مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
فاطمة الزهراء.. مكانة لا تدركها العقول / موقع شفقنا العراق
+ = -

واُسدل الستار على أوّل محطة سقطت الاُمّة في امتحانها، وغادرت الزهراء(ع) مشتاقة للقاء ربِّها وأبيها، ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاماً عظاماً، انتقلت لتشكو إلى الله سبحانه وتعالى ليحكم لها على مَن ظلمها وغصب حقّها.

ولدت السيدة فاطمة الزهراء(ع) بعد مبعث الرسول (ص) بخمس سنين في بيت الطهارة والإيمان؛ لتكون رمز المرأة المسلمة، وسيدة نساء العالمين، واُمّ الأئمة (عليهم السّلام)؛ حيث كانت القطب الجامع بين النبوة والإمامة (فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها)، وإنّ شهادتها(ع) كانت في الثالث من جمادى الآخرة عام 11 هـ، وأمّا مكان دفنها فمجهول عند الناس.

ورغم أنّ من يكتب عن السيدة الزهراء فاطمة(ع) سيتجرع كأس ألمها الممزوج بحلاوة نورها الطاهر، إلاّ أنّه سيرى عظيم شأنها؛ فهي الدليل الى الصراط المستقيم.

وعلى الإنسان أن يحدّد موقفه عندما يقرأ الشيء القليل من حياتها المباركة؛ فإمّا جنة أو نار في الآخرة؛ فطريق سيدتنا الجهادي يجعل الإنسان أكثر تعلقّاً في حب الله تعالى.

فحياتها ليست ذكرى تاريخية تمرّ علينا مرور الكرام وتنتهي، بل الإقدام على إظهار حقها فيض نوراني يسهل الله سبحانه به الصعاب والعقبات. ونعتقد أنّ كلَّ مَن أراد رضا الله (عز اسمه)، وشفاعة نبيه، ونورها الطاهر عليه أن ينشر، ويقصّد كلمة: معكم معكم لا مع غيركم.

أنّ مكانة مولاتنا فاطمة الزهراء(ع) لا تدركها العقول، فما معنى قول الرسول(ص): (إنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها)؟ فمن المستحيل أن يغضب الله لغضب فاطمة وهي غير معصومة من الخطأ، يعني أنّ الزهراء(ع) لن تغضب إلاّ لشيء يغضب الله بسببه، ومن كان غضبه يعني غضب الله فهو لن يفعل إلاّ الحق، ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين.

وإنّ الرسول(ص) عندما يتحدث عن شخص أو يدلي بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة، وبالتالي يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حقٍّ، والمتفق عليه أن قول الرسول(ص) وفعله وتقريره حجة، يعني شرع نتعبد به قربة الى الله تعالى.

ثمّ إنّ السيدة فاطمة الزهراء(ع) كانت معصومة بدلالة آية التطهير، وكفى بها على عصمتها مستنداً ودليلاً، والمقصود منها هم الخمسة الطيّبة من أهل العباء، المجتمعون خاصة تحت الكساء. ونكتفي بما قاله الحداد الحضرمي في القول الفصل: إنّ حديث آية التطهير من الأحاديث الصحيحة المشهورة المتواترة، واتفقت عليه الاُمّة، وقال بصحته سبعة عشر حافظاً من كبار حفاظ الحديث، ويصل مجموع طرق الحديث ما يقرب من خمسين طريق.

 نتيجة حبِّ فاطمة(ع)

روى الخوارزمي بإسناده عن سلمان قال: قال رسول الله(ص): (يا سلمان، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومَن أبغضها فهو في النار.

يا سلمان، حبُّ فاطمة ينفع في مئة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة. فمَن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومَن رضيتُ عنه رضي الله عنه. ومَن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه، ومَن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان، ويلٌ لمَن يظلمها ويظلم بعلها أميرَ المؤمنين علياً! وويل لمَن يظلم ذرّيتها وشيعتها!).

لم يكن رحيل السيدة الزهراء(ع) وليد مرض، أو نتيجة طبيعية، بل جاء رحيلها نتيجة غصص وآلام سرّعت من رحيلها إلى عالم الملكوت عند مليك مقتدر.

