجها و دفاعها عن الإمامة لوصي الله التي اعلنت السماء بيعته كما جاء في قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ([19] , وجاء بكائها كوسيلة اعلامية لتغير الانحراف الخاطى إذ يروى : (( إن فاطمةB لما بلغها إجماع ابي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها واقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها, تطأ ذيولها, ما تخرم مشيتها مشية رسول اللهJ حتى دخلت على ابي بكر وقد حَفل حوله المهاجرون والأنصار فنيطت دونها ملاءة, ثم أنَّت أنَّةً أجهش القوم لها القوم بالبكاء, فأرتج المجلس ثم امهلت هنيئة حتى إذا سكت نشيج القوم وهدأت فورتهم أفتتحت الكلام بحمدالله والثناء عليه والصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم , فلما أمسكوا عادت في كلامها …))[20],وقد عدت أنَّة الزهراءB وبكائها في هذا الموقف احدى الوسائل الدفاعية لكسب معركة مصيرية حاسمة يقف على انتصارها استمرار ذكر ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله , ومن ثم نحن هنا نطرح عدة تساؤلات نستنتج من خلالها كيف استطاعت الزهراء B  استعمال البكاء كوسيلة سياسة ناجحة لمشروع الإمامية؟ ومنها :

كيف استطاعت الزهراءB توظيف البكاء كوسيلة دفاعية للمطالبة بفدك ” الخلافة والإمامة” , ما هي التقنيات الاستراتيجية التي اتبعتها Bفي اثارة المجتمع لرفض سياسة السلطة الحاكمة الجديدة ؟

وتتضح الإجابة من خلال القول:

1.تمكنت الزهراءB من توظيف البكاء للمطالبة بإمامة بعلها علي امير المؤمنينA من خلال اثارة الجانب العاطفي للمجتمع ولا سيما الحاضرين بما ادى الى العاطفة واظهار الندم في قلوبهم لا سيما وان العاطفة تعد احدى الوسائل المباشرة التي تحاكي جميع الفئات والطبقات الاجتماعية بمختلف عقائدها , إذ إن البكاء لغة ووسيلة تخاطب يفهمها ويدركها الجاهل والعالم والصغير والكبير وهذا ما أدى الى اثارة الرأي العام ومن ثم حدوث ارتجاج المجلس بالبكاء.

2.الوسيلة التوظيفية الثانية التي استعملتها الزهراء Bلتوظيف بكائها لمجابهة السلطة السياسية وانقاض شعاراتها الاعلامية , تمثلت في اثارة المعارضين وتحريض الجماهير بشتئ فئاتها المختلفة , إذ إن موقف الزهراءB هنا كانت كقائدا اصلاحياً في ساحة معركة ولا بد من استعمال الشعارات التحريضية التي تحرك الجنود للإستعداد للأنتصار والتعريف بماهية المعركة , ومن ثم حينما نقرأ خطبة الزهراءB نلاحظ إنها كانت القائد الناجح التي استخدمت جميع المؤهلات الاستراتيجية المعنوية التي تسهم في كسب هذه المعركة حتى وان لم تكن في لحظتها, إذ استعملت الزهراء مقدمات لانجاح هذه الوسيلة الدفاعية , وهذا يدفعنا للاستنتاج بالمسلمات البديهية التي اتت بها الزهراءB لأنجاح هذه الوسيلة , فلم يكن بكائها وانينها عملا اعتباطيا عابرا وإنما ارادات تحقيق وانجاح مطالب واسقاط حكومة سياسية ومؤامرات تدبيرية تناقض مشروع السنة المحمدية الأصيلة , إذن هذا البكاء احتاج الى مسلمات تسبق وتعقب هذا البكاء , ونحن نتساءل ما هي هذه الاستراتيجيات الناجحة التي وضعتها الزهراء B كمقدمات لانجاح هذه الوسيلة الدفاعية؟

يبدو واضحا بإن الزهراء B استعملت عدة مسلمات بديهية لتوظيف هذه الوسيلة ومنها:

1.لم تبكي الزهراء B في منزلها او لمفردها , ولم تجلس وتبكي اوتشكي لزوجها او لأقربائها .

2.لم تذهب الزهراء B الى منزل من اخذ حقها وحق بعلها وابنيها , وصادر ملكها, أي انها لم تذهب الى منزل ابي بكر ولم تبكي في داره , ولم تشتكي للسلطة السياسية الحاكمة , كما انها لم تجلس في طريق المارة وتبكي.

