فاطمة عليها السلام والمعاد
من الأمور المهمّة والقضايا الحسّاسة في حياة الفرد المؤمن هو مسألة يوم القيامة ـ المعاد ـ حيث نرىٰ الكثير من الناس عندما يسمعون المعاد ويوم القيامة واليوم الآخر يأنون من ذكره حيث هناك تلاقي البشر مع خالقهم والوقوف بين يديه للحساب ، ولا شكّ ولا ريب انّ الكثير من الناس يخافون عدل الله تعالىٰ ويطلبون منه ان يحاسبهم برحمته لا بعدله لأنّه لو يحاسبهم الله تعالىٰ بعدله لما ترك عليها من دابّة ، لذا نجد من خلال القرآن الكريم والروايات الشريفة إنَّه من ظاهر رحمته الله تعالىٰ يوم القيامة هو إعطاءه الشفاعة لبعض أولياؤه حيث تعتبر الشفاعة مظهر من ظاهر رحمة الله لكي يبيّن الله تعالى قدرة ومنزلة ومقام العبد المؤمن ذلك اليوم ـ أيّ يوم الحساب ـ ومن هنا نجد إن من الذين تشملهم العناية الربانيّة في الشفاعة يوم القيامة هم آل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهذا ما أثبتته الكثير من الآيات والروايات ولا نريد الوقوف الطويل مع هذه الآيات والروايات بل نقف مع أحد دعائم أهل بيت النبوّة والمتمثلة في الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تلك هي بضعة الرسول وريحانته وزوجة الوصي المرتضىٰ وأُمّ الحسنين ، وهذه الشفاعة التي نتكلّم عنها هي نموذج من يوم المعاد الذي سوف تجتمع به الخلائف ، وبذلك تكون الشفاعة جزءاً مهمّاً بل هو الأمل الوحيد للخلائق يوم القيامة. إذن الشفاعة مظهر من مظاهر رحمة الله تعالىٰ ومظهر من مظاهر المعاد ، ونحن نجد من خلال إستقراء الروايات الشريفة الواردة في مقام الشفاعة يوم القيامة هو الشفاعة التي تعطي للزهراء عليها السلام ، وعليه تكون الزهراء مرتبطة إرتباط وثيق بيوم القيامة والمعاد الذي نؤوب إليه ، أمّا كيف نثبت أن لها هذا الإرتباط من خلال الروايات الشريفة فهذا ما تبينه بعض النصوص الواردة عن أهل البيت النبوة عليهم السلام فهلم معي إلىٰ ذكر بعض هذه النصوص الشريفه التي تثبت إرتباط الصدّيقة الشهيدة بيوم المعاد :
* عن أبو القاسم العلوي الحسني ـ معنعناً ـ عن ابن عبّاس : « إذا كان يوم القيامة نادىٰ مناد : يا معشر الخلائق ، غضّوا أبصاركم حتّىٰ تمرّ فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم … فيجوزون بها الصراط حتّىٰ ينتهون بها إلى الفردوس فيتباشر فيها أهل الجنان … فتجلس علىٰ كرسي من نور ويجلس حولها ، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلىٰ أحد قبلها ولا يبعث إلىٰ أحد بعدها فيقول : إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول : سليني أعطيك ؛ فتقول قد أتمّ عليّ نعمته ، وهنأني كرامته وأباحني جنّته ، أسأله ولدي وذريّتي ومن ودهم بعدي ، وحفظهم من بعدي ، فيوحي الله إليّ الملك من غير أن يزول من مكانه : أن سرّها وبشّرها أنّي قد شفعتها في ولدها ومن ودهم بعدها وحفظهم فيها. فتقول : الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن وأقرّ عيني ».
قال جعفر : كان أبي يقول : كان ابن عبّاس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (۱).
