هذا النص الكامل لصفحه الحاليه. وللمزيد من المعلومات اقرأ: نص:الخطبة الفدكية.
الخطبة الفدكية، هي الخطبة الّتي ألقتها السيدة فاطمة الزهراء في مسجد النبي
، وأبدت من خلالها الاعتراض على أبي بكر بن أبي قحافة، الّذي نزع فدكاً منها، وقد طالبت عن طريق هذه الخطبة بحقّها، وصرّحت بأنّ فدكاً ملكٌ لها، وقد روى هذه الخطبة الشّريفة أعلامٌ من علماء العامّة والخاصة، وزيّنوا كتبهم بحلية نقلها.
المقالة الرئيسة: فدك
فدَكٌ قريةٌ بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة أيام[١]، حيث تبعد عنها 160 كيلو متراً، فيها عين جارية ونخيل كثيرة،[٢] ويقع على مقربة منها حصن يُسمّى «شمروخ» وهي الآن قرية كبيرة تُسمّى حائط ذات نخل كثير.[٣]
ومن جهة أخرى تقع هذه القرية بالقرب من خيبر أيضاً، وكانت تعدّ سابقاً مركزاً مهماً لليهود في أرض الحجاز بعد خيبر.[٤] قالوا: ولمّا بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول الله أهل «وادي القرى» صالحوه على الجزية، ولمّا فرغ من غزوة خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى النبي
، فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم، فقبل ذلك منهم.[٥]
تميّزت فدك بكثرة نخيلها وعيون المياه فيها، وكانت أرضاً غنية بعطائها، حيث كانت تعدّ مركزاً مهماً في أرض الحجاز بعد خيبر.[٦] ونقل ابن أبي الحديد عن علي بن تقي أنه قال: كانت فدك جليلة جداً، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة في القرن السابع الهجري.[٧]
ولما أخرج عمر بن الخطاب اليهود من الجزيرة، وأجلاهم من فدك عوّضهم عن النصف الذي كان لهم، فبعث إليهم من يقوّم الأموال، فقَوّموا أرض فَدَك ونخلَها، فأخذها عمر، ودفع إليهم قيمةَ النصف الذي لهم، وكان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم.[٨]
اتفقت كلمة الباحثين من مؤرخين ومحدثين على أنّ الرسول الأكرم وهب فدكاً لابنته فاطمة
، وهذا ما أجمع عليه الكتب التفسيرية والحديثية والكلامية وكتب اللغة، وقد بلغت الروايات هنا حداً لا تبقي مجالاً للشك والريبة.[٩] وبالجملة كون فدك نحلة لفاطمة
من أبيها بيّن الحال وواضح بلا إشكال.
لما توفي رسول الله وقع النزاع بين أبي بكر من جهة وبين فاطمة
والعباس بن عبد المطلب (عم النبي
) من جهة أخرى في ميراث النبي
، فعن عائشة: إنّ فاطمة
والعبّاس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله
، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: أما أنّي سمعت رسول الله
يقول: «لا نورث، ما تركناه فهو صدقة».
