خصائص السيدة الزهراء(ع) ./ السيد مرتضى الكشميري
انها هي الانسانة الوحيدة في دنيا الوجود التي امتلكت هذه السمات البارزة منذ عالم الاشباح وحتى عالم الدنيا، مستندا في طرحه على الروايات الواردة والمعتبرة عن ائمة اهل البيت (ع) ومن طريق الفريقين وسنذكر بعضا من تلك.
الخصائص :
الخصوصية الاولى: ما اشار اليه العباس بن عبد المطلب بسنده عن سلمان، انه قال لرسول الله (ص) لماذا فضل علي علينا اهل البيت والمعدن واحد؟ فقال النبيّ (ص): إنّ الله خلقني وعليّاً إذ لا سماء ولا أرض، ولا جنّة ولا نار، ولا لوح، ولا قلم، فلمّا أراد الله بدء خلقنا تكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثمّ تكلّم باُخرى فكانت روحاً، فمزج بينهما فاعتدلا فخلقني وعليّاً. ثمّ فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش. وفتق من نور عليٍّ نور السماوات، فعليّ أجلّ من السماوات. وفتق من نور الحسن نور الشمس، فالحسن أجلّ من الشمس. وفتق من نور الحسين نور القمر، فالحسين أجلّ من القمر.
وكانت الملائكة تقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله. فلمّا أراد الله سبحانه أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظُلمة، فكانوا لا يرون أوّلهم من آخرهم، فضجّوا بالدعاء قائلين: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل هذا، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة.
فخلق الله نور فاطمة كالقنديل وعلّقه بالعرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، فمن أجل هذا سُمِّيت بالزهراء، وأوحى سبحانه وتعالى إلى الملائكة: إنّي جاعل ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وبعلها وبنيها.
فقام العبّاس من عند رسول الله فرحاً بما أبداه النبيّ (ص) من فضل ابن أخيه أميرالمؤمنين وسيّد الوصيّين، وفضل سيّدَي شباب أهل الجنّة واُمّهما العذراء البتول سيّدة نساء العالمين، ولقي عليّاً (ع) فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه.
وبهذا المعنى جاء في الزيارة (الجامعة) المعتبرة الواردة عن الامام الهادي (ع) هذا النص المبارك (خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين).
وقد روى كل من الخوارزمي والكنجي والعسقلاني وغيرهم عن رسول الله (ص) ان قال: (لما اسري بي الى السماء رايت على باب الجنّة مكتوباً بالذهب : لا اله إلاّ الله محمد حبيب الله علي ولي الله فاطمة أمَة الله الحسن والحسين صفوة الله ….).
ولهذا وغيره نرى في الاثار المستفيضة بين الفريقين من فعل النبي (ص) مع ابنته دون سائر اخواتها، من الاكثار في تقبيل وجهها ويديها حتى انكر عليه بعض اوزاجه، فقال ردا عليها (وما يمنعني من ذلك وانا اشم منها رائحة الجنة وهي الحوراء الانسية) وكان يقوم لها إن دخلت عليه معظّما ومبجلا لها، واذا سافر كان اخر عهده بأنسان من اهله ابنته فاطمة، واذا رجع من السفر فأول ما يبتدء بها.
وروى الاربلي في كشف الغمة عن مسند احمد قوله (ص) وقد اخذ بيد الحسنين (من احبني وهذهين واباهما وامهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
وذكر الحاكم في مستدركه وغيره وقوفه (ص) عند الفجر على باب فاطمة ستة اشهر بعد نزول اية التطهير يؤذنهم للصلاة ثم يقول ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) .
وجاء في الرياض النظرة قوله (ص) لفاطمة (يا بنية من صلى عليك غفر الله له والحقه بي حيث كنت في الجنة).
وذكر ابن حجر العسقلاني في الصواعق المحرقة قوله (ص) (انا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم) .
وجاء في صحيح مسلم والخصائص للنسائي وصحيح البخاري قوله (ص) (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما اذاها ويريبني ما رابها، ان فاطمة بضعة مني يغضبني من اغضبها). الى غير ذلك من الكلمات الذهبية التي تنم عما حباها المهيمن جل شأنه من الطاف ومزايا اختصت بها دون البشر وكيف لا تكون كذلك وقد اشتقت من النور الالهي الاقدس. وقد ذكر السيد المقرّم في كتابه (وفاة الصديقة الزهراء(ع)) ما نصه:
ولقد علمنا من مقام النبوة ومما ورد في نصوص السنة النبوية والعلوية ان النبي (ص) لم يحاب احدا لمحض العاطفة او واشجة القربى، فما يلفظه من قول او ينوء به من عمل ولا سيما في امثال المقام لا يكون الا عن حقيقة راهنة، لا كمن يحدوه الى الاطراء الميول والشهوات، فما صدر منه (ص) من خصائص الصديقة لا يكون الا وحي يحاول ان يرفع مستواها عن مستوى البشر اجمع، فالرسول الاعظم (ص) لم يصدع الا بحقائق راهنة جعلتها يد المشيئة حيث اجرت عليها سيل الفضل الربوبي، فكونتها على مثال العظمة وافرغتها في بودقة القداسة.
