مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
كتاب مقامات فاطمة الزهرا في الكتاب والسنّة / السيد محمد علي الحلو
+ = -

كتاب مقامات فاطمة الزهرا في الكتاب والسنّة السيد محمد علي الحلو (ص ٥ – ص ٥٥)

تقديم

الحمد للّه فاتق الكلم جاعل الآيات مصطفي المطهرين حججاً، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نذيراً وبشيراً الموعود باظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، وعلى أهل بيته وعترته وذوي قرابته لاسيما البضعة المطهرة المباهل بها حجّة للدين على الأمم والملل من عباد اللّه الذين يطعمون الطعام على حبّه ويخافون يوماً ويفجّرون عين الكافور والتسنيم ويفيضون منهما على الأبرار الشاهدين للكتاب في عليين المقرّبون السابقون، الذين يمسّون الكتاب المكنون المبين المستطر فيه كل غائبة في السموات والأرض ولا رطب ولا يابس إلا فيه..

وبعد فإن بين يدي القارىء مجموعة مقتطعة من بحث الفصل الرابع في الامامة الذي ألقيناه على عدّة من الأخوة الأفاضل في العام المنصرم، وقد حررها ونمّقها السيد الفاضل المبرّز السيد محمّد علي الحلو أدام اللّه تعالى دراسته العقائدية، وقد أجاد ترتيب حلقات البحث في هذه المجموعة التي اختصت بمقامات الصديقة في الكتاب والسنّة. وأرجو منه تعالى له المزيد من التوفيق والتحقيق والخدمة للدين الحنيف.

لخمس ليال بقين من شوال
ذكرى شهادة الامام الصادق (عليه السلام) ١٤٢١هـ. ق
محمّد سند

تمهيد:

في ظل ظروف تعجُّ بالتساؤلات النابعة من شبهات عقائدية ـ هي في حقيقتها قديمة بالية يروّجها أعداء الإسلام ويجددها أتباعهم ـ يتصدّى علماءنا الأعلام للاجابة عن هذه التساؤلات، ورفع تلك الشبهات بما لا يبقى مندوحة لأحد تخفى عليه حقائق الدين وأصول المذهب.

إلا أنّ أستاذنا المحقق العلاّمة الشيخ محمّد السند حفظه اللّه تعالى، قد تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى يبادر فيها بطرح الأسئلة والاجابة عنها متخطياً بذلك تقليدية السؤال والاجابة عليه متى ما حصل ذلك من احد، اذ تصدى إلى أن يطرح تساؤلاته على شكل بحوث قيّمة ترفع الشبهة، وتعين الباحث للمطالبة في الاستزادة من بحوث بكر لم يتطرقها أحد قبله.

والكتاب الذي بين يديك ـ أيها القارىء الكريم ـ هو احدى هذه المحاولات، اذ هو في الحقيقة اجابة لسؤال، وإن كان لم

يطرح مباشرة إلا أن الواقع العلمي لحوزتنا المباركة ـ حرسها اللّه تعالى ـ يجده ملحاً في ظل هذه الظروف العصيبة من الشبهات، والسؤال المطروح: ما هو مقام فاطمة(عليها السلام) وما هي حجّيتها وولايتها كذلك؟ وللاجابة عن ذلك، عقد الأستاذ المحقق حفظه اللّه بحوثاً جاءت على شكل بيان لمقامات فاطمية نابعة من القرآن ومفسّرةً بالسنّة، معتمدة في ظهوراتها على نباهة القارىء الفطن في تفتيق الحقائق من أكمامها القرآنية ومستعيناً بتفسيرات السنّة النبويّة وأئمة الهدى صلوات اللّه عليهم فالدراسة لا تتعدى عن محاولة قِراءة الأيات القرآنية بواسطة السنّة الشريفة وصياغة كل مقام صياغة فقهية قانونية، ومحاولة معرفة البُعد الفقهي القانوني لكل آية وحديث متّفق لدى الفريقين، أي ستكون الدراسة حالة استجلاء لنصوص الفريقين وابراز كوامن ما ارتكز لديهم من مقامات الصديقة فاطمة(عليها السلام).

فالقارىء سيجد في الدراسة إعادة تنضيد الأدلّة من مظانها بما يضمن مرتكزات الفريقين، والتي لم تُتداول بهذا العمق والترتيب القانوني، إما لتسليمهم بها واعتبارها من مسلّمات وضرورات الدين، وإما أن ظروفاً ما لم تأذن بتداول مثل هذه الحقائق وبهذا الوضوح، لذا سيجد القارىء في مطاوي البحث كلمات أعلام الفريقين تُشير بشكل خفي إلى جميع هذه

٩

المقامات وتداولها كأنها من مسلّماتهم، وهذا ما امتازت به هذه البحوث وتمكّنت من تقديم مقامات الصديقة فاطمة(عليها السلام)بطريقة تكفل الإجابة عن السؤال:

ما هي مقامات فاطمة (عليها السلام) وما هي حجّيتها وولايتها الالهية صلوات اللّه عليها وعلى آلها المعصومين.

