قبس من فضائل الزهراء عليها السلام .
عرفت الزهراء بعابدة البيت النبوي، حتى قال الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة بنت رسول الله، وكانت تقوم بالأسحار حتى تورمت قدماها([1]).
وقال النبي(ص)، عنها: Sمتى قامت في محرابها بين يدي ربها (جل جلاله) زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عز وجل) لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أَمَتي فاطمة، سيدة إمائي قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت على عبادتي، أُشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النارR([2]).
وجاء في (عدة الداعي): أن فاطمة كانت تَنهَج في الصلاة – أي تتابع النَفَس – من خيفة الله.
وعن ابنها أبي محمد الحسن(ع) قالت: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار([3]).
صبرها:
مرض رسول الله في أواخر أيامه، واشتدّ عليه المرض، وفاطمة تنظر إليه وتشاطره آلامه ومرضه، وتمر الأيام ثقيلة على المسلمين وتعايشها فاطمة عليها السلام بحزن وألم، وينتقل النبي(ص)، إلى جوار ربه، وتشتد الرزية على فاطمة، ويعظم المصاب في نفسها، وتظل تعيش بعد أبيها في لوعة وحزن وهي تترقب ساعة اللحاق به، والعيش معه في جنة الخلد، وظلت صابرة محتسبة منقطعة إلى الله سبحانه بالعبادة حتى وافاها الأجل الذي كانت تحنو إليه وتشتاقه لتلقى أباها رسول الله(ص)، .
شهادتها:
بعد وفاة أبيها اشتد عليها الحزن والأسى، ونزل بها المرض لما لاقته من ظلم واضطهاد من قبل أزلام الزمرة الحاكمة آنذاك من الهجوم على دارها، وعصرها بين الحائط والباب، وسقوط جنينها محسن، وكسر ضلعها، وغصب إرثها وأرض فدك.
وعندما أحسّت عليها السلام بالأجل يدنو طلبت من أسماء بنت عميس أن تضع لها فراشاً وسط البيت، وطلبت إحضار علي(ع) فحضر، فقالت له: … أوصيك بأشياء في قلبي، فقال لها: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله وأخرج مَنْ في البيت، ثم أتمت وصيتها، وارتفعت روحها الطاهرة إلى عالم الخلد والنعيم، وكان ذلك في الثالث عشر من جمادى الأولى (السنة 11 هـ)، وفي رواية في 3 من جمادى الثانية كما سيأتي.
وبعد انتشار نبأ رحلة الزهراء احتشد أهل المدينة على باب الإمام علي(ع) ينتظرون التشييع، فأخبرهم أمير المؤمنين بأنه أخّر تشييعها هذه الليلة، فصلى عليها بعد تغسيلها وتكفينها، وبقي جثمانها الطاهر حتى غطى الليل سماء المدينة، فدفنها وعفى أثر قبرها لئلا يعرف حسب وصيتها عليها السلام ، لتؤكد للأجيال مظلوميتها واغتصاب الحقوق التي أوصى بها أبوها لها، ولكي تبقى هذه المظلومية دائماً في ضمير التاريخ. فالمظلومية تحكي وإلى أن تقوم الساعة أنّ الدين يتجدّد بودّهم، فما من إنسان مهما كان دينه يعلم مظلومية أحد إلا وإنحاز إليه إذا كان من ذوي الألباب. وهكذا فإن الدين، هو الانحياز لأهل الكساء، الذين اختاروا أن يكونوا مظلومين ولا يكونوا ظالمين([4]).
…………………………………………………………………………………………………………………….
([1]) بحار الأنوار 43: 84، وكتاب فاطمة الزهراء لأحمد الرحماني الهمداني: 215.
([2]) الأماني للصدوق؛ المجلد 24: 100، ونفس المصدر السابق.
([3]) دلائل الإمامة لأبي جعفر الطبري طبعة النجف: 52، وكتاب فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى لأحمد الهمداني: 79.
([4]) لمزيد المعرفة حول ما جرى على الزهراء بعد أبيها وكيفية شهادتها راجع المصادر التالية: شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 84، وكتاب العقد الفريد لإبن عبد ربّه 5: 13، وكتاب الإمامة والسياسة لإبن قتبة 1: 12.