يوم دارت مع علي عليهما السلام على زعماء الأنصار وأقامت عليهم الحجّة
في كتاب سُليم ص 216 ، من جواب أمير المؤمنين عليه السلام للأشعث بن قيس ، قال : « ثمّ حملتُ فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين ، فلم أدَع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلّا ناشدتهم الله في حقّي ودعوتهم إلى نصرتي. فلم يستجب لي من جميع الناس إلّا أربعة رهط : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به ، فقلت كما قال هارون لأخيه : ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ! فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حجّة قويّة … الخ. ».
وفي الإختصاص ص 183 ، من حديث فدك : « ثمّ خرجَتْ وحَمَلها عليٌّ على أتان عليه كساء له خمل ، فدار بها ـ أربعين صباحاً ـ في بيوت المهاجرين والأنصار والحسن والحسين معها وهي تقول : يا معشر المهاجرين والأنصار أنصروا الله فإنّي ابنة نبيّكم ، وقد بايعتم رسول الله يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريّته ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، ففوا لرسول الله ببيعتكم ! قال : فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها ! قال : فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت : يا معاذ بن جبل إنّي قد جئتك مستنصرة وقد بايعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على أن تنصره وذريّته وتمنعه ممّا تمنع منه نفسك وذريّتك ، وأنّ أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها ! قال : فمعي غيري ؟ قالت : لا ، ما أجابني أحد. قال : فأين أبلغ أنا من نصرتك ؟ قال : فخرجت من عنده ودخل ابنه فقال : ما جاء بابنة محمّد إليك ؟ قال : جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنّه أخذ منها فدكاً ، قال : فما أجبتها به ؟ قال قلت : وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي ؟ قال : فأبيتَ أن تنصرها ! قال : نعم ، قال : فأيُّ شيء قالت لك ؟ قال : قالت لي : والله لاُنازعنّك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله ، قال فقال : أنا والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله إذ لم تجب ابنة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ! قال وخرجت فاطمة من عنده وهي تقول : والله لا أكلّمك كلمة حتّى اجتمع أنا وأنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ انصرفت » !
أقول : قولها عليها السلام لا نازعتك الفصيح من رأسي : معناه لا كلّمتك كلّ عمري.
ولعلّ معاذاً كان يراجع حسابه في خذلانه لأهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذه الرواية التي روتها مصادرهم وصحّحوها ، وهي أنّ عمر رآه عند قبر النبي يبكي فقال له : « ما يبكيك يا معاذ ؟ قال : يبكيني شيء سمعته من صاحب هذا القبر ! قال : وما سمعته ؟ قال : سمعته يقول : إن اليسير من الرياء شرك ، وإن من عادى ولي الله فقد بارز الله تعالى بالمحاربة ، وإنّ الله يحبّ الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يعدوا ولم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجون من كلّ غبراء مظلمة ». [ الحاكم : 4 / 328 ، وصححه ، والكبير للطبراني : 20 / 154 ، ومسند الشهاب : 2 / 148 ، و 252 ].
وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 29 : « وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله (ص) على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله (ص) في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟! فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ».
وفي الخصال للصدوق ص 173 : « قالت سيّدة النسوان فاطمة عليها السلام لما مُنعت فدك وخاطبت الأنصار فقالوا : يا بنت محمّد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحداً ، فقالت : وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً » !