الزهراء عليها السلام الفيصل والقدوةوما هي مسؤولياتنا تجاهها *
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.هذان الشهران (جمادى الأولى وجمادى الثانية) يتعلّقان بسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.وحديثنا بهذه المناسبة يدور حول ثلاثة محاور، هي:
(1)الزهراء عليها السلام فيصلاً
مقدمة في تقييم الأفکار
إن لتقييم الأفکار والنظريات والمبادئ والمذاهب طريقين هما:الأول: الطريق المباشر، حيث يتم التوجّه إلى الفکرة مباشرة ويجري تقييمها من خلال ذاتها، ويُنظر هل هي تتناقض مع ذاتها، ومع الواقع الخارجي أم لا؟الثاني: الطريق غير المباشر وذلك من خلال ملاحظة آثار الفكرة ونتائجها في الواقع. فهو من أفراد البرهان الإني ـ مقابل اللمي ـ في المنطق، وهو الذي يُنتقل فيه من المعلول إلى العلة كالاستدلال بوجود الدخان على النار. في هذا الطريق تُلاحظ نتائج الفکرة في الواقع الخارجي والحياة العملية، ثم يُحکم من خلالها على الفکرة ذاتها وفيما إذا کانت حقاً أم باطلا!ولسنا الآن بصدد الحكم ومعرفة إن كان أحد الطريقين صحيحاً أو كون کليهما يصحّان في الجملة، فليس هذا مدار بحثنا. إنما الذي نريد الحديث عنه هو الواقع القائم وهو أن الناس عادة يقيّمون الأفكار من خلال نتائجها، ولايقيّمها من خلال ذاتها إلا المفکرون بل بعض المفکرين. أما الطابع العام في المجتمعات فهو تقييم الفكرة من خلال نتائجها.فلو أخذنا الفکر المارکسي كمثال، فهناك من المفکرين من قيّمها من خلال ذاتها وأثبت بطلانها، ولکن ليس كل الناس يعرفون نظرية فائض القيمة التي طرحها کارل مارکس في مؤلفاته، ولا كلهم يعرفون الأدوار التاريخية الخمسة التي زعمها وهي مرحلة المشاعية فالإقطاع فالرأسمالية فالاشتراکية فالشيوعية، ولکن مع هذا ترى أغلب الناس يحكمون بخطأ الفكر الماركسي من خلال ملاحظة فشل الشيوعية في کل العالم ووخامة نتائجها. فلقد تحوّل الاتحاد السوفياتي السابق إلى دولة من دول العالم المتخلفة بعد أن کان إحدى القوتين العظميين في العالم، وانهار الاقتصاد الشيوعي بل النظام الشيوعي في العالم کله.
مقدمة ثانية: في تقييم الحکومات التي حکمت باسم الإسلام
و انتقلنا الآن إلى أدوار الحکم التي مرّت على المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحكمت باسم الإسلام وبعنوان الخلافة، نراها ثلاثة أدوار تبعتها أدوار أخرى.الدور الأول تمثّل في حکومة الثلاثة الأوائل. أما الدور الثاني فتمثّل في الحکومة الأموية، فيما تمثّل الدور الثالث في حکم بني العباس.إننا نعتقد أن هذه الأدوار الثلاثة أعطت انطباعاً سلبياً وعكست صورة بشعة عن الإسلام لدى کثير من عقلاء العالم، غير منكرين أن هناك مفکرين ومنصفين لاحظوا الإسلام من خلال ذاته، ولکن کما قلنا في المقدمة الأولى لا يقيّم کل الناس الأفکار من خلال ذاتها بل يحکمون عليها من خلال آثارها وتطبيقاتها. ومن ثم فإن هذه الحکومات الثلاث أعطتهم انطباعاً سيئاً عن الإسلام.لو شئنا تقريب الفکرة نستطيع القول إن کلاًّ منهم کان يشبه صداماً. أفهل هناك عاقل مستعدّ للرضوخ لحکم صدام، إلا أن يُفرض عليه بالحديد والنار؟!إن الحکام الذين حکموا باسم الخلافة الأموية والعباسية وغيرهما عکسوا صورة كهذه. فلقد رأينا معاوية مثلاً يفرض ابنه على المسلمين ثم يقوم خطيبه في المسجد فيقول: أمير المؤمنين هذا (ويشير إلى معاوية)، فإن مات فهذا (ويشير إلى يزيد)، ومن أبى فهذا (ويشير إلى سيفه)! فيقول له معاوية: اجلس فأنت أخطب الخطباء!أليس هذا منطق صدام؟وفي السقيفة نفسها حدث ما يشبه هذا! فماذا کان مصير زعيم الخزرج عندما اعترض وقال: منا أمير ومنکم أمير؟قالوا: طؤوه – وهذا ما يذکره القوم في کتبهم – فوطؤوه بأقدامهم حتى کاد أن يموت، وبقي عليلاً مريضاً حتى مات. ثم اتهموا الجن بقتله ووضعوا بيتين من الشعر ونسبوهما إلى الجن وهما:نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم تخطئ فؤادهأليس هذا منهج صدام وأسلوبه في تصفية خصومه؟أما يزيد فقد أخذ البيعة من الناس على أنهم خدم له يباعون ويشترون!إن صداماً لم يفعل هذا رسماً وظاهراً، بينما فعله يزيد وهو المسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله!!