3.اختارت الزهراء B المكان والزمان المناسب لإنجاح التوظيف للبكاء وتمثل في ذهابها الى المسجد النبوي الذي كان يعد آنذاك مركز استراتيجي له اهميته الدينية والسياسية والاقتصادية, وبذلك فقد كان مركزا لتجمع الكثير من الناس والمارة , لا سيما ما حدث بعد وفاة الرسولJ ومحاولة المجتمع معرفة نتائج الأمور ومن هو الخليفة الجديد المنصب لإمامة الأمة والعمل بأوامره ونواهيه , ومن ثم فإن التكلم في المسجد كان بمثابة ايصال صدى لرسالتها لا سيما إذ علمنا ان المدينة كانت محطة يجوبها العديد من التجار او العاملين من مختلف المناطق وهذا بدوره ساعد بنت رسول اللهJ على إيصال كل ما ستقوم بعمله سواء ما ستتكلم به . إذن نستنتج ان اولى البديهيات المنجحة لتوظيف هذا البكاء هو اختيار الزمان والمكان المناسب لبكائها وانتها.

  1. يتضح ان الزهراءB بكت في مقدمة المجلس وليس في وسطه او في نهايته , وهذا الأمر يدعنا نتساءل : لماذا ابتدت الزهراءB بالبكاء ولم تختم به؟ على ما يدل ذلك؟ ويمكن الأجابة على ذلك بالقول :

1.ان الزهراءBارادات انجاح هذه الوسيلة الدفاعية لردع ظالميها ,فأبتدت جلستها ليس بالعتاب والشكاية وإنما بالبكاء وليس لوحدها وإنما ساعدها على هذا البكاء لمة من حفدتها ونساء قومها من بني هاشم, كما جاء ذلك في الرواية : (( فأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها …)) ففضلت B البكاء على البدء بالتكلم والخطاب , وهذه فلسفة استراتيجة في فكر السيدة الزهراء Bتدل على مدى دراستها وتفكرها في انجاح مشروعها بغض النظر عن الدعم الغيبي إذ إمكن القول, ومن ثم فإن الزهراءB كانت تدرك النتائج الناجحة التي سوف تتحق من خلال تقديمها البكاء على الخطاب , إذ إن الخطاب لغة اعلامية معروفة لدى الجميع , ومهما جاءت بكلمة مؤثرة في بدء المجلس قد لا يحقق نتيجة ايجابية كتلك التي سوف يحققه البكاء لكونه وسيلة اعلامية جديدة لم يأهلها ولم يدركها او يدأبها المجتمع , فكانت وسيلة جديدة تثير وتجلب مسامع وافكار وعقول وقلوب الجميع, ومن ثم فقد ادركت الزهراءB بأعتبارها القائد العسكري الناجح والمدرك للنجاح الأبدي لمعركتها فأبتدت بجعل البكاء في البدء لكونه لغة المظلوم , لأن الكل يدرك ان البكاء ليس للسعيد الحائز على حقه وإنما البكاء لمن فقد شيئا ثمينا , او تعرض للظلم والهضم ومن ثم فقد عرفت الزهراءB بذلك الأمة بأمرين هما فقدها لأبيه رسول اللهJ , والأمر الأخر التذكير بالظلم والمظلومية الذي لحق بأبنته فاطمة الزهراء B وزوجها واولادها, كما انها بكت على السنة النبوية وما سوف يطرأ على الشريعة المحمدية السمحاء بعد هذا الأنقلاب, وبينت حقيقة الأنقلاب على الأعقاب. ومن ثم فإن هذا البكاء في مستهل المجلس سيجعل السامع يتساءل, من هي هذه المرأة ؟ ولماذا جاءت في لمة من النساء ولم تأتي لمفردها؟ لماذا بكت هذه المرأة, ما وراء بكائها هل لفقدها احد ما ام لظلم تعرضت له؟ ومن كان السبب في ايذاءها وابكاءها؟ ومن ثم من خلال ذلك احاطت الزهراءBهذه الأنة والبكاء في بوتقة من الغموض من خلال طرح هذه التساؤلات وجعلها وسيلة لأثارة الرأي العام .

