تمر على أمتنا الإسلامية وعلى الإنسانية مناسبة فيها كل الحزن والآسى لدى كل موالي بل لدى كل مسلم وحتى لدى كل إنسان يؤمن بقيم الحق والعدالة إلا وهي ذكرى استشهاد سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي جاءت ثلاث روايات في استشهادها أسموها الموالين وعلماؤنا بالأيام الفاطمية والتي كانت لكل رواية رأي في تاريخ استشهادها ولكن على العموم هي كانت أول من التحقت بأبيها نبينا الأكرم محمد(ص) بعد إن اخبرها بذلك الرسول الأعظم محمد(ص) في لحظاته الأخيرة وهو يوصيها بوصية وذلك أن رسول الله(ص) حين حضرته الوفاة وما حدث في يوم الرزية والتصايح والمشادات بين الناس وما أدعى عليه بأنه يهجر عندما أراد أن يدلهم على طريق الفلاح والنجاح قد وضح الأمور كلها لدى الزهراء(ع)روحي لها الفداء وبعد ذلك دعا نبي الرحمة(ص)بأهله وعياله وأوصاهم بوصاياه،ثم جذب فاطمة(ع) تحت ردائه وأسرّ إليها بأشياء فأخذت تبكي،ثم أسرَّ إليها بشيء ففرحت.ولما سألتها عائشة عن ذلك قالت لها(ع): {ما كنت لأفشي سراً سرني به أبي رسول الله في حياته}وبعد وفاة النبي استحلفتها أن تخبرها بما جرى بينها وبين أبيها عند ذلك قالت:{ أسرَّ إلى في الأول بالمصائب التي ستجري علينا ـ أهل البيت ـ بعد وفاته فتألمت كثيراً،فلما رأى ذلك بشرني بأني سريعة اللحاق به}.(1) ومن هنا كان استشهاد الزهراء روحي لها الفداء قد ولد الكثير من الكلام واللغط والنقاشات والحوارات والتي ترى قسم منهم أن وفاتها كان أمر طبيعي ولم يتم اغتصاب حقها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها وهذا حتى ما صرح البعض من الذين يحسبون على الصف الشيعي وعلماؤها بل يذهب البعض في مغالطة صريحة بأنها ماتت وهي راضية عن الشيخين مع العلم أن الكثير من المصادر تؤشر إلى سبب وفاة فاطمة الزهراء(ع) وأنه تم كسر ضلعها وإحراق دارها وإسقاط جنينها الذي يسمى بالمحسن المهم وفي مقالنا البحثي هذا سوف نتعرض الدلالات المهمة والمضيئة لسيدة نساء العالمين وكيف أنها امتداد للنبوة استشهادها كان مؤمرة دبرت بليل وكيف تم غصب حقها وإحراق دارها وكسر ضلعها وإسقاط محسنها. لم تتحدث الكتب عن يوم شهادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بالتحديد؛ وذلك لاختلاف الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام، ولهذا المتثبت من روايات علماؤنا الشيعة أنه تم تحديدها فبعضها تروي أنها استشهدت أربعين يوماً بعد وفاة أبيها الرسول الأعظم (ص)، والبعض الآخر تؤكد على خمسة وسبعين يوماً بعد رحيل النبي الأكرم (ص)، ومجموعة أخرى من الروايات تتحدث عن شهادتها بعد وفاة أبيها بتسع وخمسين يوماً، وهناك أخبار أخري تشير إلى أنّها فارقت الدنيا بعد ثلاثة أشهر أو ستة أشهر من وفاة النبي محمد (ص). ولهذا تم الاصطلاح بين علماؤنا الشيعة أنه توجد هناك الأيام الفاطمية الأولى والأيام الفاطمية الثانية، وهي: أيام الفاطمية الأولى بناء على ما ورد في بعض كتب السير والتاريخ فقد نقل اليوم الثالث عشر من شهر جمادي الأول هو يوم شهادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وذلك بعد مضي خمس وسبعين يوماً من وفاة أبيها الرسول الأعظم محمد (ص)،(2)فالشيعة يحيون، ويعظمون هذا اليوم والأيام التي تليه أو قبله تحت عنوان الأيام الفاطمية حتى شوهد في بعض المناطق أن هذه الأيام تستمر، وتتصل بأيام العزاء الثاني وهي رواية الثالث من شهر جمادي الثانية. فيقوم الشيعة بإحياء ذكر استشهادها بعقد مجالس العزاء والحزن في الحسينيات والمساجد والبيوت حيث يذكرون سيرتها وفضائلها ومناقبها و…. الأيام الفاطمية الثانية فهناك رواية عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام تتحدث عن شهادة السيدة فاطمة الزهراء في اليوم الثالث من شهر جمادي الثانية،(3)وهذا اليوم أكثر شهرة بين الإيرانيين، ويعود ذلك إلى زعيم ومؤسس الحوزة العليمة في مدينة قم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري حيث قام بإحياء هذا اليوم، ومن ثم تعظيمه كيوم عزاء وحداد.