ومضات من خطبة الزهراء في دحض نظرية النشوء والارتقاء.
بقلم مهند المنصوري
يعتبر العالم البريطاني(دارون)هو مؤسس نظرية النشوء والتطور حيث أعلن عن هذه النظرية بعد رحلته المشهورة ,فوجد ان هناك تشابه بين الكائنات النباتية والحيوانية ,لكن المشكلة انه استنتج من ذلك استنتاجا خاطئ اصبح هذا الاستنتاج بعد ذلك من اهم مقومات الفكر الإلحادي ,فزعم بأن الحياة نشأت بمجرد المصادفة البحتة وأن تطور الكائنات من كائنات وحيدة الخلية إلى كائنات مركبة كان أساسه الصراع وأن البقاء للإصلاح وأن الكائنات الأقوى هي التي سادت وتسود باستمرار,وافرز هذا الفكر الالحادي فكرا سياسيا منحرفا,فعلى اساس البقاء للاصلح كان من وجهة نظرهم ان الجنس البشري الابيض افضل من الاسود ،فاعطوا بذلك مبررا لاستعمار واحتلال اراضي افريقيا واسيا وامريكة اللاتينية , وكانت احد مقومات العنصرية في محوريها الفاشي بقيادة (موسيليني) والنازي بقيادة (هتلر)،ولا ننسى كذلك الصهاينة الذين كانوا اكثر المستفيدين من هذا الفكر اللاحادي لدعم اعتقادهم بانهم شعب الله المختار وهم سادة العالم وافضل من خلق,وان غيرهم انما خلقوا ليكونوا تبعا لهم وخدما.
ان نظرية التطور لعبت دورا كبيرا في دعم الاتجاه اللاحادي المتمثل بالمادية الجدلية الذي يتبناه الفكر الشيوعي السوفييتي,فلقد جند جوزيف ستالين كل الأفكار التي تخدم هذا الفكر,فاستخدم العالم الزراعي الروسي (تروفين ليزنكو) الذي كان مقربا لدى (ستالين) حيث عينه رئيسا على كافة الكوادر العلمية في ذلك الوقت,وكان (ليزنكو)يؤمن بنظرية التطور والنشوء فارغم العلماء الروس على الاعتقاد بها واعتقل كل عالم لا يؤمن بها أو يتبنى قوانين مندل الوراثية وحرم تدريسها ظنا منه انها تؤدي الى الايمان بالخالق تعالى ,حتى اخضع الزراعة الروسية لنظرية التطور التي يتبناها ,وقال انه يمكن تحسين اصناف القمح على اساس تغير العوامل البئية دون الوراثية مما ادى الى خسارة كبيرة اضعفت اقتصاد الاتحاد السوفيتي حين فشلت هذه النظرية فشلا ذريعا.
أن نظرية دارون تستند إلى ثلاث من الافتراضات الرئيسية وهي:
أولاً: أن الحياة قد نشأت على الأرض وتطورت مصادفة ودون خالق.
ثانياً: أن هناك سلماً للتطور:
حيث ان السلم قد بدأ بالكائنات وحيدة الخلية وتحت تأثير الظروف البيئية ثم التطور إلى كائنات أكثر قدرة وأكثر تعقيداً بتفوق الأصلح في الصراع من أجل البقاء مع انقراض الأفراد الأقل صلاحية في التنافس والصراع.
ثالثاً: الافتراض الثالث أن الإنسان من نسل القرود والشمبانزي والغوريلا.
بعد هذه المقدمات التعريفة المختصرة لهذه النظرية و وفرضياتها وابعادها نقول:
ان القران الكريم اشار الى هذه الافكار الملحدة في بعض اياته حيث قال تعالى:( وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاّ الدّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ) الجاثية24
هذا هو الفكر الجاهلي الملحد الذي لا يؤمن بامبدأ والمعاد والذي جهد رسول الله (ص) في دحض حججه والقضاء عليه بالحجج اللاهية التي تستند الى العقل والفطرة السليمة من خلال القران واحاديثه الشريفة وخطبة المباركة، ولا ننسى دور فلذة كبده وروحه التي بين جنبيه وبضعته الزهراء (ع) في بيان هذه الحقيقة الفطرية التي فطر الناس عليها حين قالت في خطبتها الفدكية:(…. إبتدع الأشياء لا من شىء كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها. كونها بقدرته و ذرأها بمشيئته…الخ) وعند شرح هذا المقطع من الخطبة يتجلى لنا عظمة بضعة المصطفى (ص) حيث بينت حقائقا عقائدية غاية في الروعة تنبئ عن فيض ألاهي عظيم حبيت به فاطمة (ع) .