لم تمضِ فترة قصيرة بعد وفاة أبيها حتّى لحقت اُمّ أبيها به (صلوات الله عليه وعليها). لقد كابدت تلك المرأة معاناة حقيقية بعد وفاة أبيها. لقد تغلغل الحزن فيها إلى أن تجذّر وأصبحت أيّامها سواداً في سواد.

لقد انتقلت الزهراء(ع) إلى جوار ربِّها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من ضرب ورفس أدّى إلى إسقاط جنينها المحسن، ومن ثمّ مرضت إلى أن لحقت بأبيها تشكو له ما جرى عليها.

كيف لا يكون كذلك وهي ابنة ثمانية عشر عاماً! لقد اكتملت عليها المصائب بضربها واقتحام دارها، فكانت البداية والنهاية، وصارت طريحة الفراش تنتظر أجلها الذي اقترب منها سريعاً.

يقول الإمام زين العابدين (عليه السّلام) عن أبيه الحسين (عليه السّلام)، قال: ((لمّا مرضت فاطمة بنت رسول الله(ص) أوصت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها…)).

لقد يئست الزهراء(ع) من أهل المدينة الذين طلبت نصرتهم فلم ينصروها، وسئمتهم وزهدت في مروءتهم؛ فبلغ بها الأمر ألاّ تريد رؤيتهم في مرضها الأخير؛ فإنه يكفيها علي (عليه السّلام) ليقف بجانبها وهي على هذه الحالة.

 وصية الزهراء(ع)

لما دنت من الزهراء(ع) الوفاةُ أوصت أمير المؤمنين (عليه السّلام) بوصايا كثيرة، منها: ((… واُوصيك إذا قضيت نحبي؛ فغسلني، ولا تكشف عني؛ فإني طاهرة مطهّرة، وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول الله(ص)، وصلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، وادفني ليلاً لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار، وسرّاً لا جهاراً، وعفِ موضع قبري، ولا تشهد جنازتي أحداً ممّن ظلمني)).

لقد أرادت الزهراء(ع) مواصلة الجهاد بعد مماتها، فكانت وصيتها الإعلان الأخير لموقفها الصامد والمستمر، من استشهاد الرسول(ص) وحتّى مرضها، وتريده باقياً إلى ما شاء الله.

في لحظاتها الأخيرة طلبت ثياباً جديدة، ثمّ دعت سلمى امرأة أبي رافع وقالت لها: (هيِّئي لي ماءً). وطلبت منها أن تسكب لها الماء وهي تغتسل. ثمّ لبست ملابسها الجديدة، وأمرت أن يُقدّم سريرها إلى وسط البيت، واستلقت عليه مستقبلة القبلة، وقالت: (إنّي مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد).

تقول أسماء بنت عميس: لمّا دخلت فاطمة(ع) البيت انتظرتها هنيئة، ثمَّ ناديتها فلم تجب، فناديت: يا بنت محمّد المصطفى،… فلم تجب، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة، مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء.

وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله(ص)، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة، فخرج إليهم أبو ذر وقال: انصرفوا؛ إنّ ابنة رسول الله اُخّر إخراجها هذه العشية.

وجاءت أهم اللحظات، لحظة تنفيذ بند الوصية المهم، ذلك البند الذي سيظل شاهداً على موقف الزهراء(ع) إلى القيامة، إنها لحظات الدفن التي يجب أن تكون سراً، وقبلها الصلاة على الجنازة الذي كان محدداً فيها ألاّ يكون فيه شخص ممّن ظلم الزهراء(ع) هكذا كانت الوصية.

جنّ الليل، نامت العيون، وهدأت الأبصار، وجاء في جوف الليل نفرٌ قليل من الهاشميِّين ومن المحبّين الذين وقفوا مع علي (ع)، فشيّعوها، ثمّ دفنها أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مثواها الأخير.

واُسدل الستار على أوّل محطة سقطت الاُمّة في امتحانها، وغادرت الزهراء(ع) مشتاقة للقاء ربِّها وأبيها، ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاماً عظاماً، انتقلت لتشكو إلى الله سبحانه وتعالى ليحكم لها على مَن ظلمها وغصب حقّها.

فسلام عليها يوم ولدتْ ويوم استُشهدتْ ويوم تُبعث راضيةً مرضية.