ومن ثم بعد ذلك ازالة كل هذا الغموض,فأجابةB عن كل هذه التساؤلات فأفصحت عن أسمها ونسبها وشخصيتها وانتماءها بنت من , وزوجة من , ورسالتها واسباب مظلوميتها وبكاءها , وذلك كله جاء من خلال القاء خطبتها التي مهدت لها ببكائها فتحدثت بعد ذلك عن صفات الله تعالى واسباب خلق الكون, ومن ثم التعريف عن شخصية ابيها قبل تعريف اسمها فقالتB : (( وأشهد ان ابي محمدا عبده ورسوله , أختاره وانتجبه قبل ان أرسله , وسماه )), ولعل السبب في تقديم اسم ابيهاJ هو لعظمة ومكانة ابيها رسول الله ومنزلته عند الله تعالى ومن ثم فإن هذه المنزلة جعلت كل ما ينطقه ويقوله ويفعله رسول اللهJ سنة مقررة يجب العمل بها , فقدمت الزهراء Bحجة على كل الحاضرين والسامعين بإنهم أغضبوا الله و رسوله ولم يراعو حق كلمته حين قالJ : (( فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني))[21] , وبعد التعريف بأسم ابيهاJ والتذكير برسالته نلاحظ ان الزهراءB ذكرت اسمها علانية , قالت : (( أيها الناس إعلموا أني فاطمة , و أبي محمد أقول عودا وبدءا ولا أقول ما أقول غلظا , ولا أفعل ما أفعل شططا… فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم , وأخا أبن عمي دون رجالكم )) وهنا نلاحظ حينما ذكرت اسم ابيها واسمها ربطته بالتذكير بأسم بعلها وابن عم ابيها وبذلك عرفت الأمة بأبيها وبعلها أمير المؤمنينA , ومن ثم بينت اثره في انقاذ الأمة والمساهمة في تقوية اسسها فقالت ع بذلك : (( فأنقذكم الله بعد اللتيا والتي بعد ان متي ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها الله … قذف أخاها في لهواتها مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله , سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون بنا الأخبار , وتنكصون عند النزال , وتفرون من القتال…))[22] وهنا وضحت الجهد الذي ابداه علي بن ابي طالب في بناء الأمة , في حين إن من يتمركز لسدة الحكم والسلطة كانوا امنون في ظله وفي رفاهية من العيش , ومن ثم فهم ليس لديهم المعرفة بأمور الحرب ولا السياسة لكونهم كانوا بعيدين عن رسول الله ولم يعرفوا بقرارته وتخطيطاته في حين ان علي بن ابي طالب هو ابخس واعرف بذلك لقربه من رسول اللهJ, كما اشارتB حين قالت : (( قريبا من رسول الله )) القرب المادي والمعنوي , وهو كما يقول امير المؤءمنينA : (( و لقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر امه))[23] , وبذلك فقد نبهتB الى الخطأ والانحراف الذي ستقع به الأمة اذا ابتعدت عنه, ومن ثم نلاحظ ان مطلبها هو الإمامة وليس فدك بدليل إنها طالبت بفدك بعد المطالب بحق ابن عمها.

ومن ثم نستنتنج من كل ما طرحناه بإن لأنين وبكاء الزهراء B في مقدمة المجلس كان له نتائج سياسية ناجحة بعضها آنية واخرى مستقبلية , اثارة حفيظة الأمة وزعزعت كيان السلطة الحاكمة والتنديد بها والرفض لحكمها , ويتضح كل ذلك من خلال النتائج الأتية:

  1. حدوث الاستجابة العامة والتفاعل من كل افراد المجتمع من خلال حدوث البكاء وهذا يعني فهم الأمة لمظلومية الزهراءB , ومن ثم خوف السلطة الحاكمة من اثارة المعارضة والمبادرة لإداء حق الزهراءB لفدك ” الإمامة” الإ إن عمر بن الخطاب حال دون تحقيق ذلك من خلال تمزيقه الصحيفة[24]. ومن ثم هذا ساهم في التعريف بمدى قصور المعرفة لدى تلك السلطة الحاكمة وكذبها مقابل صدق الزهراء B وطلبها.

  2. اخافة السلطة الحاكمة من معرفة المجتمع بحقيقة امرهم ومن ثم اعترافهم بانها غدرة ومؤامرة سياسية دبرت في الليل , وهذا ما أظهره ابي بكر حينما قال لعمر بعد ان انهت الزهراءB خطبتها فقال لعمر : ( تربت يداك ما كان عليك لو تركتنتي فربما رفأت الخرق ورتقت الفتق الم يكن ذلك بنا أحق , فقال عمر : قد كان في ذلك تضعيف سلطانك وتوهين كفتك وما أشفقت إلا عليك … , قال ويلك فكيف بأبنة محمد وقد علم الناس ما تدعوا اليه وما نجّن لها من الغدر عليه)[25] .

  3. بعد إن أنهت الزهراء Bخطبتها شق على ابا بكر ما قالته B فقال : ( ايها الناس ما هذه الرعة , الى كل قالة , اين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله J ألا من سمع فليقل , ومن شهد فليتكلم , إنما هو ثعالة شهيده ذنبه, مرب لكل فتنة هو الذي يقول كروها جذعة بعدما هرمت , يستعينون بالضعفة , ويستنصرون بالنساء , كأم طحال أحب أهلها اليها البغي, الا أني لو اشاء ان اقول لقلت ولو قلت لبحت , إني ساكت ما تركت…)[26].

ثانيا : الدلالات الرمزية لبكاء الزهراء B ثورة لعنوان ظلامات ومنطلقاً لاصلاحات:

   لقد كانت احد الأساليب المناهضة التي استعملتها الزهراءBلإعادة الحق الى صاحبه امير المؤمنين عليA, وفضح المؤامرة السياسية التي اُريد بها طمس الشريعة المحمدية ودفن الرسالة الاسلامية[27], هو بناء بيت الأحزان للزهراءB, و يعد بناء هذا البيت وسيلة اعلامية دفاعية رفعتها الزهراءB لمناصرة الامامة والاعتراض ولم يكن فقط لاسباب عاطفية , و إنما كان دفاعا عن حقوق الهية وتثبيت رواسي النبوة ومن ثم فقد كانت دموع الزهراءB وحزنها وبكائها في هذه الدار رسالة تحمل رمزا لأساها وما عانته من الأذى من صحابة ابيها, إذ ان بكاء الزهراءB على قبر ابيها اخاف مبغيضها وغض مضاجعهم ولم يهدا ليلهم إلا بعد ان منعوها من البكاء على قبر ابيها وبعدها عن المدينة , فما كان من امير المؤمنين Aإلا بنى لها بيتا للأحزان , إذ يروى عن فضة خادمة الزهراءB إنها قالت حينما سئلت عن حال الزهراء بعد فقد ابيهاJ فقالت : (( …,  واجتمع شيوخ أهل المدينة ، وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي A ، فقالوا له : يا أبا الحسن ! إن فاطمةB تبكي الليل والنهار ، فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا ، وإنا نخبرك أن تسألها أما أن تبكي ليلا ً أو نهارا ً. فقالA : حبا ً وكرامة  فأقبل أمير المؤمنينA  حتى دخل على فاطمةB، وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء ، فلما رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها : يا بنت رسول الله! إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك أما أن تبكين أباك ليلا ً وأما نهارا ً . فقالت : يا أبا الحسن ! ما أقل مكثي بينهم ، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فو الله ؛ لا أسكت ليلا ً ولا نهارا ً أو ألحق بأبي رسول اللهJ فقال لها عليA : افعلي يا بنت رسول الله! ما بدا لك . ثم أنه بنى لها بيتا ً في البقيع نازحا ً عن المدينة يسمى بيت الأحزان ، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسينC أمامها ،وخرجت إلى البقيع باكية . فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين A  إليها وساقها بين يديه إلى منزلها…))[28].

ومن ثم  فإن بناء بيت الأحزان يدفعنا  لطرح العديد من التساؤلات ومنها :

يا ترى من اطلق كلمة اذيتنا هل المجتمع عامة؟ ام افراد معروفين ؟ هل شخص واحد ام اشخاص عدة ؟ وكيف قال هذه الكلمة , أي متى اصدر قرار هذه الكلمة , هل بعد حرمان الزهراء من حقها بفدك؟ ام بعد كسر ضلعها واسقاط جنينها؟ ام بعد خروجها للمطالبة بحق زوجها بعد اخذه من دارها ؟ ام بعد القاء خطبتها بمسجد ابيها و تذكيرهم بوصايا ابيها وحقوق ابن عمها وحقها بفدك ؟ ام بعد استجابة العديد من افراد المجتمع واسيقاظ شعورهم واعتذارهم من الزهراءBعن بيعتهم وعلمهم بمؤامرة الشيخين؟,  ومن ثم  ماسبب هذا القول لم قيل للزهراء اذيتنا ؟ هل كان ايذاء مادي ام معنوي ؟ ماهي صورة هذا الايذاء ؟ هل ظهر هذا الايذاء بصورة مباشرة ام غير مباشرة على من تأذى ؟ ماهي صورة استجابة من تأذى من بكائها؟ وهل يوم من الايام رأى احد يتاذى مقابله منه لمجرد بكائه , فهل هذا القول يدخل في معايير الفكر والتفكر؟ ام يدخل في معايير فلسفية تحتاج الى ادوات بحثية لكي نخضعها للتفكر الواقعي ؟كيف كان الايذاء سياسي اما اقتصادي ؟ فهل مثلا فرضت عليهم حصار اقتصادي ام سياسي ؟ ام احدثت اضراراً فادحة بمصلحة احد ما وكيف كانت مضرته ؟ من هو الشخص او مجموعة الاشخاص الذين ظهرت عليهم تلك المضرة بصورة واضحة؟

و من ثم لِم بنى لها امير المؤمنين دارا للأحزان إذا كان بكائها على قبر ابيها ولواذها به والنوح عنده يطفئ لوعة قلبها وحرارته الملتهبة , فما هي الغاية او الفائدة بإن تخرج الزهراء للبكاء للبقيع وتبكي عند قبور الشهداء؟ لماذا؟ ومن ثم فهي كانت نحيلة الجسد لما حل بها وقد يتعبها السير الى القبور والجلوس هناك؟ ولكن هذا أمر يجعل الباحث والقارئ في حيرة من امره ويدعه يتساءل اذا كان بكاءها لاجل ابيها وشوقها اليه فان قبر ابيها كان قريبا من دارها فلم لما تجلس للبكاء عنده؟  لا سيما انها كانت في تلك الفترة نحيلة الجسد لا تقوى على الحركة من شدة المها ومرضها الذي لحق بها نتيجة لما تعرضت له من الهجوم على دارها وكسر اضلعها…, فلم تبكي الزهراء في بيت احزان وقبر ابيها قريب من دارها؟! ومن ثم فإن الوقوف عند هذا الأمر يدفعنا لطرح عدة اراء واستنتاجات ومنها:

