مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
مودّة الزهراء (عليها السلام) أجر الرسالة م مؤسسة السبطين
+ = -

وروى جابر (رضي الله عنه) أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد! أعرض عليّ الإسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه أجراً ؟ قال: لا إلاّ المودّة في القُربى، قال: قُرباي أو قرباك ؟ قال: قرباي، قال: هاتِ اُبايعك، فعلى مَن لا يحبّك ولا يحبّ قرباك لعنة الله،قال: آمين(1). وفسّر مجاهد هذه المودّة بالاتّباع والتصديق لرسول الله وصلة رحمه، وفسّرها ابن عباس بحفظه في قرابته(2).

وذكر الزمخشري أنّ هذه الآية لمّا نزلت قيل: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قال: عليٌّ وفاطمة وابناهما(3).
الزهراء (عليها السلام) في آية المباهلة :
أجمع أهل القبلة حتى الخوارج منهم على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يَدْعُ للمباهلة من النساء سوى بضعته الزهراء ومن الأبناء سوى سبطيه وريحانتيه الحسن والحسين (عليهما السلام) ومن الأنفس إلاّ أخاه عليّاً (عليه السلام) الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، فهؤلاء أصحاب هذه الآية بحكم الضرورة التي لا يمكن جحودها لم يشاركهم فيها أحد من العالمين، كما هو بديهيّ لكل من ألمّ بتاريخ المسلمين، وبهم خاصّة نزلت لا بسواهم(4).
لقد باهل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهم خصومه من أهل نجران فانتصر عليهم ، واُمّهاتُ المؤمنين كنّ حينئذ في حجراته (صلى الله عليه وآله) فلم يدعُ واحدةً منهنّ، ولم يدع صفيّة وهي شقيقة أبيه، ولا اُمّ هاني وهي كريمة عمّه، ولا واحدةً من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم من المهاجرين والأنصار.
كما أ نّه لم يدعُ مع سيديّ شباب أهل الجنة أحداً من أبناء الهاشميين ولا أحداً من أبناء الصحابة، وكذلك لم يدع مع عليّ أحداً من عشيرته الأقربين ولا واحداً من السابقين الأوّلين، وإنّما خرج وعليه مرط من شعر أسود ـ كما يقول الرازي في تفسيره ـ وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ الى يوم القيامة(5).
قال الرازي بعد نقل هذا الحدث: هذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين  (عليهما السلام) كانا ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وَعَدَ أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين (عليهما السلام) فوجب أن يكونا ابنيه(6).
الزهراء (عليها السلام) عند سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله)
«إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها»(7).
«فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن أحبّها فقد أحبّني»(8).
«فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيَّ»(9).
«فاطمة سيّدة نساء العالمين»(10).
لقد تواترت هذه الشهادات وأمثالها في كتب الحديث والسيرة(11) عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى(12) ولا يتأثّر بنسب أو سبب، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
إنّ الرسول الذي ذاب في دعوته وكان للناس فيه اُسوة فأصبحت خفقات قلبه ونظرات عينه ولمسات يده وخطوات سعيه وإشعاعات فكره: قوله وفعله وتقريره (أي: سنّته) بل وجوده كلّه مَعْلَماً من معالم الدين ومصدراً للتشريع ومصباحاً للهداية وسبيلاً للنجاة.
«إنّها أوسمة من خاتم الرسل على صدر فاطمة الزهراء(عليها السلام)، تزداد تألقاً كلّما مرّ الزمن، وكلّما تطوّرت المجتمعات، وكلّما لاحظنا المبدأ الأساس في الإسلام في كلامه(صلى الله عليه وآله) لها: يا فاطمة اعملي لنفسك فإنّي لا أغني عنكِ من الله شيئاً»(13).
وقال (صلى الله عليه وآله): «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد»(14).
وقال (صلى الله عليه وآله): «إنّما فاطمة شجنة منّي، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها(15)وإنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري …»(16).
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبيّ، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»(17).
وقال (صلى الله عليه وآله): «فاطمة أعزّ البريّة عليّ»(18).
ولا يصعب علينا تفسير هذه النصوص بعد الإلمام بعصمتها (عليها السلام)، بل هي شاهدة على عصمتها وأنّها لا تغضب إلاّ لله ولا ترضى إلاّ له.
الزهراء (عليها السلام) عند الأئمة والصحابة والمؤرّخين
عن عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): «لم يولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة»(19).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم»(20).
وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «إنّما سُمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها»(21).
وعن ابن عباس: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: «اللهمّ إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبب من أحبّهم وأبغض من أبغضهم ووالِ من والاهم وعادِ من عاداهم، وأعن من أعانهم واجعلهم مطهّرين من كلّ رجس معصومين من كلّ ذنب وأيّدهم بروح القدس منك»(22).
وعن اُمّ سلمة أنّها قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول الله (صلى الله عليه وآله)(23).
وعن عائشة أنّها قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولّدها(24) وكانت إذا دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأخذت بيده وأجلسته في مجلسها، وكان الرسول دائماً يختصّها بسرّه ويرجع اليها في أمره(25).
