مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
إجراء جديد لمنع مجلس فاطمة عليها السلام
+ = -

إجراء جديد لمنع مجلس فاطمة عليها السلام

رغم كلّ هذه الإجراءات ، بقي مجلس فاطمة الزهراء عليها السلام مصدر قلق للحكومة الجديدة ، فعملت لمنعه بحديث روته عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ينهى عن أصل البكاء على الميّت ، لأنّ الله يعذّبه ببكاء أهله عليه ! قال البخاري : 2 / 85 : « وإن الميّت يعذب ببكاء أهله عليه. وكان عمر يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي بالتراب » !

لكنّ حديث عمر وتشدّده في تطبيقه لم ينفع في إيقاف مجالس فاطمة الزهراء عليها السلام ! خاصّة أنّ نساء الأنصار كنَّ ينحن في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فلم ينههنَّ بل أقمنَ مجلس نياحة على حمزة عند باب المسجد يعزين بذلك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في عمّه حمزة رحمه الله ! فقد روى أحمد في مسنده : 2 / 40 ، عن ابن عمر أنّ رسول الله لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهنّ ، قال فقال رسول الله (ص) : ولكن حمزة لا بواكي له ! قال ثمّ نام فاستنبه وهنَّ يبكين ، قال : فهنَّ اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة ». انتهى.

وفي مسند ابن راهويه : 2 / 599 : « فقال رسول الله (ص) : لكن حمزة لا بواكي له ! قال فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة ، فجعلت عائشة تبكي معهن ، فنام رسول الله (ص) فاستيقظ عند المغرب ، فصلّى المغرب ثمّ نام ونحن نبكي ، فاستيقظ رسول الله (ص) العشاء الآخرة فصلّى العشاء ، ثمّ نام ونحن نبكي ، فاستيقظ رسول الله ونحن نبكي ، فقال : ألا أراهن يبكين حتى الآن ؟ مروهن فليرجعن ، ثم دعا لهنَّ ولأزواجهن ولأولادهن ». انتهى.

لكن رواة السلطة حرفوا هذا الحديث ووضعوا فيه أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عاملَ نساء الأنصار بفظاظة وسوء خلق ! مع أنهنَّ جئن من أجله ، وأقمن مجلس النياحة على عمّه أمام باب داره ومسجده ! ففي مسند أحمد : 2 / 84 ، عن عبد الله بن عمر أيضاً ! « أنّ رسول الله (ص) لمّا رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ فقال : لكن حمزة لا بواكي له ، فبلغ ذلك نساء الأنصار فجئن يبكين على حمزة ، قال فانتبه رسول الله (ص) من الليل فسمعهن وهن يبكين فقال : ويحهنّ لم يزلن يبكين بعد منذ الليلة ؟! مروهنّ فليرجعن ولا يبكينّ على هالك بعد اليوم » ! انتهى.

ولا يمكن لعاقل أن يقبل أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم خرَّب مجلسهنّ أو أنهاه بهذه الفظاظة ، فوبخهنَّ على تطويل النياحة ، ثمّ نهاهنّ عن البكاء على أي ميّت !!

والخلاصة ، أنّ هذا الحديث العُمري لم ينفع في منع مجلس فاطمة عليها السلام ، لكن يبدو أنّها نقلته بعد المسجد إلى دارها !

وربّما كان مجلسها في الفترة الأولى لوفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم صباحاً ومساءاً ، وبعد انتهاء المجالس في أحياء الأنصار ، كان هو المجلس الوحيد الذي تقصده نساء الأنصار وبعض نساء المهاجرين ، وربّما بعض نساء الطلقاء !

هنا يأتي دور ما ذكرته مصادرنا من أن « بعض أهل المدينة » شَكوْا من استمرار مجالس فاطمة عليها السلام ليلاً ونهاراً ! قال الإمام الصادق عليه السلام : « البكاؤون خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمّد ، وعلي بن الحسين عليهم السلام.

فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خديه أمثال الأودية !

وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتّى ذهب بصره ، وحتّى قيل له : تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ.

وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهل السجن فقالوا له : إمّا أن تبكي الليل وتسكت بالنهار ، وإمّا أن تبكي النهار وتسكت بالليل ، فصالحهم على واحد منهما.

وأمّا فاطمة فبكت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى تأذّى بها أهل المدينة فقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف.

وأمّا علي بن الحسين فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة ما وضع بين يديه طعام إلّا بكى حتّى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك عبرة ». انتهى. [ الخصال للصدوق ص 272 ورواه أيضاً في الأمالي ص 204 ، والنيسابوري في روضة الواعظين ص 451 ، وابن شهراشوب في المناقب : 3 / 104 ].

وقال المجلسي في بحار الأنوار : 43 / 177 : « واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين فقالوا له : يا أبا الحسن إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار فلا أحد منّا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا ، وإنّا نخبرك أن تسألها إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً ، فقال : حباً وكرامة ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتّى دخل على فاطمة وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء ، فلمّا رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها : يا بنت رسول الله إنّ شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً. فقالت : يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً ، أو ألحق بأبي رسول الله ! فقال لها علي : إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك. ثمّ إنّه بني لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمّى بيت الأحزان ، وكانت إذا أصبحت عليها السلام قدّمت الحسن والحسين أمامها ، وخرجت إلى البقيع باكية ، فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها » !

أقول : ينبغي الإلفات إلى أن تأذّي بعض أهل المدينة أو جماعة السلطة ، لا يمكن أن يكون من مجرّد بكاء فاطمة عليها السلام وذويها في بيتها أو في البقيع ، بل من مجلسها الذي كان يحضره نساء الأنصار فيأخذ قسماً من النهار وجزءاً من الليل ، وتندب فيه النادبات ، ويقرأنَ فيه القرآن والشعر ، وربّما تحدّثت فيه فاطمة ! ثمّ تنعكس أخباره وأجواؤه على مدينة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وحكومتها الجديدة !