  1. ان الزهراء B منعت من البكاء عند قبر ابيها, لأن ( من الطبيعي أن يتأذى مغتصبوا الخلافة من بكائها لان ذلك قد يوحي إلى المستمع وقد بلغه ظلمهم لها إن هذا البكاء ليس من اجل الحزن على فقدان الرسول J فقط ، بل لغصب الخلافة وفدك أيضا ً ، وفي هذا تحريض كبير عليهم ، وتذكير بجريمتهم وتأليب للأجواء ضدهم ، ولذا فمن الأرجح أن يكون الاحتجاج الصادر لمنع بكائها من قبل الهيئة الحاكمة مباشرة أو بتحريض منها)[29], والدليل على صحة منعها من بكائها هو رثاءها لأبيها متمثلةً بمجموعة من الأبيات الشعرية التي افصحت من خلالها شكايتها وتظلمها لأبيها لا سيما تلك الابيات التي القتها بعد خطبة فدك والطواف بقبر ابيها إذ قالتB:

قد كــانَ بَعــــــــدك أنـــــبــــاءُ و هنبثــــــةُ        لَو كُنتَ شــــاهــــدَها لَم تكــــــثر الخطـــــبَ

        إنّــــــــــا فـــــَقَدنـــــــــــاكَ فَقدَ الأرضِ وابِلها      واختــــــــلّ قومُــــــك فأشهــــــــدهــــم ولا تـــغـــب

        أبدَت رجَـالُ لَنَا فَحــــــوَى صدورِهِــــم        لَمّــا مَضيـتَ وَحَــــالــَت دُونــكَ التــــــــــــــُربُ

تَجهَّـــــمَنَــا رجَــــالُ وَاِســـتُخــــــفّ بنَــــــا        لَمّــا فـــــُقــدتَ و كــل الإرثِ مُغتَصـتــــــــــــبُ[30]

وقالت B:

       ماذا على مَـْن شَـَّم تُـربـــــــة أحمــدٍ      أنْ لا يَـشُمَّ مَـدى الـزمانِ غواليـــــــــــا

        صـبـت علي مـصائب لـو أنها        صبت على الأيام صرن لـيـالـيا[31]

, ويقال انها اخذت من تراب قبره , وهذا يدفعنا للتساءل : ان قبر رسول اللهJ قريب من دارها فلمِ هذا الشوق والقاء نفسها على القبر والطواف به والاخذ من ترابه؟ الا يدلنا هذا الأمر الى حقيقة واضحة وهو منع الزهراء من زيارة قبر ابيها والبكاء عنده ؟؟؟

2.مُنعت الزهراءB من البكاء على قبر ابيها لكون البكاء هو سلاح الأنبياء , إذ كان الأنبياءD يبكون عندما يفقدون احداً من ذويهم ,إذ بكى يعقوب على يوسف كما جاء في قوله تعالى : )وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ[32]O، و خير شاهد لدينا هو بكاء رسول اللهJ على ابنه ابراهيم، ولما عوتب على ذلك قالJ: ((إنما هي رِقَّة ورحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من خلقه ويرحم الله من يشاء وإنما يرحم الله من عباده الرحماء))[33] ، و ورد أن نبي الله ابراهيمu سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد مماته[34]، وبكى آدم على هابيل أربعين يوماً وليلة[35].

3.ارادت الزهراءB من خلال جلوسها وبكائها بهذه الدار اظهار مظلوميتها وجعله شعارا يتأسى به كل من يسير على طريق الحق ويرفض الباطل , وقد تأسى أئمة أهل البيتA بشعار الزهراءB من خلال ما ورد عن أئمة أهل البيتD في وصاياهم أن يُندبوا ويُذكروا بأكثر من سنة، ولعل خير شاهد لذلك ما ورد في وصية الإمام الباقرu حينما قال: ((يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا للنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى))[36] ، و جاء في وصية للإمام الصادقu حيث أوصى أن ((يُناح عليه سبعة مواسم فأوقف لكل موسم مالاً يُنفق فيه))[37]. وقد أراد الأئمةD بهذه الذكرى بيان مظلوميتهم وإظهار ظلم وجبروت حكام بني العباس والأسلوب الذي يتعاملون به ويتبعونه اتجاه العلويين خصوصاً، ولعل ما يؤكد حقيقة هذا الأمر هو توصيتهمD ان يُندبون أو يُذكرون في مِنى وفي موسم الحج , وبذلك فقد اراد أئمة أهل البيت D أن يقيموا مجالس العزاء والبكاء والنوح على شخصياتهم وعامتهم , وقد أوصى عدد منهم بذلك وأن يكون في المدينة أو منى في موسم الحج من أجل تأصيل هذه الحالة الإنسانية الإسلامية وتعميمها على المسلمين , وليدحضوا بها الخشونة البدوية التي تزعم أن الإسلام نهى عن البكاء على الميت , وأن بكاء الشخص على ميته يوجب عذابه , وليبطلوا سياسية السلطة التي استعملت ضدهم بعد وفاة النبي[38]J.  