وعن الحسن البصري أنّه ما كان في هذه الاُمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورّم قدماها(26).
ودخل عبدالله بن حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السنّ، وله وقرة، فرفع مجلسه وأقبل عليه وقضى حوائجه، ثم أخذ عكنة(27) من عكنه فغمزها حتى أوجعه وقال له: اذكرها عند الشفاعة.
فلما خرج لامَهُ أهله وقالوا: فعلت هذا بغلام حديث السن، فقال: إنّ الثقة حدّثني حتى كأنّي أسمعه من في رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّما فاطمة بضعة منّي يسرّني ما يسرّها» وأنا أعلم أنّ فاطمة (عليها السلام) لو كانت حيّة لسرّها ما فعلت بابنها، قالوا: فما معنى غمزك بطنه، وقولك ما قلت؟ قال: إنّه ليس أحد من بني هاشم إلاّ وله شفاعة، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا(28).
قال ابن الصبّاغ المالكي: … وهي بنت من اُنزل عليه (سبحان الذي أسرى)، ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيّدة بإجماع أهل السداد(29).
وقال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني عنها: «من ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول  … كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة(30).
وقال عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي: وأكرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنّونه … حتى خرج بها عن حبّ الآباء للأولاد، فقال لمحضر الخاص والعام مراراً لا مرّة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: «إنّها سيّدة نساء العالمين وإنّها عديلة مريم بنت عمران، وإنّها إذا مرّت في الموقف نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد»، وهذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار المستضعفة ، وكم قال لا مرّة: «يؤذيني ما يؤذيها ويغضبني ما يغضبها، وإنّها بضعة منّي يريبني ما رابها»(31).وقال المؤرّخ المعاصر الدكتور علي حسن ابراهيم: وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة استمدّت كلّ منهما عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر، وهي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش وتتحدّى الرجال، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وإنّما تجارب الدهر المليء بالتقلّبات والمفاجآت، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء وإنّما من صميم النفس …(32).
———————————————————————————
(1) حلية الأولياء : 3 / 201، وتفسير الطبري : 25 / 16 و 17، والدرّ المنثور في تفسير الآية 3 من سورة الشورى، والصواعق المحرقة : 261، واُسد الغابة : 5 / 367.
(2) راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 1 / 307.
(3) راجع الكشاف في تفسير الآية والتفسير الكبير للفخر الرازي والدرّ المنثور للسيوطي وذخائر العقبى: 35، وقد ذكر العلاّمة الأميني خمسة وأربعين مصدراً لنزول الآية في شأن عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فراجع الجزء الثالث من ( الغدير ) .
(4) راجع الكلمة الغرّاء : 181.
(5) قال السيد عبد الحسين شرف الدين : ذكر هذا الحديث المفسّرون والمحدّثون وكلّ من أرّخ حوادث السنة العاشرة للهجرة وهي سنة المباهلة، وراجع كذلك صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، والكشّاف للزمخشري في تفسير الآية 61 من سورة آل عمران.
(6) راجع التفسير الكبير : ذيل تفسير الآية، والصواعق المحرقة : 238، وأسباب النزول للواحدي : 75.
(7) راجع كنز العمّال : 12 / 111، ومستدرك الصحيحين : 3 / 154، وميزان الاعتدال : 1 / 535.
(8) راجع الصواعق المحرقة : 289، الإمامة والسياسة ص31، وكنز العمال : 12 / 111، وخصائص النسائي: 35، وصحيح مسلم : كتاب فضائل الصحابة .
(9) راجع فرائد السمطين : 2 / 66.
(10) المستدرك على الصحيحين : 3 / 170، وأبو نعيم في حلية الأولياء : 2 / 39، والطحاوي في مشكل الآثار  :1  / 48، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 193، والعوالم : 11 / 141 و 146.
(11) راجع كنز العمال : 12 / 97، ومسند أحمد : 6 / 296 و 323، ومستدرك الصحيحين : 3 / 158 ـ 185، وصحيح البخاري كتاب الاستئذان، وصحيح الترمذي 5 / الحديث 3869، وحلية الأولياء : 2 / 42، الاستيعاب  : 2 /  720 و 750.
(12) سورة النجم (53) : 3.
(13) فاطمة الزهراء وتر في غمد: من مقدمة السيد موسى الصدر.
(14) رواه صاحب الفصول المهمة 27، راجع تفسير الوصول : 2 / 159، وشرح ثلاثيات مسند حمد : 2 / 511.
(15) الشجنة: الشعبة من كل شيء، الشجنة كالغصن يكون من الشجرة. راجع مستدرك الحاكم : 3 / 154، وكنز العمال : 12 / 111 الحديث 34240.
(16) راجع مسند أحمد : 4 / 323 و 332، والمستدرك : 3 / 154 و 159.
(17) راجع الفصول المهمة: 144، ورواه في كتاب المختصر عن تفسير الثعلبي: 133.
(18) أمالي الطوسي : مجلس 1 حديث 30 ، والمختصر: 136.
(19) روضة الكافي : ح536.
(20) كشف الغمة : 1 / 463.
(21) بحار الأنوار : 43 / 19 .
(22) بحار الأنوار : 43 / 65 و 24.
(23) كشف الغمة : 1 / 471.
(4) ذخائر العقبى : 54 .
(25) أهل البيت : 144 لتوفيق أبو علم .
(26) بحار الأنوار : 43 / 84 .
(27) وقرة : رزانة وحلم، العكنة: الطي الذي في البطن من السمن (المختار / باب عكن).
(28) الأغاني : 8 / 307، وراجع مقاتل الطالبيين : 124 .
(29) الفصول المهمة : 141 ، طبعة بيروت .
(30) حلية الأولياء : 2 / 39 ، طبعة بيروت .
(31) شرح نهج البلاغة : 9 / 193.
(32) راجع فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 21.

مركز الأبحاث العقائدية