أقوال النبي في حق الزهراء … نظرة تحليلية .. (الشيخ اباذر العبادي)
كيف كانت تنظر الزهراء (عليها السلام) لأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
لم تقف نظرتها (سلام الله عليها) عند حدود البنوة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بل كانت تنظر له كنبي مرسل أوجب الله محبته وطاعته …
روي عن الزهراء (عليها السلام) قولها: لما نزلت الآية الشريفة ((لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)) (النور:63) هِبْتُ رسول الله أن أقول له : يا أبه ، فكنتُ أقول : يا رسول الله ، فأعرض عني مرة أو اثنين أو ثلاثاً ، ثم أقبل عليَّ فقال لي : يا فاطمة إنها لم تنزل فيك ، ولا في أهلك ، ولا في نسلك ، أنت مني وأنا منك ، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر ، قولي : يا أبه فأنها أحيا للقلب وأرضى للرب.[1]
حب الرسول لها
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شديد الحب لفاطمة (عليها السلام) فكيف نفهم هذا الحب ؟ هل كان لأنها ابنته فقط ؟ أم كان وراء ذلك أمر آخر ؟
نستعرض هنا بعض الأحاديث الواردة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق فاطمة ونحاول أن نفهمها بلطف الله تعالى ..
• عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (فاطمة أعزّ البرية علي) [2]
• ولما سُئل (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأحب إليه قال (فاطمة) [3]
• قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (من أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني) [4]
الرسول يحث الأمة على حبها
• قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) آخذا بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. [5]
• قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسلمان : (يا سلمان من أحب فاطمة فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو في النار ، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن ، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والحشر والصراط والمحاسبة …) [6]
سنأخذ (وبما يناسب المقام وللاختصار) ثلاثة أحاديث فقط مع بعض التفسير لها ..
1. قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فاطمة بَضعة مني)
البَضعة : القطعة من اللحم ، وقد تكسر (بِضعة) ، ويذهب به إلى الشبه ، أي هي جزء منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما أن القطعة من اللحم جزء من اللحم.
مناسبات الحديث
• عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال لفاطمة (سلام الله عليها) ما خير للنساء ؟ قالت: لا يرين الرجال ولا يرونهن ، فذكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنما فاطمة بضعة مني. [7]
• سَأَلَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه عن المرأة متى تكون أدنى من ربها ؟ فلم يدروا ، فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) ذلك قالت: أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها. فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فاطمة بضعة مني. [8]
• عن الإمام علي (عليه السلام) قال: استأذن أعمى على فاطمة فحجبته ، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمَ حجبته وهو لا يراكِ؟ فقالت: إن لم يكن يراني فأني أراه ، وهو يشم الريح ، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعة مني. [9]
تحليل لهذا القول
1. إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسألها (عليها السلام) أسئلة عن أحكام النساء فتجيبه ، فيطلق كلمته فيها بأنها بضعة منه كتقرير مدح وإشادة بجوابها والذي يبدو أنه مطابق لشريعته وأحكامه السماوية.
2. إن هذه الشهادة منه (صلى الله عليه وآله وسلم) لها معانٍ عديدة ، أهمها:
• بيان امتلاكها شطراً من العلم النبوي
• إنها تمثل النموذج الأمثل والأكمل في العفة والورع ، مما سرَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيتأكد عندنا القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يقصد بقوله (بضعة مني) الجانب المادي فقط ، وإنما هي جزء من كله المعنوي فضلاً عن المادي.
وتوجد رواية تشير إلى هذا الجانب ، ملخصها :
إن أبا لبابة رفاعة بن المنذر قد أذنب ذنباً فربط نفسه إلى سارية بالمسجد إلى أن يتوب الله عليه ، فنزلت بذلك الآية ((وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)) (التوبة:102) فأبى أن يحله أحد إلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيروى أن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أرادت أن تحله حين نزلت توبته ، فقال: قد أقسمتُ أن لا يحلني إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إن فاطمة بضعة مني. [10]
نفهم من هذا أنها كانت تمثل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أفعالها ولا يمكن أن يصدر منها ما يخالف قوله أو فعله.
وقد علق أحد العلماء (وهو السهيلي) قائلاً: فهذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر ، وأن من صلّى عليها فقد صلّى على أبيها. [11]
وقد ورد هذا الحديث مقترناً بألفاظ أخرى توسع دائرة معانيه ودلالاته ، منها:
• فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني
• فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها
• فاطمة بضعة مني يسؤني ما ساءها
• فاطمة بضعة مني ، فأحب ما سرها وأكره ما ساءها
• فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها
• فاطمة شجْنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها
• فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني
• فاطمة بضعة مني من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني
2. عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) [12]
في الأحاديث السابقة إن من آذى فاطمة فقد آذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يؤذي الرسول فإنما يؤذي الله تعالى ، وربما قد يتوهم البعض أن أذى الله تعالى لإذاها إنما هو (بالوساطة) أي أنه لمجرد تأذي رسوله ، لكن هذا الحديث يبدو فيه صورة تحريم أذاها وغضبها أكثر وضوحاً وأجلى بيانا ، حيث نجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشهد بأن الله عز وجل ليغضب لغضبها ويرضى لرضاها هي (صلوات الله عليها) دون وساطة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)
والحق مع من استدل بهذا الحديث على وجوب عصمتها لأنها مصداق لرضا الله تعالى فلا يمكن أن يصدر منها ما يغضبه أو يخالف أوامره عز وجل.