دور الزهراء عليها السلام في فضح الحکومات الجائرة
النقطة المحورية في هذا البحث أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قاموا ـ بأقوالهم ومواقفهم ومظلوميتهم ـ في الفصل بين الحکومات الجائرة والإسلام.وکان لثلاثة من المعصومين عليهم السلام دور مهم في فضح هذه العهود الثلاثة.فکان لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام الدور الأساسي في فضح الحکومة الأموية وإسقاطها.أما الإمام الذي قام بفضح الحکومة العباسية من خلال مواقفه ومظلوميته فهو الإمام الکاظم عليه السلام الذي سُجن وجرى عليه ماجرى من ظلم و محن في هذا السبيل.بيد أن الدور المحوري والأهم کان لأم الأئمة فاطمة الزهراء عليها السلام، إذ إنها هي التي قامت بفضح أخطر الحلقات والأدوار؛ وذلك لأن حکومة الأوائل هي التي مهّدت الطريق لجميع جرائم الأمويين والعباسين والعثمانيين ومن جاء بعدهم، فإن الانحراف بدأ منذ ذلك الحين، کما أن تمکين الأمويين بدأ من تلك المرحلة أيضاً.وما أحسن الأشعار التي يرددها خطباء المنبر وشعراء أهل البيت عليهم السلام في وصف هذه الحقيقة، ومنها قول الشاعر:سهم أتى من جانب السقيفة وقوسه على يد الخليفةأي أن السهم الذي أصاب قلب الإمام الحسين عليه السلام في کربلاء کان منطلقاً من السقيفة.وقول الآخر:اليوم من إسقاط فاطم محسناً سقط الحسين من الجواد صريعاًأي أنه لو لم يکن ذلك الإسقاط وتلك الجرأة على بضعة قلب المصطفى وإسقاط جنينها يوم حرق الدار، لما بلغ الحال والوقاحة اليوم بالقوم لأن يصرعوا ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله على رمضاء کربلاء ويطأوه بحوافر خيولهم!إذن کان هذا السقوط نتيجة ذاك السقوط.وقول شاعر ثالث:کفٌّ بها أمك الزهراء قد ضربوا هي التي أختك الحورا بها سلبوافهذه نتيجة تلك!وموقف الزهراء عليها السلام کان يحظى بالأهمية المضاعفة لأنها هي التي بدأت بحلّ عقدة الخلط بين الدين وتصرفات الحکام الظلمة، فأنقذت الإسلام من خطر الزوال بزوال وهلاك أولئك الحکام المنحرفين. لقد قالت الزهراء عليها السلام بالموقف واللسان: إن هولاء لا يمثلون الإسلام والدين والنبي صلى الله عليه وآله. قالت ذلك في خطبتها الفدکية وقالته بإخفاء قبرها وذهابها إلى ربها وهي واجدة عليهم منکرة لأفعالهم.إن الخطبة الفدکية للزهراء عليها السلام مهمة جداً ومؤثرة في النفوس والعقول، ولقد تشيّع بسببها کثيرون. وقال أحد المستبصرين: لقد سمعت هذه الخطبة في شريط مسجّل، فهزتني وکانت الدافع لتحقيقي حتى أعلنت تشيعي!وهکذا مجهولية قبرها عليها السلام، إذ کيف يمکن أن يُتصور أن يکون لعائشة وکل زوجات النبي صلى الله عليه وآله قبور معروفة ولا يُعرف لفلذة کبد النبي وحبيبته قبر؟! ومهما حاول الخصوم أن ينکروا من حقائق فإنهم لا يستطيعون إنکار هذه الحقيقة. فکان هذا الموقف من الزهراء عليها السلام – حيث أوصت بإخفاء قبرها وعدم السماح للقوم بحضور تشييعها – من المواقف المهمة التي فصلت بين الممارسات الخاطئة للحكام وبين الفکرة النقية للإسلام، وکأنها – بأبي وأمي – قالت: إن هؤلاء الأشخاص لا يمثّلون الدين، وإنما هم حکّام متخلفون حکموا المجتمعات الإسلامية بمنطق الحديد والنار.ونحن إذ نحيي ذکرى الصديقة الکبرى فاطمة الزهراء عليها السلام فإنما هو إحياء لهذه الحقيقة أيضاً، فهي صلوات الله عليها أعطت المقياس والحدّ الفاصل بين الفکرة والتطبيق، وأنقذت الإسلام من خطر التشويه والزوال بسبب تصرفات الحكومات المنحرفة.