وقد كشفت المصادر التاريخية والحديثة أنّ فاطمة حاججت أبا بكر مرتين كان العباس حاضراً في المرة الأولى منهما. وذهب باحثوا الشيعة وأعلامهم الى كونها ملكاً لفاطمة
انتزعها الخليفة منها.[١٠] وذهب السيد جعفر الشهيدي إلى ثبوت النزاع في فدك والخطبة الفدكية مستدلاً على ذلك بأنّ بعض أعلام المعتزلة كابن أبي الحديد والنقيب البصري رووا الخطبة الفدكية وهم ليسوا بمتهمين بجعلها ووضعها؛ إذ لا مصلحة لهم وراء ذلك.[١١]
وذهب دنيس الصوفي إلى القول بأنّه لا يصح من أبي بكر الاستدلال بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث…» [١٢] لتواتر الروايات التي تؤكد غضب فاطمةوهجرها لأبي بكر حتى أنها أمرت بأن تُدفن ليلا ً كي لا يحضر جنازتها الخليفة أبو بكر.[١٣]
ويضيف أيضاً: إن الأحاديث تؤكد دخول فاطمة في النزاع الذي حصل بعد رحيل النبي الأكرم
، وهذه الأحاديث مع ميلها وتحيزها – حسب قوله- إلا أنّها لا تخلوا من الحقيقة؛ والدليل على ذلك أنّ أهل السنة لم يتمكنوا من تطهير تاريخهم مما يشينه. فلا ريب أنّ فاطمة
نازعت أبا بكر، واعترضت عليه لتصديه للخلافة وضبطه لأموال الرسول، وقد ماتت وهي واجدة[١٤] عليه، بل لا يبعد أن يكون إخفاء موتها مدة وإخفاء مراسم تشييعها ودفنها يعد وسيلة للغمز من الخليفة. ومن الواضح أن أهل السنة أهملوا هذه الكوة [النافذة] الصغيرة من حياة فاطمة (ع) أو التقليل من شأنها، بينما ركّز عليها الشيعة،وأكّدوا عليها كثيراً.[١٥]
المقالة الرئيسة: حادثة فدك
لم تمض على رحيل النبي وحادثة السقيفة إلا بضعة أيام حتى اعتبر أبو بكر فدكا ملكاً عاماً للمسلمين، وأخرج عمّال فاطمة
منها بالقوة، فجاءته فاطمة
معترضة، وهي تقول: «يا أبا بكر من يرثك إذا متّ؟».
قال : أهلي وولدي.
قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا؟
فقال: يا بنت رسول الله، والله ما ورثت أباك ذهباً ولافضه ولا كذا ولا وكذا فقالت: سهمنا بخيبر، وصدقتنا فدك.
فقال: يا بنت الرسول، سمعت رسول الله
يقول: «إنما هي طعمة أطعمنيها الله عزّ وجل حياتي، فإذا مت فهي بين المسلمين».
فقالت: قد أورثنيها أبي.
فقال : هاتي بيّنتك.
فجاءت بعليّ بن أبي طالب وأُم أيمن، فشهدا: أنّ فدكاً قد أورثها الرّسول لفاطمة
، ولكنّ أبا بكر لم يعترف بهذه الشّهادة، مدّعياً أنّ نصابها غير كامل، فطالب بامرأة أُخرى أو رجل آخر.[١٦] وبهذا انتقلت فدك إلى بيت المال رغم إصرار السيدة فاطمة
على حقها وعدم إذعانها بما رواه أبو بكر عن أبيها.
انفرد –كما يقول علماء العامّة– أبو بكر بنقل هذا الحديث عن النبي (ص)،[١٧] وقد رُدّت هذه الدعوى من قبل البعض وعلى رأسهم أهل البيت مشككين بصدور الحديث عن النبي
،[١٨] بل جاء عن عمر نفسه في كلام له مع العباس وعلي بن أبي طالب
أنّهما كانا يعتقدان بأنّ أبا بكر كاذب عندما خاطبهما عمر بقوله: فرأيتماه –يعني أبا بكر- كاذباً آثماً غادراً خائناً.[١٩] ومن النافين لصدور الحديث عن النبي
العباس وعلي
وكذا بعض زوجات النبي
.[٢٠]
وممن نقض كلام أبي بكر بعض مُفسّري العامّة كالفخر الرازي وجار الله الزمخشري والطبري والبيضاوي في تفسيرهم للآيات التي تتعرض لميراث الأنبياء كداود وزكريا ويحيى وسليمان حيث أكدوا أنّ الآيات ناظرة الى الموروث المادي لا المعنوي.[٢١]
المقالة الرئيسة: نص:الخطبة الفدكية
ذكرت العديد من المصادر التاريخية والحديثية الخطبة التي ألقتها فاطمة الزهراء بعد مصادرة فدك منها، ومحاججتها لأبي بكر.
