زهراء ترمق الزهراء
حسن الهاشمي
من بيت الرسالة والنبوة الذي لا يزال يشع فيه نور الهداية، انتقلت السيدة الزهراء(ع) لتستقر في دار الإمامة والولاية، حيث يتلألأ الضياء الرباني والهداية المحمدية، ومن كريمة للنبي (ص) إلى قرينة للوصي(ع)، انتقلت من بيت طهر الى بيت مطهر حتى صارت أمّ مطهرة للأئمة الأطهار، والقادة البررة الأخيار(ع)، الجوهر هو الجوهر، والنور هو النور، لكنها نقلة طويلة بعيدة، من طور إلى طور، ومن دور إلى دور، إنها مسؤوليات جديدة، وتبعات جسام من نوع آخر، إنها مرحلة العطاء بعد أن تم واكتمل البناء، إنها فترة الإثمار بعد أن غطت الأزهار هام الأشجار، وانتشرت رياحينها على الأقطار.
واستنادا الى تلك المقومات الشريفة جاءت نتائج الوصلة المباركة فازهرت الدنيا بنور وبركة الحسن ثم الحسين(ع) سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا رسول الله (ص) من الدنيا، ثم تلتهما الحوراء زينب الكبرى(ع)، وزادت الأعباء على كاهل الزهراء، وبات عليها أن تتفرغ للاعتناء بالغرس النبوي المبارك، والنسل العلوي المطهر، وتربيته وتعليمه، بالإضافة إلى الاعتناء بالزوج، وتهيئة كل أنواع الراحة المتاحة -ولو نفسياً على الأقل- للزوج الودود العطوف، وللأولاد الذين سيهيئون لما رسم الله لهم من أدوار في قيادة سفينة الإسلام التي لا نجاة لمن تخلف عنها من المسلمين.
يتهادى الى مسمعى صوت خفي يأجج في داخلي مكامن البراءة، وما احلاها اذا كانت تنطلق من فطرة سليمة تناغي بألطافها فطرة الاطفال الناصعة البياض، انها العين الحانية التي لا حول لها ولا قوة، تبقى ترمق من بيد الحل لينتشلها من واقع مزري الى واقع افضل واجمل، ولا يتفتق ذلك الواقع الا برفقة الكلام، ومعسول التواصل، ولطف الوئام، نعم ان الحديث اذا خرج من القلب يدخل الى القلب دونما مواربة واحتيال، فكانت الزهراء عليها السلام تناغي الامام الحسن عليه السلام وهو طفل صغير في العمر كبير في المقام، تغرس فيه ومنذ نعومة اظفاره اتباع الحق ومقارعة الباطل، تحثه وترغبه لعبادة المولى عز وجل وعدم الخضوع لوساوس الهوى والشيطان، فتقول له:
أشبه أباك يا حسن ∗∗∗∗∗ واخلع عن الحق الرسن
واعبد إلهاً ذا منن ∗∗∗∗∗ ولا توال ذا الأحن
خطابها عليها السلام لضمان حقوق الاطفال في التربية والرعاية والاهتمام وضخ مكارم الاخلاق فيهم وتغذيتهم على حب الخير ومساعدة المحتاج واغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب والذود عن القيم والدفاع عن حرمات الاسلام وحياض المسلمين، بل الدفاع عن الاحرار الذين يؤمنون بالله ويكفرون بالطاغوت ويسعون الى بناء حياة سعيدة متألقة بعيدة عن كل التبعات المذلة وما يستتبعها من تداعيات خطيرة طالما يزرعها اتباع الطاغوت في طريق الاحرار لإيقاعهم في مطباتها ومتاهاتها القاتلة.
تتجلى في مخيلتي تعامل الزهراء مع الزهور الندية، تتحد في لساني أصوات البراءة والامل، أصوات الطفولة المنسابة عذبا زلالا على قلوب العارفين، ومن خلال الطفولة البريئة دروب أمل سُلكت، أسقف أحلام رُفعت، مواطنة تجذرت، بسمة رُسمت، منارة لإشعاع قيم الحوار والتسامح وتوأمة الاختلاف، وقد حظيت بفرصة زهرائية فأكسبتني مؤهلات تواصلية وعمقا فكريا فاثقل شخصيتي، فكان بذلك قنطرتي للعبور الى نهائيات تحدي القراءة الاسلامية على الصعيد الدولي.
وبقوتنا الاقتراحية صغنا اجندة اولوياتنا وعملنا على النهوض بوضعية ابناء جيلنا، ادركنا حجم مكابدتهم لصنوف المعاناة، اما لبعدنا عن قيمنا او لابتعادنا عن المثل الانسانية مع هن وهن وما طفح عنها من: رعشة البرد التي تسري في جسد ضعيف صغير، الحرمان من مقعد دراسي بسبب قلة ما في اليد، العنف ضد براعم الامل، البحث في القمامة لسدة جوع او كسوة عري، كلها صور عايشناها لنخلص الى حمولة ترجمناها الى مقترحات وافكار ليتها تصل الى من يهمه الامر ليترجمها الى واقع حال.
باسم الثغور الباسمة رغم كل التحديات، وبلسان الوجوه البريئة، نيابة عن كل قصص الحلم وقصائد الامل، نلتمس من أصحاب القرار تقريب الخدمات، وايلاء اهتمامكم للأطفال في وضعيات صعبة، كالأطفال المتخلى عنهم او الاطفال بدون مأوى او الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والهمم العالية، نتطلع الى بناء العقول قبل بناء الدور ولو انها لا غنى عنها في ايواء المستور، نلتمس منكم انشاء مراكز للشباب وملاعب بالقرب من سكناهم بالمجان، وكذا ضمان التدفئة للاماكن الباردة النائية والتبريد للاماكن الحارة، وضمان الغذاء للمعدات الخالية، وضمان الدواء للابدان المرتعشة الخاوية.
الاستجابة لمطالبهم تندمل جروح الاطفال، فهم يختزنون من الابداع الكثير، شغفهم الابتكار، ميثاقهم الاحترام، غايتهم الحياة، حياة يتمتعون بها بكافة حقوقهم، تلبية مطالبهم ترسم البسمة على شفاههم، باسم قلوبهم النابضة بالحب، وعيونهم المفعمة بالأمل، يتعاهدوننا بغد مشرق.