ثالثا:الرؤى السياسيةالمستقبلية في خطب الزهراءB العزائية في نساء المهاجرين والأنصار:

   كانت احدى الأساليب الدفاعية التي استعملتها الزهراءBلتثبيت الأسس الإمامية والدفاع عن الولاية الالهية اقامة مجالس العزاء في بيتها بعد ان منعت من البكاء على قبر ابيها رسول الله J ومن ثم بناء بيت الاحزان , فنحل جسمها وتعب بدنها , لكن لم تركن الزهراءB للإستسلام وإنما اقامت العزاء في بيتها و القت من خلالها خطبها التي كشفت بها النتائج السياسية الآنية والمستقبلية التي ستحل بالأمة لعدم نصرتهم اهل بيت النبي والتمسك بوصي النبي امير المؤمنين A . فكانت عبارة عن مجالس عزاء اقامتها الزهراء لفقدها ابيها ولابداء مظلوميتها , وقد يتساءل سائل , كيف كانت مجالس عزاء في حين ان الزهراءB في هذه الفترة تعودها النساء لشدة مرضها ؟ ونحن نرد الاجابة على ذلك بان مجالس الزهراءB احتوت جميع صفات مجالس العزاء من حيث اظهار الحزن والبكاء لفقد لرسول الله J , ومن ثم قولها للنساء المعزيات  : ((اتركن التعداد وعليكن بالدعاء ))[39].كما بينّ هذا الأمر أمير المؤمنين u فقال: ((مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمةB لما قبض رسول اللهJ ساعدتها نساء بني هاشم، فقالت: دعوا التعداد وعليكم بالدعاء))[40]. ومن ثم فإن هذه المجالس العزائية حقوق مشروعة لأنها لم تتضمن الأقاويل الباطلة المنافية لقضاء الله تعالة ولا اساليب الجزع والدليل على ذلك ما قاله الإمام الباقرu حينما سُئل عن الجزع , فقال A: ((أشد الجزع الصراخ بالويل والويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه ومن صبر واسترجع وحمد الله عز وجل فقد رضي بما صنع الله ووقع أجره على الله ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله تعالى أجره))[41], وبين الإمام الباقرu سبب إقامة النواحة في داره فقالوا: أيُناح في دارك؟ فقالu: ((ان رسول اللهJقال لما مات حمزة لكن حمزة لا بواكي له))[42]. و من ثم فقد ( كان احتشاد النساء في بيتها أمرا طبيعيا بسب الفجيعة بالمصطفى الحبيب J ومن الطبيعي ايضا ان يزداد في ظل اجواء الظلامات التي حلت بها من القوم, فقد كانت الصديقة الكبرى تطرح ظلامتها في تلك المجالس لاحظ خطبتها في مجلس الانصار اصبحت عائفة لدنياكن . وتعني هذه العناصر بكل جلاء ان مجلس الصديقة كان تجمع المعارضة التي تقودها قرة عين رسول الله الأمر الذي جعل هذا المجلس –التجمع- بل التظاهرة يقض مضاجع المستولين فلا شيء يقلق “الأنقلابي” كتجمهر الناس حول قيادة معارضة تمتلك عميق المصداقية والقداسة في النفوس … وحيث ان بكاء الصديقة الكبرى كان بكى الحاضرين كما حصل في المسجد اثناء خطبتها مع اضافة عنصر ان بكاء النساء من نوع اخر وتفجعها بينهن يختلف جذربا عن تفجعها المكتوم في المجلس لذلك رأى القوم ان استمرار التظاهرة ينذر بأسوء العواقب فتذرعوا بالضجة التي ترافق التجمع الحاشد والبكاء المتفجع ليتخلصوا من عبء سياسي ثقيل كان يضيق الخناق عليهم)[43] . وقد كشفت الزهراء B من خلال قيام هذه المجالس العزائية الرؤى المستقبلية السياسية التي ستشرف عليها الأمة في عهدها القريب و ذلك من خلال: 

