تمهيد
تحتلّ مسألة القدوة والاقتداء مكانةً هامّة في حياة الإنسان، حتى إنّك تلاحظ أنّ أغلب الناس يسعون دائماً لاتّخاذ قدوة في أمور حياتهم المتنوّعة، يمشون على دربها ويتمثّلون بها. وهي مسألة لا تختصّ بعمر محدّد، بل نجد أنّ للصغير قدوته وأسوته، وكذلك الكبير أيضاً. وفي ذلك إشارة إلى أهمّية هذا المبدأ في حياة البشر، وإن اختلفت مصاديق القدوة بينهم وتنوّعت طرائق الاقتداء ومعايير اختيار القدوة، فإنّه تبقى مسألة القدوة على درجة كبيرة من الأهمّيّة في حياة الفرد والمجتمعات. وفي الدرس الأول من هذا الكتاب، ونظراً لأهمّية الموضوع، سوف نتعرّض لأصل قضية القدوة، وسوف نحاول الإجابة عن الأسئلة الأساسيّة الآتية: لماذا يحتاج الإنسان إلى قدوة في حياته؟ وهل يُمكنه أن يسير في حياته دون قدوة؟ وإن أراد الاقتداء، فبمن يقتدي؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟ وغيرها من الأسئلة.
معنى القدوة
“القُدْوَةُ اسم من اقتدى به، إذا فُعِل مثل فعله تأسّيا، وفلان قُدْوَةٌ، أي يُقتدى به”1. أمّا في معنى الْأُسْوَةُ، فقالوا هي “كالقدوة، وهي الحالة الّتى يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره”2.
وعليه، فالاقتداء والتأسّي هو التبعيّة للمُقتدى به والتسنّن بسنّته من قول أو فعل
1- المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، إيران، 1417ه، ط1، ج 9، ص 238.
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 99.
13
عمومًا، وهو المعنى الاصطلاحيّ أيضًا. فالاقتداء هو طلب موافقة الآخر في فعله، واتّباع شخصيّة تنتمي إلى القيم نفسها التي يؤمن بها المقتدي، وعادة ما يمثّل شخص المقتدَى به قدراً من المثاليّة والرقيّ والسموّ عند أتباعه ومحبّيه. والقدوة تنطوي في داخلها على نوع من الحبّ والإعجاب اللذين يجعلان المقتدِي يحاول أن يطبّق كلّ ما يستطيع من أقوال المقتدى به وأفعاله1.
لماذا أحتاج إلى القدوة؟
يندفع كلّ منّا في مراحل عمره الأولى لبناء شخصيّته بحسب موازين الكمال لديه ومصاديقه. ومثل هذا الاندفاع أمرٌ طبيعيّ بحكم الفطرة التي تعبّر عن الخلقة الأصيلة التي أودعها الله عزّ وجلّ فينا، وهي فطرة حبّ الكمال، حيث لا يخرج إنسان في هذا العالم عن هذه الفطرة ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾2, كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: “وهاتان الفطرتان الإلهيّتان، إحداهما التنفّر عن النقص والناقص، والثانية هي العشق للكمال والكامل. والأوّل أصليّ ذاتيّ، والثاني تبعيّ ظلّي… ففي جميع سلسلة البشر، مع اختلافهم في العقائد والأخلاق والطبائع والأمزجة والأمكنة والعادات، في البدويّ منهم والحضريّ، والبدائيّ والمُتمدّن، والعالم والجاهل، والإلهي والطبيعيّ، هاتان الفطرتان مُخمّرتان، وإن كانوا محجوبينَ عنهما، ويختلفون في تشخيص الكمال والنقص والكامل والناقص”3.