(4) وقد استمرت مراسيم العزاء لفاطمة الزهراء(ع)لتبقى مستمرة وحتى في أيام محرم فالمكانة الرفيعة والمقام السامي لبضعة رسول الله (ص) ودفاعها عن حق الإمام على(عليه السلام)وما عانته بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)جعلت الشيعة تنصب العزاء وتعقد مجالسها إحياء لذكراها عليها السلام. لأنه الجور التي جرت على بضعة نبينا الأكرم محمد(ص)وما تم من غصب حقها وحرق دارها والفجيعة الكبرى باقتياد زوجها أمير المؤمنين وأخي رسول رب العالمين مكبل بعمامته كان أبلغ الأثر لدى الزهراء عليها والمصيبة الأعظم هي كسر ضلعها وحصرها بالباب مما تسبب بإسقاط جنينها المحسن وهي مصائب توالت على الزهراء بعد وفاة أبيها والتي أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر من عبرتها ومن تواتر دمعتها وجاءت من بعد ذلك على قبره وشمت ترابه ودام نحيبها وبكائها إلى أن أغمي عليها وأنشدت هذه الأبيات التالية بعد أن أخذت حفنة من ترابه وشمته: ماذا على المشتم تربةُ أحمد****أن لا يشتم مدى الزمان غواليا قل للمغيب تحت أطباق الثرى****أن كنت تسمع صرختي وندائيا صبت عليَّ مصائب لو أنها****صبت على الأيام صرن لياليا قد كنت ذات حمىً بظل محمدٍ****لا أخشى من ضيمِ وكان حمىً ليا فاليوم أخضع للذليل وأَتقي****ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا فإذا بكت قمريةٌ في ليليها****شجناً على غصنِ بكيت صباحيا فلأجعلنَّ الحزن بعدكَ مؤنسي****ولأجعلنَّ الدمع فيك وشاحيا.(5) وصدقت بضعة نبينا المختار(ص) فيما أنشدته من الشعر وتتوالى الأحداث متسارعة وفيها من العجب والعجاب وهي ابنة نبيكم ليجري عليها ما جرى من وقائع تؤلم كل إنسان حر وهي تبلغ من العمر عند استشهادها الشريف من العمر ثمانية عشر ربيعاً. وبدوري اسأل هل يرضى أو يقبل أحد أن يجري على أخته أو زوجته لمثل ماجرى بنت حبيب الله الرسول محمد(ص)؟ وهي سيدة نساء العالمين والتي قال عنها نبينا الأكرم(ص) في حديثه المسند {فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، من آذاني فقد آذى الله}.(6) ولهذا كل تلك المصائب التي جرت على روح رسول الله التي بين جنبيه كانت المقدمة لانتهاك حرم أهل بيت النبوة من قتل وترويع وسبي وفتك بهم ومن دون أي رحمة أو شفقة أو حياء لنبيهم ورسولهم محمد(ص) وهو الذي قد أورد حديث الثقلين في حق أهل بيت النبوة والذي قال فيهم ومن ضمنهم سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء عن سنن الترمذي عن زيد أيضاً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): {إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما}(7). وهو حديث مسند من قبل كتب أهل السنة والجماعة والذي تجدون المصادر الدالة أسفل المقال والذي قام بعض من وعاظ السلاطين والكتاب النواصب وإرضاء لحكامهم وأمرائهم بتبديل عترتي إلى سنتي وهو حديث ضعيف وحتى رواته غير ثقاة. ولنأتي إلى الحديث حول أن فاطمة هي روح وقلب نبينا الأكرم محمد(ص) تذكرالروايات: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: {من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبيّ، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله}.(8)والتي في الكثير من المصادر الأخرى تذكر أن فاطمة روح وقلب الرسول الأعظم محمد(ص). ليأتي من يقول أن استشهاد الزهراء وما جرى عليها من فواجع هو غير صحيح وأخبار كاذبة وملفقة ولا يستند على ذلك سوى بأدلة واهية وتثير السخرية والمرارة في آن واحد لأن هناك الكثير ممن يصدقونها ويعملون بها وحتى من يعتبرون من طبقة العلماء والمثقفين وهذا باعتقادي المتواضع يرجع إلى مخالفة الحقيقة والتصدي بوجهها وهذه المواجهة موجود منذ قدم التاريخ في مواجهة الحق ومداهنة الباطل والسير معه وما سير الأنبياء إلا خير دليل على ذلك ومحاربتهم