قلم : عبود مزهر الكرخي
والآن ندخل إلى البيت الطاهر هو بيت السيدة فاطمة الزهراء والذي تفوح منه عبق الأيمان والرسالة والذي فيه يعلو في ذكر الله جل وعلا ويسبح باسمه العزيز والذي كان مصداقاً لقول سبحانه وتعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.(1)
فهو بيت محاط بالأنوار والألطاف الآلهية الذي كان رسول الله (ص) يقف على باب البيت ويمسك عضادة الباب ولمدة ستة اشهر بعد نزول آية التطهير بحق آهل البيت(( أنما يريد الله ليذهب الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)).(2)
والحادثة معروفة في سبب نزولها وأقول إن رسول الله(ص) كان يمر على دار فاطمة صباح كل يوم للصلاة عند خروجه للمسجد ويأخذ بعضادة الباب قائلاً ((السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة.ويذكر آية التطهير)).(3)
ونجد إن أهل البيت هم المعصومون من الذنوب والآثام والمطهرون من الدنس.
ويقول هذا القول لبيان ولكل الصحابة عظمة هذا البيت والذي كان نبينا الأكرم محمد(ص) يعرف ما سيجري على هذا البيت من مآسي ومحن وعلى أهل هذا البيت والذي رفع الله هذا البيت مكاناً علياً والذي الوحيد لم يغلق بابه على المسجد عندما أغلق كل الأبواب وبقى هذا البيت الشريف مفتوح بابه وبأمر من الله تبارك وتعالى أكراماً لمن في البيت والذي سوف يجري ما يجري على هذا البيت من هتك وانتهاك لحرمة بضعة الرسول والتي قد أخبر نبينا الأكرم أخيه ووصيه الأمام أمير المؤمنين(ع) بالصبر والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى لكي ينال الدرجات العلى والفوز عند رب السماوات هو وأهل بيته مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)).(4)
وهذه الكلمة، درس لكلّ من يريد الآخرة حيث يلزم عليه أن يتعجّل مرارة الدنيا في الطاعة والعبادة ـ وحتى في بناء الدنيا أيضاً ـ لكي يكسب حلاوة الآخرة.
بيتها (عليها السلام) مدرسة
ثم إن بيت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كان مدرسة لتعليم نساء المؤمنين وتربيتهم بالمعارف الإسلامية، بل أحياناً حتى الرجال كما في قصة سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه).
وكانت (عليها السلام) رحبة الصدر حسنة الخلق، وقد ورد في (منية المريد) لشيخنا الشهيد (رحمه الله): (5)
ان امرأة سألت عنها (عليها السلام) مسألة فأجابت فلم تفهم السائلة، فثنت فلم تفهم الجواب ثانياً، وثلثت فلم تفهم الجواب ثالثاً، وربعت وخمست وسدست وسبعت وثمنت وتسعت وعشرت ولم تفهم (والظاهر أن المسألة كانت غامضة جداً ولهذا ما كانت تفهم الجواب، فان انساناً عادياً إذا سأل من عالم كبير مسألة إرثية فيها حسابات متعددة كمسألة الأجداد الثمانية، فان العالم وان أجاب عشر مرات قد لا يفهم ذلك الشخص جواب المسألة).
وفي المرة العاشرة لما لم تفهم الجواب سكتت وقالت: لا اشق عليك يا بنت رسول الله، فأجابت فاطمة (عليها السلام): اسألي ولي بذلك الأجر، ثم ذكرت (عليها السلام) لأجرها مثلاً، كما هو مذكور في كتاب (المنية). (6)
وربما كان المقصود أن السائلة سألت عن عدة مسائل مختلفة وأجابتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) فخجلت عن كثرة السؤال.
قال الإمام الحسن العسكري …:
“حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من أكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل مائة ألف دينار أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملئ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتموهم خلع العلوم في الدنيا..
فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما اخذوا عنهم من العلوم.. حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة.. وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم..
ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم.