1- عيادة عائشة بنت طلحة[44], إذ دخلت على الزهراءB فرأتها باكية , فقالت لها : بأبي أنت وأمي , ما الذي يبكيك؟ فقالت لهاB : (( أسائلتي عن هنة حلق بها الطائر , وحفي بها السائر , ورفع إلى السماء أثراً , ورزئت في الأرض خبراً , أن قحيف تيم , وأحيوك عدي , جاريا أبا الحسن في السباق , حتى إذا تفربا بالخناق , أسرا اليه الشنان , وطوياه الإعلان , فلما خبا نور الدين , وقبض النبي الأمين , نطقا بفورهما , ونفثا بسورهما , وأدلا بفدك , فيا لها لمن ملك , تلك أنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى , ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي , وأنها لبعلم الله وشهادة أمينه , فإن انتزعا مني البلغة , ومنعاني اللمظة , واحتسبتها يوم الحشر زلفة , وليجدنها آكلوها ساعرة حميم , في لظي جحيم))[45]. وهنا بينت الزهراءB الأسباب السياسية التي دفعت ابي بكر وعمر يتسابقان الى اعلان خلافتهما وسلتطهم , موضحة بذلك حجم المؤامرة التي دبرت بعد فقدها لرسول الله J , واهم المداخل السياسية التي اقدموا على العمل بها هي سحب ارض فدك منها التي تعني الخلافة والامامة.

2-خطابها مع ام سلمة عند عيادتها لها ,إذ يروى ان أم سلمة زوج الرسول J قد عادت فاطمة B في علتها فقالت لها : (( كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله ؟ قالت : ” أصبحت بين كمد وكرب فقد النبي وظلم الوصي , وهتك الله حجبه , أصبحت إمامته مقتضية على غير ما شرع الله في التنزيل , وسنها النبي في التأويل , ولكنها أحقاد بدرية , وترات أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشهادات))[46].

3-عيادة نساء المدينة لها: إذ بعد اشتداد علتها وحزنها وملازمتها لدارها وسماع اخبارها عزمن نساء المدينة على عيادتها للإطمنان على حالتها إذ يروى :(( لما مرضت فاطمة سلام الله عليها المرض التي توفيت فيها دخلت عليها مجموعة من نساء المهاجرين والأنصار يعدنها, فقلن لها: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول اللهJ ؟ فحمدت الله وصلت على ابيها…))[47].

لقد أظهرت السيدة فاطمة الزهراء B من خلال التقاءها بالنساء وخطابها بهن عدة استشرافات سياسية تمثلت بـــــــ:

1.بيان الرؤية المستقبلية التي ستعيشها الأمة وما سيقدمونه لأولادهم ولأجيالهم نتيجة هذا الأختيار الخاطئ بأبتعادهم عن وصايا رسول الله , وتقديمهم الذنابى وابعادهم القوادم , وقد أستقرأت الزهراءBهذه الاستشرافات السياسية لا سيما من خلال التقاءها بنساء المهاجرين والأنصار ,حينما قالت ((… , ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا والدين ) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ([48], وما الذي نقموا من ابي الحسن عليه السلام؟ نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته لحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله , وما عشت أراك الدهر عجبا وان تعجب فعجب قولهم ليت شعري الى أي أسناد استندوا وإلى أي عماد أعتمدوا ؟ وبأية عروة تمسكوا ؟ وعلى أية أقدموا واحتنكوا لبئس المولى ولبئس العشير وبئس للظالمين بدلا استبدلوا والله الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم ) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا([49]. ) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ([50], ويحهم ) أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ([51]….))[52]. ومن ثم فقد استقرأت الزهراءB الأحداث المستقبلية التي ستجري على الساحة السياسية المستقبلية وما ستخلفه هذه الأمة ببيعتها هذه للأجيال القادمة حين قالت B : ((أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا وزعافا مبيدا هنالك يخسر المبطلون , ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا , وأطمأنوا للفتنة جاشا وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فينكم زهيدا وجمعكم حصيدا فيا حسرة لكم ! وأنى بكم وقد عميت عليكم ) أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ([53] ))[54], فبينت B ان ادلاهم ببيعتهم لابي بكر ومخالفة وصايا النبي سيجر خلفه احداثا سياسية دامية , لقد لقحت فنظرت ملاء القعب دما عبيطا , ياترى كيف ستحدث هذه الدماء هل في حينها ام متى ؟ فقد بينت ان هذه الدماء ستجري من خلال ما سيمهد له هولاء الاولون الاول والثاني والثالث , وهذا في حقيقة الأمر اشار اليه امير المؤمنينA حينما قال لعمر(( احلب حلبا لك شطره))[55] , وقالA: (( أما و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى, ينحدر عنّي السّيل ، و لا يرقى إليّ الطّير … حتّى مضى الأوّل لسبيله ، فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته. لشدّ ما تشطّرا ضرعيها …))[56], إذ ان هولاء اسسو لسنة جديدة خالفت سنة النبي J شاب فيها الصغير وهرم منها الكبير , ومن ثم سار بسنة هولاء من سار على حكمهم من خلال التمهيد لهم وتصدي بني امية للخلافة , التي جاءت بصورة شبيهة لحكم هؤلاء حينما امتنع ابن علي وفاطمة C الإمام الحسين عن مبايعتهم فتعرض هو وأهل بيتهD لإجراءات حرب السقيفة من حرق وقتل وارهاب, ومن ثم رجوع النتائج السلبية على اهل المدينة من خلال ما فعله يزيد بن معاوية من ارساله مسرف بن عقبة وفعله بالمدينة[57].