(2)الزهراء قدوةً
خطر النموذج الغربي وخواؤه
ننتقل الآن إلى موضوع آخر وهو موضوع الرمز والقدوة، فنقول:إن من الأمور التي يقوم بها الغرب اليوم صناعة الرموز في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والفکرية والسياسية – وهذه الرموز غير طبيعية وإنما يقومون بصناعتها بطريقة مقصودة – وهذا بحث طويل لا شأن لنا به الآن.إن ما نتوخاه من هذا البحث ونريد قوله هنا هو أن الغرب قد صنع رموزاً للمرأة في عالمنا المعاصر – من جملة ما صنع من رموز. وهذه قضية خطيرة جداً، وباتت خطورتها اليوم أکثر من أي وقت مضى، خاصة لو أخذنا بنظر الاعتبار العولمة وأدواتها، فإن الناس کانوا فيما مضى في مأمن من التخريب الثقافي إلا إذا ذهبوا إلى الغرب، أما اليوم فإن الغرب دخل إلى بيوتهم، إنه اليوم موجود في کل بيت شئنا أم أبينا عبر شاشات التلفاز والقنوات الفضائية وشبكات الانترنيت و…لقد صنعوا رموزاً جذابة للمرأة، فجعلوا منها نائبة في البرلمان، ورئيسة للوزراء بل رئيسة للجمهورية في بعض البلدان، وهذه الأمور مغرية للمرأة بلاشك، ولکننا نعتقد أن الغرب فشل في تحقيق هدفه. وذلك لأنه وإن دفع المرأة نحو القمة المادية لکن ينبغي أن نعرف أن الثمن الذي دفعته کان باهضاً.کان السيد الوالد (رحمة الله عليه) يضرب لذلك مثلاً ويقول: لو أن شخصاً مصاباً بداء السکري جلس إلى مائدة فيها مختلف أنواع الأطعمة، ولم يبال ولم يلتزم بالحمية بل أکل کلّ ما يشتهى مما هو موجود أمامه، فإن الثمن الذي سيدفعه سيکون أغلى من اللذة العاجلة التي حصل عليها حين لم يملك نفسه وترك لها الحرية الکاملة. إن مثل هذه الحرية ضارة بالإنسان وثمنها باهض جداً.وهکذا هو حال المرأة في الغرب فإن الثمن الذي دفعته لقاء المکاسب المادية التي حصلت عليها هو تحطم شخصيتها. فالمرأة الغربية محطمة، والعائلة في الغرب محطمة، والعلاقات بين الزوج والزوجة مفککة. بل يتفق أحياناً أن تموت امرأة في بيتها وحيدة ولا يُعرف بخبرها الا بعد انبعاث رائحة التعفن من المکان.أما نحن فوضعنا أفضل بکثير. إن عندنا تلاحماً وتقارباً وتزاوراً، في حين إن هذه القضايا مفقودة في الغرب. ولذلك بدأنا نشهد الآن ردود فعل عندهم تجاه هذه الحالة. فلقد تحدث أحد الخطباء عن ظهور جمعية باسم «جمعية المرأة المستسلمة لزوجها»، وهذه حالة مدهشة تحکي ردود الفعل على الواقع الذي بلغه الغرب في هذا المجال.والغريب أن عشرات الألوف من النساء الغربيات انتمين إلى هذه الجمعية، وقد ألّفت رئيسة الجمعية کتاباً يحمل الاسم نفسه (جمعية المرأة المستسلمة لزوجها) حيث طبع منه لحد الآن نصف مليون نسخة!أما فکرة الجمعية بإجمال فنابعة من أن الحضارة المادية أجّجت الصراع في داخل العائلة بين الرجل والمرأة من خلال خطاباتها التحريضية لکل منهما، فجعلت کلاً منها ضد الآخر – والمؤسف أن هذه الحالة بدأت تتسرّب إلى البلدان الإسلامية کلاً حسب مستوى تأثره بالحضارة الغربية -.