وقالت فاطمة (عليها السلام): يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فانه مشوب بالتنغيص والكدر.”(7)
مباهاة الله بفاطمة (عليها السلام)
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) قال:
«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً في المسجد إذ أقبل علي …، والحسن… عن يمينه والحسين … عن شماله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبّل علياً وألزمه إلى صدره، وقبل الحسن … وأجلسه إلى فخذه الأيمن، وقبّل الحسين … وأجلسه إلى فخذه الأيسر، ثم جعل يقبّلهما ويرشف شفتيهما ويقول: بأبي أبوكما وبأبي أمكما.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ((أيـهـا الـنـاس إن الله سـبـحـانـه وتـعـالـى بـاهى بـهـما وبـأبـيـهـما وبـأمـهـمـا وبـالأبـرار من ولـدهما الملائكة جميعا)).(8)
وكانت فاطمة (عليها السلام) تقتدي بأبيها.
فاطمة الزهراء تقتدي بأبيها
ولنسوق هذه الحادثة لنرى مدى عظمتها :
فقد رهنت بعض ألبستها عند يهودي لأجل أصوع من الشعير..
وفي المناقب: أنها (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا، قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً.(9)
ومن هنا يتضح أنها كانت الزهراء روحي لها الفداء أشبة الخلق بأبيها والتي حتى ينقل عن الصحابة أنها أشبة الخلق برسول الله محمد(ص) وخصوصاً عندما خطبت تلك الخطبة الفدكية العظيمة والتي أبكت جموع المسلمين نتيجة لروعتها ودقة مفرداتها والتي سوف نمر عليها في أجزائنا القادمة أن شاء الله.
ومن هنا كانت مدرسة الزهراء(ع) مدرسة جامعة لكل شروطها وأشراطها ولتمثل بالتالي السيدة فاطمة الزهراء نموذج يحتذي به لكل نساء العالم وليبين الإسلام وللأديان ألأخرى والعالم مدى قيمة المرأة لدى ديننا الحنيف ولدى الرسالة المحمدية ولتدحض كل الأقاويل والحجج التي تبين بإن الدين الإسلامي دين يمتهن المرأة ويقلل من شانها ويذلها وهذا مايصرح الكثير من العلمانيين ويبوقون له وليلتقوا مع كل من يعادي الإسلام ودينه من أجل مسح الإسلام من الوجود وإلغاءه وهذا ماتخطط له اليهودية والكثير من المسيحيين التبشيريين.
والحقيقة هي غير ذلك بكثير والتي لو استعرضناها تبين وجود نماذج مشرفة من النساء في الإسلام والتي تبين ما هو المركز الذي كانت تحتله في صنع حتى الأحداث في تاريخ الإسلام وفي مقدمتها سيدتي ومولاتي الزهراء(ع) موضوع البحث وكذلك أبنتها الحوراء زينب(ع) والكثير من تلك النماذج المشرفة والتي يفتخر بها كل مسلم والتي تعني إن ديننا الحنيف قد أعطى للمرأة حقها ووضعها في مكان عالي وسامي ومحفوظ من كل خدش والمحافظة عليها وذلك بالعفة والحياء وجعلها جوهرة ثمينة يحافظ عليها كل مسلم حقيقي وشريف وليس جعلها سلعة رخيصة وكأنها تباع وتشترى وبأرخص الأسعار وامتهانها وجعلها مطمع رخيص لكل النفوس المريضة بأدعاء الحرية والتحرر للمرأة من قبل فئات وجهات هم ابعد مايكونون عن رفع قدر المرأة وتعزيزها وهذا مانلاحظه في المجتمعات الغربية والذي ومع الأسف الشديد نلاحظ الكثير من شبابنا من الرجال والنساء قد انجرفوا مع هذا التيار وعدم وجود الأشراف التربوي والتوجيهي للأسرة وضعف الوازع الديني أدى إلى انتشار هذه الظواهر والتي تعني بالتالي هدم القيم الأخلاقية لمجتمعنا والقائمة على كل معاني الخير والمحبة والإسلام والتي كلها تفوح منها قيم الشرف والمعاني السامية.
ولهذا اردت من هذه المقدمة توضيح هذه الأمور لأننا يجب أن نتعلم هذه الأمور ونحن في رحاب مدرسة فاطمة الزهراء روحي لها الفداء والتي قيم سيرتها يجب على كل موالي بل إنسان شريف أن يدرسها ويتعلمها والتي هي جامعة ومن أرقى الجامعات تعلم الأجيال جيلاً بعد أخر وعلى مدى الزمان.
