السؤال: ورد في الرواية التاريخية أنّ زوجة النبي عائشة بنت أبي بكر، كانت تقول: كنّا نغزل ونضع الخيط في سمّ الخياط على نور فاطمة.. ما مدى صحّة هذا الحديث؟ وهل هو مرويٌّ من كتب أهل السنّة؟ (جمال، الكويت).
الجواب: هناك عدّة روايات وردت في موضوع نور وجه فاطمة عليها السلام (في الأرض، بصرف النظر عن موضوع نورها في السماء أو في بداية الخلقة)، وهي:
الرواية الأولى: ما أورده الشيخ الصدوق في علّة تسميتها بالزهراء حيث قال: (أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني جعفر بن سهل الصيقل، عن محمّد بن إسماعيل الدارمي، عمّن حدّثه، عن محمّد بن جعفر الهرمراني، عن أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا ابن رسول الله، لم سمّيت الزهراء عليها السلام زهراء؟ فقال: لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة، والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة، فتبيضّ حيطانهم، فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عمّا رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة، فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة، فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفرّ ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبيَّ صلى الله عليه وآله فيسألونه عمّا رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قايمةً في محرابها، وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكرا لله عز وجل، فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم، وتحمرّ حيطانهم، فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله ويسألونه عن ذلك، فيرسلهما إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منّا أهل البيت إمام بعد إمام) (علل الشرائع 1: 180 ـ 181).
وهذه الرواية يمكن تسجيل بعض الملاحظات عليها:
أولاً: إنّها ضعيفة السند، فهي ـ من جهة ـ مرسلة؛ لأنّ محمّد بن إسماعيل الدارمي قد نقل الحديث عن شخص لم يُذكر لنا اسمُه، فلا نعرف من هو ولعلّه غير ثقة، كما أنّ بعض الرواة ـ من جهة أخرى ـ لم ينصّوا على توثيقهم ولا دليل على عدالتهم، مثل: محمّد بن إسماعيل الدارمي، وجعفر بن سهل (سهيل) الصيقل (على بعض النظريات في الأخير كنظرية السيد الخوئي التي لا ترى وثاقته).
ثانياً: إنّ الحديث يقول بأنّهم كانوا يرون بياضاً أو صفرةً على حيطان منازلهم مثلاً، فيذهبون للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيسألونه فيخبرهم، وهنا ـ بصرف النظر عن أنّهم قد كان بإمكانهم الذهاب مباشرةً خلف مصدر النور ـ كيف كانوا يستطيعون الدخول إلى بيت فاطمة ويرونها تصلّي؟ وهل كان من اللائق دخول الناس إلى بيتها وهي في محراب الصلاة؟ ثم لو غضضنا الطرف عن هذا كلّه، وقلنا: لعلّه لخصوصية أو لأجل بيان الكرامة، وأنّ النور غير محدّد المصدر، فإنّ سياق الحديث لو نلاحظه كلّه كان بصيغة الفعل المضارع، وهي صيغة تدلّ ـ لغويّاً وعربيّاً ـ أنّهم كانوا يفعلون ذلك مراراً، وهنا نسأل: عندما حصل هذا، فعرفوا السبب في المرّات الثلاث في اليوم الأوّل، لماذا كانوا يأتون مرّاتٍ أخَر في الأيّام اللاحقة، كما تفيد ذلك صيغةُ المضارع المتكرّرة في الحديث من أوّله إلى آخره؟
ثالثاً: إنّ هذا الحديث يدلّ على حصول ذلك في أوقات محدّدة من اليوم، وهي أوقات الصلوات؛ ولا يفيد أنّ وجه الزهراء سلام الله عليه كان كذلك دائماً.