وقتلهم لتكون شاهد على أن الحق دوماً يحارب من قبل قوى الشر والباطل ومحاولة إسكاته وخنقه وبأبشع الطرق والوسائل وفي تاريخنا الإسلامي الدلائل واضحة وظاهرة منذ محاربة الرسول الأعظم محمد(ص) في رسالته السماوية ودعوته المحمدية ومن قبل كفار قريش ولتبدأ بأوضح صورها في رزية الخميس وما جرى بها بعد ذلك من انحراف عن الرسالة المحمدية وبدء القتل ومحاربة أهل بيت النبوة والتي جاء في الزيارة المأثورة لزيارة عاشوراء وهي صادرة من اما معصوم وهو الأمام جعفر الصاداق(ع) إذ تقول {لعن اللهم أمة دفعتكم عن مقامك وأزالتكم عن مرتبكم التي رتبكم الله فيها} وتقول الزيارة أيضاً {ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين لقتالكم} وهي تمثل أولى بدايات النكوص عن الرسالة وتحريفها وفق أهواء ومصالح الحكام ومن تبعهم وحرف الرسالة المحمدية. فاللعن ليس لقاتلي الأمام الحسين(ع) بل لكل من مهد لذلك وأراد تبديل المراتب التي رتب بها أهل بيت النبوة مهبط الوحي ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، فبيت النبوة والبيت الفاطمي الذي هو بيت رحمة ونور وهو مهبط الوحي ومختلف الملائكة والذي زغب جبرائيل بقى في هذه البيوت النورانية وهذا ما قاله الأمام زين العابدين(ع) لهشام بن عبد الملك في حادثة معروفة يوم الحج بهذا القول وكاـؤكده هذه الرواية التي نختم بها مقالنا وهي: وروى الحافظ الكنجي الشافعي الذي قتل كسلفه النسائي صاحب السنن في دمشق بتهمة ميله إلى أهل البيت بإسناده عن عبد الله بن عمر، قال: (كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما من زغب جناح جبرائيل عليه السلام). ثم عقب الحافظ الكنجي عليه: (قلت: أخرجه الحافظ الدمشقي في مناقبه).(9) والتي في جزئنا القادم إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية سوف نبحث بالدلائل عن سيرة فاطمة الزهراء(ع)بقضية استشهادها روحي لها الفداء ومن مصادرهم وبالدليل القاطع لأنا لا نتكلم عن هذه الفاجعة إلا وفق الحجة والدليل والبرهان ولكي لا يتهمنا المقابل بأننا نسوق الحوادث بدون أي تثبت أو دلائل وهو ما يفعله الطرف المقابل في أغلب سيرهم وأحاديثهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ صحيح البخاري: 4 / 248 و: 8 / 79. إعلام الورى ص82، الإرشاد ص94. 2 ـ الكليني، الكافي: ج1، ص241، ح5. 3 ـ الطبري، دلائل الإمامة: ص134. 4 ـ عباس رضوي، ص151-154. 5 ـ ذكرى الشيعة: 72، المعتبر 1: 344، منتهى المطلب 1: 466. 6 ـ السنن الكبرى ج 10 باب من قال: لا تجوز شهادة الوالد لولده ص 201/ كنز العمّال ج 13 ص 96/نور الأبصار ص52/ ينابيع المودّة ج 2 ص 322. (علل الشرائع 1/219). 7 ـ سنن الترمذي (ج5 ص329 ط / دار الفكر ـ بيروت). مسند أحمد: ج3 / ص14 ـ 17 ـ ج4 / ص267 ـ 271 ـ ج5 / 182 ـ ج5 / 189. سنن الدارمي ج2 / 432. المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 / 110 ـ ج3 ص148.السنن الكبرى للبيهقي ج2 / 148 ـ ج7 / 20 ـ ج10 / ص114. مجمع الزوائد ج9 / 162 ـ عن أحمد وقال واسناده جيد.المصنف لابن أبي شيبة ج7 / ص418. وغيرهم كثير. أما حديث كتاب الله وسنتي فقد رواه مالك في الموطأ عن ابن عباس والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة. وكلا سنديه لا تقوم بهما حجة كما صرح بذلك المحدث السلفي الالباني. 8 ـ راجع الفصول المهمة: 144، ورواه في كتاب المختصر عن تفسير الثعلبي: 133. الخصائص الفاطمية / للشيخ محمد باقر الكجوري – ج 1 – ص 522 – 523. راجع فرائد السمطين: 2 / 66. صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4، ص 210، ط دار الطباعة. 9 ـ كفاية الطالب: ص 419، واستخرج محقق الكتاب مصادره وذكر منها ما يلي: تاريخ ابن عساكر: ج 4، ص 209. مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 399. أسد الغابة: ج 2، ص 10. مستدرك الصحيحين: ج 3، ص 176. طبقات ابن سعد: ج 8، ص 204.