ولندخل ونترجم هل هو صحيح ماذهبنا في كل أقولنا.
التربية الفاطمية:
والواقع نحن لو أسميناها التربية المحمدية يكون هو الصحيح وكل العالم الآن ومنذ قديم الأزل تعتبر تعبر مسألة التربية من اخطر المسائل الإنسانية لأنها تتوقف بناء أي مجتمع من المجتمعات لأن التربية هي التي توجه المجتمع نحو الخير أو الشر والإنسان لا يستغني في أي مرحلة من مراحل حياته من التربية ووضعه على طريق الإصلاح والخير، ولهذا قامت الجامعات والمتخصصين في المجال التربوي من أجل ذلك وكانت الدول وخصوصاً في عصرنا الراهن تولي هذا المجال الاهتمام المجال الكبير وكانت المقولات التي تتردد ونسمعها كثيرة مثل الأطفال اليوم قادة الغد في المستقبل والشباب عماد البلد وغيرها الكثير.
فالشاب يحتاج إلى التربية لكي تزجه طاقاته وإمكاناته نحو الإنتاج الفعال وترشده إلى الموازنة بين عواطفه وميوله وأهوائه وحسب المقاييس الصحيحة، وحتى الشيخ الكبير يحتاج إلى التربية لكي يتم الاستفادة من تجاربه لكي يتبّناها ويدافع عنها،ويدفع الآخرين لالتزامها ومن أجل تهذيب هذه الخبرة للشيخ وجعل تجاربه الايجابية نموذجاً لكي يتم الاستدلال به ودراسته والسير على ضوء هذه الخبرة الحياتية.
وتزداد التربية أهميتها بالنسبة للأشخاص الذين يمتلكون قابليات وراثية والذين يمتلكون صفات تجعلهم متميزين عن الآخرين وهي كالشجرة التي لو تمت مراعاتها وتربيتها ولاقت تربية جيدة لأصبحت شجرة باسقة تمد بأغصانها وتخطف الأبصار بأثمارها.
وهذا مما ركزت عليه اهتمام الزهراء (ع) بتربية أولادها بمعونة زوجها الإمام(ع) لترسيخ المفاهيم والقيم التي خرجت منها تلك الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي لم تدنسها الجاهلية بإنجاسها والعمل على بروز نبوغهم وعبقريتهم لكي تنجح نجاحاً تاماً ولكي يأتي علماء التربية والاجتماع وينهلوا من هذه المدرسة التربوية العالية في كل مصاف المعاني والقيم.
وسوف نوضح بفقرات ونأخذ منها المهم لكي تتعلم كذلك منها الأمهات والإباء وكل من له صلة بالعملية التربوية.وسوف نوضح بعض الفقرات التي تقوم عليها هذه التربية :
1 ـ احترام شخصية الطفل :
كانت الزهراء(ع) تهتم كثيراً باحترام شخصية الطفل وتعاملهم معاملة الرجال وحتى التخاطب معهم على أساس ذلك.وهذه الأمور هي من الأمور التي تبني شخصية الطفل وأن يشب وهو رجل له طموحاته واستقلاله وكان هذه الاحترام له الأثر الفعال في أبناء رسول الله(ص)وجعلهم يشعرون بمنزلتهم وبناء شخصيتهم وهذه الشخصية هي التي أنتجت شخصية أبو الأحرار سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين(ع) الذي رفض الخنوع والخضوع لمعسكر الكفر والظلام وحارب يزيد بثلته القليلة كل جيوش يزيد واسقط كل عروشهم وتيجانهم ،وهي التي أنتجت بطلة كربلاء سيدتنا ومولاتنا زينب(ع) التي يشهد لها التاريخ ببطولاتها في مواجهة يزيد وأعوانه الكفرة.(10)
2 ـ التربية على أساس الأيمان :
كل تربية لا تستند على أساس الأيمان بالله فلا قيمة و لا جدوى لها وهذا ما نلاحظه في المجتمعات الغربية والمجتمعات التي لا تستند على الأيمان فنلاحظ بالرغم من كل وجود الإمكانيات والمستلزمات للتربية الحديثة وهذا يكون ملموساً في المجتمعات المتقدمة حيث نلاحظ مدى ضعف الروابط الاجتماعية والانحلال الخلقي وتفشي الجريمة والمخدرات وكل النواحي السيئة في هذه المجتمعات.