1 ـ تعد مسألة الخلق و التكوين البدائي واحدةً من المسائل المهمة، فلم تكن هناك مادةٌ مصنوعةٌ من قبل حتى يخلق الله منها هذا العالم، بل أن الخلق و التكوين قد تم من العدم(إبتدع الأشياء لا من شىء كان قبلها), فهي بذلك اثبتت ان امر الخلق والنشأة اللاولى تعود الى الله تعلى وانه العالم والخبير بما يصنع, اوجد الانسان من عدم.
2- المسألة المهمة الأخرى في أمر الخلق و التكوين هي أن المصورين يعتمدون دائماً في تصويرهم و رسوماتهم على ما يستلهمونه من الطبيعة، و أحياناً يقومون بخلط أشكال مختلفة ليُبدعوا في صنع شكل جديد، أما الله سبحانه و تعالى فهو المبدع الذي صوّر العالم و جسّمه دون تحضير مسبق أو تمثيل قبلي (و أنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها. كونها بقدرته و ذرأها بمشيئته).
ومما يؤيد ذلك ماتقره الابحاث العلمية بانه هذا الكون الواسع اللامتناهي قائم على نظام دقيق لايتغير ولا يخرم منذ ان وجد والى ان يشاء الله ان ينتهي ,وان مثل هذا النظام لابد ان يكون صادرا عن عالم خبير وليس تلك الطبيعة العمياء .
فالعلم الحديث يكشف لنا كل يوم أن الكون الذي نعيش فيه له نظام بيئي متزن بدرجة متناهية في الدقة وهذا أمر لا يمكن أن يحدث مصادفة ولعل ما اكتشف من دور الكائنات الدقيقة المتخصصة في دورات العناصر وإكساب التربة لخصوبتها ـ وكذا التوازن بين حرارة الجو وما يحتويه من بخار وثاني أكسيد كربون وأخيراً ما تأكد حديثاً من دور غاز الأوزون في طبقات الجو العليا في حماية كافة صور الحياة على الأرض من فتك الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجة ـ كل ذلك لا يمكن أن يحدث مصادفة بل هو دليل على القصد والتدبير في الخلق والإبداع وليس مايذهب اليه دارون من المصادفة والبقاء للاصلح والتطور المزعوم ,واليك اراء علماء التشريح والبيولوجيا في هذا الصدد.
– قام بعض علماء الأجنَّة مجاراة نظرية التطور فزعموا أن جنين الإنسان مزود بفتحات خياشيمية زائدة وأنها تمثل مرحلة تطور الإنسان من الحيوانات المائية مثل الأسماك ـ إلا أنه أخيراً في العام 1959م استطاع العالم (راندل شورت) الذي قضى حياته في دراسة تشريح جسم الإنسان ـ أن يثبت خطأ هذا التفسير وأثبت أن ما يسمى بفتحات خياشيمية ليست زائدة بل هي عبارة عن ثنيات في الأنسجة لازمة لتثبيت الأوعية الدموية في جنين الإنسان. وقد كان هذا التفنيد قاطعاً حتى إن (جوليان هاكسلي) في كتابه عن التطور في صورته الجديدة قد اضطر للتسليم بما أثبته عالم التشريح راندل شورت.
– أثبتت دراسات البيولوجيا الجزيئية حديثا أن كل إنسان متميز عن الإنسان الآخر في صفات فردية لا تتكرر مثل بصمات أصابع اليدين والقدمين والحامض النوويDNA والذي أصبح أحد وسائل الأدلة الجنائية فضلاً عن تركيب الشعر ومجموعة الدم ونوع أجسام المناعة وبصمة الصوت والرائحة وهي كلها ثوابت لا تتكرر بين بلايين البشر وهذا يقطع بعدم صحة افتراض أن الحياة والتطور كانا بعامل المصادفة ـ بل هي أدلة قاطعة على أن الإنسان من صنع الله الذي خلقه وجعل كل إنسان متميزاً مستقلاً ومسؤولاً وميزه بملكاته وقدراته ليؤدي أمانة عمارة الأرض وإقامة الحضارة الإنسانية.
فاي طبيعة واي صدفة قادرة على انشاء هذا العلم الدقيق المنتظم !!
لقد صدق الامام الهادي (ع) حين قال في الزيارة الجامعة عن اهل البيت (ع)(وآتاهم الله تعالى ما لم يؤت أحداً من العالمين )… أي آتاكم الله تعالى من العلوم والمعارف ، والأسرار والمواهب ، والمواريث والعطايا ، والخصائص والفضائل ما لم يؤتها أحداً من العالمين حتّى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين.
فسلام على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها .