فاطمة عليها السلام في القرآن
كثيرة هي الآيات التي تحدّثت عن قدسيّة الزهراء (ع) ومكانتها السامية سنختار هنا بعضا منها.
الآية الأولى :
قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ سورة الأحزاب : آية ٣٣].
تشمل هذه الآية المباركة فيمن تشمل السيّدة فاطمة الزهراء (ع) بل هي محور الآية وأساسها .. لأنّها نزلت في أهل بيت النبوّة ، ولنا حديث مع أولئك الذين حاولوا إدخال البعض من غير أهل البيت في نطاق الآية ، وما يهمّنا الآن هو أنّ الزهراء معنية بهذا الخطاب الإلهي .. ولقد فصلت السنة في سبب نزول الآية وفيمن جاءت.
لقد أورد مسلم في صحيحه أنّ الآية محلّ النقاش نزلت في خمسة : النبي ـ صلّى عليه وآله وسلّم ـ وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) وذلك في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل البيت وهو الحديث المعروف بحديث الكساء كما أنه اشتهر عند أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأهل العباءة أو الكساء وهذا من المتسالم عليه بين كل المسلمين خصوصاً في مجتمعنا السوداني. وسنزيدك من المصادر التي تؤكد أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليا وفاطمة والحسنين هم المقصودون بالآية في البحوث القادمة إن شاء الله ولكن دعنا الآن نتدبّر الآية ، ومن خلالها نتعرّف على شخصيّة فاطمة (ع).
إن المتأمّل في كلمات الآية يتوصل إلى أن المخاطبين بهذه الآية ، وفاطمة أحدهم مطهرون معصومون من كل رجس ، وتقريب ذلك تصدير الآية بأقوى أدوات الحصر على الاطلاق ( إِنَّمَا ) ممّا يعني أنّ هذا الأمر خاص بجماعة معينة محدّدة لا يتعدّاهم إلى غيرهم ، ثمّ يأتي البحث عن الإرادة الإلهيّة التي ذكرت في الآية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ … ) هي إرادة المولى عزّ وجلّ ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) فلا يمكن بحال تخلف إرادته تعالى.
أمّا الرجس في اللغة فمعناه كلّ ما يلوث الإنسان سواء كان لوثاً ظاهرياً أو باطنياً والذي يعبر عنه بالإثم .. والرجس في هذه الآية هو اللوث والنجاسة الباطنيّة لأنّ الابتعاد والطهارة من النجاسة الظاهريّة وظيفة دينيّة عامّة لجميع المسلمين وذلك لشمول التكليف للجميع ولا خصوص لأهل البيت حتّى ترد هذه الآية بحصرها وتوكيدها لنفي الرجس الظاهري عن أهل البيت. إنّما جاءت لبيان فضيلة لهم خصهم بها الله سبحانه وتعالى وأخبر عنها في كتابه العزيز.
ثمّ يأتي التأكيد ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) إن النظرة العميقة للآية تجعلنا لا نشكّ لحظة واحدة في عصمة أهل البيت الذين ذكروا فيها ومنهم فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فهي معصومة مطهّرة من كلّ رجس ظاهراً وباطنا وسيأتيك التأكيد على ذلك.
الآية الثانية :
قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) [ سورة الشورى : آية ٢٣ ]. لقد جعل الله سبحانه وتعالى أجر الرسالة مودّة أهل البيت ومنهم فاطمة الزهراء ، فالآية نزلت في قربى الرسول وهم علي وفاطمة والحسن والحسين كما نقل ذلك أعلام الحديث والتفسير مثل الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج ٢ ص ١٣٠ والحاكم النيسابوري في المستدرك (۱).
إنّها العظمة والرفعة .. لقد وزن الله تعالى الرسالة المهيمنة على كلّ الرسالات بمودّة القربى .. لقد استحقّت فاطمة هذا الوسام الإلهي بجدارة ويكفينا لتأكيد ذلك تسطيرها ضمن آيات الذكر الحكيم .. إنّه رصيد يضاف لمناقب الزهراء وفضائلها وإلى المزيد.
الآية الثالثة :
قوله تعالى ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) [ سورة آل عمران : آية ٦١].
لم يختلف المسلمون أن هذه الآية أيضاً من مختصّات أهل البيت فهي نزلت يوم مباهلة نصارى نجران وقد أمر الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يأخذ معه عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (ع). فكانت هذه الآية وذلك ممّا ذكره مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب (۲). وهكذا مثلت فاطمة كلّ نساء الأمّة وكانت المباهلة بمثابة تثبيت للرسالة ، ولأهميّة الحديث وعظمته في مسيرة الإسلام كان المباهل بهم مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هم علي وفاطمة وابناهما .. مع أنّ الآية ذكرت نساءنا بصيغة الجمع إلّا أن التمثيل المقدّس كانت فاطمة فقط دون غيرها من النساء ولا حتّى نساء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فتأمّل عزيزي القارئ وانطلق بعقلك لتدرك مكانة الزهراء وعظمتها وما أظنّك بقادر.
آيات أخرى :
يقول تعالى ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) إلى قوله تعالى ( إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) [ سورة الإنسان : آية ٥ ـ ٢٢ ] ، هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين بمناسبة قصّة صيامهم ثلاثة أيّام وتصدّقهم في تلك الأيّام الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير بينما هم في أشدّ الحاجة إلى الطعام لإفطارهم .. ولقد ذكر جمع كبير من المحدّثين والمفسّرين أنّ هذه الآيات نزلت في هؤلاء الأربعة. منهم الزمخشري في كشافه .. وفي تفسيره الفخر الرازي (۳).
إن نزول هذه الآيات في علي وفاطمة والحسنين ينبوع أخر لكرامتهم ومكانتهم عند الله .. إذ أن الخالق جلّ وعلا خاطبهم من عليائه بصيغة الأمر الذي أبرمه وفرغ منه ( فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا … ) إلى آخر الآيات هذه هي حقيقة الزهراء فاطمة وتلك هي مكانتها عند الله.
يطول بنا المقام لسرد كلّ ما جاء عن فاطمة في القرآن ولقد جمع أحد العلماء الآيات التي نزلت في فضل فاطمة وأهل البيت فبلغت « ٢٥٨ » آية من الذكر الحكيم.
ومع ذلك لو لم تأت إلّا آية التطهير أو المباهلة لكفى بها موعظة لقوم يؤمنون فهذا قرآن عظيم في كتاب مكنون تنزيل العزيز الحميد.
الهوامش
۱. كما أورد ذلك السيوطي في إحياء الميت والزمخشري في تفسيره الكشاف. والفخر الرازي في تفسيره والسيوطي في الدرّ المنثور والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة والبخاري وغيرها من المصادر.
۲. وجاء ذلك أيضاً في مستدرك الصحيحين للحاكم ومسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ١٥٨.
مقتبس من كتاب : [ بنور فاطمة (ع) اهتديت ] / الصفحة : ٦۹ ـ ۷۳