4.ومن ثم فقد كانت لخطبتها هذهBنتائج متعددة وآنية لا سيما إن هولاء النسوة قامن بنقل هذه الخطبة لأزواجهن وبيان موقف السيدة فاطمة الزهراءBمن الذين ظلموها واسس لظلمها وبيان عاقبة من اتبعهم وادلى ببيعته لهم وتبشريهم بالسخط والعذاب والبلاء الذي سيحل عليهم نتيجة لأتباعهم وسيرهم بنهج اصحاب السقيفة مبينة من خلال بيان حجم المخاطر التي سوف تلحق ليس بثلتهم هذه فحسب وانما حتى باجيالهم مستقبلا موضحة ذلك حينما قالتB: “وسيعرف البطالون غب ما أسس الأولون”. إذ يروى : (( فأعادت النساء قولها عليها السلام على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا : يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدنا عنه إلى غيره؟ فقالت عليها السلام : إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم))[58].

  1. من اهم الاستشرافات السياسية التي اسست لها الزهراء B وجعلتها رسالة انذار للأمة للإبتعاد عن السير بحكم السقيفة وعدم قبول شعارات قريش ,هو رفضها مجيء ابا بكر وعمر للأعتذار منها: إذ يروى (( ان ابا بكر وعمر أستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام , فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي , وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده , أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت رسول الله J يقول : لا نورث ما تركناه صدقة, فقالتB : أرايتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله J تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم , فقالت : “نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة رضاي , وسخط فاطمة من سخطي, فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ,ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني , ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا : نعم, سمعناه من رسول الله J قالت : ” فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني , وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه, فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة , ثم أنتحب أبو بكر يبكي , حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : ” والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها”. ثم خرج باكيا فاجتمع اليه الناس , فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته , مسرورا بأهله , وتركتموني وما أنا فيه , لا حاجة لي في بيعتكم , أقيلوني بيعتي …))[59]. والسبب في ذلك رفضها وغضبها لسنتهما التي عملوا بها وخالفوا سنة رسول الله J , فهي Bرفضت السير بسنة الشيخين التي تتمل بابداء الحرق والقتل ضد من لم يعمل بسيرتهما ومبايعتهما , ومن ثم فقد اوضح ذلك امير المؤمنين A حين قال لما ارادوا مبايعته , قال له عبد الرحمن بن عوف: ((عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ فقال: أرجو أن أفعل فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي))([60]). ومن ثم اسست الزهراءB واجب العمل بسنة رسول الله واتباع وصيه علي بن ابي طالب A . وهي تشكو لأبيها منهما إذ قالت : لما هجموا على دارها : (( يا أبتِ يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة))[61] . وقالت : (( يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللهJ ؛ والله لا اكلم عمر حتى ألقى الله))[62]. وأقسمت بالله ألا تكلمهما أبدا, فقالت : (( والله لا أكلمكما أبدا))[63] .

الخاتمة:

نستنتج من استنطاقنا للروايات التاريخية حول النتائج البنائية الانية والمستقبلية التي احدثتها ثورة بكاء السيدة فاطمة الزهراء B عدة نتائج منها:

  1. اعقبت وفاة رسول اللهJ فترة انقلابية انحرفت من خلالها الامور عن مسارها الصحيح مبتدءة من قيام السقيفة ومطالبتهم بالحكم وارغامهم امير المؤمنين بالمبايعة لهم , مناقضين بذلك عهدهم الذي عاهدوا به رسول الله J في يوم الغدير. لكن في مقابل هذا الأنقلاب كان للزهراء B دور سياسي اصلاحي بنّاء , صححت الانحراف واسست لأسس المسار الصحيح , من خلال قيادتها B حركة سياسة معارضة ضد سياسية السقيفة وشعاراتها , مستعملة بذلك عدة اساليب لقيادة المعارضة وكان احد تلك الأساليب هو البكاء.

  2. تمكنت الزهراءB من خلال اسلوب البكاء قض مضاجع سلطة السقيفة وانقاض اسس سياستهم التي رفعت شعار الحكم لقريش فأصدرو أوامر و اسسوا لأفعال خالفت سنة رسول الله J , ولكن الزهراء B في مقابل هذا الشعار رفعت شعار السماء المتمثل بـ ” من كنت مولاه فهذا عليا مولاه” فطالبت بحق الإمامة والولاية بعدة طرق وكانت احدى وسائلها الاعلامية لإيضاح حقيقة مطلبهاB هو البكاء والانين وتمثل ذلك من خ%D