فمتى وجد الإنسان كمالًا معيّنًا توجّه نحوه وانجذب إليه وطلبه، إلّا أنّ هذه التوجّهات تخضع عند كلّ إنسان لقناعاته ورؤيته الخاصّة للكمال، فمنهم من يرى مثلاً الكمال في المال والشهرة، ومنهم من يراه في السلطة، ومنهم من يراه في العلم والمعنويّات… وهكذا يختلف الناس في تحديد مصداق الكمال الذي يصبون إليه. والإنسان، متى ما وجد ذلك الكمال متجسّدًا في شخص معيّن، مال نحوه مباشرة حتى يصير قدوته التي
1- راجع: مقال حول القدوة أهمّيتها ودورها، شبكة المعارف الإلكترونية.
2- سورة الروم، الاية 30.
3- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسوي، الآداب المعنوية للصلاة، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص 70.
14
يتأسّى ويقتدي بها. وإنّه من الصعوبة بمكان أن يتوجّه الإنسان في بناء شخصيّته نحو الكمال المنشود دون وجود النموذج الحقيقي، بل هو أمر مستحيل، لأنّ طبيعة الإنسان تتوجّه عادة نحو ما هو ملموس وواقعيّ. فالشخصيّة التي يطمح الإنسان أن يتأسّى بها سوف تبقى حلمًا ما لم يكن لها مصداق خارجيّ وحقيقي. لذا، ما لم يتجسّد الكمال ومصداقه في أمر خارجيّ، فسوف يُصاب الإنسان باليأس والخنوع.
فالقدوة هي ذلك الميزان الذي يقيس عليه الإنسان تصرّفاته، موضحاً له معالم الطريق الذي ينبغي عليه سلوكه، وما يتوجّب عليه فعله وتركه. والأهمّ من ذلك كلّه، إنّ وجود القدوة الحقّة في حياة الإنسان يتيح له إمكانيّة الوصول إلى الأهداف العالية، ويبعث في نفسه أملًا بأنّ هناك من استطاع الوصول قبله، فيشعل في قلبه حماسة تدفعه للاستمرار دومًا وعدم التوقّف، لأنّ حياة القدوة تمثّل له النموذج الأصحّ والأسلم ليجعل حياته وفقها، وتشكل ميزانًا لكلّ أموره وشؤونه. وهو ما سوف يسهّل عليه تجاوز الكثير من العوائق التي سوف تعترض طريق تكامله في قادم الأيام.
كيف أتّخذ قدوتي؟
إنّ اتّخاذ القدوة لا يكون بالجبر والإكراه، فلا يمكن لأحد أن يفرض على أيّ شخص آخر قدوة معيّنة، لأّن مسألة الاقتداء تابعة دوماً لقناعات كلّ فرد وميوله. فالمقتدي إنّما يتّخذ قدوته بما ينجسم مع مبادئه وتطلّعاته، بحيث يحرّكه شوقه ليصبح نموذجاً له. من هنا، ينبغي العناية والاهتمام البالغ في كيفيّة انتخاب القدوة، حتى لا تكون النتائج مخيّبة للأهداف والتطلّعات المنشودة.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله في تبيان كيفيّة اتّخاذ القدوة: “أولاً، إنّ القدوة يجب أن لا يُعرّف ويُقدّم لنا كقدوة، ويقال لنا: هذا قدوتكم، فمثل هذا الاقتداء تعاقديّ ومفروض وخالٍ من الجذابيّة. فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا، أيّ أن ننظر في أُفق رُؤانا ومعتقداتنا الحقّة ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسنا من بين تلك الصور. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصيّة قدوة لنا. ولا أعتقد بوجود صعوبة في
15
حصول الشابّ المسلم، ولا سيّما الشابّ المطلّع على حياة الأئمة وأهل البيت عليهم السلام في صدر الإسلام، على قدوة له. الأشخاص القدوة ليسوا قليلين”1.
إذاً، فقناعاتي وعقائدي وما أؤمن به وما أطمح إليه هو ما سوف يحدّد لاحقاً هوية القدوة التي سأقتدي بها وشكلها. فالمؤمن على سبيل المثال الذي يستمدّ معتقداته وقيمه من دينه، وتكون طموحاته مبنيّة على أسس دينيّة، فإنّ قدوته وأسوته بطبيعة الحال هي من يجسّد التعاليم والقيم الدينيّة ومن يحمل مشروع ذلك الدين.