تشتمل الخطبة على أسمى درجات البلاغة والفصاحة وفنون الأدب، بل ذهب البعض إلى القول بأنّها كانت أضخم رصيد لفهم شخصيتّها على الصّعيد الواقعي والمنطقي، وكذا معرفة أبعاد شخصيتها الفذّة ومدى هضمها لمنهج السّماء المبارك، واستيعاب معالمه الرئيسة، وهناك من وصفها بالخطبة الثورية التي سعت لزعزعت النظام السياسي الجديد.[٢٢]
أقدم مصدر نقل لنا الخطبة الفدكيّة هو كتاب بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف با ابن طيفور، حيث وقعت الخطبة في التسلسل رقم 2 من الكتاب وبعد نقله لكلام عائشة بنت أبي بكر.
ونقل العلامة المجلسي الخطبة في الجزء الثامن من بحار الأنوار مع شرح لمفرداتها وبيان لمضامينها،[٢٣] ونقلها أيضاً – كما عن السيد جعفر شهيدي- ابن أبي الحديد والنقيب البصري، وهما من أعلام المعتزلة، وليسوا بمتهمين بجعلها ووضعها؛ إذ لا مصلحة لهم وراء ذلك، مما يعد مؤشراً جيداً على صحة صدورها من الزهراء.[٢٤]
قال الإربلي عن الخطبة الفدكية: إنها من محاسن الخطب وبدائعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرَج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف.[٢٥]
نقل صاحب البحار وابن شهر آشوب في المناقب أنه لما رجعت – واستقرت بها الدار، قالت: يا ابن أبي طالب
اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، ونقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، … فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك يوم أضعت حدك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ما كففت قائلاً، ولا أغنيت طائلاً، ولا خيار لي، ليتني مت قبل هينتي، ودون زلتي، عذيري الله منه عادياً، ومنك حامياً، ويلاي في كل شارق وغارب، مات العمد، ووهت العضد، شكواي إلى أبي، وعدواي إلى ربّي. فقال لها أمير المؤمنين
: لا ويل لك بل الويل لشانئك، ثمّ نهنهي عن وجدك يابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت عن ديني، ولا أخطأت مقدوري.[٢٦][٢٧]
حاول الباحثون من أهل السنة الدفاع عن الخليفة الأول مدعين بأنّه لم يقصد الإساءة إلى السيدة فاطمة، بل كان –حسب زعمهم- على استعداد لتسليم فدك إلى فاطمة
شريطة أن تأتي بمن يشهد لها بذلك.
ويعتقدون أيضاً بأنّ أبا بكر حكم في القضية بحسب الظاهر كحاكم ومدافع عن حريم الإسلام وشريعته وإنّ ما وقع من قبيل التعارض بين أمر انتزاعي أصولي وبين أمر واقعي خارجي.[٢٨]
ومن الوجوه التي دافع بها أهل السنة عن موقف الخليفة أنّه لو كانت فدك من الميراث لكان لزوجات النبي نصيب فيها، والحال أنّ أبا بكر لم يسهم لأحد من زوجات النبي
حتى ابنته عائشة منها. ونسبوا إلى النبي
أنه قال: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»[٢٩] وقد انفرد أبو بكر بنقل هذا الحديث، ولم ينقله غيره من الصحابة[٣٠]
كذلك حاول بعضهم الدفاع عن انتزاع فدك وذلك بوضعها تحت مقولة اجتهاد الخليفة، وأنّ ذلك من صلاحيات الخليفة. وهذا ما يرفضه علماء الشيعة لتفرّد الخليفة الأول بهذا الغصب هذا فضلاً عن أنواع البذل والعطاء الذي كان يمارس لترسيخ قواعد حكومته، يضاف إلى ذلك أنّ إغضاب فاطمة من الكبائر التي ينبغي الاجتناب عنها، فقد جاء في النبوي الشريف «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله».[٣١]
في سنة 210 هجرية ردّ المأمون فدكاً إلى بني فاطمة (ع)، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة:«أما بعد: قد كان رسول الله أعطى فاطمة بنت رسول الله
فدكاً، وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه… فردّها على ورثة فاطمة بنت رسول الله
بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، للقيام بأمرها لأهلها».[٣٢]