لذا فقد دفعني الحرص على تقرير هذه الأبحاث الجليلة ليتسنى لها أن تأخذ مكانها في مواقع الدفاع عن العقائد الحقّة والإجابة عن كثير من التساؤلات التي ستثير حفيظة القارىء عند قرائته عنوان البحث لأول وهلة، وسيجد ما أمكن حِفظه في مرتكزاته العقائدية وبتقنين فقهي ـ قرآني لا محيص للباحث من متابعته والاستعانة به للانفتاح على آفاق عقائدية ـ معرفية يفتح من خلالها نافذة جديدة على بعض خصائص الصديقة الزهراء(عليها السلام)، وشخصيتها الإلهية العظيمة.

١٠

١١

المقام الاول

القرآن و مقامات فاطمة (عليها السلام)

١٢

١٣

اذا كُنا في مقام البحث عن مقامات فاطمة (عليها السلام)، فانّ القرآن قد تكفّل ذكر بعض فضائلها، اذ أمكن تتبع ما نزل من القرآن فى شأنها(١)(عليها السلام)، فاجتمعت أكثر من ستين آية تشهد لها بالفضل والفضيلة والمقام المنيع في الدين والأصل الأصيل فى الاعتقاد الواجب على كل مكلّف التدين به وان لها من الحقوق الجمّة اللازم التسليم بها عدا ما اشتركت مع آل البيت(عليهم السلام) من آيات صريحة، فحسبنا ما ذكره القرآن من شهادة، فهل بعد شهادة الله شهادة؟ وهل بعد تزكيته تزكية؟ فطوبى لها من ذكر خالد، وحسنُ مآب، ورفيع مقام الهي.

١- كتاب صدر بعنوان: “ما نزل من القرآن فى شأن فاطمة الزهراء(عليها السلام)” أُحصي فيه أكثر من ستين آية أعدها المؤلف من مختصات فاطمة عدا ما ذكرت من آيات مشتركة مع أهل البيت(عليهم السلام). والكتاب من منشورات دار الكتاب الاسلامي قم المقدسة.

١٤

١٥

المقام الثاني

فاطمة (عليها السلام) و حجّيتها على الأئمة(عليهم السلام)

١٦

١٧

الجهة الأولى: حجّيتها على الأئمة(عليهم السلام)

لما كانت علّة الخلق هي عبادة اللّه تعالى لقوله: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}(١) فانّ العبادة لا تتم إلا بمعرفته تعالى، ومعرفته لا تتم إلا برسله وأوليائه، اذ هم حججه على العباد في كل زمان فهم الطريق اليه والمسلك الى سبيله.

عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام)…قال: “انّما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء فى خلقه، يُعبّرون عنه الى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم وفى تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم فى خلقه والمعبرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء(عليهم السلام) وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين

١- الذاريات: ٥٦ .

١٨

للناس على مشاركتهم لهم فى الخلق والتركيب فى شيء من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك فى كل دهر وزمان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علمٌ يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته”(١).

فالحجّة اذن هو الدليل الى الله تعالى يُحذّر به عباده وينذرهم ويهديهم.

فمقام الحجية إلهي تصل بوساطته العلوم الإلهية اللدنيّة الى عباده.

واذا كان أهل البيت(عليهم السلام) حجج الله على خلقه فانّ أمّهم فاطمة حجة الله عليهم، وهي ما صرّحت به رواية العسكرى(عليه السلام): “نحن حجة الله على الخلق، وفاطمة(عليها السلام) حجّة علينا”(٢)، ويشهد لهذا المعنى ما ورد عن مصادر علومهم (عليهم السلام) كالجفر والصحيفة والجامعة، وأن منها مصحف فاطمة(عليها السلام) مما يدلّ على كونها واسطة علمية بين الأئمة(عليهم السلام)وبين اللّه تعالى في العلم المحفوظ فى مصحفها المتعلق بما يكون الى يوم القيامة، فهي حجة في هذا العلم الجم على الأئمة(عليهم السلام)يأخذون به، نظير حجية النبي(صلى الله عليه وآله)

١- الكافى، كتاب الحجة١: ١٢٨ .

٢- تفسير أطيب البيان ١٣: ٢٣٥ .

١٩

فى شأن القرآن الكريم الذى هو مصدر علوم الأئمة (عليهم السلام) كما في الروايات الآتية.

ولا يخفى أن وساطتها(عليها السلام) لذلك العلم ليس عبر نقش وخط ذلك المصحف، اذ الوجود الكتبي لمصحفها وجود تنزلي تنزيلي لحقائق ذلك العلم الذي ألقي إليها، فوساطتها بلحاظ عالم الأنوار لهم(عليهم السلام) فقد روى فراتى الكوفي في تفسيره، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن أبي عبداللّه(عليه السلام) أنّه قال: “(انّا أنزلناه في ليلة القدر)الليلة فاطمة والقدر اللّه، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وانّما سميت فاطمة، لأن الخلق فطموا عن معرفتها، وقوله (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)يعني خير من ألف مؤمن، وهي أمّ المؤمنين، (تتنزل الملائكة والروح فيها)والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد(صلى الله عليه وآله) والروح القدس هي فاطمة(عليها السلام)(باذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر)يعني حتّى يخرج القائم(عليه السلام)”(١)

فقد روى زرارة عن حمران قال سألت أبا عبداللّه(عليه السلام) عمّا يفرّق في ليلة القدر هل هو ما يقدر اللّه فيها؟ قال: “لا توصف قدرة اللّه، إلا أنه قال (فيها يفرق كل أمر حكيم) فكيف يكون

١- تفسير فرات الكوفي: ٥٨١ طبعة طهران ١٤١٦هـ.