أما سيدتنا روحي لها الفداء كان بيتها المتواضع منار للأيمان ومشكاة للهداية..وقد أرضعتهم الأيمان الخالص لوجه الله تعالى وغذتهم بكل القيم الروحية العالية ولذلك كانوا بحق الامتداد الروحي لرسالة جدهم العظيم.
وهذا ما نلاحظه في التربية التي تربى عليها سيدي ومولاي الحسين(ع) والتربية التي تربى بها يزيد القائمة على أساس النفاق والجشع والغدر والخيانة.ونفس الشيء في تربية سيدي الحسن(ع) ومعاوية فنلاحظ البون الشاسع بين التربيتين.(11)
3 ـ الاستقامة :
وقد حرصت روحي لها الفداء على تنشئة أولادها على هذا المبدأ ولهذا فقد عودتهم على الصراحة والصدق والوفاء بالوعد وقد شبوا على هذا الأساس وكان يشار إليهم في مجتمعهم بالبنان..وخصوصاً عندما أحتل الحسنان مراكز الإمامة والقيادة.
ولنأخذ الحادثة للسيدة زينب(ع) الطفلة البريئة التي تربت على الاستقامة في حضن أمها،عندما أجلسها أمير المؤمنين(ع) مع أخيها العباس(ع) يوماً،وقال للعباس :
ــ قل : واحد فقال : واحد فقال : قل : أثنين
فقال العباس : أستحي أن أقول باللسان الذي قلت واحد : اثنان!
فقبل عليّ(ع) عينيه،ثم التفت إلى زينب فقالت :
ــ يا أبتاه،أتحبنا؟ قال : نعم يا بنيتي،أولادنا أكبادنا!
فقالت(ع) : يا أبتاه،حبان لا يجتمعان في قلب المؤمن : حبّ الله،وحبّ الأولاد.وأن كان لا بدّ فالشفقة لنا والحب لله خالصاً.(12)
فهذا الحوار القصير يكشف عن مدى الوعي الكبير لهذه الطفلة الصغيرة وهي أرادت أن تقول أني تلقيت منك ومن أمي أن الحب لا يكون إلا لله تعالى وأن المؤمن لا يعمر قلبه إلا بحب ربه.فالحب يكون لله والشفقة للأولاد.
4 ـ الاعتماد على النفس :
وهي من الأمور الواجبة لبناء شخصية الطفل مع تسلحه بالعلم والأيمان ويكون ذلك بجده واجتهاده،وأن المرء مرهون بعمله وهو الذي يتحمل ما يصدر منه من خير أو شر وهو مسؤول عن أعمالة ولها قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ((كلّ نفس بما كسبت رهينة))(13).ويقول أيضاً ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى،وأن سعيه سوف يُرى))(14)
ويقول سيدنا ومولانا أمير المؤمنين(ع) : ((الشرف بالهمم العالية،لا بالرمم البالية))وأيضاً يقول : ((قدر الرجل على قدر همته)).وهذا ما يجب على الوالدين تنشئة طفلهم على الاعتماد على النفس منذ الصغر.
وقد لاحظنا ذلك جلياً في سلوك الحسنان(عليهم السلام)والمنزلة العظيمة التي كان يحتلانها في قلوب جميع المسلمين دون التفاخر بمنزلة أبويهما وهذا يرجع للتربية السليمة التي كان يتلقانها من قبل أبيهما العظيم، وأمهما الصديقة الطاهرة.
وهكذا تبقى سيدتنا الزهراء المعلمة الأولى التي أخرجت تلك النماذج الرائعة والفذة في أولادها وهذا من التربية التي تلقتها في بيت الوحي والرسالة من أبيها نبينا الأعظم محمد(ص) وكذلك من سيد الوصيين وأمام المتقين سيدي ومولاي الأمام علي(ع) في حياتها الزوجية.