كيف أقتدي؟
الاقتداء لا يستلزم أن يعيش المقتدي والقدوة في الزمن نفسه، كما إنّه لا يستلزم أن يمرّا بالأحداث نفسها، بل إنّ التعرّف إلى الخطوط العريضة والقيم التي حكمت تصرّفات القدوة كفيل بأن يحقّق الاقتداء. فمتى عرف المقتدي الأسس التي سارت عليها قدوته، أمكنه أن يسير عليها ويطبّقها في حياته، كما يبيّن ذلك الإمام الخامنئي دام ظله هذه المسألة حيث يقول: “أنتِ سيدة تعيشين في عصر طغى عليه التطوّر العلميّ والصناعيّ والتقنيّ وعالمٍ رحبٍ وحضارة ماديّة زاخرة بمختلف المظاهر الجديدة، فما هي الخصائص التي يتحقّق فيها معنى الاقتداء بشخصيّة سبقك عهدها بألف وأربعمئة سنة مثلاً؟ هل تتوقّعين في القدوة التي تتأسّين بها أنْ يكون لها وضع كوضعك، تقتفين أثره في حياتك الحاليّة وتفترضين، على سبيل المثال، كيف كانت تذهب إلى الجامعة؟ أو كيف كانت تفكّر في القضايا العالميّة، أو ما شابه ذلك؟ لا، ليس الأمر كذلك، والأمور المطلوبة التي يُقتدَى بها ليست هذه، بل هناك في شخصيّة كلّ إنسان خصائص أصيلة يجب تحديدها أولاً، ثمّ ينظر إلى القدوة في ضوء تلك الخصائص والميّزات. لنفرض، على سبيل المثال، كيفيّة التعامل مع وقائع الحياة اليوميّة المحيطة بالإنسان، فقد تكون هذه الوقائع متعلّقة تارةً بعصر انتشار المترو والقطار والطائرة النفّاثة والحاسوب، وقد تكون تارةً أُخرى متعلّقة بعهد لا وجود لمثل هذه الأشياء فيه. إلّا أنّ الإنسان يجب أن يواجه وقائع الحياة اليوميّة
6- من كلمة لسماحته قدس سره في لقاء جمع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة، بتاريخ 11 محرم 1419 هـ ق، في طهران، في إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيّات، وهو: كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
16
وأحداثها، وبإمكانه التعامل معها على نحوين متفاوتين، من دون فرق بين العصرين، فهو إمّا أن يتعامل معها تعاملاً مسؤولاً، وإمّا أن يقف منها موقفاً لا مبالياً.
ويتفرّع التعامل المسؤول بدوره إلى عدّة أنواع وأقسام، فبأيّ روحية وبأيّ نظرة مستقبليّة يكون التعامل؟ فالإنسان يجب أن يبحث عن تلك الخطوط العريضة والأساسيّة في الشخصيّة التي يتّخذها قدوة له، من أجل اتّباعها والسير على خطاها”1. إذاً، على المقتدي أن يبحث في حياة قدوته لاستكشاف تلك الأسس الحاكمة على حياتها واتّخاذها منهجًا وميزاناً، وبذلك يتحقّق الاقتداء.
السيدة فاطمة عليها السلام القدوة الحقيقيّة
بعد أن اتّضح معنى القدوة وموقعها في حياتنا وخصائصها، علينا البحث عن المصداق الحسن والواقعي لقدوة كلّ مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة، يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾2, حيث تبيّن لنا هذه الآية الكريمة وتعطينا فكرة واضحة عن النموذج الذي ينبغي علينا الاقتداء به، وهم ﴿الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾، وفي موضع آخر يقول عزّ وجلّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾3, وتبيّن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة والنموذج الأحسن والأتمّ، ولكن ليس لجميع الناس بطبيعة الحال، بل لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا. وبالتالي، فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة الحقيقية لكلّ مؤمن متديّن ومؤمنة متديّنة. وكذا هو الحال بالنسبة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن سار على خطاهم، فهم عليهم السلامقدوة كلّ تائق نحو الكمال الحقيقي والجمال الواقعي وملاذه.