3. أفضليتها على نساء العالمين : وتنقسم الروايات إلى :
القسم الأول : مشاركتها غيرها في هذا الفضل :
• قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : حسبك من نساء العالمين : مريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون. [13]
• قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم ، ومريم ابنة عمران. [14]
• عن عائشة أنها قالت لفاطمة (عليها السلام) : ألا أبشرك ؟ إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت محمد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. [15]
• قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أربع نسوة سيدات سادات عالمهن: مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وأفضلهن عالماً فاطمة. [16]
• عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): سادات نساء أهل الجنة أربع : فاطمة ، ومريم ، وخديجة ، وآسية. [17]
• عن أبي موسى الأشعري عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). [18]
* الملاحظ أن أحاديث هذا القسم اختصت ببيان التفضيل الاجمالي الذي شمل أربع نسوة ، ومن بينهن السيدة فاطمة (عليها السلام)
القسم الثاني: ويتضمن أحاديث انفرادها بالتفضيل والسيادة على جميع النساء: وفيه أبواب:
1. سيادتها على نساء الأمة
• قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة كما كانت مريم بنت عمران سيدة نساء بني اسرائيل. [19]
• قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن فاطمة ابنتي سيدة نساء أمتي. [20]
2. سيادتها على النساء يوم القيامة:
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأصحابه: إن فاطمة وجِعة ، فقال القوم : لو عدناها ، فقام ومشى حتى انتهى إلى الباب ، والباب عليها مصفق ، قال: فنادى: شدي عليك ثيابك فإن القوم جاءوا يعودونك. فقالت: يا نبي الله ما عليّ إلا عباءة ، قال: فأخذ ردائه فرمى به إليها من وراء الباب، فقال: شدي بهذا رأسك ، فدخل ودخل القوم ، فقعد ساعة وخرجوا ، فقال القوم: تالله بنت نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذا الحال ؟ قال: فالتفت فقال: أما إنها سيدة النساء يوم القيامة. [21]
3. إنها سيدة نساء أهل الجنة:
• عن حذيفة بن اليمان قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نزل ملك من السماء فاستأذن الله تعالى أن يسلم عليّ لم ينزل قبلها فبشرني: أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. [22]
• روى سلمان أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) في مرضه الذي توفي فيه : … إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبياً ، ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إليّ أن أزوجك إياه واتخذه ولياً ووزيراً وأن أجعله خليفتي في أمتي ، … ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة فاختارك وولديك . فأنتِ سيدة نساء أهل الجنة ، وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. [23]
4. سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين:
• عن ابن عباس ، … قيل يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران ، أما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. [24]
• يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عادها في مرضها فلما سألها: كيف تجدينك يا بنيه ؟قالت: إني وجِعة ، وإني ليزيدني إني مالي طعام آكله ، قال: يا بنيه أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين فقالت: يا أبتِ فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنتِ سيدة نساء العالمين ، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة. [25]
• روت عائشة وغيرها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يا فاطمة ابشري فإن الله تعالى اصطفال على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام وهو خير دين. [26]
5. خير نساء الأمة:
• عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خير نسائكم فاطمة. [27]
ملحوظات على أحاديث القسم الثاني:
* توجد دلالة واضحة على أفضلية الزهراء (عليها السلام) وسيادتها على جميع النساء سواء اللاتي في عصرها أو في العصور الأخرى.
* مما يعضد أمر تفضيلها المطلق ، هو اختصاصها (سلام الله عليها) بهذه الأحاديث التي تنفرد فيها لوحدها دون مشاركة أي أحد. ويمكن القول أن سيدات النساء الثلاث الأخريات اختصت سيادتهن كل واحدة منهن بعصرها ، كما أوضحته أحاديث القسم الأول.
* يلاحظ أن أحاديث القسم الأول سابقة لأحاديث القسم الثاني بفترة ، والدليل على ذلك ما طرحته الزهراء (عليها السلام) من أسئلة عن سيادة الباقيات لما أعلمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك الملائكة بسيادتها المطلقة دون ذكر السيدات الأخريات معها.
* بعض أحاديث هذا القسم كانت مناسبة إطلاقها في مرض النبي الذي توفي فيه ، وفي هذا دليل أيضاً على تأخر أحاديث القسم الثاني على أحاديث القسم الأول.
* فيما يخص قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باصطفائها على نساء الإسلام وذيّل حديثه قائلاً: (إنه خير دين) ، إنما فيه دليل يضاف لأدلة انفرادها بالأفضلية المطلقة.
1مناقب آل أبي طالب: 3/102 .ابن شهر اشوب
4 الإمامة والسياسة: 1/31 .ابن قتيبة
6 ينابيع المودة: 2/332 .القندوزي
7 سؤالات حمزة: ص280 .الدارقطني
9 دعائم الإسلام: 2/214 .القاضي المغربي
10 السيرة النبوية: 3/146-147 .ابن هشام
11 الروض الآنف: 6/228 .السهيلي
12 المعجم الكبير: 1/108 .الطبراني
16 تاريخ دمشق: 70/108 .ابن عساكر
17 نظم درر السمطين: ص178 .الزرندي
18 مجمع البيان: 10/65 .الطبرسي
19 ينابيع المودة: 2/322 .القندوزي
20 كشف اليقين: ص305 .العلامة الحلي
21 حلية الأولياء: 2/42 .ابو نعيم
24 بحار الأنوار: 43/24 .المجلسي
25 سير أعلام النبلاء: 2/126 .الذهبي