الرواية الثانية: ما يحكى عن عائشة زوج النبي من أنّها حدّثت عن أنّهنّ كنّ يغزلن ويخطن على نور وجه فاطمة في الليل، وقد بحثت كثيراً عن هذا الحديث ولم أعثر له على وجود في مصادر الحديث السنيّة والشيعيّة، ولا في مصادر التاريخ والسيرة السنيّة والشيعيّة، لكنّني رأيت نصّاً ناقلاً للسيد المرعشي في شرح إحقاق الحقّ، وهو المعروف باستقصائه للنصوص، حيث يقول: (ضوء وجه فاطمة، رواه القوم: منهم العلامة المؤرّخ الشيخ أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالقرماني في كتابه (أخبار الدول وآثار الملل) (ص 87 ط بغداد) قال: قالت عائشة: كنّا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة… إنها كانت كالقمر ليلة البدر، رواه القوم: منهم العلامة المؤرّخ أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي المتوفّى سنة 437 في (تاريخ جرجان) (ص 128 ط حيدر آباد) قال: بندار بن إبراهيم بن عيسى أبو محمد الاستراباذي، روى عن محمد بن زكريا الغلابي، وبكر بن سهل الدمياطي، وغيرهما. أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا بندار بن إبراهيم. عيسى أبو محمد الاستراباذي بجرجان، حدّثنا محمد بن زكريان الغلابي، حدّثنا العباس بن بكار، حدّثنا عبد الله بن المثنّى، عن عمّه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك: سألتني أم سلمة عن صفة فاطمة رضي الله عنها فقلت: كانت أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم بيضاء، مشرقة، جمرة، كأنها القمر ليلة البدر أو شمس تغرب غماماً، لها شعر تعثر فيها… ومنهم العلامة أبو المؤيد موفق بن أحمد في مقتل الحسين (ص 70 ط الغري) قال: أنبأني الإمام فخر الأئمة أبو الفضل الحفربندي، أخبرنا الحسن بن أحمد السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم بن أحمد، وإسماعيل بن أبي نصر، وأحمد بن الحسين قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا الحسن بن محمّد، حدّثنا محمد بن زكريا، حدّثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: سألت أمّي، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالت: كانت كالقمر ليلة البدر، أو كالشمس إذا خرجت من السحاب بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشدّ الناس برسول الله صلى الله عليه وآله شبهاً، كانت والله كما قال الشاعر… (المرعشي، شرح إحقاق الحقّ 10: 244 ـ 246).
وذكر محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي (1228هـ) فقال: (روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: كنت أسلك الخيط في سمّ الخياط في الليلة المظلمة من نور وجه فاطمة) (نخبة اللآلي لشرح بدأ الأمالي: 85).
أقول: فتّشت كثيراً عن هذا الحديث فلم أعثر على شيء يمكن اعتباره مصدراً معتمداً له، ونحن لو تأمّلنا في نصَّي كلّ من صاحب إحقاق الحقّ والريحاوي سوف نستنتج ما يلي:
أولاً: إنّ الريحاوي المتوفى قبل حوالي المائتي عام فقط، أي في القرن الثالث عشر الهجري ينقل القضية بصيغة (وروي)، ولا نعرف المصدر ولا السند ولا غير ذلك، ولعلّ المصدر هو نفس من نقل عنه في إحقاق الحقّ.
ثانياً: إنّ ما نقل في شرح إحقاق الحقّ يرجع إلى روايتين إحداهما تصف بياض الوجه ونوره وصفاً مجازياً واضحاً، وهي الرواية الثانية والثالثة، فعندما تضع وجهاً أبيض ناصعاً مع شعر أسود بحسب الرواية، وتكون عناصر الجمال الأخرى متوفّرة، فسوف يكون الوجه كالقمر ليلة البدر، وهذه تعابير مجازية نستخدمها إلى يومنا هذا، على أنّني لم أفهم الوجه في تناقل هذا التوصيف لهذه المرأة الطاهرة، فبأيّ حقّ يتمّ نقل هذا الوصف بهذه الطريقة عنها، وهي المرأة المصونة الطاهرة بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم؟! إنّ هذا التوصيف يجرح مشاعر المؤمنين المحبّين لفاطمة (وأنا حذفت بعض المقاطع الشعريّة من النصّ؛ لأنني رأيت ذلك لا يليق)، علماً أنّ الرواية الأولى غريبة، فكيف تسأل أمّ سلمة رجلاً ليصف لها السيدة الزهراء؟! ألم ترها بنفسها؟! صحيحٌ أنّ أنس بن مالك ربما يكون رأى الزهراء عليها السلام وهي صغيرة، أو لأنّه صغير؛ حيث ينقل أنّه كان له من العمر عشر سنوات عندما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة المنوّرة، وكان أنس خادم النبي كما هو معروف، لكنّ هذا لا يجعلنا نفهم كيف أنّ أم سلمة تسأله عن فاطمة والمفروض أنها كانت تراها، فهي جزء من البيت النبوي؟! وكيف ينقل أنس بن مالك هذه القصّة؟! بل كيف يجرؤ أن يسأل عن صفة امرأةٍ مستورة؟ وكيف يحقّ لأمّ سلمة ـ وهي الممدوحة على لسان النبي ـ أو لغيرها وصف امرأة مصون مثل الزهراء عليها السلام لرجلٍ آخر؟! هذا كلّه يجعلني أضع هذه الأحاديث في عداد الغريب حقّاً، البعيد عن الثقافة العربية والإسلاميّة، حتّى لو أردتُ أن أحتمل أنّ التوصيف كان للزهراء عليها السلام في صغرها، لكنّها على أيّة حال واضحة في التصوير المجازي لموضوع البدر المنير، فلا علاقة لها ببحثنا.
