بقلم: دعاء الربيعي
إنَّ الحديثَ عن السيدةِ الزهراء (عليها السلام) هو حديثٌ عن النبوّةِ وعنِ النبي محمد (صلى الله عليه وآله)؛ لأنَّها (صلوات الله عليها) هي الكائنُ المُطهَّرُ الذي استُخلِصَ من جسدِ الرسالة، وبلا شك أنَّ السيّدةَ فاطمةَ (عليها السلام) تُمثِّلُ الرسالةَ روحًا وفكرًا ومنهجًا وسلوكًا.
ونظرًا لشدّةِ التشابُهِ والتوافقِ بينَ الصورتين، فإنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كانَ يصِفُ الزهراءَ (عليها السلام) بأنّها روحُه التي بينَ جنبيه، وأنَّ رضاها من رضاه وسخطَها من سخطِه، من آذاها فقد آذاه ومن أحبّها فقد أحبّه.
فالزهراءُ (عليها السلام) هيَ من خُلّصِ أولياءِ اللهِ (تعالى) الذين اعترفتْ لهم السماءُ بالعظمةِ قبلَ أنْ يعرفَهم أهلُ الأرضِ. إنَّ شخصيةَ هذه الإنسانةِ العظيمةِ هي شخصيّةٌ فريدةٌ من نوعِها لم تتكرّر في عالمِ الوجودِ ليسَ لأنّها ابنةُ خيرِ الرُسُلِ (صلى الله عليه وآله) وزوجةُ وصيّه (عليه السلام) فحسب، بل لأنّها الكيانُ الأكملُ والنموذجُ الأمثلُ للمرأةِ بشكلٍ عامٍ.
فالزهراءُ (صلوات الله عليها) هي الراضيةُ المرضيةُ والمُباركةُ الزكيّةُ والتقيّةُ النقيّةُ والحوراءُ الإنسيّةُ التي كانَ يوليها أبوها الرسولُ (صلى الله عليه وآله) أهميةً خاصّةً في إطارِ الاحترامِ والإكبارِ وليس هذا اعتباطًا أو بسبب ما تستدعيه عواطفُ الأبوّة، بل لأنّه أراد أنْ يُشيرَ إلى أهميةِ تلك الشخصيّةِ العظيمةِ، وما سيترتبُ عليها من دورٍ مهمٍ وفاعلٍ في الرسالةِ بعدَ رحيلِه (صلى الله عليه وآله)؛ حيثُ أرادَ أنْ يُلفِتَ نظرَ المُسلمين عامّةً إلى سلامةِ وصِحّةِ وأحقيّةِ الخطِّ الذي سوفَ تنتهجُه السيّدةُ الزهراءُ (عليها السلام) ومالها من الدورِ الفاعلِ في مجرى وسيرِ الأحداثِ بعد استشهاده (صلى الله عليه وآله).
لقد كانتِ الزهراءُ (عليها السلام) قدوةً حسنةً لجميعِ المُسلمين؛ فهي قدوةٌ في كُلِّ جانبٍ من جوانبِ حياتِها، قدوةٌ في سلوكِها الشخصيّ وفي سلوكِها الاجتماعيّ والسياسيّ وهي أُسوةٌ أيضًا في سلوكِها مع ربِّها؛ فهي المُحدَّثةُ التي تُحدِّثُها الملائكةُ كما في بعضِ الروايات.
فحريٌ بنا كنساءٍ موالياتٍ لمُحمّدٍ وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) أنْ نتخذَ من شخصِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) قدوةً ومن فكرِها منارًا ومن سيرتِها شعلةً تُضيئُ لنا دروبَ الحياةِ المُدلهمة.
وحتّى نعرفَ مدى تأثُرِ النساءِ المواليات بالسيّدةِ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وجّهنا سؤالًا لشريحةٍ مُختلفةٍ من النساء، وكانَ السؤالُ كالتالي: من وجهةِ نظرِكن كيفَ يُمكِنُ للمرأةِ المواليةِ اليومَ أنْ تقتديَ بالسيدةِ الزهراء (عليها السلام) كي تُساهمَ في الحفاظِ على دينِها ومُعتقدِها في ظِلِّ الهجماتِ الفكريةِ والثقافيةِ التي يتعرَّضُ لها الدينُ في الوقتِ الحاضر؟
وكانتِ الإجاباتُ كالتالي:
بيّنتِ الكاتبةُ ولاء قاسم العبادي من النجفِ الأشرف:
دلّتِ الأدلة الشرعية على أنَّ السيدةَ الزهراءَ (عليها السلام) تجسيدٌ للرسالة الإلهية، وأنَّ رضا الله تعالى مقرونٌ برضاها، وعليه، فما من امرأةٍ تسعى إلى رضا الله (تعالى) إلا وقد جعلتِ الزهراء (صلوات الله عليها) بوصلةَ حياتِها، تتأسّى بها في جميع مفاصلها، ولا يكون ذلك إلا بالانطلاق من معرفة سماتها الجليلة وصفاتها النبيلة. ومن أبرز تلك الصفات علمها اللدني (روحي فداها)، وروحها الرسالية التي أبَتْ إلا أنْ تتصدّى لتصحيح مسار الدين الإسلامي عندما أراد له المنافقون الطامعون بالسلطةِ الانحرافَ، فجنّدتْ عظيمَ منزلتِها ورفيعَ مكانتِها لتحولَ دون ذلك، وعندما لم يُجدِ ذلك نفعًا وتجاهل القومُ مقامها الشريف، ذكّرتهم بهويتها (سلام الله عليها) وهيَ هيَ التي يعرف قدرها المنيف القاصي قبل الداني. وعندما تمادوا في بغيهم وطغيانهم لم تنثنِ، بل امتشقتِ الصبرَ سلاحًا واستمرّت في دفاعها عن الولاية، حتى مضت شهيدةً تاركةً علامةً كبيرةً في جبين التاريخ تدلُّنا وجميعَ الباحثين عن الحقيقة على مرِّ العصورِ والأزمان على الإسلام الصحيح الذي ارتضاه الله (تعالى) للمسلمين دينًا، ذلك هو قبرها المخفي (صلوات الله عليها)، فلابُدَّ للمرأة المؤمنة أن تسعى للاقتداءِ بسيّدةِ النساء (عليها السلام) لا سيما في وقتنا الحاضر حيث لم يفتأ الأعداء يُسدِّدون سهامهم إلى ديننا الحنيف ومذهبنا الشريف، بأنْ تنطلقَ من اكتسابِ العلم بكُلِّ ما أوتيت من جهدٍ وقوة، لأنّه أساسُ البناء العقدي الرصين الذي يصمدُ أمامَ الهجماتِ الفكريةِ، ولا تُزلزِلُه الفتنُ مهما كانتْ قوية، فإنْ حصّنت نفسها وعقيدتها انبرتْ في تحصين أسرتها وما أمكنها من مجتمعها. ولا تكتفي بذلك بل تتخذ من الزهراء (عليها السلام) قدوةً لها، فتتقدّم من خطِّ الوقاية والتحصين إلى خطِّ الدفاع، فتتصدّى للهجمات الفكرية وتدفع الشُبُهاتِ العقدية بما أمكنها من وسائل وأدوات وأهمُّها الكلمةُ والقلم.
على حين وضّحتِ الكاتبةُ مريم الخفاجي من كربلاء المُقدّسة:
الاقتداءُ لا ينتجُ إلا بعدَ وعيٍّ كافٍ؛ لذا فالمرأةُ في بادئِ الأمرِ يجبُ عليها أنْ تتسلّحَ بالوعي الكافي، ويتوجّبُ عليها أيضًا أنْ تتعرّفَ على مبادئ السيّدةِ الزهراء (عليها السلام) وتقتنعَ بها، وإلا بخلافِ ذلك ستكونُ مُعرّضةً للرجوعِ عن حجابِها والتزامِها ومُهددةً بتسرُبِ الأفكارِ الخاطئةِ كُلَّ لحظةٍ؛ لذا نحنُ ندعو إلى أنْ تكونَ الأُمُّ واعيةً بالمستوى المطلوب كي تتمكّنَ من زرعِ هذا الوعي في نفسِ أطفالِها. وبهذا سينتجُ لدينا جيل موفق واعٍ قادرٌ على مواجهةِ أيّ انحرافٍ فكري وعقائدي يتعرّضُ له.
وأكّدتْ مُدرِّسةُ اللُغةِ العربيةِ نبأ صالح مهدي من محافظةِ البصرة:
نظرًا لما تواجهه المرأةُ اليومَ من تحدّياتٍ على جميعِ الأصعدةِ توجّبَ عليها أنْ تجعلَ من سيرةِ الزهراءِ (روحي فداها) نهجًا حياتيًا ومنارًا تهتدي به، سواء داخلَ البيتِ بطريقةِ التعامُلِ مع الزوجِ والأبناءِ وأدائها الواجباتِ الأُسريةِ أو خارجَه، وعلى المواليةِ أيضًا أنْ تتخذَ من سترِ وحجابِ الزهراءِ (عليها السلام) عنوانًا لها؛ فقد رويَ أنَّ السيّدةَ الزهراءَ (عليها السلام) كانتْ تتستّرُ حتّى من الرجلِ الكفيف! إذن يتوجّبُ علينا كفاطمياتٍ ومُنتمياتٍ لمدرسةِ الزهراء (عليها السلام) أنْ نسيرَ على النهجِ القويم الذي خطّتْه لنا مولاتُنا (عليها السلام) علَّنا نصلُ إلى بَرِّ الأمان.
وأضافتِ الكاتبةُ خديجةُ علي عبد النبي من دولة الإمارات:
يتوجّبُ على المرأةِ أنْ تدعمَ حجابَها الظاهرَ بحجابٍ معنوي قوي، وأنْ تتحلّى بصفاءٍ داخلي وجمالٍ أخلاقي، أيّ أنْ تتحلّى بالإنسانية، فالكثيرُ من الأخواتِ مع الأسفِ قد تجذبُكَ هيئتُها الزينبيةُ لكنها للأسف فظّةٌ بالتعامُلِ مع الآخرين أو قد تكون حسودةً أو ممّن يغتابُ كثيرًا وما شابه ذلك. فيتوجّبُ أنْ نقتديَ بالزهراءِ (عليها السلام) من كافةِ النواحي وليس بالحجاب الظاهري فقط بل الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء.
وقالت جنان صالح الجبوري/ ربّةُ منزلٍ وأُمٌّ لأربعةِ أطفال:
إنَّ الزهراءَ (عليها السلام) تؤكدُ أنَّ على المرأة أنْ لا ترى رجلًا ولا يراها رجلٌ، وأنْ تكونَ مُجاهدةً في بيتِها من خلالِ طاعةِ زوجِها ورعايةِ أولادِها وتربيتِهم. كما يتوجّبُ على المرأةِ أنْ لا تُقصِّرَ في نُصرةِ دينِها ومُعتقدِها، ويتوجّبُ عليها أنْ تتخذَ موقفٍا إذا ما تطلّبَ الأمرُ ذلك؛ لذا نرى الزهراءَ (سلامُ الله عليها) عندَما اغتُصِبتِ الخلافةُ من أمامِ زمانها خرجتْ بكاملِ حجابِها وتصدّتْ للأمر، وخطبت خطبةً هزّتْ فيها عروشَ الغاصبين. وهكذا بيّنتْ لنا الزهراءُ (عليها السلام) أنّ حجابَ المرأةِ وسترَها لا يقفُ عائقًا أمامَ الدفاعِ عن الدينِ والمعتقد، إذ يتوجّبُ على المرأة في وقتِنا الحاضر أنْ تقفَ وقفةً حقيقةً ضدَّ الهجماتِ الشرسةِ التي نتعرّضُ لها من قبلِ أعداءِ الإسلامِ، وأنْ تُبيّنَ للعالمِ أجمع أنّ المرأةَ المواليةَ المُسلمةَ هي امرأةٌ قياديةٌ متأسيةٌ بالزهراءِ، يُمكِنُها أنْ تُدافعَ عن دينِها بالكلمةِ والموقف.
وأضافت علياء الشمري/ ربّةُ منزلٍ وأُمٌّ لولدين:
يجبُ على كُلِّ من تدّعي انتماءها للزهراءِ (سلام الله عليها) أنْ تجعلَ من الزهراءِ (عليها السلام) قدوةً لها في جميعِ مفاصلِ الحياة التي قامتْ بها (عليها السلام)، بدءًا من كونِها بنتًا بارةً ومرورًا بكونِها الزوجةَ الصالحةَ والأُمَّ المثاليةَ للحسنين وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام)، وانتهاءً في دفاعها عن إمامِ زمانِها (عليه سلام الله). لكن من أهمِّ الأمور التي يتوجّبُ الاقتداءُ بها في وقتنا الحاضر هو حجابُ السيّدةِ الزهراء وعفتها، حيث تذكرُ الرواياتُ عندما سُئلت (عليها السلام) عن ما هو خيرٌ للمرأة قالت: خيرٌ لها أنْ لا ترى رجلًا ولا يراها رجلٌ. وقد يصعبُ تطبيقُ هذا الأمرِ في الوقت الحاضر، إلا أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يرشدنا في خطبةٍ له بقوله: … إنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهادٍ وعِفّةٍ وسداد، وهذا هو المطلوبُ منّا اليومَ نحنُ كنساءٍ، فلا نقول: إنَّ على المرأة أنْ لا ترى رجلًا مُطلقًا ولا يراها رجلٌ، ولكن يتوجّبُ عليها الحفاظُ على سترِها وحجابِها وأنْ تسعى جاهدةً لصيانةِ دينِها وتطبيق أوامره التي تنصُّ على عِفّةِ المرأةِ وحيائها في التعامُلِ مع الرجل.
وأخيرًا أشارت زينب الغزي من البصرة/ ربّةُ منزلٍ وأُمٌّ لأربعةِ أطفالٍ:
يتوجّبُ على المرأةِ المُسلمةِ أنْ تكونَ متسلحةً بالوعي الديني والثقافي حتّى لا تنطلي عليها الأفكار الهدّامة، وتنميةُ هذا الجانبِ ليسَ بالأمرِ الصعبِ فيُمكِنُ للمرأةُ أنْ تُنمّيَ ثقافتَها الدينيةَ بالقراءةِ والاطلاعِ في مجموعةٍ من الكتبِ الدينيةِ التي باتتْ سهلةَ المنالِ في وقتِنا الحاضر، كما تُمكِنُ تنميةُ الجانبِ الديني عن طريقِ سماعِ المُحاضرات الدينية والوعظية وهي -بحمدِ الله (تعالى)- مُتوفرةٌ بكثرةٍ على شاشاتِ التلفزيونِ وعلى مواقعِ الإنترنت. وعليها بعد التطلُعِ والتثقُفِ أنْ تربطَ فكرَها مع الزهراء (عليها السلام) بالقولِ والفعلِ، وترى العملَ المُناسبَ الذي يتماشى مع ما تدعو له الزهراءُ وما يدعو له دينُنا وليس العكس.