* عن الحسن بن سعيد ـ معنعنا ـ عن جعفر ، عن أبيه عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إذا كان يوم القيامة نادىٰ مناد من بطنان العرش : يا معشر الخلائق. غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب الله إلىٰ قصرها « فتمرّ إبنتي فاطمة وعليها » ويطتان خضروان حواليها سبعون ألف حوراء ، فإذا بلغت إلىٰ باب قصرها وجدت الحسن قائماً والحسين نائماً مقطوع الرأس ، فتقول للحسن : من هذا ؟ فيقول : هذا أخي إنّ أُمّة نبيّك قتلوه وقطعوا رأسه. فيأتيها النداء من عند الله : يا بنت حبيب الله إنّي إنّما « » ما فعلت به أُمّة أبيك لأنّي ادّخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه ، إنّي جعلت تعزيتك اليوم أنّي لا أنظر في محاسبة العباد حتّى تدخل الجنَّة أنت وذريّتك وشيعتك قبل أن أنظر بمحاسبة العباد ، فتدخل فاطمة ابنتي الجنّة وذريّتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممّن ليس من شيعتها ، فهو قول الله عزّ وجلّ : ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ) قال : هول يوم القيامة ( وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) هي والله ـ فاطمة وذريّتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتها (۲).
* روي عن سلمان قال : أتيت ذات يوم منزل فاطمة عليها السلام ـ في حديث إلى أن قال ـ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوّه قد حرّم الله تعالىٰ النار علىٰ لحم فاطمة ، ودمها ، وشعرها ، وعصبها وعظمها وذريّتها وشيعتها. أن من نسل فاطمة من تطيعه النار ، والشمس والقمر والنجوم والجبال وقد ضرب الجنّ بين يديه بالسيف ويوافي إليه الأنبياء بعهودهم وتسلّم إليه الأرض كنوزها وينزل عليه من السماء بركات ما فيها ، الويل لمن شكّ في فضل فاطمة لعن الله من يبغضها ، ويبغض بعلها ولم يرضىٰ بإمامة ولدها ، إن لفاطمة يوم القيامة موقفاً وإن فاطمة تدعىٰ وتكسىٰ وتشفع ، فتشفع علىٰ رغم كلّ راغم (۳).
* عن علي عليه السلام : دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم جالس والحسن عن يمينه ، والحسين عن يساره ، وفاطمة بين يديه ، وهو يقول : يا حسن ويا حسين ، أنتما كفّتا الميزان وفاطمة لسانه ، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ولا يقوم اللسان إلا علىٰ الكفّتين … أنتما الإمامان ولأمّكما الشفاعة (٤).
* وقد ورد في الخبر أنّها لما سمعت بأنّ أباها زوّجها وجعل الدراهم مهراً لها ، قالت : يا رسول الله ، إنّ بنات الناس يتزوّجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهنّ ، أسألك أن تردّها وتدعوا الله أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أُمّتك ؛ فنزل جبريل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها : جعل الله مهر فاطمة الزهراء عليها السلام شفاعة المذنبين من أُمّة أبيها ؛ فلمّا احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت ، وقالت : إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي ، وشفعت في عصاة أُمّة أبي (٥).
وكثيرة هي الروايات التي ثبتت شفاعة فاطمة عليها السلام للشيعة والمحبّين والمذنبين من أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، هذه تدلّ دلالة واضحة على ارتباط الزهراء سلام الله عليها بيوم المعاد وانّ لها منزلة وكرامة على الله تعالى في ذلك اليوم.
لابد أن تـرد القيامة فاطم | وقميصها بدم الحسين ملطخ | |
ويل لمن شفعاؤه وخصمائه | والصور في يوم القيامة ينفخ |
الهوامش
۱. تفسير فرات : ١٦٩ ، دلائل الإمامة : ٥٧ تأويل الآيات : ٢ / ٦١٨ / ح ٧.
۲. مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦١ ، الخصائص : ٢ / ٢٦٥ ، الفصول المهمّة ١٢٧ فضائل الصحابة : ٢ / ٧٦٣ ح ١٣٤٤ ، ميزان الاعتدال : ٢ / ٥٣٨ ، كفاية الطالب : ٣٦٤ ، تفسير فوات الكوفي : ٩٧.
۳. الثاقب في المناقب : ٢٩٣ / ح ٢٥٠.
٤. كشف الغمة : ١ / ٥٠٦.
٥. أخبار الدول : ٨٨ ، الاحقاق : ١٠ / ٣٦٧ ، وسيلة النجاة : ٢١٧.
مقتبس من كتاب : [ الأسرار الفاطميّة ] / الصفحة : ۱۷٥ ـ ۱۷۸
موقف فاطمة الزهراء عليها السلام في المحشر
العقائد الاسلامية