ثالثاً: إنّ الرواية الأولى التي تنقل عن ابن سنان القرماني، لا سند ولا مصدر لها أيضاً، فكيف يمكن الاعتماد عليها، والقرماني هذا متوفى عام 1019هـ، أي في القرن الحادي عشر الهجري، فما هو مصدره في هذه المعلومة التي ينقلها عمّا قبل ألف عام من تاريخه؟
رابعاً: إذا كانت هذه الحالة النورانية في وجه السيدة فاطمة الزهراء طارئة، وقد حصلت لمرّات معدودة فلا بأس، لكنّ ظاهر الحديث قد يقال إنّه يفيد استمراريّة هذه الحال، وهنا قد يُتساءل: لو كانت هذه المرأة تشعّ نوراً من وجهها، وأريد من هذا المعنى الحقيقي للكلمة، بحيث تتمكّن عائشة زوجة النبيّ من وضع الخيط في سمّ الخياط والغزل على نور وجهها، لو صحّ هذا بشكل دائم لعُدّت هذه من ظواهر الإعجاز المتواصلة في حياة أهل المدينة، ولتدفّقت النسوة للنظر إليها، وملاحظة هذه الظاهرة الغريبة الخارقة للعادة، ولو كان هذا الأمر صحيحاً فلماذا لم ينقل لنا ذلك سوى في رواية ضعيفة متأخّرة زمنيّاً؟ وكيف يمكن مع تكثر الدواعي لنقل مثل هذا الحدث المستمرّ طيلة حياتها سلام الله عليها، كيف يمكن عدم حصول كثرة في التناقل لهذا الموضوع؟ بل حتّى بين الشيعة لا يوجد عين ولا أثر لهذا الحديث سوى قصّة النور الذي رأوه عند صلواتها، وهذا غير نور وجهها في الحالة العاديّة، فحتى الشيعة لم يتناقلوا حدثاً مثل هذا رغم توفر الدواعي إلى نقله وعظيم أهميّته والعنصر الإعجازي الذي فيه. إنّ هذا كلّه يضع علامات استفهام حول هذا الحديث الذي ينقل لنا هذه القصّة عن عائشة، فلو تكثّرت طرقه وظهر في المصادر القديمة لكان يمكن قبوله، أمّا وبهذه الحال من شُحّ المصادر وانعدام الأسانيد وتوفّر الدواعي لنقله وغيابه عن مصادر الشيعة، فإنّه يشكل جدّاً في صحّة هذه القضيّة، بناءً على كونها ظاهرة مستمرّة في حياتها سلام الله عليها، لا على كونها تحدث في أوقات معينة أو حدثت أحياناً، أو كانت ضرباً من المجاز.
من هنا، لم يتحصّل دليلٌ تاريخي أو حديثي واضح يثبت هذه الخصوصيّة الدنيويّة لوجه السيدة الزهراء عليها السلام (بحسب ما بحثت وفتّشت، ولعلّي مقصّر أو قاصر في التفتيش)، وإن كانت هذه المرأة الطاهرة تليق بما هو أزيد من ذلك.