تحتل “المدافعات عن حقوق الإنسان” موقع الصدارة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وبحسب المادة الأولى من الإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان، فإن المدافع عن حقوق الإنسان هو “أي شخص يعزز حقوق الإنسان والحريات الأساسية” ويدعو إلى نصرة المظلوم والدفاع عن الحق، بغض النظر عن دين المظلوم ومذهبه وعشيرته وقوميته ووطنه.. ويسعى جاهدا لحماية تلك الحقوق والحريات وتطبيقها. وكما أوضحت الممثل الخاص للأمم المتحدة هناء جيالني، فإن ما يميز المدافع هو عمله في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. ومع دخول الألفية الثانية، برزت الأهمية القصوى لحماية المدافعين عن الحقوق والحريات ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
ولكن لم يلتفت أحد – للأسف- أن السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد “ص” كانت أول امرآة مسلمة وقفت ضد انحراف السلطة وظلمها وجبروتها، وتعرضت يوم ذاك إلى أنواع شتى من التهديد والتخويف والاعتداء، لم يطل شخصها وحسب، بل طال زوجها وأبناءها ومحبيها، منذ ذك الوقت حتى الحاضر. وقد سجل التاريخ وقفة السيدة فاطمة الزهراء وخطبتها أمام رجالات السلطة ومغتصبيها وما لحقها من أحداث مزرية مازالت تلقي بضلالها على حياة المسلمين وغير المسلمين.
فمن هي فاطمة الزهراء؟ وما هي منزلتها عند النبي “ص” ؟ ولماذا جعلها الله خير نساء العالمين؟ وما هي الأدوار والمسؤوليات التي قامت بها فاستحقت تلك المنزلة الرفيعة؟ وكيف يمكن أن نقتدي بسيرتها في مجال الدفاع عن حقوقنا وحرياتنا؟.
لم تحظ امرأة، بالرعاية والعناية الإلهية، كما حظيت السيدة فاطمة الزهراء، لا لأنها بنت النبي محمد (ص) المصطفى المرسل من عند الله فقط، بل لأنها قدمت “على قصر عمرها” ما لم تقدمه النساء في تاريخ البشرية جمعاء؛ إذ أدت “عليها السلام” الأدوار والمسؤوليات الملقى على عاتقها بأحسن وجه، فاستحقت أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وليس غريباً أن يؤكد الرسول (ص) على مكانة السيدة فاطمة الزهراء “ع” في أكثر من مكان، وأكثر من موقف؛ كونها تمثل فصلا مشرقا من فصول الكفاح والتضحية والدفاع عن الحق عبر مواقفها الجهادية المختلفة؛ في حياة أبيها الرسول، أو بعد وفاته ورحيله إلى الرفيق الأعلى. فالمتتبع لسيرة السيدة فاطمة الزهراء “ع” يجد أنها مدرسة متكاملة في مختلف أبعاد الحياة؛ حتى أضحت معرفة الإبعاد المتعددة لحقيقية الإسلام مرتبطة بمعرفة فاطمة (ع) لأنها روح الرسالة التي يمثلها النبي “ص” وهي وأولادها من بعدها امتداد للإسلام وقيمه وأخلاقه.
بعد وفاة رسول الله “ص” كانت فاطمة “ع” تعيش مع زوجها الإمام علي أبن أبي طالب “ع” في أعلى مراتب الجهاد من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي والدعوة الإلهية التي أسسها وأرسى دعائمها خاتم الرسل وسيد البشر. وذلك عندما رأت “ع” الانحراف العريض الذي أصاب الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول الأعظم “ص” لتّربع بعض الذين لم يكونوا يمتلكون مؤهلات القيادة على منصة الحكم، وعندما شاهدت الحق يتزحزح عن محله لكي يحتل مكانه الباطل –بكل عنف وديكتاتورية- فإنها كافحت وناضلت ضد الباطل والأهواء المنحرفة، وطالبت بتحكيم دستور الإسلام وتطبيق نصوص القرآن لاختيار المواقف السياسية ولتقرير مصير الأمة الإسلامية.
قدمت السيدة الزهراء نموذجا حول أهمية دور الإنسان في مجال الإصلاح والمطالبة ومقاومة المعتدين، وحول قدرة المرأة على هز عروش الظالمين، وصناعة جيل يتصف بالوعي ويعشق الحرية، ويؤمن بالتغيير ومقاومة التحديات والظالمين، ويرفض الذل والهوان والتخلف والاستسلام،.. فبعد وفاة الرسول الأعظم محمد طالبت ابنته السيدة فاطمة الزهراء بحقوقها وحقوق زوجها وحقوق أبناء الأمة، وعندما رأت الشدة والممانعة رفعت عاليا راية المعارضة؛ فكانت أول امرأة في الإسلام ترفع راية المعارضة بوجه حاكم إسلامي..
لم تسكت الزهراء عن الظالمين والمنحرفين والفاسدين والمتاجرين بالدين والمتسلطين على رقاب الأمة في زمنها. وأدركت “ع” أن مسيرة الانحراف في الأمة هي كمسيرة الانحراف عند الفرد، ما إن تبدأ بخطوة حتى تتلاحق بقية الخطوات، وهي كالفتن ما إن تلوح في الأفق، حتى تتكاثر ويعضد بعضها بعضا. وكذا التخاذل عن نصرة المظلوم وإحقاق الحق؛ فأنها “النصرة” تبدأ ضعيفة ثم تتسع وتكبر وهي تحتاج إلى صوت مدوي يصدح بالحق ويذود عنه. خصوصا إذا كان هذا الظلم قد وقع على أهل البيت “ع” فالظلم يزادا قبحا ويشتد حرمة كلما ازداد المظلوم عظمة ومكانة ومنزلة.
كشفت السيدة فاطمة الزهراء القناع عن الحقيقة، وأثبتت للجميع ممن إرتابهم الشك أو أسكتتهم سطوة الجبارين، أن أمر الخلافة مع علي أبن أبي طالب عبر المطالبة بحقه، وفضح الغاصبين إلى يوم القيامة، ورسم المقاييس لمعرفة الحق عن الباطل وتربية الأمة على التصدي للجور وعدم السكوت عن الحق والتضحية بكل غال ونفيس في سبيل ذلك. فقد قال رسول الله “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”.
إن مشروعية مقاومة الظلم في نظر السيدة فاطمة الزهراء “ع” مبررة دينا وعقلا وذلك لاعتبارات منها: حفظ الكرامة الإنسانية، فالإنسان خلق مكرما ولا يصح إذلاله. قال تعالى “ولقد كرمنا بني آدم” فالعدوان عليه وظلمه انتهاك لكرامته التي خصه الله بها ومقاومة الظلم فيها صون للكرامة الإنسانية. وأن مقاومة الظلم هي بسط العدل، والظلم نقيض العدل وكل ما يحقق العدل ويدفع الظلم فهو مشروع. قال تعالى” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا” ومن أهم عوامل استقرار المجتمع وتماسكه بسط السلام ولن يكون هنالك سلام إذا انتشر الظلم فمقاومة الظلم لبسط السلام مقصد من مقاصد الإسلام الشرعية. كما أن الإسلام يرفض الاستكانة والخنوع. قال تعالى “إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها”.
ترى السيدة فاطمة “ع” أن الله لا يرضى للناس جميعا، فضلا عن المؤمن أن يكون ذليلاً، بل لا يحق له أن يقبل بواقع الظلم والإذلال