الخصوصية الثانية: انعقاد نطفتها من طعام الجنة. وبهذا جاء الحديث عن الامام الصادق (ع) بأن رسول الله (ص) كان جالسا بالابطح مع جماعة من قومه وذلك في شعبان، فهبط عليه الامين جبرائيل يقرؤه من الله السلام وامره ان يعتزل خديجة اربعين صباحا، فبعث (ص) عمار بن ياسر اليها يعلمها امر ربه وانه لا بد من انفاذه ولا يكون الا خيرا، وبشرها بأن الله تعالى يباهي بها كرام ملائكته، وبعد انتهاء المدة امره جبرائيل ان يأتي منزل خديجة لان الله سبحانه وتعالى آل على نفسه ان يخلق من صلبه في تلك الليلة ذرية طيبة، فقام النبي (ص) من وقته الى منزل خديجة ممتثلا امر رب العاملين فحملت خديجة بفاطمة الزهراء (ع).
الخصوصية الثالثة: انها (ع) تلقّب بالمحدِّثة والمحدَّثة ، فسبب تلقيبها بالمحدِّثة لانها كانت تلقي على امها (وهي حمل) احاديث التسلية والصبر على ما قاسته من كوارث ومحن يوم تزوجت من رسول الله (ص)، وكانت خديجة تكتم ذلك، وفي بعض الايام سمعها (ص) تحدث وليس في البيت احد، فقال: يا خديجة لمن تحدثين ، قالت الجنين في بطني يحدثني، فبشرها عن جبرئيل بأنها انثى ومنها الائمة الاطهار (ع) خلفاء الله في ارضه عند انقضاء وحيه، وما برحت خديجة من الصديقة الطاهرة حديثها الى ان ولدتها طاهرة مباركة.
واما سبب تلقيبها بالمحدَّثة فكانت الملائكة بعد وفاة وابيها النبي (ص) تحدثها وتسليها وتصبرها على فقد ابيها (ص).
الخصوصية الرابعة: الشفاعة لشيعنتها ومحبيها يوم المحشر، وان كانت الشفاعة الكبرى هي لرسول الله (ص) لقوله تعالى ((ولسوف يعطيك ربك فترضى)) حتى لا يبقى موحد الا ويطمع بها، وشفاعة الزهراء (ع) فرع عن شفاعة ابيها (ص)، هذا وقد ورد عن الامام ابي جعفر (ع) قال: لفاطمة وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محباً، فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة، وفطمت بين من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق، وأنت لا تخلف الميعاد.
وقال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي. فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم، وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة.
ولنعلم بأن المحبة للزهراء والولاء لاهل البيت (ع) لا يكفيان قلبا مالم يقترنا بالعمل لقوله تعالى ((وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) ولقول امير المؤمنين (ع) (ألا وأن لكل مأموم إمام يقتدي به، ويستضيء بنور علمه ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعِفّة وسَداد) فعلينا بالورع عن محارم الله عز وجل والاجتهاد في طاعته لقول الامام الباقر (ع) (يا جابر !.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!.. فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم ، والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس ، إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء).
الخصوصية الخامسة: تعدد اسمائها والقابرها، فللزهراء (ع) تسعة اسماء وهي:
فاطمة، الزكية، الرضية، المرضية، المحدِثة، المحدَثة، التقية، النقية، الشفيعة … الخ، واهم هذه الاسماء فاطمة لمحبوبية هذا الاسم واهميته عند الائمة (ع)، وقد ورد عن الامام الكاظم (ع) بهذا المعنى (ما افتقر بيت فيه اسم فاطمة)، فعلينا ممن نوالي الزهراء ونحبها ان نسمي ابناءنا وبناتنا باسماء ائمة اهل البيت واسماء الزهراء والقابها (ع) لان في ذلك اشعار بالارتباط بخط اهل البيت ومنهجهم (ع) ، مضافا الى ما اشار اليه الامام الكاظم (ع).
وعن السكوني قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا سكوني ما غمك ؟ فقلت : ولدت لي ابنة ، فقال : يا سكوني على الأرض ثقلها ، وعلى الله رزقها ، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك … فقال : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة . قال : آه آه آه ثم وضع يده على جبهته – إلى أن قال – ثم قال : أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها .
هذا ولو ان المسلمين التزموا بتعاليم القران وطبقوها وساروا على نهج النبي (ص) وسيرة اهل البيت (ع) لما تسلط عليهم الاشرار ، وما حصل وما يحصل من هذه المفارقات في هذا اليوم كل ذلك لأبتعدنا عن منهج اهل البيت (ع) الذين اكد النبي (ص) على الالتزام بالكتاب وبهم بنص حديث الثقلين (ما ان تمسلكتم بهما لم تضلوا ابدا، كتاب الله وعترتي اهل بيتي). ولضيق المقام اكتفينا بما ذكرناه عن ذكر بقية خصائص الزهراء (ع)، وعسانا نوفق في مناسبة اخرى.
هذا واختتم المجلس بمصية الزهراء (ع) وما جرى عليها، فانا لله وانا اليه راجعون، واعظ الله اجوركم واجورنا بمصيبة الصديقة الطاهرة فاطمة (ع)