في ذكر آياتها وهي في بطن أمّها
وفيه : حديثان
244 / 1 ـ عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا تزوجت خديجة بنت خويلد ، رسول الله (ص) هجرها نسوان مكّة ، وكنّ لا يكلمنها ، ولا يدخلن عليها ، فلمّا حملت (1) بالزهراء فاطمة عليها السلام كانت إذا خرج رسول الله (ص) من منزلها تكلمها فاطمة الزهراء في بطنها من ظلمة الأحشاء ، وتحدّثها وتؤانسها ، فدخل رسول الله (ص) فقال لها : « يا خديجة من تكلمين ؟ » قالت : يا رسول الله ، إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلّمني ، وحدّثني من ظلمة الأحشاء .
فتبسّم رسول الله (ص) ثمّ قال : « يا خديجة ، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني أنّها ابنتي ، وأنّها النسمة الطاهرة المطهّرة ، وأنّ الله تعالى أمرني أن أسمّيها (فاطمة) وسيجعل الله تعالى من ذرّيتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون » .
ففرحت خديجة بذلك ، فلمّا أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلى نسوان مكّة أن : يتفضلن ويحضرن ولادتي ليلين منّي ما تلي النساء من النساء ، فأرسلن إليها : يا خديجة ، أنت عصيتنا ولم تقبلي منّا قولنا ، وتزوجت فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء إليك ، ولا نلي منك ما تلي النساء من النساء .
فاغتمّت خديجة رضي الله عنها غمّاً شديداً ، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنّهن من نسوة قريش ، فقالت إحداهن : يا خديجة ، لا تحزني فأنا آسية بنت مزاحم ، وهذه صفيّة (2) بنت شعيب وفي رواية أخرى : كلثم بنت عمران أخت موسى عليه السلام ـ وهذه سارة زوجة إبراهيم عليه السلام ، وهذه مريم بنت عمران عليه السلام ؛ وقد بعثنا الله تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء . وجلسن حولها ، ووضعت الزهراء فاطمة عليها السلام طاهرة ومطهرة .
245 / 2 ـ قال ابن عبّاس : لمّا سقطت فاطمة الزهراء إلى الأرض أزهرت الأرض ، وأشرقت الفلوات ، وأنارت الجبال والربوات ، وهبطت الملائكة إلى الأرض ونشرت أجنحتها في المشرق والمغرب ، وضربت عليها سرادقات وحجب البهاء ، وكنفتها بأظلة السماء ، وغشي أهل مكّة ما غشيهم من النور ، ودخل رسول الله (ص) إلى خديجة وقال : « يا خديجة ، لا تحزني ، إن كان قد هجرك نسوان مكّة ولن يدخلن عليك ، فلينزلن عندك اليوم نسوان بهجات عطرات غنجات ، ينقدح في أعلاهن نور يستقبل استقبالًا ويلتهب التهاباً ، وتفوح منهن رائحة تسرّ أهل مكّة جميعاً » فسلمت الجواري فأحسن وحيين فأبلغن ـ في حديث طويل ـ حتّى وليت كلّ واحدة من حملها وغسلها ـ في الطشت الذي كان معهن ـ ونشفنها بالمنديل وتخليقها وتقميطها (1) ، فلمّا فرغن عرجن إلى السماء مثنيات عليها .
وفي رواية أخرى أنّ المرأة التي بين يدي خديجة غسّلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن ، وأطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفّتها بواحدة ، وقنعتها بالثانية (2) ، ثمّ استنطقتها فنطقت عليها السلام بالشهادة ، فقالت : « أشهد أن لا إلٰه إلَّا الله ، وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول الله ، وأنّ علياً سيّد الأوصياء ، وولدي سادة الأسباط » ثمّ سلّمت عليهن وسمّت كلّ واحدة منهن باسمها ، وأقبلن فضحكن إليها .
وتباشرت الحور العين ، وبشّر أهل السماوات بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك ، وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة ، مطهرة ، زكية ميمونة ، بورك لك فيها ، وفي نسلها .
فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرّ عليها ، وكانت عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر ، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة .
الهوامش
1. أمالي الصدوق : 475 ، المناقب لابن شهراشوب 3 : 340 ، روضة الواعظين : 143 ، كلها مع اختلاف فيه ، الخرائج والجرائح 2 : 524 / 1 ، دلائل الإِمامة : 8 ، ينابيع المودة : 198 ، ملحقات احقاق الحق 19 : 4 ، معالم الزلفى : 390 نحوه .
(1) في م : حبلت .
(2) في ك : صفوراً .
2. أمالي الصدوق : 475 / 1 ، روضة الواعظين : 144 . دلائل الامامة : 8 ، مناقب ابن شهراشوب 3 : 340 (نحوه وفيه عن الصادق عليه السلام) . العدد القوية : 222 / 15 ، غاية المرام : 177 / 53 ، معالم الزلفى : 391 ، ملحقات احقاق الحق 19 : 4 ، ينابيع المودة : 198 .
(1) في ك ، م : وتقميصها .
(2) في ر : بأخرى .مقتبس من كتاب : [ الثاقب في المناقب ] / الصفحة : 285 ـ 287