ولنستمع إلى علم من إعلام الأمة الإسلامية في توضيح أثار التربية الإسلامية فهو يقول :
ما وصلنا من أخبار فاطمة يصوّرها لنا بصورة المعلمة الأولى للمسلمات اللواتي كنّ يقبلن على بيتها مستفهمات متعلمات فتفيض عليهنِّ فاطمة بما وعته من علم وتثقفهنّ بثقافة العصر وتشعهنّ على طلب العلم والمعرفة، وهكذا كان بيتها المدرسة الأولى في الإسلام للمرأة.(15)
ومع فإن فقدان التدوين وكذلك الكره الذي يكنه حكام ذلك العصر لأهل البيت قد حرمنا الكثير من أخبارها روحي لها الفداء لم يصلنا منها إلا القليل ولكن وصلنا الكثير من أخبارها إذ أنها ماتت وهي في عنفوان الشباب فهي كانت متوجهة لتثقيف الجماهير الإسلامية جماعات وأفراد وما جاء في خطبتها التي ذكرناها خير دليل على ذلك وحريٌّ بنا أن نضعها في مصاف القوانين والدساتير في وقتنا الحاضر وكان إقبال النساء عليها طالبات للعلم يرسينا بعض حقائق فاطمة العالمة المعلّمة.(16)
وحتى الرجال كان يقصدونها مستفيدين مها ومن الأمثلة مجيء أبن مسعود عندما سألها وقال لها: يا ابنة رسول الله،هل ترك رسول الله عندك شيئاً نتعلمه؟فقالت(ع): يا جارية هاتي تلك الأوراق طلبتها فلم تجدها.فقالت فاطمة: ويحك اطلبيها فأنها تعدل عندي حسناً وحسيناً..إلى أخر الخبر.
وحادثة المرأة جاءت التي سالت الزهراء روحي لها الفداء والتي ذكرناها أنفاً مسائل علمية فإجابتها عن سؤالها الأول،وظلت تسأل حتى بلغت أسئلتها العشرة .ثم خجلت من الكثرة،فالت : لا أشق عليك يا ابنة رسول الله ، فقال (ع) : هاتي وسلي عما بدا لك.أني سمعت أبي يقول : ((أن علماء أمتنا يحشرون فيخلع عليهم من الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في أرشاد عباد الله)).(17)
ولكي لانطيل على القارئ مقالنا سوف نستكمل أن شاء الله هذه السيرة العطرة لسيدة نساء أهل الجنة سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام ) إن كان لنا في العمر بقية والتي سوف نتناول فيها ذكرها في القرآن والتي تحتاج إلى مقال ووقفة مفصلة فيها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [النور : آية 36 ، 37]
2 ـ [الأحزاب آية 23]
3 ـ وهو مذكور في كل كتب الصحاح الستة والبخاري ذكره في ج 5 ص274 وكل مصادر العامة والشيعة
4 ـ [الضحى : آية 4 ’ 5]
5- الشهيد الثاني زين الدين العاملي، من كبار فقهاء الإمامية، وكان مجاهداً في سبيل الله حتى ضاق عنه حكام لبنان وحكام الروم، فبحثوا عنه تحت كل حجر ومدر، وأخذوه في أيام الحج، فقتلوه على ساحل البحر، ثم أهدي رأسه إلى ملك الروم وترك جسده الشريف على الأرض، وكان بتلك الأرض جمع من التركمان، فرأوا في تلك الليلة أنواراً تنـزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبه. راجع كتاب (السياسة من واقع الإسلام) لآية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
6- راجع منية المريد: ص115.
7 – تفسير الإمام الحسن العسكري …: ص340 ـ 341 ح216.
8 – بحار الأنوار: ج27 ص104 ح74.
9 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل اسوة للنساء . المؤلف آية الله العظمى الأمام السيد محمد الحسيني الشيرازي .
10 ـ فاطمة أم أبيها. فاضل الحسيني الميلاني. مؤسسة الوفاء ، بيروت،لبنان
11 ـ نفس المصدر.
12 ـ الميرزا حسين النوري ، مستدرك الوسائل ، ج2/635
13 ـ المدثر آية38
14 ـ النجم آية39.
15 ـ فاطمة أم أبيها. فاضل الحسيني الميلاني. مؤسسة الوفاء ، بيروت،لبنان
16 ـ فاطمة أم أبيها. فاضل الحسيني الميلاني. مؤسسة الوفاء ، بيروت،لبنان ص93
17 ـ السيد محسن الأمين ، المجالس السنية ج2/130، دار التعارف بيروت 1394 هـ