1- من كلمة لسماحته في لقاء جمع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة, بتاريخ 11 محرم 1419 هـ ق، في طهران، في إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيّات، وهو: كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
2- سورة الأنعام، الآية 90.
3- سورة الأحزاب، الآية 21.
17
والإسلام العزيز، كدين، قد منّ على المؤمنات أيضاً أنّ قدّم لهنّ نموذجًا كاملًا من النساء، يلحظ خصوصيّاتهن ويجسّد حياتهن بمختلف أبعادها، وهذا النموذج هو السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. فالسيّدة فاطمة عليها السلام هي بنت الوحي والرسالة، وهي التي تربّت في حجر سيّد الخلق، فكانت الناطق العمليّ والمترجم السلوكيّ للإسلام في الحياة، كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: “إنّ مختلف الأبعاد التي يمكن تصورّها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام. لم تكن امرأة عاديّة، كانت امرأة روحانيّة ملكوتيّة…”1. فعندما نطّلع على سيرتها العطرة نجد أنّ أغلب الجوانب الحياتيّة التي تقاسيها المرأة – إن لم نقل كلّها – قد مرّت بها عليها السلام، حيث تقدّم لنا، بسلوكها النابع من الذوبان في الإسلام، الأسس والقواعد – على أقلّ تقدير – التي ينبغي اتّباعها في الحياة للالتحاق بها وتحقيق الهدف من الخلق. إنّ طريق الزهراء عليها السلام هو طريق العظمة، هو طريق رضى الله عزّ وجلّ والمراتب العلى، كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في إحدى كلماته مخاطباً النساء بمناسبة يوم المرأة: “إنكنّ حين رضيتنّ بأنْ يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام يوماً للمرأة، فهذا يرتّب على عواتقكنّ مسؤوليّات وتكاليف. يومكم، يوم المرأة ويوم الأمّ، وهو يوم فاطمة الزهراء عليها السلام، فما معنى هذا؟ إنّها خطوة رمزيّة وعمل رمزيّ (شعائري)، ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة، وعلوّ المقام والقدر يتحقّق للمرأة في هذا الدرب، الدرب الذي تتوافر فيه التقوى والعفاف، والعلم والخطابة، والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائليّة، وفيه الفضائل والجواهر المعنويّة كلّها. على النساء السير في هذا الاتّجاه2.
1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسويّ، مكانة المرأة في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخمينيّ قدس سره – قسم الشؤون الدولية، إيران، لا.ت، لا.ط، ص 12.
2- الإمام الخامنئيّ دام ظله، خطاب الولي 2011م، إعداد لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان – بيروت، 2012م، ط1، ص168، خطابه في ذكرى ولادة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام، بمناسبة ولادة بضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات ، بتاريخ 12/05/2012م، 01/03/1390 ه.ش، 18/06/1432ه.ق.