إن الحضارة الغربية تقول للمرأة: لك کيانك وشخصيتك المناظرة للرجل فتمردي عليه فليس له قيمومة عليك بل أنت مساوية له لا فرق بينك وبينه من أية جهة. وهذا يعني تنصيب قائدين في موضع واحد وتأجيج الخلاف بينهما، فهل سيبقى هذا الکيان قائماً أم سيتحطم کما نرى في الغرب؟تقول الإحصائيات إن أرقام الطلاق في الغرب رهيبة جداً، وکذلك حالات الانتحار الناتجة من الخلافات العائلية. أما الخيانات الزوجية فغدت أسهل من شرب الماء عندهم.ملخص فکرة الجمعية هو العودة إلى الحالة التي کانت عليها المرأة قديماً خاضعة لزوجها، مستسلمة ومطيعة له وهو الذي يقوم على شؤونها (الرجال قوامون على النساء)!
الزهراء عليها السلام النموذج الصالح والقدوة الحسنة
إننا نعتقد أن أفضل رمز ونموذج يمکن أن نقدمه للمرأة في العالم کله، هي السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وسيقبل العالم عليها إن نحن نجحنا في تقديمنا لها وتعريفنا بشخصيتها العظيمة.لقد اطّلعت سيدة يابانية – في قضية طريفة لا مجال لتفاصيلها الآن – على حياة فاطمة الزهراء عليها السلام فتأثرت بها وقالت هذا هو النموذج الذي کنت أبحث عنه. ثم أعلنت إسلامها.المرأة المعاصرة – حتى المسلمة – تحتاج اليوم إلى هذه القدوة الرائعة، بل نحتاج إليها جميعاً في بيوتنا وعوائلنا.* لقد کانت سلام الله عليها قمّة في حياتها الزوجية حتى قال عنها زوجها الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: «فو الله ما أغضبتها و لا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان»[1].أفلا نحتاج اليوم لمثل هذا النموذج؟ أوَ لا يحتاجه العالم کله أيضاً؟ألا تشکل الزهراء عليها السلام بديلاً أفضل من هذه النماذج المعروضة؟* وفي وصيتها هي عليها السلام تقول للإمام عليه السلام:«يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني».فقال عليه السلام لها: «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي»[2].ألسنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا المثال؟!* وکان أبوها النبي صلى الله عليه وآله قد أوصاها أن لا تطلب شيئاً من زوجها.فدخل الإمام الدار يوماً فقال لها: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاث إلا شيء آثرتك به؟ قال أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله نهاني أن أسألك شيئاً.[3]أفتوجد اليوم امرأة لا تطلب من زوجها شيئاً وتصبر على ذلك ثلاثة أيام؟ألا يحتاج العالم لهذا النموذج الذي يأخذ بيده من هوّة الماديات السحيقة والرخيصة إلى علياء المعنويات والکمال والحياة السعيدة؟* لقد أنجبت السيدة الزهراء وربّت خيرة النساء؛ زينب وأم کلثوم، وخيرة الرجال؛ الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين.فما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء بها في حياتها العائلية؛ مع زوجها وأبنائها؟ وما أحوجنا إلى الاقتداء بجهادها و صبرها، فلقد کانت عالمة ومجاهدة، وأنجبت أئمة معصومين جاهدوا ضد الطغاة والحکومات المستبدة فکانوا – بحقّ – قلاع الحرية والحقيقة. ونحن اليوم بحاجة إليهم وينبغي لنا عرضهم رموزاً وقدوات في بلادنا والعالم کله.
الغرب بأمس الحاجة إلى الرموز المعنوية کالزهراء عليها السلام
هل سمعتم بجسر الانتحار في لندن؟يقول أحد الإخوة ممن کانوا هناك: لاحظت أنهم صنعوا لأحد الجسور حاجزاً من الجانبين. فسألت عن السبب، فقيل لي: إن هذا الجسر يقع على شارع للسير السريع، فکان الذين يريدون الانتحار يلقون بأنفسهم منه في الشارع الذي تحته فتدهسهم السيارات المسرعة، وقد بني على جانبيه هذا الحاجز للحد من حالات الانتحار المتزايدة يومياً.فأية حياة يعيشها الغربيون؟ هل هذه هي الحضارة التي يتبجحون بها؟ ما هي إلا مظاهر خاوية من الداخل مثلها مثل المشرف على الموت لإصابته بمرض عضال کالسرطان ولکنه يحتفظ بمظهر طبيعي!!ولذلك إذا ما عرض عليهم الإسلام بشکل صحيح أقبلوا عليه، لکن المشکلة في أن عرضنا ضعيف.نقل وکيل أحد التجار في طهران أن أحد المؤمنين کان قد أعطاه كتاباً للوالد اسمه (ما هو الإسلام؟) وهو کتاب مختصر ومترجم إلى الانجليزية، فأهداه في إحدى سفراته الأوربية إلى امرأة تعمل في شرکة، فلم يمض يوم على قراءتها الکتاب حتى اعتنقت الإسلام!
(3)مسؤوليتنا تجاه الزهراء عليها السلام
فراغات لابد من ملئها
هناك فراغات کثيرة فيما يتعلق بمسؤوليتنا تجاه الزهراء عليه السلام وبخاصة في هذين الشهرين جمادى الاولى والثانية، ومنها:1- لقد ألّف العامة في «فقه عائشة»، ولا أدري هل من فقهها خروجها على إمام زمانها الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله: حربه حربي؟!ولم يکتب أحد – على حدّ علمي – في «فقه فاطمة عليها السلام» إلا السيد الوالد رحمة الله عليه، ولکن المشروع بحاجة إلى المتابعة.2- ثمة فراغ في مخاطبة العقل الجامعي. أجل إن الکتب الموجودة عندنا کلها جيدة، ولکن لكل جيل عقلية معينة، فعلينا أن نؤلف کتباً عن السيدة الزهراء عليها السلام تخاطب عقلية الجامعيين.عندنا کتب عن الحجاب ولکن کم منها يتحدث بلغة الجامعيات؟ هذا فراغ ينبغي ملؤه أيضاً.3- وهناك فراغ في الکتب التي تخاطب العقل الغربي. فللغربي عقلية معينة أيضاً تختلف عن عقلية الشرقي. والکلام الذي تقوله للشرقي ربما لا يقبله الغربي، إذن نحن بحاجة إلى کتب تخاطب العقل الغربي، وقد شاهدت قبل أيام کتاباً کتب خصيصاً لمخاطبة العقل الغربي عن الزهراء عليها السلام، ولکن ينبغي المزيد. فههنا فراغ أيضاً.4- وأخيراً لدينا فراغ في مجال المؤسسات الاجتماعية الصغيرة. وأعني بها التجمعات والمجالس البيتية فهذه مهمة جداً.لاشك أن للکيانات والمؤسسات الکبيرة کالحسينيات والمساجد دورها المهم والمؤثر، بيد أن للمجالس الصغيرة والبيتية هي الأخرى دورها الخاص الذي قد لا تنهض به المراکز الکبيرة، والذي يأتي مکملاً لها. إذن فلنشجع على هذه الظاهرة – ظاهرة تشکيل المجالس البيتية – وبخاصة في أيام جمادى الأولى والآخرة.ولقد تبنى هذه الظاهرة الشباب المؤمن في الکويت منذ أعوام حيث يقام کل ليلة في بيت أحدهم المجلس على مدار هذين الشهرين.نقل لي أحد الأخيار في الکويت – والقصة تعود لبضعة أعوام – أنه کان ذاهباً إلى البحرين لصفقة تجارية مع أحد التجار البحرينيين الذين يتعامل معهم، وأخبره أنه سيلتقيه اليوم التالي، ولکن الأخير اعتذر وقال إنه يعطل عمله يوم غد، يقول التاجر الکويتي: فتعجبت وقلت: وما المناسبة ولا توجد عطلة رسمية أو عيد ولا هو بيوم جمعه مثلاً؟ فقال: أنت شيعي ولا تعرف! غداً يوم وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام وعندنا عطلة.يقول الکويتي: فأسفت على غفلتي مع اهتمام هذا التاجر بالموضوع مع أنه من أبناء العامة فعقدت العزم على إقامة مجلس العزاء کل عام بهذه المناسبة وإني مستمرّ على ذلك منذ أربعين سنة. ولمستُ منه الخيرات والبرکات الکثيرة.فلنشجع أبناءنا على إحياء هذه المناسبة وإقامة هذه المجالس التي قد تستمر بعدنا عشرات الأعوام. کما أن في طهران اليوم مجالس يعود تاريخها إلى أکثر من مئة عام.ويوم کان الوالد (رحمة الله عليه) في الکويت شجّع هذه الظاهرة، وها نحن نلمس النتائج، فهي اليوم بالمئات. ولا أذکر أن أحداً بدأ مجلساً ثم ترکه بل هي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا لما لمس أصحابها فيها من الخير والبرکة. فلنحاول جهدنا إذن ملء هذا الفراغ أيضاً.وستکون هذه الأعمال ذخراً لآخرتنا إن شاء الله. فلقد نقل لي أحد الإخوة الذين حضروا دفن السيد کاظم القزويني وقال إنهم وضعوا کتاب «فاطمة من المهد إلى اللحد» الذي هو من تأليفه مقابل وجهه بناء على وصيته رحمه الله. وسيکون هذا الکتاب وثيقة من وثائق الشفاعة يوم الحساب فيأتي ومعه کتاب «فاطمة من المهد إلى اللحد» و «علي من المهد إلى اللحد»، ويأتي السيد کاظم الکفائي ومعه کتابه المشهور «الزهراء في الأدب والتاريخ» ذلك الکتاب المشهور الذي حُکم عليه بالإعدام بسببه في عهد الحکم البائد في العراق، ولکن الله تعالى نجّاه، ويأتي العلامة الأميني ومعه «الغدير» وهکذا صاحب العبقات، وکذلك العلامة الحلي ودوره في تشيع إيران، فلقد نقل عنه أو عن أحد علمائنا الماضين رحمهم الله أنه قال: أي المناطق أشد نصباً لأهل البيت؟ ثم شدّ الرحال إليها لکي ينشر بينهم عقيدة التشيع لآل البيت عليهم السلام. ونجح في ذلك، حتى أن المخالفين استشاطوا غضباً وسقط في أيديهم فقرروا الانتقام منه ومن الذين اهتدوا على يديه، فأحاطوا المسجد الذي کان يخطب فيه وأحرقوه بمن فيه، فاستشهد هو والمؤمنون الذين کانوا معه رحمهم الله جميعاً. فسيأتي هذا العالم ومعه هذه التضحية الکبرى کوثيقة للشفاعة يوم القيامة، فبماذا سنأتي نحن؟هل فکرنا في ذلك؟إن امرأة مؤمنة باعت ذهبها وتبرعت بثمنه لطباعة کتاب عن فاطمة الزهراء عليها السلام – کما باع الشيخ محمد جواد البلاغي بيته في سبيل نشر الدين – أفلا نقدّم نحن أيضاً ما نقدر عليه في هذا الطريق، لنحمله يوم حشرنا ونستشفع به إلى الله تعالى؟!أسأل الله تعالى التوفيق لي ولکم لذلك، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
[*] تقرير للکلمة التي ألقاها سماحة آية الله السيد رضا الشيرازي (حفظه الله) في لقائه جمعاً من الأفاضل وطلبة العلوم الدينية في مدينة قم المقدسة، في مطلع جمادى الأولى وذلك بمناسبة قرب حلول الأيام الفاطمية، حيث أكد سماحته على الإخوة المؤمنين ضرورة إحياء هذه الأيام والقيام بمسؤولياتهم تجاه السيدة الزهراء عليها السلام التي تمثل القدوة للمرأة المسلمة والفيصل الذي فصل بين الإسلام والحكومات الجائرة التي حكمت باسمه.[1] بحار الأنوار، ج34، ص134.[2] بحار الأنوار، ج34، ص191.[3] بحار الأنوار، ج14، ص197.