18
ولا يقولنّ لنا أحد أنّ السيدة فاطمة عليها السلام كانت معصومة فلا يصدر عنها إلّا الكامل من القول أو الفعل، وليست هذه حال الناس، فكيف يمكن أن يَقْتدي غير المعصوم بالمعصوم؟ أليس ذلك تكليفاً بما لا يُطاق؟
ففي سياق الإجابة نورد كلامًا للإمام الخمينيّ قدس سره، يقول فيه: “والإنسان الشرعيّ هو الذي ينظّم سلوكه وفق ما يتطلّبه الشرع، يكون ظاهره كظاهر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقتدي بالنبيّ العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ويتأسّى به في جميع حركاته وسكناته، وفي جميع ما يفعل وما يترك. وهذا أمر ممكن، لأنَّ جعْلَ الظاهر مثل هذا القائد أمر مقدور لأيّ فرد من عباد الله”1. فلو رجع الإنسان إلى نفسه ووجدانه لوجد أنّه يستطيع أن لا يعصي، ولكنّه يركن إلى الشيطان ونفسه الأمّارة، فالعصمة عن الذنوب والمعاصي أمر مقدور للجميع وإن احتاج إلى مجاهدة، إلّا أنّ هذا السلوك الظاهريّ المعصوم ليس مُختصًّا بالمعصوم، بل إنّ العديد من مراتب العصمة الأخرى أيضًا مُتاحة للإنسان، وهو أمر نشهده في سير العلماء. فقابليّة الإنسان أن يعصم نفسه تدفع الإشكال إن ورد، وإن كان للكمّل من خلق الله عليهم السلام من الأنبياء والسيدة فاطمة والأئمة خصوصيّة أنّ الله يصطفيهم ويعصمهم، ولديهم مراتب عصمة مختصّة بهم، وليس هذا محلّ البحث، وإنّما يبحث في علم العقائد والكلام، فنكتفي بالإشارة.
1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثًا، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص4.
19
المفاهيم الرئيسة
– تحتلّ مسألة القدوة والاقتداء مكانةً هامّة في حياة الإنسان. والاقتداء هو طلب موافقة المقتدي بالآخر (المُقتدَى به) في فعله، واتّباع شخصية تنتمي إلى القيم نفسها التي يؤمن بها المقتدي.
– يندفع كلّ منّا في مراحل عمره الأولى لبناء شخصيّته بحسب ما يراه كمالًا، وهو اندفاع طبيعيّ بحكم فطرة حبّ الكمال التي تعبّر عن الخلقة الأصلية التي أودعها الله عزّ وجلّ فينا. ومتى وجد الإنسان ما يعتبره كمالًا متجسّدًا في شخص معيّن مال نحوه وصار قدوته التي يتأسّى ويقتدي بها.
– إنّوجود القدوة في حياة الإنسان يوضّح له معالم الطريق الذي ينبغي له سلوكه، وكيفيّة سلوك ذاك الطريق، وما يتوجّب عليه فعله وتركه، كما أنّ وجود القدوة الحقّة في حياة الإنسان يبيّن له إمكانيّة الوصول إلى الأهداف العالية.
– إنّ المؤمن الذي يستمدّ معتقداته وقيمه من دينه وتكون طموحاته مبيّنة على أسس دينيّة، ينبغي أن تكون قدوته مجسّدة لتلك التعاليم والقيم الدينية ويحمل مشروع ذلك الدين، فالعقائد والقناعات والطموحات بالنسبة للفرد هي التي تحدّد من ستكون قدوته.
– إنّ التعرّف إلى الخطوط العريضة والقيم التي حكمت تصرّفات القدوة كفيل بأن يُوجِد رابطة الاقتداء بين المقتدِي والمُقتدى به.
– قدّم الإسلام العزيز للمؤمنات نَموذجًا كاملًا من النساء، يلحظ خصوصياتهن ويُجسّد حياتهن بمختلف أبعادها، إنّها الزهراء عليها السلام. حيث تقدّم لنا الأسس والقواعد التي ينبغي اتّباعها في الحياة للالتحاق بها وتحقيق الهدف من الخلق، لذا فهي تمثّل القدوة الحقيقيّة للمؤمنة.
– إنّ السير على خُطى الزهراء عليها السلام في الحياة أمر مقدور عليه بالأصل، هذا مع كونها معصومة منزّهة عن الخطأ، إلّا أنّ تلك المرتبة من العصمة الظاهرية متاحة لكلّ من أراد والوجدان شاهد بذلك.